التوحيد عبادة قلبية تُعتبر من أساسيات الإسلام التي إذا صُلحت صُلحت كل العبادات، والتوحيد درجتان: توحيد الاعتراف وتوحيد الشهود، معاً نرتقى من توحيد الإعتراف إلى توحيد الشهود حتى نصل إلى السعادة الحقيقة من خلال التوحيد الحق على طريق الله وشعارنا "إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِين" .
التوحيد أساس الإسلام، عامود الإسلام هى عبادة قلبية التي إن صحت يستقيم معها كل شئ آخر بينك وبين الله، فالإنسان الذي يوحد الله بشكل صحيح سيكون سعيد. كلنا موحدون بالله عز وجل ولكن نتمنى أن نكون كلنا الشخص الذي قال فيه الله: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم {، الأنفال2
والعلماء يقولون أن التوحيد نوعان:
1- توحيد الإعتراف: كلنا مؤمنين بوجود الله وأنه رب الكون، ولكن حتي المشركين كانوا يعرفون هذه المعلومة، قال تعالى: }وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ{ العنكبوت: 61 – 63. ولكنهم كانوا يعبدون آلهة آخرى، أما المسلمين فلا يعبدون إلا الله.
2- توحيد المعرفة والشهود: فنحن ندخل الإسلام بشهادة أن لا اله الا الله ولكن ليس بقولها فقط، المقصود بالشهود هو الرؤية واليقين والمُعايشة والإحساس بأن لا أرى ولا أتعلق ولا أخاف إلا من خالق الكون عز وجل.
والتوحيد ثلاث درجات:
1- توحيد الرؤية: توحيد رؤية الفاعل وهو أن لا ترى فاعل في الكون إلا الله، فالإنسان له ظاهر وباطن، الظاهر أن تري من يعمل و نتيجة عمله، مثل الطبيب يعالج المريض والعامل يقوم بالبناء، أما الباطن فهو أن لا ترى إلا الله وراء كل عمل، فهو من يسبب الأسباب، قال تعالى: }وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ التكوير 29. وقال تعالى في سورة الشعراء (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)).
فأنت تذاكر والله ينجحك، أنت تعمل والله يرزقك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبادي مُؤْمِنٌ بِيَ وَكافِرٌ، فَأَمّا مَنْ قَالَ مُطِرْنا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِيَ وَكافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمّا مَنْ قَالَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وَكَذا فَذَلِكَ كافِرٌ بِيَ وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ"، متفق عليه.
2- توحيد النفع والضر: يقول العلماء أن الإنسان مخلوق باحث عن السعادة وأشقى إنسان من تكون سعادته متعلقة بغير الله، والقلب مكان استقرار التعلق بالله فلا نافع ولا ضار إلا ملك الملوك، عن أبي الوليد عُبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسرِ، والمنشط والمكره، وعلى أثره علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهلهُ إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لؤمة لائم"، متفق عليه. والعيش بهذا المبدأ يجنبك الكثير من الشقاء في إرضاء الخلق، فالعباد أدوات لا يملكون نفعًا ولا ضرًا، لأن الله هو الرازق والنافع والضار.
3- توحيد القصد : وهو أن لا ترجو إلا رضا الله ومن جعل همه رضا الله أرضى جميع من حوله، ومن يقصد الله في أي شئ يكن أسعد الناس، قال تعالى:(..قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ الأنعام: 162، فكل من أعرض عن عبودية الله و طاعته و محبته ابتُلي بعبودية المخلوق و محبته و خدمته.
لو اجتمعت كل هذه المعاني في قلبك فتقول لا إله إلا الله، حينها تُبتلع كل ذنوبك والكبائر، يقول أبو ذر: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال وإن رغم أنف أبي ذر، حديث صحيح.
العائدون إلي الله:
يقول بلال مانسيني عمره 34 سنة من مانشستر، انجلترا، "دخلت الإسلام منذ عامين، كانت جملة لا إله إلا الله شئ في داخلي دائمًا ولكني لم أفهم معنها إلا عندما قرأت القرآن الكريم أول مرة، عندها أكتملت كل قطع الأحجية في رأسي وأدركت المعنى الحقيقي للإسلام، أدركت أننا موجودين هنا لسبب وأننا أمامنا طريقين، طريق للجنة وطريق لجهنم وأن علينا الأختيار. عندما تقول لا إله إلا الله فأنت تعترف بوجود الخالق وعليها أنت تختار طريقه هو، وكلما اجتهدت في معرفته كلما شعرت بسكينة داخلية ورضا أكبر". ويقول بلال "وهنا نحتاج إلى التوكل على الله والتوكل هو عندما لا تعرف ماذا تفعل تلجأ إلى الخالق، ومعناه بالنسبة لي أن تأخذ قلبك وتتركه بين يدي الله، عندها ستشعر أنك تستطيع أن تحل جميع مشاكلك بالتمسك بالتوكل والتوحيد والتعلم، فلا يستطيع أحد أن يجعلك سعيدًا إلا الله".