كيف حالكم يا شباب مع رمضان؟ نحن الآن على اعتاب ختام العشر الأوائل.. كيف حالك مع قراءة القرآن؟ برزت قيمة رمضان ومكانته من تشريفه بنزول القرآن فيه.. "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ..." (البقرة:185) هل تعلم ثواب قراءة القرآن؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف". فــ"بسم الله الرحمن الرحيم" تتكون من تسعة عشر حرفا، اذا ضربنا 19 في 10 ثم ضربنا النتيجة في 70 لأن من ثواب شهر رمضان أن الحسنة به مضروبة في 70...10 في 19 في 70، ما هذا الرقم المهول من الحسنات في بسم الله الرحمن الرحيم فقط؟! إذاً فكيف بالفاتحة؟ فكيف بجزء كامل من القرآن؟! فكيف بختم القرآن كاملا؟! مليارات من الحسنات...
القرآن نور وشفاء ورحمة.. " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" (الإسراء:82) القرآن يشفي صدرك ويرحم ويقّوي..
سر عبقرية عُمر!
هل تقرأ القرآن وفقط؟ أم هل تقرأ لكي تتعلم؟ أم تقرأ لكي تفهم ارادة الله مننا؟ نحن نتحدث عن "عمر...صانع الحضارة"، فلكي نتعلم منه يجب أن نتصف بصفاته والتي منها: النظر إلى الصورة العامة للأمور وعدم الاكتفاء والانغماس في التفاصيل الصغيرة وحسب. انظر إلى أهداف القرآن وأنت تقرأه...هكذا كان يقرأ عمر القرآن..
إذا اتقنت هذه المهارة ستصبح مبدعاً ومتميزاً لأن العظماء ينظرون إلى الأهداف، ولديهم رؤية، ويستطيعون دائماً الاجابة على سؤال "لماذا؟" اقرأ القرآن ناظراً إلى الأهداف الكبرى التي هي "مقاصد القرآن". اقرأ القرآن وانت تتسائل "لماذا يقول الله لنا هذا الكلام؟"
إبداع عُمر
بدأ ابداع عمر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان عمر يقول فكرة للنبي فينزل الوحي تأييدا لها بما سُمي بعد ذلك "موافقات عمر للقرآن"، وهذه صفة تفرّد بها عمر بن الخطاب من بين كل الصحابة رضوان الله عليهم! كيف كان يفعل عمر هذا؟ كان عقله كأنه جهاز حاسب آلي يفهم القرآن مثلما نجهّز نحن جهاز الحاسب الآلي فيفهم الأوامر التي ندخلها إليه...جهز عمر عقله لفهم مقاصد القرآن فكانت له موافقات للقرآن تتعدى العشرين موافقة ومنها من أنزله الله بنفس النص الذي قاله عمر!!
فهم عمر مقاصد الإسلام ومنها: إعمار الأرض، إقامة حضارة، بناء نظام اجتماعي عادل يرسي حياة مستقرة محترمة، حفظ الروح، حفظ المال، حفظ العقل...ومن هنا جاء جزءاً من ابداع عمر. لو فهمت أنت مقاصد الإسلام، ستجد نفسك تحيا الحياة متأملا ومتفكراً في سؤال "لماذا؟" لكي تفهم المقاصد والحكم..
موافقات عُمر للقرآن
قال عُمر: وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فأنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
فهم عُمر من قراءته لمقاصد الإسلام أن من أهداف الإسلام إقامة حضارة كبيرة ناجحة في كل المجالات، وخشي عمر أن يعتقد المسلمون وقتها أن الإسلام فكرة صغيرة وأراد أن يُثبت أن فكرة التوحيد فكرة عميقة متأصلة من أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام، فجاءت الفكرة بربط العبادة بتاريخنا القديم؛ بسيدنا إبراهيم.. نحن نصلي أمام مقام إبراهيم...لوكن هل فهمنا المقاصد بهذا الشكل؟
والثانية.."...وآية الحجاب، قلت : يا رسول الله ، لو أمرت نساءك أن يحتجبن ، فإنه يكلمهن البر والفاجر ، فنزلت آية الحجاب.."
جاءت هذه الفكرة عندما رأى عمر أفواجاً من كل بلاد العالم يأتون لمقابلة النبي ويرون نساءه، ففكر في حلاً للمستقبل عندما يزيد أعداد الناس ونريد أن يكون الوضع محترم. جاءت هذه الفكرة من رؤية عمر لمقصد من مقاصد الشريعة وهو الحفاظ على البيت وعلى المرأة.
والثالثة.." واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن، أن يبدله أزواجا خيرا منكن، فأنزلت هذه الآية."
فهم عمر أن المقصد من تعدد زوجات النبي نقل الإسلام والعلم، فحذّر ابنته حفصة التي كانت من زوجات النبي وحذّر بقية الزوجات ألا يُثقلنَّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لألا يطلقهن ويتزوج غيرهن لينقلن الدين.
بالله عليكم هيا بنا نقرأ القرآن هذا العام محاولين فهم مقاصده، لسنا مرددين آياته دون فهم..
عُمر.. قرأ القرآن ليُبدع!
عندما قرأ عمر: " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ..." (ص:26)، قرأ عمر هذه الآية فعلم أنه لابد أن كتب احصائيات بالمواليد لكي يعلم عددهم وحالتهم لكي يحكم بينهم بالحق كما يأمرنا الله في هذه الآية؛ فكان عمر أول من انشأ سجلات لرصد المواليد وأعداداهم! وانشأ ايضا سجلات للجنود لكي يعلم كل المعلومات عن كل جندي في الجيوش: كم معركة اشترك فيها وما هي حالته لكي يعامله بالحقَ...
وعندما قرأ: " وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ..." (الإسراء:35) كان أول من أنشأ ميزانية للدولة بها سجلات المصروفات والايرادات لكي يرسي القسطاس والعدل!
عندما قرأ عمر " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ..."(آل عمران:92) فكر كيف سيحث الناس على الانفاق وهم يحبون أموالهم، كيف سيقنع رجلأ أن يتخلى عن ملكية أفضل أرض زراعية له؟ فجاء بفكرة "الوقف"؛ مثلا: أن يحتفظ المالك بالأرض ولكن يوقف ربحها لمدة سنتين لله، وهذه كانت نشأة وزارة الأوقاف!
وعندما قرأ هذه الآية التي تتحدث عن شخص فاسد: " وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة:205) فعيّن سيدنا محمد بن مسْلمة رئيسا لهيئة الرقابة على الكسب غير المشروع! ليراقب على كل موظف وكل شخص في الدولة له سلطة على مال الدولة.
حينما قرأ عمر أمرأ للرجل ألا يهجر زوجته في الآية: "...فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ .." فأصدر قانوناً ألا يغيب رجل عن امرأته حتى للجهاد أكثر من 4 أشهر!
بالله عليك اقرأ القرآن بهذه الطريقة...افهم الأهداف العامة ومقاصده لكي تعيش مبدعاً صانعا للحضارة.. لا تفهموا من كلامي ألا نفهم آية آية- استغفر الله فأنا لا أقصد هذا أبدا- ولكن انظر دائما وتأمل في فهم أهداف القرآن.
وأخيرًا
هل تريد أن يرضى الله عنك؟ اقرأ القرآن ليس لمجرد القراءة، اقرأ القرآن باحثاً عن أهدافه، اقرأ القرآن كما كان يقرأه عمر باحثاً عن "لماذا؟"
وصية: اقرأ كتاب "مقاصد القرآن" للدكتور يرسف القرضاوي.. واقرأ كتاب "مقاصد القرآن" للشيخ الغزالي، وكتاب "خواطر قرآنية" الذي كتبتُ فيه أهداف كل سورة، فهذه الكتب ستساعدك على فهم القرآن بهذه الطريقة إن شاء الله.
كانت من عبقرية عمر قراءته للقرآن باحثاً عن أهدافه متأملاً في مقاصده... هل تستطيع ختم القرآن مرة واحدة بهذه الطريقة؟ أوعدك إن شاء الله أنك إذا قرأت القرآن بهذا الشكل ولو لمرة واحدة في حياتك ستكون شخصية حرة مستقلة مُبدعة مع التمسك بثوابت الإسلام.
خاتمة واحدة بهذه الطريقة ترضي عنك الله وتقربك من مقام عُمر بن الخطاب..
قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة
Daraltarjama.com©جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كأنت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
للاستعلام:management*daraltarjama.com