بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معنى كلمة حضارة:
كلمة حضارة تعني صناعة وزراعة وطب وهندسة واقتصاد وتكنولوجيا ومعمار واختراعات والنجاح في المجالات الرياضية وأخلاق وقيم روحية ومجتمع متماسك وعائلات قوية. ولكن الآن، هناك حضارة غالبة وهي حضارة الغرب بالرغم من أننا عندنا حضارة عظيمة وهي الحضارة الإسلامية التي وضع بذورها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسسها عُمر بن الخطاب.
آن الأوان مع الربيع العربي والتغيرات الضخمة التي نمر بها أن نبني حضارة كبيرة نشارك فيها جميعًا. فرمضان سيكون القوة لنبني فالإيمان هو سر بناء الحضارة، والتنمية بالإيمان هو شعارنا. فهيا نتعرف على كيفية تأسيسها من خلال قصة عمر بن الخطاب لنأخذ منها الأفكار ونتعلم في كل مرة شرط من شروط صُنّاع الحضارة من شخصية عمر فنقلده ونبني حضارة.
البطاقة الشخصية لعُمر بن الخطاب..
الاسم: عمر بن الخطاب بن عبد العزة بن كعب بن لؤي بن فهر. فهو يلتقي مع النبي في الجد الرابع كعب بن لؤي.
ألقابه:
· أبو حفص، سماه به النبي صلى الله عليه وسلم.
· الفاروق، وسماه به النبي أيضًا لأنه فرق بين عهدين، فهو يفرق بين الحق والباطل.
· هو أول من سمي بأمير المؤمنين بالرغم من أنه زاهد في الدنيا ولا يحب الألقاب ولكن لأنه كان حريصًا على بناء دولة وحضارة وافق على الألقاب وكان يكتب في رسائله "من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين".
مولده: 13 عام بعد عام الفيل.
ولد النبي في عام الفيل وعندما بعث كان عمر في السابعة والعشرين، وأسلم وهو في الثانية والثلاثين، وأصبح الخليفة وهو في الثانية والخمسين، ومات وهو في الثانية والستين من عمره.
والدته: من قبيلة بني مخزوم، وهي أخت أبو جهل.
أولاده: كان عنده الكثير من الأولاد أشهرهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وعاصم بن عمر بن الخطاب الذي تزوج بائعة اللبن التي أتى من نسلها عمر بن عبد العزيز.
من زوجاته: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ولقد أحبته حبًا شديدًا وكانت علاقة عاطفية رائعة، فقد مات عمر بن الخطاب يوم الأثنين فماتت أم كلثوم حزنًا عليه يوم الأثنين التالي.
وصفه وصفاته: كان طويلًا فعندما يمشى يظنه الناس راكبًا. كان صوته قوي، أصلع، وجهه أبيض به حمرة ولكن بعد عام الرمادة عندما كان لا يأكل إلا الزيت والخل والخبز تغير لونه إلى اللون الأسمر.
عين عمر بن الخطاب شفاء بنت عبد الله لتكون أول وزيرة، أول سيدة تعين في منصب حكومي! وذات مرة بعد موت عمر رأت أناس في الشارع يتكلمون بصوت خافت وظهورهم محنية، فسألت عن حالهم فقيل لها أنهم النساك العباد فقالت لهم: "أما عمر فكان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، وكان هو ناسك".
إنجاز عُمر بن الخطاب
نبدأ قصة عمر من آخرها لنتعرف على الإنجاز الكبير الذي أنجزه، ثم نرجع إلى الوراء ونحن نرى هذه الحضارة الكبيرة التي أسسها حاضرة في أذهاننا. فخلال 10 سنين و6 أشهر و17 يومًا فقط من الحكم، نرى:
· رقعة زراعية ضخمة، 10 أضعاف في كل البلاد التي تم فتحها قبل عمر.
· قام عمر بعمل سجلات للحرفيين في كل البلاد التي فتحها وأصبح لهم رواتب لأنهم سيساعدوا في بناء هذه الحضارة فانتهت البطالة وازداد الغنى بين الحرفيين وأصبح لهم احترامهم وقدرهم في المجتمع.
· اقتصاد غني جدًا لأن عمر حفر قناة تبدأ من الفسطاط في مصر تمد النيل إلى المدينة المنورة! فانتعشت التجارة وبدأ التجار يغتنوا، ففرض رسوم جمركية لإعطائها للفقراء من المسلمين وغير المسلمين.
· فتح 5 بلاد؛ العراق والشام وفارس ومصر والجزيرة! فكان يدير العالم من المدينة. أسس مدن مثل البصرة والكوفة والفسطاط والجيزة.
· كان خائفًا على الأمن فقام بشراء 30000 فرس ومعهم 30000 فارس ليحموا الأمن في البلاد التي فتحت.
عُمر الآن في آخر حياته وهو خائف على هذا الإنجاز الكبير، فذات مرة كان جالسًا مع حذيفة بن اليمان في بيت الخلافة، حذيفة هو كاتم سر رسول الله الذي قال له النبي أسماء المنافقين وقال له ما هي الفتن التي ستحدث بعده، فقال عمر: "يا حذيفة، حدثني عن الفتنة" فقال حذيفة: "فتنة الرجل في بيته وأهله وماله؟" قال: "لا، اسألك عن الفتن التي تموج بالأمة موجًا" فقال حذيفة: "ومالك ومال الفتنة يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبين الفتنة بابًا مسدودًا لا يُفتح حتى تموت يا عمر" فيقول له عمر: "يا حذيفة، أيفتح الباب أم يُكسر؟" قال حذيفة: "بل يُكسر يا أمير المؤمنين" فقال عمر: "إذًا لا يعود إلى مكانه" ويقوم عمر بن الخطاب حزينًا ويذهب إلى بيته، فيسأل الناس حذيفة عن الباب فقال لهم: "الباب عمر، يحمي الأمة من الفتنة فإذا مات عمر كُسر باب تُفتح منه الفتنة" فيرجع عمر لحذيفة ويقول له: "يا حذيفة، أناشدك الله هل بسببي ستحدث الفتنة؟ هل يوجد من عمالي أحد المنافقين الذي أخبرك النبي بهم؟" فقال: "أعفني يا أمير المؤمنين" قال: "أقسمت عليك، لا تقل اسمه ولكن هل يوجد من عمالي أحد من المنافقين؟" قال: "نعم واحد يا أمير المؤمنين" فقام عمر بعزله في اليوم التالي حتى لا يكون سببًا في الفتنة.
ثم يرجع إلى حذيفة ويقول له: "يا حذيفة، كيف تبدأ الفتنة؟" قال: "يتشاتم كبار الأمة فتبدأ الفتنة" فيطلع عمر ويقول: "والله لأقطعن لسان من شتم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". وكانت هناك مشكلة بين المقداد بن عمر وعبد الله بن عمر بن الخطاب فيسب عبد الله بن عمر المقداد فيقول عمر: "سأقطع لسان عبد الله بن عمر" ولكن يدافع عنه الصحابة فيقول عمر: "لأسن سنة، من سب أحدًا من أصحاب رسول الله قطعت لسانه لأكون أول من سن قطع ألسنة الفتنة" فيذهب المقداد إلى عمر ويقول له أنه سامحه فيعفو عمر عنه. فإياك وأن تكون بابًا لدخول الفتنة، ولو في نطاق ضيق، في مسكنك أو عائلتك. الفتن كثيرة فاحم البلد والمجتمع من الفتنة. لأن الفتن تهدم الحضارات.
مؤتمر الأمة
في آخر حجة لعُمر بن الخطاب قبل وفاته، يقف على جبل الرحمة في عرفات وحولة 200 ألف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحوله الولاة والعمال المعينون على البلاد فيبدع شيئًا جديدًا وحضاريًا رائعًا، يحول الحج إلى مؤتمر عام للأمة لكي يناقشوا فيه أحوال البلاد ويستمع إلى مظالم الناس من كل البلاد ويناقش عماله ويحاسبهم وكأنها جمعية عمومية للأمة. فهو فهم مراد الله سبحانه وتعالى من الحج، فهو مؤتمر عام للأمة يجب أن يتحول إلى جمعية عمومية، فالحج وسيلة حضارية لتتبادل الأمة المنافع وتتصالح وتتفاهم، فهو فهم هذا وهو أول من قام بهذا.
يقف بين الناس ويقول كلمته الخالدة العظيمة: "أيها الناس، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن أبتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله" أي لا تقلدو الحضارات الأخرى وخذوا القيم والمباديء من حضارتنا، هذه كلمة ذهبية يجب أن تحفر في ذهن كل مسلم! وهذه الكلمة ليست سبابًا للحضارات الأخرى، بل أن قيمنا تابعة لحضارتنا فإذا قلدنا حضارة أخرى لن تنفعنا ولن ننجح بها. فسر نجاح حضارتنا مرتبط بثقافتنا التي تنبُع من إيماننا. فنحن من فرطتنا في الحضارة وفهمنا أن حضارتنا هي العبادة فقط!
ثم يوجه كلمتة إلى الجمعية العمومية ويقول: "أيها الناس، إني لم أرسل عمالي ليضربوا وجوهكم ولا ليأخذو أموالكم ولكن أرسلتهم ليعدلو بينكم ويعلموكم سنة نبيكم وهي عدل ورحمة وخير. أيها الناس، فمن فُعل به غير ذلك من هؤلاء فليرفع الأمر إلي الآن لأقتص له منهم فإن والله لأن أعزل كل يوم واليًا خير لي من أن أصبر على ظلمه ساعة، وإلا فأنا شريكه في الظلم"
ثم يقف ويقول: "أيها الناس، والله ما أردت فيكم إلا العدل فمن ظلم منكم اقتصصت له من من ظلمه الآن" فيقف عمرو بن العاص ويرفع يده ويقول له: "يا أمير المؤمنين، أفرأيت إن أدّبت مصريًا قبطيًا أتقتص مني؟" فقال: والله يا عمرو لأقتص منك أمامه، هل أنت خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقتص لنفسه من الناس أمامه؟"
وبعد أن يطمئن أنه ليس هناك أية مظالم، يرفع يده للسماء ويقول: "اللهم كبُر سني وضعف جسدي ورق عظمي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مبدل ولا مفرط، اللهم أخرجني منها كفافًا لا لي ولا علي" وتدمع عيناه ويقول: "[قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ...]" (آل عمران: 26) فيسأله مساعده: "ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟" يقول له: "والله كنت أرعى الغنم وأرعى الإبل لخالاتي ولأبي الخطاب هنا في مكة والآن صرت أمير المؤمنين، اللهم ارزقني شهادة في سبيلك في بلد نبيك" فقال مساعده: "أنّى ذلك يا أمير المؤمنين ولا تكون الشهادة إلا في الحرب والمعارك" قال: "يأتي بها الله إن شاء".
أسأل الله تبارك وتعالى أن يكون كل من يقرأ هذا الكلام الآن عمري ويقول في نفسه أنه سيبني الحضارة وسيكون الإيمان في رمضان دافعه إلى بناء هذه الحضارة.
حضارة إنسان
كان عمر مثل عادته يدور بين الناس كل يوم ويطمئن أن المدينة بخير ويتعرف على احتياجات أهل المدين، ولكن ليلة موته خرج إلى أطراف المدينة في الصحراء، فوجد خيمة لم يتعود أن يراها ويبدو أنها منصوبة منذ وقت قريب، فذهب عند الخيمة وسمع صوت أنين سيدة من الداخل، ووجد رجل جالس خارج الخيمة، فسأله عمر بن الخطاب: "من الرجل؟" فيقول: "رجل من البدو جاء إلى هنا يبتغي أن يساعده أمير المؤمنين عمر بن الخطاب" فسأله: "وما هذا الأنين الذي بالداخل؟" فيقول الرجل: "امرأتي تلد" فيقول: "وحدها؟" قال الرجل: "نعم وحدها" فقال عمر: "انتظرني" ويذهب إلى زوجته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ويقول لها: "هل لك في خير؟ هل لك في ثواب جاء إليك؟" قالت: "وما ذلك؟" قال: "امرأة غريبة تلد وحدها" فقالت: "نعم إن شئت" فيقول لها عمر: "أحضري معك الدقيق وأحضري معك شيء من اللحم" ويحمل القدر والدقيق ويذهب مع زوجته إلى الخيمة وتدخل أم كلثوم لتساعد السيدة ويجلس عمر مع الرجل خارج الخيمة ويطهو له والرجل متعجب من هذا الرجل الذي يساعده فتلد السيدة وتنادي أم كلثوم من داخل الخيمة: "يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام" فيرتعش الرجل قائلًا: "أنت أمير المؤمنين؟" فيقول عمر: "هون عليك" ويضع الأكل أمامه ويقول له: "كُل، فإنك سهرت طوال الليل أنت وامرأتك" ثم يقول للرجل أن يأتي غدًا إليه ليأمر له ببعض المساعدة. فيذهب الرجل في اليوم التالي ويسمع أنه قد مات أمير المؤمنين، فيبكي الرجل!
شاء القدر أن تكون اللحظة الأخيرة في حياة عمر هي مولد طفل جديد وكأنه رمزًا يعني أن حضارته لن تموت. فقد بنى عمر بن الخطاب حضارة كبيرة ونحن أضعناها، فقد بناها على الإنسانية والإبداع والنجاح في الحياة.
فأهم درس من قصة عمر هو إيقاف الفتن واتخاذ النية على بناء الحضارة وإعادتها بما فيها من زراعة وصناعة وتجارة وتكنولوجيا وإنسانية وتواضع ورحمة.
قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة
Daraltarjama.com©جميع حقوق النشر محفوظة
يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كأنت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع
للاستعلام:management*daraltarjama.com