التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس (17-70):تفسير الآية 18 ، الآداب في المساجد.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-07-16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
المسجد مكان عبادة فلا يجوز طرح أي موضوع دنيوي فيه :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع عشر من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثامنة عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾
أيها الأخوة الكرام، وعدتكم في هذا اللقاء الطيب أن يكون الحديث عن آداب المساجد، فالله عز وجل يقول:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾
[سورة الجن الآية: 18]
هذا المكان مكان عبادة، هذا المكان لذكر الله، فأي موضوع دنيوي، أو شخصي، أو متعلق بفئة من الناس، لا يجوز طرحه في بيت الله، والدليل هذه الآية:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾
هنا الدعوة إلى الله، إلى الله وحده، الدعوة إلى الآخرين في مكان آخر، اختر أي مكان آخر إلا بيت الله من أجل أن تدعو به إلى غير الله، وهذا أول أدب من آداب المساجد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:
((إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زواري فيها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، فحق على المزور أن يكرم الزائر))
[أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري]
أنت حينما تلجأ إلى الله ينبغي أن تأتي إلى بيته، أنت حينما تود أن تلتقي بإنسان تأتي إلى بيته، فأنت إذا أردت الله فاذهب إلى بيته.
(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زواري فيها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني))
الآن:
((وحق على المزور))
إكرام الله من يأتي إلى بيته بمنحه لذة القرب منه و حلاوة مناجاته :
من حقك على الله أن يكرمك الله في بيت الله، قد يقول أحدكم: كيف؟ من هذا الإكرام أن تذوق لذة القرب من الله، ,أن تذوق حلاوة مناجاته، وأن يمنحك الله بهذه الزيارة شهادة الإيمان،
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ ﴾
فأنت حينما تأتي إلى بيت من بيوت الله فهذه شهادة لك بأنك مؤمن.
(( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالأيمان ))
[ الترمذي عن أبي سعيد الخدري]
قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾
أي علامة إيمانك أنك ترداد المساجد، علامة إيمانك أن تصلي في المساجد، علامة إيمانك أنك تطلب العلم في المساجد، علامة إيمانك أن قلبك متعلق بالمساجد، هذا بيت الله عز وجل، فعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:
((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وعد منهم ورجل قلبه معلق في المساجد))
[متفق عليه عن أبي هريرة]
هذا من السبعة الذي يظله الله يوم القيامة.
(( يوم لا ظل إلا ظله))
من ذكره الله منحه الحكمة و الطمأنينة و الأمن :
أخواننا الكرام، معنى ذكرته كثيراً: إنك في بيت من بيوت الله تصلي، ذكر الله لك وأنت في بيت من بيوت الله تصلي أكبر من ذكرك له، أي لو إنسان سأل أي إكرام نأخذه في بيت من بيوت الله؟ قال: إذا ذكرك الله وأنت في بيته يمنحك الحكمة، والله عز وجل يقول:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً ﴾
[سورة البقرة الآية:269]
يمنحك التوفيق، يمنحك الرضا، يمنحك النجاح، يمنحك السعادة، يمنحك الأمن، يمنحك أن تحقق أهدافك في الدنيا، تصور خالق الكون يكرمك في بيته، وقد لا تجد كأساً من الشاي، أو كأساً من العصير، لكن قد تجد التوفيق في عملك، التوفيق في زواجك، التوفيق في تربية أولادك، التوفيق في قربك من الله عز وجل، إذاً:
(( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ـ عدّ النبي الكريم من هذه السبعة ـ و رجل قلبه معلق بالمساجد))
من وفق في عمله أو زواجه فهذا من إكرام الله له :
حديث آخر:
((من غدا إلى المسجد أو راح ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
معنى راح في اللغة راح إلى بيته أي عاد إلى بيته، غدا خرج من بيته.
(( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح))
أنت حينما يحين وقت الدرس تقوم وترتدي ثيابك، وتتوضأ، وتركب أول سيارة، وثاني سيارة، وقد تجد ازدحاماً في الطريق، وقد تجد صعوبة في ركوب السيارات، تصل إلى بيت من بيوت الله، فهل تصدق أنك لن تكرم من الله عز وجل؟ أحياناً توفق في عملك، أحياناً توفق في زواجك، هذا من إكرام الله لك، لأن الله عز وجل حينما قال:
﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[سورة البقرة الآية: 201]
قال علماء التفسير: الزوجة الصالحة من حسنات الدنيا، التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك، هذا إكرام من الله، ألا تحب أن تكرم في بيته؟ أن توفق في زواجك؟ أن توفق في تربية أولادك؟ أن توفق في عملك؟ أن توفق في دخلك؟ أن توفق في سعادتك؟.
((إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زواري فيها هم عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني وحق على المزور أن يكرم الزائر))
[أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري]
إذاً:
(( من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
لكن من حيث اللغة عندما طرقت باب إنسان صديقك، فتح لك ابنه، قلت له: أبوك في البيت، قال لك: والله يا سيدي قبل قليل راح، تقول له: سلم عليه، هذا كذب، لأن كلمة راح عاد إلى البيت، توهمت أنت أنه ليس بالبيت، راح أي عاد إلى البيت، غدا: ذهب، راح:عاد.
نشاطات المسجد تسمو بالإنسان وترقى به وتغذي عقله :
ماذا في المسجد؟ ذكر الله تعالى، تلاوة القرآن، وعظ وإرشاد، تزكية للنفس، مجلس للعلم، فقه في الدين، كل نشاطات المسجد تسمو بك، وترقى بك، تغذي عقلك، وتغذي قلبك، وتصحح مسيرتك، إذاً كل الخير في بيوت الله عز وجل، وقد يغفل الإنسان عن ميزة أنت في المسجد مع من؟ مع المؤمنين، مع أخوانك المؤمنين، هذا مجتمع إيماني، فيه صدق، فيه أمانة، فيه وفاء، فيه محبة، فيه إخلاص، أي أكبر ربح لك أن تربح أخوة في المسجد، لهم مهن متعددة، وهناك محبة، و صدق، و تواضع، و بذل، و تضحية، فالإنسان إذا ربح أخاه المؤمن فهذا ربح كبير جداً، أين تجد هذا المؤمن؟ في المسجد، فأنت حين دخلت إلى بيت من بيوت الله لك أخوة مؤمنون، وأتمنى أن يتم التعارف فيما بينكم، فالإنسان إذا صافح أخاه في المسجد، ليسأله عن اسمه، وعن اسم أبيه، وعن عمله، وعن هاتفه، لك أخ، لأن الله عز وجل يريد أن نتعاون.
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
[سورة المائدة الآية:2]
حضّ النبي عليه الصلاة و السلام على التعارف في المسجد :
أنت في المسجد بجب أن تعرف من في المسجد، لا أقول: أن تعرفهم جميعاً، لكن أن تعرف بعضهم، أخ مؤمن صادق، حتى أتمنى عليكم أن الأخ منكم إذا اتخذ له من رواد المسجد أخوة فإن غاب أحدهم فليتفقده، تصور إنساناً يرتاد بيت الله، غاب يوماً لأنه كان مريضاً، اتصل فيه أحد الأخوة الكرام، أقلقتنا، خير إن شاء الله، فقال له: أنا مريض، فزاره الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، فشعر بسعادة لا توصف، معنى هذا أنا إنسان مهم، لكن إذا دخل إنسان إلى المسجد، ولم يتعرف على أحد، ولم يسأل عن أحد، إن غاب لا يشعر به أحد، فأنا أتمنى وأنت في المسجد أن تتعرف على أخوة لك من سنك، من حرفتك أحياناً، من جيرانك، هناك علاقات حرفة، علاقات جيرة،علاقات أخوة في الله، سن متقاربة، حرفة متقاربة، سكن متقارب، فلابد من أن تتعرف إلى أخوتك الكرام، هذه المعرفة حضّ عليها النبي عليه الصلاة والسلام.
أيها الأخوة، مرة ثانية وثالثة: سيدنا سعد بن أبي وقاص يقول: "ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ـ من هؤلاء الثلاثة ـ ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من عند الله تعالى".
اسمعوا هذا الحديث:
((ما اجتمع قوم))
وأنتم قوم،
(( في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله))
ونحن نتلو كتاب الله،
(( ويتدارسونه بينهم، ويذكرون الله تعالى، إِلا تنزَّلت عليهم السَّكينةُ وغشيتهم الرحمةُ، وحفَّتْهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عندَه ))
[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان]
مرة ثانية:
((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم ويذكرون الله تعالى ، إِلا تنزَّلت عليهم السَّكينةُ ، وغشيتهم الرحمةُ ، وحفَّتْهم الملائكةُ وذكرهم الله فيمن عندَه ))
آداب المساجد :
1 ـ محبة المساجد وتقديرها والنظر إليه بعين التكريم والتعظيم
من آداب المساجد، قال: محبة المساجد، وتقديرها، والنظر إليه من عين التكريم، والتعظيم، والتقديس، والاحترام، المسجد له مكانه كبيرة عندك، شيء عظيم، بيت الله، لذلك قال الله تعالى:
﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
[سورة الحج الآية: 32]
أول أدب من آداب المسجد، المسجد له مكانة كبيرة عندك، مثلاً أنت قد تدخل إلى سوق، لكن دخلت إلى جامعة، كلمة جامعة، أي هناك علم، و أساتذة علماء، و تدريس، و اختصاصات مهمة جداً، كلمة جامعة غير سوق، من علامات إيمانك أنك تنظر إلى بيوت الله نظرة إكبار، وتعظيم، ومحبة، وتقدير، وتكريم، وتقديس، واحترام، هذا أول أدب من آداب المساجد، ينطلق من قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
[سورة الحج الآية:32]
2 ـالعناية ببناء المساجد :
الأدب الثاني:
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ﴾
[سورة النور الآية:36]
ما قال أن تبنى، لذلك العناية ببناء المساجد هذا نصه، هذا دليله،
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ﴾
أي العناية بالمسجد، بالتدفئة شتاءً، بالتكييف صيفاً، بالماء البارد، بالسجاد، بالنظافة، بالومضات الجمالية، هناك مسحة جمالية في المسجد، هذا بيت الله.
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾
[سورة النور الآية: 36]
ترفع لأن اسم الله يذكر فيها، نذكركم بالآية الأولى:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾
﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ ﴾
[سورة النور]
كلمة رجال تعني أبطالاً:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾
[سورة النور الآية: 37]
المسجد بيت كل تقي :
لذلك:
((المسجد بيت كل تقي تكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح، والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة ))
[أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء]
لذلك من أبرز آداب المساجد فضلاً عن محبتها، وتعظيمها، وتكريمها، أن تسعى إلى إشادتها، والقيام بنشاطاتها، والقيام بما تستطيع من جهد لبنائها، وتأمين حاجاتها الأساسية، ومرافقها، وأثاثها، وتشجيع الناس على التبرع لاستكمالها، وتجهيزها بما يليق بمكانتها، وابتغاء وجه الله عز وجل في كل ذلك، لذلك.
((من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة ـ طائر ـ بنى الله له بيتاً في الجنة ))
[أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة عن جابر بن عبد الله]
والله أنا أغبط كل إنسان ساهم في بناء مسجد، ساهم في تأسيس مسجد، ساهم في تأمين حاجات أساسية للمسجد، حتى إن النبي الكريم يقول:
((المسجد بيت كل تقي تكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله))
[أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء]
والحديث المتعلق بهذه الفقرة:
((من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة ))
[أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة عن جابر بن عبد الله]
قال:
((من أسرج في مسجد سراجاً ـ وضع مصباحاً ـ لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه))
العمل على إضاءة المساجد ورد فيه حديث شريف.
3 ـ محافظة الإنسان على الصلاة في المسجد ولو كان بعيداً عن منزله :
الآن: المحافظة على الصلاة في المسجد ولو كان بعيداً عن منزلك، والمشي إليها ولو تحملت في سبيل ذلك الحر، والبرد، وظلمة الليل، ومشقة الطريق.
أخواننا الكرام:
(( كان رجل من الأنصار لا أعلم أحد أبعد من المسجد منه))
هذا النص لإخوتنا الكرام للذين لهم بيوت بعيدة عن المسجد.
(( كان رجل من الأنصار لا أعلم أحد أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: قد جمع الله لك كل ذلك ))
[رواه مسلم عن أبي بن كعب]
أليس هذا الحديث لأخوتنا الذين يبتعدون عن المسجد، والله مرة كنت في أمريكا هناك منطقة اسمها توليديو، فيها محاضرة، بعد أن انتهت المحاضرة، قال لي أحدهم: أنا فلان الفلاني ـ أخوه صديقي ـ: هل تعلم كم قطعت من الأميال حتى أصل إلى هذا المسجد؟ قلت له: لا أعلم، قال لي: ستمئة ميل، أي ألف كيلومتر، ألف كيلومتر ليستمع إلى محاضرة في بيت الله، سبحان الله! تجد إنساناً بيته على بعد أمتار، ولا يرتاد المساجد، ألف كيلومتر من أجل أن يحضر هذه المحاضرة.
4 ـ التهيؤ للذهاب إلى المسجد بالطهارة وحسن الوضوء :
لذلك من متابعة آداب المسجد، التهيؤ للذهاب إلى المسجد، بالطهارة، وحسن الوضوء، والتسوك، ولبس الثياب النظيفة، وتقليم الأظافر، وترجيل الشعر، والتجمل، والتطيب، والدليل:
﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
[سورة الأعراف الآية:31]
وفي حديث آخر :
(( مَنْ تطهَّر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضيَ فريضة من فرائض الله، كانت خطواتُه إحداهما تَحُطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
كلها أحاديث صحيحة.
5 ـ إنهاء جميع الأعمال الدنيوية عند سماع الأذان والمسارعة إلى تلبية النداء :
من آداب المسجد إنهاء جميع الأعمال الدنيوية، وإيقاف كافة الأشغال المادية، عند سماع الأذان، والمسارعة إلى تلبية النداء، والتوجه إلى المسجد مهما كانت الأعذار، قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾
[سورة الأنفال الآية: 24]
الشاهد إذا دعاكم، حيّ على الصلاة دعوة الله، حيّ على الفلاح دعوة الله:
﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
[سورة الأنفال الآية: 24]
(( أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسولَ الله، إنه ليس لي قائد يقودُني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يُرَخِّصَ له؟ ليصلى في بيته فرَّخص له، فلما وَلَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجِبْ داعي الله))
[رواه مسلم عن أبي هريرة]
أي الذي أفقده الله نعمة البصر، واستأذن النبي أن يصلي في بيته لم يأذن له، فكيف الذي يتمتع بنعمة البصر؟!
6 ـ الدخول إلى المسجد مقدم الرجل اليمنى :
من آداب المسجد الدخول إلى المسجد مقدم الرجل اليمنى، قائلاً: "بسم الله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، أنت في بيت الله في أمس الحاجة إلى رحمة الله تتنزل عليك، تزداد إيماناً، تزداد محبةً، تزداد اتصالاً، تزداد خشوعاً، تزداد تألقاً، تزداد كرماً، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، كما يستحب أن ينوي الاعتكاف في المسجد مادام فيه، نويت الاعتكاف في هذا المسجد مادمت فيه، والخروج قال: مقدم الرجل اليسرى، واضع حذاءه أمامه بهدوء، اللهم صلِّ على سيدنا محمد، اللهم إني أسألك من فضلك ـ بالدخول رحمتك، بالخروج من فضلك ـ عملاً صالحاً، بحسب اتصالك بالله في المسجد أنت بحاجة إلى عمل صالح، ترقى به عند الله، فعن النبي أنه قال:
((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللَّهمَّ إني أسألك من فضلك ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي حميد وأبي أسيد]
7 ـ صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس :
من آداب دخول المسجد: صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس، إذا لم يكن وقت صلاة راتبة، ومن لم يتمكن من الصلاة لحدث، أو شغل، فليقل: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثلاث مرات، هذه تجزئ عن صلاة ركعتين هما تحية المسجد، والحديث الآخر:
((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ))
[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ]
8 ـ خلع الحذاء وإزالة ما علق به من أوساخ خارج المسجد :
الآن من آداب المسجد خلع الحذاء، وإزالة ما علق به من أوساخ خارج المسجد، وإطباقه ووضعه في أقرب مكان مخصص، والحذر من رفعه فوق الرؤوس، أو تلويث المسجد به، ثم إطباق باب المسجد بهدوء عند الدخول.
9 ـ الانتباه إلى طهارة الجوارب ونظافتها :
الآن الانتباه إلى طهارة الجوارب ونظافتها، قبل المشي بها على سجاد المسجد.
مرة قال لي إنسان: أنا أتأثر بخطبتك، ولكني صليت وراء إنسان لم يغسل جواربه من أشهر، فكرهت هذا الوضع كراهية لا حدود له، الإنسان المؤمن يغسل ثيابه، يغسل جواربه، يغتسل، ستنظف، هذا بيت الله هذا.
10 ـ تجنب أكل الثوم والبصل وما له رائحة كريهة :
من آداب المسجد تجنب أكل الثوم والبصل، وما له رائحة كريهة، لقول النبي الكريم:
(( من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا ))
[متفق عليه عن جابر]
في أعلى درجات الصحة، حديث آخر:
((من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم))
[ مسلم عن جابر]
11 ـ تجنب تلويث المسجد بشيء من القاذورات أو النجاسات :
ومن آداب المسجد تجنب تلويث المسجد بشيء من القاذورات، أو النجاسات، كالمرور بأرجل عليها نجاسة، أو تلويثه بالقليل من الدم، كما يحرم التبول في المسجد ولو كان في وعاءٍ، ويحرم الاستنجاء فيه، هذا كله من قول النبي الكريم:
(( إِنَّ هذه المساجدَ لا تصلحُ لشيء من هذا البول والقَذَرِ، إِنما هي لِذِكْرِ الله، والصلاةِ، وقراءةِ القرآن))
[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك ]
أيضاً البصاق خطيئة كفارتها دفنها، إنسان يبصق في الجد أو في صحن المسجد، هذا الشيء يتنافى مع الآداب الإسلامية.
12 ـ تجنب اللهو واللعب والجري واللغو والثرثرة ورفع الأصوات :
تجنب اللهو، واللعب، والجري، واللغو، والثرثرة، ورفع الأصوات، ولو بقراءة القرآن، على وجهٍ يشوش على المصلين، أو للذاكرين، أو المتدارسين للعلم: فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال:
((كنتُ قائما في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئتُه بهما، فقال: مَنْ أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا : من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم))
[رواه البخاري عن السائب بن يزيد]
و الحديث الآخر:
((اعْتَكَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرون بالقراءةِ، فكشَفَ السِّتْرَ، وقال: ألا إنَّ كُلَّكُمْ يُناجِي رَبَّهُ، فلا يُؤذِيَنَّ بعضُكم بعضا، ولا يَرفَعْ بعضُكم على بعض في القراءةِ ))
[أخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري]
رفع الصوت بالقراءة يؤذي بقية المصلين، مثلاً يكون هناك درس علم بالمسجد، بدأ الدرس، يأتي أخ لم يصلِّ المغرب بعد، يصلي أمام عدد من الأخوة بأعلى صوته، فهو بهذا الصوت المرتفع شوش على المؤمنين درسهم، الإنسان يحتاج إلى ذوق.
13 ـ تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا :
من آداب المسجد تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا، والبيع والشراء، والبحث عن ضائع، وإنشاد الشعر، أو هجاء مسلم، أو غزل، أو ما شاكل ذلك.
((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تُنشَد فيه ضالة، وأن يُنشَد فيه شِعْر))
[ أبو داود و الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده]
(( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أرَبحَ الله تجارتك، وإذا رأيتم من يَنْشُد ضالَّة في المسجد فقولوا: لا ردَّ الله عليك ضالتك ))
[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة]
وقال سعيد بن المسيب: "من جلس في مسجد فإنما يجالس ربه فحقه ألا يقول إلا خيراً "
14 ـ تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع :
تجنب الاحتباء، وتشبيك الأصابع، وفرقعتها والعبث فيها في المسجد أثناء انتظار الصلاة:
(( إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن أصابعه فإن التشبيك من الشيطان ، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه))
[أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري]
15 ـ تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبات :
تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبات، ما العذر؟ إمام بجامع ثان حضر الدرس، أذن العشاء، هو إمام بجامع آخر، هذا العذر مقبول، أما أن تخرج من المسجد وقد أذن المؤذن دون أن تصلي، هذا فيه نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16 ـ تجنب تناول الأطعمة في المسجد وتجنب الوقوع في المحرمات :
تجنب تناول الأطعمة في المسجد، وجعل المساجد أمكنه للراحة، والقيلولة، والسمر، وتجنب الوقوع في المحرمات، كالغيبة، والنميمة، والكذب، وما إلى ذلك.
17 ـ ألا يكون المسجد طريقاً للمرور :
ألا يكون المسجد طريقاً للمرور، الآن في الأموي هناك باب للحميدية، وباب لطرف آخر، أناس كثيرون يمكن أن يدوروا حول المسجد بزيادة بسيطة، أما أن يعمل المسجد كممر فهذا أيضاً منهي عنه، القيام بصيانة المسجد، والحفاظ على نظافته، ,أناقته، وأثاثه، وأمتعته، وكتبه، ومصاحفه، فعن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((عُرِضَتْ عليَّ أُجُورُ أُمَّتي، حتى القَذَاةَ ـ قشة صغيرة ـ يُخرِجُها الرجل من المسجد))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أنس بن مالك]
قشة حملتها وضعتها بجيبك عمل صالح.
18 ـ صيانة المسجد من الأطفال :
صيانة المسجد من الأطفال، أنا أتمنى أن يكون الأطفال في المسجد لكن مع أبيهم، أما دخل و تركهم بالخارج، لا، يجب أن يكون ابنك معك، نحن نحب ونتمنى أن ينشأ الطفل في المساجد، لكن يجب أن ينضبط وإلا فهناك مشكلة.
19 ـ ابتعاد المرأة عن التزين و التبرج عند الدخول للمسجد :
ممنوع على المرأة التي حضرت إلى المسجد التزين والتبرج، هذا شيء نهى النبي عنه بالنسبة إلى النساء، فقال:
((إِذا شَهدَتْ إِحداكُنَّ المسجد فلا تَمسَّ طِيباً ))
[أخرجه مسلم والنسائي ومالك عن زينب الثقفية ]
لأن له رائحة.
(( قَالَتْ عائشة: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ تَرْفُلُ فِي زِينَةٍ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمْ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرْنَ فِي الْمَسَاجِدِ ))
[أخرجه بن ماجه عن عائشة أم المؤمنين]
أيها الأخوة الكرام، هذه بعض الآداب في المساجد ونحن في قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=3765&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258