التفسير المطول - سورة التوبة 009 - الدرس (16-70):تفسير الآية 17 ، الآداب التي يجب على الإنسان أن يؤديها في بيوت الله.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2010-07-09
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
عدم السماح للمشركين بدخول بيت الله الحرام :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس عشر من دروس سورة التوبة، ومع الآية السابعة عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام، كان البيت الحرام قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام منتدى لأهل قريش، منتدى يجلسون، يتسامرون، ينشدون الأشعار، أي النشاطات التي تؤدى في هذا البيت لا علاقة لها بالعبادة إطلاقاً.
لذلك الله عز وجل أعطى توجيهاً من خلال القرآن وسنة النبي الكريم أن هؤلاء لا يسمح لهم بدخول بيت الله الحرام،
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
العمارة هي الجلوس في المسجد، والنشاط الذي يؤدى به، لا الجلوس هدف العبادة، ولا النشاط يتصل بالدين، أشعار، وندوات، ومسابقات، وما إلى ذلك، فلذلك جاء الرد الإلهي، وهذا البيت الحرام البيت الأول.
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾
[سورة آل عمران الآية:96]
البيت الحرام بيت الله عز وجل في الأرض :
أخوتنا الكرام، إن صحّ التعبير تمشياً مع الجانب المادي في الإنسان اتخذ الله لذاته العلية بيتاً في الأرض، بيت الله الحرام له خصائص، في هذا البيت يُقبل الله على عباده، الصلاة في هذا البيت لها طعم آخر، لذلك يجب أن تكون لهذا البيت خصوصية،
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً ﴾
معنى ذلك أنك إذا دخلت إلى بيت الله الحرام، أو بشكل آخر إذا دخلت إلى أي مسجد، ورد في الآثار:
((إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عمارها))
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام سنّ لنا إذا دخلنا المسجد أن ندعو بهذا الدعاء:
((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك))
[أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي حميد وأبي أسيد]
وكلمة رحمة كبيرة جداً، عطاء إلهي، يا ترى ما طبيعة هذا العطاء؟ عطاء منوع؛ حفظ رحمة، توفيق رحمة، استجابة الدعاء رحمة، يلقي الله في قلبك نوراً رحمة، ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً، يتجلى على قلبك، العبد موصول بالله، بخالق السموات والأرض، بالقوي، الأقوياء من بني البشر بيده، دقق بهذه الآيات:
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾
[سورة هود الآية: 55]
تحدٍّ:
﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ ﴾
[سورة هود الآية: 56]
أنت حينما تؤمن بهذا الإله العظيم، خالق السماوات والأرض، رب العالمين، وأنت معه، إذا كنت معه فمن عليك؟ أي من يستطيع أن يصل إليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ وإن فقدت الصلة به ماذا وجدت؟ لم تجد شيئاً، وإن اتصلت به ماذا فقدت؟ لم تفتقد شيئاً.
(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإذا فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
[تفسير ابن كثير]
معرفة الله عز وجل و الاتصال به أعظم عمل على الإطلاق :
والله أيها الأخوة، ما من عمل على الإطلاق في حياة كل منا أعظم من أن تتعرف إلى الله، وأن تتصل به، الدنيا محدودة، الدنيا لها سقف، الدنيا أمد قصير، سنوات تمضي، فإذا الإنسان أمام ملك الموت، هو يُقدم على حياة أبدية، هذا الذي عرف الحقيقة في الوقت المناسب، دققوا في هذه الآية:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾
[سورة هود الآية: 28]
أنت المخلوق الأول، مخلوق للجنة، الجنة فيها:
(( ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]
إلى أبد الآبدين، مخلوق للجنة، وثمن هذه الجنة أن تأتي إلى الدنيا، وأن تستقيم على أمر الله، وأن تعمل صالحاً ابتغاء مرضاة الله، والله ما حرمك شيئاً في الدنيا، لكن أعطاك الأشياء بطريق نظيف، المرأة؟ هناك زواج، المال؟ هناك تجارة، أي شيء يسعدك في الدنيا له قناة نظيفة تسري من خلاله.
أكبر خاسر في الأرض من يأتي الدنيا و يغادرها و لا يعرف الله تعالى :
لذلك هذا الذي يأتي إلى الدنيا، ويغادرها، وما عرف الله، هو أكبر خاسر في الأرض.
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
[سورة الزمر الآية:15]
ينبغي أن تعرف من أنت؟ أنت المخلوق الأول، الأول في الكون، المخلوقات لا تعد ولا تحصى، النباتات مخلوقات، الجمادات مخلوقات، الحيوانات مخلوقات، الملائكة مخلوقات، الجن مخلوقات، الإنسان هو المخلوق الأول، لأن الله عز وجل حينما عرض على البشر الأمانة قبلها البشر، قبلها الإنسان، فلما قبل حمل الأمانة سخر الله له.
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
[سورة الجاثية الآية :13]
ينبغي أن تعرف أنك المخلوق الأول، وأن سرّ وجودك في الدنيا أن تعرف الله، وأن تعرف منهجه، وأن تحمل نفسك على طاعته، وعلى التقرب إليه بالأعمال الصالحة، إن فعلت هذا حققت الهدف من وجودك، حققت سرّ وجودك، وغاية وجودك، إن فعلت هذا فزت فوزاً عظيماً.
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[سورة الأحزاب الآية:71]
الطريق إلى الله سالكة بطاعته و الخضوع لأمره :
كلمة عظيم قد يقولها طفلٌ صغير، يقول لك: أنا معي مبلغ عظيم، كم تقدر هذا المبلغ؟ بمئتي ليرة، فإذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، كلمة عظيم من مسؤول تقدر بمئتي مليار، فإذا قالها رب العالمين:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
[ سورة النساء]
إذا آمنت بالله أقسم لك بالله: قلامة ظفر مؤمن تساوي أهل الأرض الفسقة، قد يكون الإنسان مؤمناً ضعيفاً، موظفاً بسيطاً، مواطناً عادياً، لا يملك إلا قوت يومك، وهو عند الله كبير.
يروى أن النبي الكريم دخل عليه أحد الصحابة فهش له وبش، وقال له: أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، هذا الصحابي الجليل فقير، قال: أو مثلي؟! قال له: أنت خامل في الأرض علم في السماء.
أخواننا الكرام، أنا أُخاطبكم، كل واحد منكم يستطيع أن يكون عالماً في السماء، الطريق إلى الله سالكة، لا تحتاج إلى ميزة.
من عرف الله و أطاعه حقق الهدف الأكبر من وجوده في الدنيا :
الآن هناك مناصب لا يوجد أمل لتصل لها، تحتاج شهادات، وتحتاج انتماءات، وتحتاج قدرات، أما أي إنسان يصل إلى أقرب مكانة عند الله بطاعته فقط، أي أن تتعرف إلى الله، أن يكون بينك وبين الله ود.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
[سورة مريم الآية: 96]
إذا كان معك هاتف شخص عادي جداً بوزارة معينة، تتيه بهذا الرقم، يقول لك: عند الضرورة خبرني، فإذا كنت على اتصال بخالق السموات والأرض! يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أي متاح لنا جميعاً أن نصل إلى الله، والوصول إلى الله بإمكاناتنا متاح لنا، أن تستقيم على أمره، أن تؤدي العبادات، أن تخدم عباده، لذلك هذا المشرك الذي عبد غير الله، عبد زيداً أو عبيداً، عبد قوياً، عبد غنياً، عبد متسلطاً، خضع له، نسي ربه، هذا المشرك احتقر نفسه، أنت لله، قالوا: الجماد من أجل النبات، والنبات من أجل الحيوان، والحيوان من أجل الإنسان، والإنسان من أجل من؟ من أجل الواحد الديان، خلقك من أجل أن تعرفه.
فلذلك أنت حينما تعرف الله، وحينما تطيعه، تكون قد حققت الهدف الأكبر من وجودك في الدنيا، والذي جاء إلى الدنيا وخرج منها وما عرفه، أي لم يحقق الهدف الأكبر في حياته
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
تعبير الله عز وجل عن بيت الله الحرام بكلمة مسجد :
بعض المفسرين فسروا المساجد ببيت الله الحرام، لذلك كما هو معلوم ممنوع أن يدخل المشركون منطقة الحرم كلها، فأنتم ترون في الذهاب إلى مكة قبل الوصول لمكة، هناك طريق لغير المسلمين لينقلوا إلى غير مكة، أما مكة بحرمها الكبير، وبيت الله الحرام فيها، ممنوع على غير المسلم أن يدخله، استناداً لهذه الآية، طبعاً هذا مكان عبادة إسلامية، مكان اتصال بالله، فالذي يعبد غير الله ليس له مكان عندنا.
مثلاً الجامعة لطلاب العلم، وهناك إنسان أُمي لا يقرأ ولا يكتب، أراد أن يدخلها لتجارة، هنا لا يوجد تجارة، هنا يوجد طالب علم، وهناك قاعات تدريس، وأساتذة، و دكاترة، هذا المكان ليس للتجارة، التجارة في الأسواق، الذي يريد الدنيا متاحة له الأرض كلها، أما بيت الله الحرام لمن يريد الآخرة، لمن يريد الله عز وجل،
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
لأن بيت الله الحرام كل مكان فيه جهة للقبلة، من طرف الشمال إلى الجنوب، ومن طرف الجنوب إلى الشمال، من طرف الشرق إلى الغرب، ومن طرف الغرب إلى الشرق.
مرة إنسان سأل آخر في بيت الله الحرام، أين القبلة؟ قال له: الكعبة أمامك، قال له: الكعبة واضحة، قلت لك: أين القبلة؟ هو جاهل، فأي إنسان دخل بيت الله الحرام من أي جهة، قبلته الكعبة، بعض العلماء قالوا: كل جهة مسجد، كلمة مساجد هنا في هذه الآية بالذات تعني بيت الله الحرام، المساجد هنا باتجاه الجنوب، مساجد اليمن باتجاه الشمال، مساجد العراق باتجاه الغرب، مساجد بلد آخر باتجاه الشرق، كشمال إفريقيا، لكن بيت الله الحرام فيه كل الاتجاهات بأي مكان باتجاه الكعبة، فعُدّ أي مكان مسجداً، فالله عبّر عن بيت الله الحرام بكلمة مساجد:
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
هذا مكان للصلاة، مكان للعبادة.
لذلك ورد في الأثر: أن الحديث في المسجد، حديث عن الدنيا، عن التجارة، عن الأعمال، عن فرص العمل، عن شؤون الدنيا، إذا تُكلم بها في المسجد قال: إنها تحبط العمل، هذا المكان لعبادة الله، والدليل عند الدخول إلى المسجد ينبغي أن تقول :
(( اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك ))
والخروج من المسجد يقتضي أن تقول:
((وافتحْ لي أبواب فضلك))
[الترمذي عن فاطمة الزهراء]
أنت دخلت واتصلت بالله تسأل الله أن يفتح لك طريق الصلة به، أما إذا خرجت من المسجد تسأل الله جلّ جلاله أن يفتح لك عملاً صالحاً يعبر عن اتصالك بالله عز وجل، خارج المسجد اسأل الله أن يهبك عملاً صالحاً، ضمن المسجد اسأل الله أن يمنحك صلة به، هذا المكان مكان اتصال بالله.
منع المشركين من دخول بيت الله الحرام :
أيها الأخوة، في بعض الأحاديث الشريفة:
(( لا يدخل المسجد مشرك ))
[ابن جريج عن عطاء]
((لا يطوف في البيت عريان))
[أحمد عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه]
كان العرب في الجاهلية قبل الإسلام يطوفون بالبيت عراة، لماذا؟ قال: لأن ثيابهم ارتكبوا فيها المعاصي فخلعوها كلياً، وطافوا عراة، وقد فعلوا معصية أكبر من معاصيهم.
أيها الأخوة، طبعاً أول توجيه:
(( لا يدخل المسجد مشرك ))
[ابن جريج عن عطاء]
((لا يطوف في البيت عريان))
[أحمد عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه]
﴿ مَا كَانَ ﴾
هذه عبارة فيها نفي الشأن، طبعاً للتوضيح: ما هو نفي الشأن؟ هناك نفي الحدث و هناك نفي الشأن، لو إنسان سأل شخصاً قال له: هل أنت جائع؟ يقول: لا، لكن لو قال له: هل أنت سارق؟ هل يكفي أن يقول: لا، يقول: ما كان لي أن أسرق، هذا نفي الشأن، ليس من شأني أن أسرق، ولا من طبيعتي، ولا من منهجي، ولا من مبدئي، ولا أقبل، ولا أسمح، وأرفض، وألوم، وأوبخ، وأعاقب، يمكن أن يحكي لك خمسين كلمة، بمعنى ما كان لي أن أسرق، فكلمة:
﴿ مَا كَانَ ﴾
تعني نفي الشأن، أما هل أنت جائع؟ لا، نفي الحدث، الجوع حدث، أنت لست جائعاً، أما أتُهم إنسان بالسرقة، لا يقول: لم أسرق، يقول: ما كان لي أن أسرق.
لذلك هنا هذا النفي، أي لا يدخل المشركون البيت الحرام،لا، لا، بل أعمق من ذلك،
﴿ مَا كَانَ ﴾
أي أيُّ إنسان لم يؤمن بالله، آمن بالأصنام، ما سرّ وجوده في بيت الله الحرام؟ جامعة للتعليم والتدريس، إنسان أُميّ ومجرم، ليس له علاقة بالجامعة، بالعلم أُميّ، بالسلوك مجرم، في الجامعة ليس له مكان أبداً، فعدم إدخاله الجامعة شيء طبيعي جداً:
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾
إنسان كافر بخالق السماوات والأرض، ماذا يعني المسجد له؟ أنا أقول لكم: تراث، فلكلور إسلامي، فالإنسان إذا لم يؤمن بالله أصلاً فكل مظهر إسلامي، أقواس، أبنية، مساجد، يقول لك: فلكلور إسلامي، هذا تراث إسلامي، أما المسجد عند المؤمن هذا بيت الله.
((إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر))
البشر ثلاثة أصناف :
لو توسعنا قليلاً، أنت جئت إلى بيت الله وصليت، أنت حينما تقف بين يدي الله وتقول:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
[سورة الفاتحة]
يأتي التوجيه الإلهي:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
[سورة الإسراء الآية:53]
تكلم الكلمة اللطيفة، الكلمة الحسنة، الكلمة التي لا تؤذي، هذا أمر إلهي، فأنت إذا قلت: الله أكبر، سبحان ربي العظيم، هذا الركوع الخاص بهذه الركعة، هو خضوع لله في تنفيذ هذه الآية،
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
أي وأنت في الركوع لسان حالك يقول: سمعاً وطاعةً يا رب، فإذا وصلت إلى السجود: يا رب أعني على طاعتك، الركوع خضوع، والسجود استعانة، والسورة التي بعد الفاتحة توجيهات ربنا عز وجل، والفاتحة تمهيد للسورة،
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾
من هؤلاء الذين أنعمت عليهم؟ الذين عرفوا وطبقوا،
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾
الذين عرفوا وانحرفوا،
﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
الذين ما عرفوا وانحرفوا، فالبشر شئتم أم أبيتم ثلاثة أصناف، صنف عرف الله وأطاعه، والثاني عرفه ولم يطعه، والثالث ما عرفه ولم يطعه،
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
ملخص الصلاة :
الآن يقول الله لك:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾
[سورة الإسراء الآية:53]
هذا توجيه إلهي، الله أكبر، سبحان ربي العظيم، سمعاً وطاعةً يا رب، سأقول لمن حولي
﴿ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
سمع الله لمن حمده، الله أكبر، يا رب أعني أن أقول:
﴿ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
هذا ملخص الصلاة، الفاتحة تمهيد، والسورة توجيه، والركوع خضوع، والسجود استعانة بالله عز وجل،
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
فبيت الله للعبادة، بيت الله لمعرفة الله، بيت الله للدعوة إلى الله، بيت الله لإقامة الصلاة، بيت الله للتعاون بين المؤمنين، بيت الله مكان للمسلمين،
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
أي لا يحق لهم، وليس من شأنهم، ولا يستحقون دخول هذا البيت، لك أن تأتي بأفعال لا تعد ولا تحصى من صيغة ،
﴿ مَا كَانَ ﴾
مرة ثانية: سُئل أحدهم هل أنت سارق؟ هو إنسان مستقيم، قال له: ما كان لي أن أسرق، أنا لا أسرق، ولا أطلب من أحد أن يسرق، ولا أرضى بالسارق، وأحارب السارق، وأذم السارق، يمكن أن تتكلم عشرات الكلمات بل ضعف عشرات ترجمة لكلمة ما كان لي أن أسرق، لذلك لم تنفِ الحدث، هل أكلت؟ لم آكل، نفى الحدث، أما هل سرقت؟ ما كان لي أن أسرق، هذا نفي الشأن، نفي الشأن أبلغ من نفي الحدث.
آداب المساجد :
أخواننا الكرام، العلماء وضعوا آداباً كثيرة للمساجد، وهذه الآداب مستقاة من آيات كريمة، ومن أحاديث كثيرة، يأتي في مقدمة هذه الآداب: عدم تخطي الرقاب في المسجد، من هذه الآداب: ألا يكون المسجد مكاناً لحديث دنيوي، لأنه هذا المسجد مكان عبادة، والدنيا لها مكان آخر، في الأسواق، لذلك ورد :" إن الحديث الدنيوي في المسجد يحبط العمل ويمحو الحسنات".
وكما قلت: عدم تخطي الرقاب، وعدم إيذاء المسجد، لا بصوتٍ، ولا براحةٍ، ولا بشيء من هذا القبيل، والله عز وجل بقول:
﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
[سورة الأعراف الآية:31]
أي الإنسان يكون مغتسلاً، متعطراً، ثيابه نظيفة، هذه تليق بالمؤمن، وهو في بيت من بيوت الله.
المسجد مكان السجود والعبادة :
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾
قد يقصد بمساجد الله بيت الله الحرام وحده، لأنه بكل مكان بالمسجد يوجد قبلة خاصة، مجموع هذه القبلات سميت مساجد.
﴿ مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾
إنسان ليس مؤمناً بالله، المسجد ليس له عمل به إطلاقاً، فالمسجد مكان السجود، مكان للعبادة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( جُعِلت لي الأرضُ مسجداً))
[أخرجه النسائي عن جابر بن عبد الله ]
هناك فرق بين أن يتخذ بناء للصلاة وحدها، هذا مسجد، وأي مكان تسجد فيه على الأرض يسمى مسجداً، مسجد كمكان السجود شيء، ومسجد كبيت أقيم للصلاة شيء آخر، أي هذا الدين العظيم سمح للمسلم أن يصلي في أي مكان، في بيته، في معمله، في حقله، أي مكان مسموح الصلاة فيه، أما إذا أتى إلى بيت الله صار هناك صلاة وهناك علم، مكان خاص للصلاة، لذلك أي إنسان يصلي في بيته فرضاً صلاة الفجر فهذا شيء مقبول، لكن:
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))
[أحمد]
في بعض الأحاديث وهي متواترة، أن صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد في بيته سبعاً وعشرين ضعفاً، فأنت في البيت قد تقرأ:
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾
[سورة الإخلاص الآية: 1]
أما إذا صليت الفجر في المسجد، بكل ركعة تقرأ صفحة بكاملها.
اختلاف وجهات نظر العلماء في قضية القراءة من المصحف والإنسان يصلي :
بالمناسبة قضية أن تقرأ من المصحف واردة على اختلاف وجهات نظر العلماء، أما أنت حينما تقرأ بالركعة صفحة بكاملها، تتملى من هذه الآيات فإذا جاء الركوع خضعت لله، وإن جاء السجود، أي أحياناً قد تستفيد إذا قرأت من المصحف في الصلاة، لأنك لا تحفظ كتاب الله، فإذا أردت أن تعتمد على ذاكرتك فهناك الإخلاص، والمعوذتين، بكل صلاة، ومع التكرار تفقد السورة معناها، لذلك يمكن أن تقرأ في الصلاة من مصحف، على اختلاف بين الأحكام، طبعاً مسموح أن تقرأ من المصحف في النوافل قطعاً، أما في الفرائض فهناك اختلاف، أي منع أبو حنيفة ذلك وبقية العلماء أجازه.
على كلٍّ: جرب أن تصلي والمصحف أمامك وتقرأ صفحة بكاملها في كل ركعة، أول ركعة هذا الصفحة، والركعة الثانية هذه الصفحة، العبارة أن الصلاة:
(( عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين))
[ البيهقي في شعب الإيمان عن عمر]
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾
أي الإيمان التوجه إلى الواحد الديان، الإيمان أن تخضع إلى الله، الإيمان أن تطبق منهجه، الإيمان أن تأتمر بأمره، الإيمان أن تنتهي عما نهي عنه وزجر، الإيمان أن يكون عملك إسلامياً، الإيمان أن يكون زواجك إسلامياً، الإيمان أن تبحث عن عمل صالح تتقرب به إلى الله عز وجل،
﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾
العمل الصالح إن لم ترافقه نية طيبة وإخلاص لا قيمة له :
أخواننا الكرام، أخطر شيء أن يحبط العمل، عمل بنية لا ترضي الله، لا قيمة له إطلاقاً، ولا وزن له، مثلاً: إنسان عنده ألف دونم قيل له: لو تبرعت بخمسة دونمات لمسجد تضطر البلدية أن تفرز هذه الأرض إلى محاضر، فإذا فرزت إلى محاضر يتضاعف سعرها، إذاً قدم خمسة دونمات لبناء مسجد، عند الناس جميعاً المحسن الكبير، بهذه النية الذي أرادها لا وزن لعمله إطلاقاً، فلذلك:
((إِنما الأعمال بالنيات ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب]
قال:
﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾
العمل الصالح إن لم ترافقه نية طيبة وإخلاص لا قيمة له، لذلك الحديث:
((إِنما الأعمال بالنيات ))
قيمة العمل محددة بنيته، ما النية؟
﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾
لذلك قالوا: عادات المؤمن عبادات، لو اعتنى بأولاده، لو أدخل على قلبهم الفرح، عمل صالح، لو اشترى ثياباً جديدة لأولاده على العيد فهذا عمل صالح، عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات،
﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾
عمله مرفوض ولو كان عبادةً، لأنه منافق،
﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾
المؤمن الصادق يتحرى الإخلاص في عمله وفي كل شؤون حياته :
أخواننا الكرام، كل ما أتمناه أن يراقب الإنسان عمله، فإن كان ليس لله فهو خاسر.
مرة إنسان تروي الكتب أنه ما تخلف أربعين عاماً عن صلاة الفجر في المسجد، في أول صف، مرة فاتته الصلاة، فقال: ماذا يقول الناس عني؟ معنى هذا أن هدفه الناس.
راقب نفسك، أنت حينما قدمت هذا الطعام تبتغي السمعة أم الشهرة أم تبتغي إكرام هذا الضيف؟ أنت حينما أتيت إلى المسجد ليقال عنك من رواد المساجد أم تبتغي وجه الله؟ قضية الإخلاص لله قضية خطيرة، فراقب عملك، وتفحص نيتك.
﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾
أي كما أن المعاصي لها أمكنة، قد تكون هناك معاص في بيوت الله، وقد تكون هناك إشراكات في بيوت الله.
فلذلك المؤمن الصادق يتحرى الإخلاص في عمله، وفي كل شؤون حياته، تصبح الآية في النهاية :
﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾
المقصود بمساجد الله، بيت الله الحرام:
﴿ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾
ولبيوت الله آداب كثيرة إن شاء الله تعالى نعالجها بتفصيل في درس قادم.
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=3745&id=97&sid=101&ssid=257&sssid=258