نعيش في هذه الحلقة العاشرة من قصة عماد الدين زنكي مع فضيلة الدكتور راغب السرجاني لنتعرف معه على جهاد السلاجقة وقصة الموصل وشمال العراق؟ ولماذا أتت الحركات الجهادية من ذلك المكان والتوقيت تحديدًا دون غيره؟ ومن هم سلاطين السلاجقة الأتقياء المجاهدين؟ وما هي جهود طغرل بك وملك شاه وألب أرسلان؟
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ...
نعوذ بالله تعالى من شرور سيئاتنا ومن سوء أعلمالنا
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فأهلا ومرحبا بكم فى هذا اللقاء المبارك وأسأل الله تعالى أن يجعل هذه الحلقات فى ميزان حسناتنا أجمعين مع الحلقة العاشرة قصة عماد الدين زنكى رحمه الله
فى الحلقات الماضية تعلقنا بالأزمات العديدة التى تعرض لها المسلمون ورأينا الدماء والأشلاء ورأينا المشاكل الطاحنة التى مرت بها الأمة الإسلامية ورأينا إقتحام الجيوش الصليبية لعقر دار المسلمين ورأينا سقوط أنطاكيا وسقوط معرة النعمان و فينيقية وكثير من المدن الإسلامية حتى وصل الأمر إلى سقوط القدس درة الشام والمدينة المقدسة والمسجد الأقصى وذبح فى المسجد الأقصى سبعون ألفاً من المسلمين من الرجال والنساء والأطفال وحلت كوارث كبرى على المسلمين وأنا أقول لكم إخوانى وأخواتى فى الله أن هذه المشاكل الضخمة لم تكن فقط فى أعداد القتلى ولا أنهم من النساء والأطفال .. والذين لا يقاتلون من المدنيين إنما كانت فى الأساس مشكلة فى الدين كانت مشكلة فى البعد عن العقيدة الإسلامية الصحيحة كانت مشكلة فى ترك القرآن والسنة كانت مشكلة فى عدم الإحساس بإخوانك من المسلمين و المسلمات الذين يضطهدون ويقتلون كانت المشكلة فى الفرقة الشديدة بين المسلمين كانت مشكلة الأسلحة التى كانت توجه إلى صدور المسلمين ولا ترفع أبداً فى وجوه الصليبيين .. كانت هذه أمراض كبيرة ضخمة هائلة عانت منها الأمة الإسلامية وكان من الضرورى والحتمى أن تلقى عقابها وهذا عقاب سريع فى الدنيا وعقاب الأخرة أشد وهذا أمر متكرر عند كل موطن من هذه المواطن الإسلامية الشاذة عن المنهج الإسلامى وعن الشريعة الإسلامية رأيناها فى الحروب الصليبية وسنراها فى حروب التتار وسنراها فى كل حرب على هذه الشاكلة فى أزماننا وفى الأزمان التى سبقت وحتى يوم القيامة .. لأنها السنة الماضية ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً
انا اعلم ان الحلقات الماضية كانت حلقات مؤلمة وانا اعدكم أن فى هذه الحلقات قد انتهى الألم عند هذه الدرجة وسندخل بإذن الله فى لحظات سعيدة لحظات بناء لحظات تغيير لحظات إصلاح لحظات خروج من الأزمة على يد المجاهدين و العلماء والأفراد كيف خرج المسلمون من أزمتهم هذا ما سنتحدث عنه بإذن الله فى حلقتنا هذه وفى الحلقات القادمة
لكن هنا سؤال لابد انه خطر على أذهان المسلمين المشاهدين والمشاهدات لهذا البرنامج إنه إذا شعر المسلمون بهذه الخسة وهذا الهوان وهذا الضعف فأطلقوا العنان للجيوش الصليبية تدخل إلى هنا وهناك هذا فهمناه
لكن كيف نفهم أن الصليبيين لم يخشوا من المسلمين ؟؟
الجيوش الصليبية كانت قليلة قلنا ان الجيوش التى دخلت العالم الإسلامى كانت ثلاث مائة ألف وانفصل جزء فى انطاكيا وفى الرها وقتل جزء وعاد جزء إلى أوروبا و لم يبقى منهم على أكثر تقدير إلا ثمانين ألف مقاتل ... فى بعض الروايات تقول ستة ألاف فقط وهؤلاء الثمانون ألف أو الستة ألاف او ما بينهم إنتقلوا من أنطاكيا إلى عمق بلاد فلسطين وإلى القدس دون أن يشعروا بأى نوع من الرهبة من المسلمين كيف ؟؟
نحن لا نتخيل أن مجموعة من المقاتلين المدد لهم على بعد عدة ألالف من الأميال موجود فى أوروبا بينهم بحار كبيرة جدا البحر الأبيض المتوسط يحتاجون إلى شهور حتى يصل المدد يقتحمون العالم الإسلامي فى عمقه ولا يخشون من المسلمين لماذا نزعت الرهبة من قلوب الصليبيين .. نعم عرفنا كيف دخل الوهن فى قلوب المسملين ودخل الضعف والهوان لأنهم عصوا الله عزوجل وابتعدوا عن منهجه وعن شرعه لكن لماذا حدث ذلك مع الصليبيين ؟
أجيب عنه فى حديث واحد من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وبعده ننتقل إلى النور الذى رأيناه بعد ذلك فى الأمة الإسلامية هذا الحديث رواه أبو داود عن ثوبان رضى الله عنه وأرضاه يقول عنه النبى صلى الله عليه وسلم :
((يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ))
الراوي: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 8183
خلاصة حكم المحدث: صحيح
تأتى الأمم من كل مكان لتأكل من أمة الإسلام كما يأكل الفريق من الناس من طبق الطعام .. تأتى الأمم من ألمانيا من فرنسا من إيطاليا من أسبانيا من إنجلترا من كل بقاع العالم البعيدة ليشتركوا جميعاً فى أكل أمة الإسلام كطبق الطعان يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها .. فزع الصحابة رضى الله عنهم وارضاهم سأل سائل منهم يارسول الله أومن قلة نحن يوئذ المبرر الوحيد الذى فقهه الصحابى لهذه الأزمة الكبيرة التى تمر بها أمة الإسلام أن المسلمين قله ...
تقل جداً الأعداد فتأتى أمم الأرض لتأكل أمة الإسلام لكن الرسول فاجئ الصحابى وقال بل انتم يومئذ كثير أعداد كبيرة جداً من المسلمين .. ولكنكم غثاء كغثاء السيل ... الوسخ الذى يعلوا السيل إذا شرق السيل شرق وإذا غرب السيل غرب
ثم قال وهذا تفسير الموقف الصليبى الذى رأيناه فى الحروب الصليبية ثم قال ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم .. الله أكبر ولينزعن الله .. الله عز وجل هو الذى ينزع المهابة منا من قلوب اعدائنا فلا يكترثون بنا
الله هو الذى يفعل ذلك لماذا .؟؟
لأننا ابتعدنا عن شرعه فأراد أن يذلنا حتى نعود إليه سبحانه وتعالى .. لينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم وليلقين فى قلوبكم الوهن "الضعف والخور والجبن والإستكانة " ما هو هذا الوهن قال الصحابة رضى الله عنهم وأرضاهم وما الوهن يا رسول الله ما هو الضعف قال حب الدنيا وكراهية الموت ...
راجعوا الحلقات الأولى من هذا البرنامج ذكرنا أن الدنيا هذه هى التى أورثت كل هذه المصائب حينما فتحت الدنيا على المسلمين وبسطت عليهم الأموال عصوا الله عز وجل وتنافسوا على هذه الأموال وتقاسموها فحدثت الفرقة والتشرذم والضعف ومن ثم دخل الصليبيون وانتصروا على المسلمين .. وهذا ما ذكره حبيبنا الرسول فى كلمتين سريعتين جدا فى منتهى الإيجاز والإعجاز أوتى جوامع الكلم ... صلى الله عليه وسلم حب الدنيا وكرهية الموت فى سبيل الله عندها المسلم يقبل بأى حياة .. أى حياة وإن كانت ذليلة وإن كانت تعيسة وإن كانت رخيصة وإن كانت على هامش التاريخ يقبل بأى شيء لمجرد أن يعيش هنا لابد أن تحدث إنتكاسة وهزيمة ونكسة وكل ما يمكن أن يتوقعه المسلمون من أزمات
حل هذه القضية أن يخرج قوم يحبون الموت فى سبيل الله يزهدون فى الدنيا .. عكس المعادلة التى ذكرها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فى هؤلاء الذين أصابهم الوهن حل هذه القضة هو هذا الكلام هو ما ذكره خالد بن الوليد رضى الله عنه فى رسالة أرسلها إلى فارس أرسل له رسالة قال له فيها أسلم تسلم أو اعتقد لنفسك وولقومك الجزية وإلا أتيتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة فقه خالد بن الوليد رضى الله عنه السبب الذى من أجله ينصر المسلمون أن يحبون الموت فى سبيل الله فإن وصلوا إلى هذه الدرجة الإيمانية أنهم يطلبون الأخرة ولا يطلبون الدنيا يحبون الله عزوجل أكثر مما يحبون اموالهم وأولادهم ونسائهم وديارهم وعشيرتهم وتجارتهم وكل شيء عندها ينزل نصر الله عز وجل ويكون هذا النصر يا إخوانى بأبسط الأسباب ويكون فى أسرع الأوقات أحيانا تكون معركة يوم واحد وينتصر المسلمون إنتصاراً كبيراً لكن لابد أن يكون الجيش خالصاً لله عزوجل هذا ما فقهناه من هذه المقدمة السريعة للحروب الصليبية والتفصيلات فيها كثيرة .. ولا نريد أن نقف على المحطات المؤلمة ولكن نتجاوزه الى سؤال مهم :
هل يمكن أن يمر على المسلمين ظلام وظلام وظلام ... ثم لا يكون نور بعد هذا الظلام ؟
هذا أبداً يا إخوانى لا يكون وهذه بشرى لكل المسلمين .. وهذا وعد الله عزوجل .. واليأس ليس من شيم المؤمنين والإحباط ليس من صفات الموحدين قال تعالى
(( قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴿٥٦﴾ ))
( الحجر / 56 )
((يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾ ))
(يوسف / 87 )
بل ذكر ربنا عزوجل فى كتابه الكريم أن من ظن مجرد الظن أن الأمة الإسلامية لا تنتصر فهذا لا حاجة للمسلمين فيه قال :
((مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّـهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴿١٥﴾ ))
( الحج / 15 )
هذا من ييأس فى نصر الله عزوجل لا نريده فى أمتنا
((إذا قال الرَّجلُ : هلك النَّاسُ ، فهو أهلكُهم))
الراوي: أبو هريرة المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2623
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فى الروايتين صحيحتين ان من يقول هذا الكلام هومن تسبب فى هلاك المسلمين أو هو أشدهم هلاكاً على كلا الحالتين فى التفسير صحيح ..
دائماً إخوانى وأخواتى يأتى بعد الظلام نور ... بل إن النور لا يأتى إلا بعد أشد لحظات الظلمة .. هكذا يأتى الفجر بعد أشد لحظات الليل ظلمة يقول قائل إنما رأينا فى القصة منذ أن دخل الصليبيون آسيا الصغرى ومنذ أن اقتحموا انطاكيا ومنذ أن اقتحموا لبنان و طرابلس وإلى غيرها حتى وصلوا القدس لم نرى مؤمناً واحداً يرفع سيفه مجاهداً فى سبيل الله لم نرى كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله منهجاً للتغيير لم نرى من يقاتل ليبذل نفسه لله عزوجل لا يريد أن يرجع إلى أهله .. فمن أين يمكن أن يأتى النصر ؟؟
أقول لكم إخوانى وأخواتى فى الله .. إذا نظرتم إلى هذه الأوضاع لا تنظروا نظرة ضيقة إلى المكان الذى تتم فيه الأحداث .. لا تنظروا إلى أرض الشام فقط ولا إلى أرض فلسطين فقط ولا إلى أرض اسيا الصغرى فقط ولكن وسعوا النظرة .. أنظروا إلى العالم الإسلامى أجمع هذا العالم الإسلامى قد يأتى النصر منه من أى مكان قد يكون بعيداَ جداً عن أرض الحدث لكن يأتى النصر المهم أن الأمة لا تموت بكاملها أبداً يموت بعضها ويبقى بعضها رافعاً اللواء وهذا من فضل الله عز وجل على هذه الأمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرةٌ على الحقِّ لا يضرُّهُم من خالفَهم ولا من خذلَهم حتَّى تقومَ السَّاعةُ))
الراوي: - المحدث:ابن تيمية - المصدر: الجواب الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2/180
خلاصة حكم المحدث: صحيح
أنظر إلى النص فهو فى منتهى الروعة وفى منتهى الحكمة وفى منتهى العمق .. لا يبدلون ولا يغيرون ولا يحرفون ثابتون على دينهم متمسكون بعقيدتهم لكنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر أن هذه الطائفة من الحق موجودة فى المكان الذى تحدث فيه الكارثة قد ياتى من هنا أو من هناك من الشرق أو من الغرب من العرب أو من غير العرب المهم انه طائفة من المسلمين ستظل متمسكة بالحق وهذه تحمل على أكتافها هموم الأمة ... هموم الأمنة فى فلسطين وفى العراق وفى الشيشان وفى كشمير وفى الشرق والغرب وفى كل مكان هو يتحرك بحمية ويتحرك بحب لهذه الأمة .. وليس عنده اى ماع فى بذل ماله وذاته وقمه بل بذل نفسه فى سبيل الله عزوجل يقدم الله عزوجل ورسوله الكريم وشريعته والجهاد فى سبيل الله عزوجل على كل شيء فى حياته هكذا وعد صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذى لم يكذب فى حياته قط صلى الله عليه وسلم من أين تأتى هذه الطائفة فى مراحل التاريخ اللاحقة رأينا العجب والله ..
إذا نظرت إلى موقعة عين جالوت ورأيت التتار كيف اقتحموا العالم الإسلامى فانتهكوا حرمات شرق العالم الإسلامى من أوله إلى آخره بل دمروا بخارى سمرقند ودمروا أذربيجان وكل المدن الإسلامية فى طريقهم دمروها دمروا بغداد عاصمة الخلافة ..
من أكبر الهجمات البربرية فى التاريخ الإنسانية كلها ثم من أين جاء النصر ؟؟ جاء النصر من مكان لم يتعرض أصلاً لضربات التتار تخيل جاء من مصر .. من مكان لم يتعرض لهذا الغزو لم يرى هذه الآلام من مكان يعيش بعيداً تماماً عن الصورة التى ونحن نحلل الأحداث نحاول أن نجد نصرة فى داخل الشام .. نصرة فى داخل بغداد .. نصرة من داخل سمرقند أو بخارى من داخل البلاد التى عانت الأمريين من التتار لكن أتى النصر من مكان بعيد عندما مر المسلمون بأزمة شديدة فى الأندلس وكادت أن تسقط وقسمت الأندلس إلى اكثر من عشرين دويلة فى عهد ملوك الطوائف وتأكد الناس جميعاً ان الإسلام سينتهى فى بلاد الأندلس . من اين اتى النصر جميع مايحدث يحدث فى قرطبة وأشبيلية و طليطله وفى غيرها من الدول الأندلسية ... فإذا النصر ياتى من المغرب من دول مورتانيا والسنغال فى دولة المرابطين من مكان بعيد تماماً من الصحراء بعيده عن المروج الخضراء وعن القصور وبعيدة عن كل الحركات الشعبية التى توجد فى داخل الأندلس هكذا يأتى النصر من مكان ما لكنه لابد أن يأتى من أين أتى النصر فى قصتنا هذه ؟؟
وهنا يأتى من شمال العراق ... وهذه بداية قصتنا مع عماد الدين زنكى رحمه الله وهناك أمر لافت جداً للنظر فى الحروب الصليبية كل الحركات الجهادية التى رأيناها فى الحروب الصليبية اتت من هذا المكان بداية من كاتبغا ذكرناه فى احدى الحلقات المتقدمة من هذا البرنامج كان كاتبغا كان من أوائل الناس الذين جاؤوا لإنقاذ انطاكيا من الحصار لكنه خذل للأسف من أمير دمشق و من جناح الدولة أمير حمص ومن غيره من القادة الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا فاضطر إلى بعد ذلك إلى العودة إلى الموصل ولم يحقق نصراً وتكررت بعد ذلك الحملات الموصلية فى محاولة إنقاذ العالم الإسلامى من شمال العراق وتكرر ذكر الرجال الذين لم نتعرض لهم فى برنامجنا يحتاج إلى تفصيل مثل آق سنقر وغيره من المجاهدين ولعلنا بإذن الله فى الحلقات القادمة نتعرض إلى مودود وهو أحد كبار المجاهدين فى تاريخ الأمة ثم سيظهر بعد ذلك من شمال العراق عماد الدين زنكى بطل قصتنا رحمه الله وسيكون من نسل نور الدين محمود أحد كبار الأعمدة فى الحروب الصليبية بل إنه يخرج من نفس المنطقة نجم الدين أيوب الذى جاء من نسل ابنه صلاح الدين الأيوبى رحمه الله صاحب الجهد المعروف فى حربه ضد الصليبيين ..
لماذا أتت كل هذه الجيوش من هذا المكان تحديداً من شمال العراق لكى نفهم يا إخوانى هذا الأمر لابد ان نعود إلى الوراء قليلاً نحلل الأحداث فى هذه المنطقة حتى نفهم لماذا كانت الصحوة الإسلامية على مستوى عال جداً و متميز فى هذه المنطقة ولماذا خمدت هذه الصحوة الإسلامية فى بلاد الشام وفى بلاد فلسطين فى هذا الزمن تحديداً الزمن الذى سبق الحروب الصليبية ؟؟
نعود حوالى خمسين سنة قبل الحروب الصليبية فى منطقة شمال العراق وما حولها لنرى الأوضاع فى هذا الزمن فى عام 447 حيث أن استنجد الخليقة العباسى فى بغداد بطغرل بك وهو مؤسس الدولة السلجيقية وهو من كبار المجددين والقواد الورعين فى تاريخ الإمة الإسلامية وكان رجلاً صواماً قواماً كان يصوم الإثنين والخميس وكان يقوم الليل وكان يكثر العطاء للفقراء وكان رجلاً بمعنى الكلمة فاستنجد به الخليفة العباسى لينقذ الدولة العباسية وينقذ بغداد من الحكم البويهى الذى كان يسيطر على بغداد منذ عام 254 وحتى هذه السنة 447 واستجاب طغر بك من منطلق إسلامى سنى بحت وجاء بجيوشه ودخل بالفعل بغداد سنة 447 ليبدأ عهداً جديداً من الصلاح والتقوى والورع وحب الجهاد فى سبيل الله وحب العلم و لتؤسس دولة السلاجقة العظيمة التى وصلت حدودها من الصين حتى هذه اللحظة إلى بغداد ثم مات طغرل بك رحمه الله وتولى من بعده أبن أخيه البطل الإسلامى الكبير الفذ البارع آلب آرسلان رحمه الله من أعظم القواد والمجددين فى تاريخ أمة الإسلام وكان رجلاً زاهداً ورعاً تقياً حافظاً للقرآن الكريم محركاً للجيوش فى سبيل الله عزوجل وجعل من همه حرب الدولة البيزنطية التى أثقلت على المسلمين الحروب فى السنوات السابقة وإحتلت أجزاء كبيرة جداً من الشام و دفع كثير من المسلمين فى منطقة الشام وخاصة فى شمالها الجزية للدولة البيزنطية فحمل على كتفه هم حرب الدولة البيزنطية فى هذه المناطق ونشر الإسلام وكان الأمر قد انتهى بحرب رهيبة تعرضنا لها فى برنامجنا وذكرناه وهى موقعة ملاذ كرد وانتصر فيها المسلمون بعشرون ألف على مئتى ألف بيزنطى وأسروا الإمبراطور البيزنطى وكانت معركة فاصلة فى تاريخ الإنسانية بأكملها فى هذه المنطقة عرفت الشعب المسلم فى كل المنطقة التى يحكمها آلب ارسلان قيمة الجهاد فى سبيل الله وعلموا ان الحقوق التى تؤخذ بالقوة لا يمكن أبداً أن ترد إلا بالقوة وعلموا أن القوة التى تترك الجهاد فى سبيل الله يذلها رب العالمين عزوجل علموا وفقهوا ذلك دراسة نظرية وطبقوها فى الواقع ومارسوها بأنفسهم رأوها بأعينهم .. علموا حديث رسول الله صلى الله علسه وسلم الذى قال فيه
((إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم))
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3462
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وهو نوع من أنواع الربا ورضيتم بالزرع واتبعتم اذناب البقر وتركتم الجهاد .. هذه الأربعة إذا تبايعتم بالعينة الربا ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه حتى تعودوا إلى دينكم ….
أنظر... نظرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى الأمة التى تترك الجهاد فى سبيل الله على أنها تركت دينها فإذا عادت إلى دينها لابد أن تعود إلى الجهاد فى سبيل الله ولابد ان تعود إلى نبذ الربا وأن تعود إلى ترك الدنيا فى وقت غفل عنه المسلمين وأى وقت يتعين فيه الجهاد أكثر من وقتٍ احتلت فيه البلاد الإسلامية ودنست فيه الديار الإسلامة وانتهكت فيه حرمات المسلمين من الرجال والنساء والأطفال هكذا فقه ألب آرسلان هذه المهمة والقضية وفقه الشعب الذى كان يعيش معه وتحركوا جميعاً للجهاد وجنوا جميعاً ثمرة الجهاد فى سبيل الله رأوه نصراً عزيزاً وسيادة و تمكيناً وقيادة للعالم يقول ابن كثير عليه رحمة الله فى وصفه لآلب ارسلان رحمه الله كان بحق سلطان العالم هذا ما كان سلطاناً إسلامياً اتبع دين الله عزوجل فى الدنيا و نسأل الله تعالى ان يعزه فى الأخرة ..
فهذه أول قيمة لاحظها أهل هذه المناطق التى يحكمها آلب ارسلان وكان عقر داره فى بلاد العراق وبلاد فارس يعنى فى المنطقة التى نتكلم نحن بصددها الآن التى عاشت الجهاد و رأت قيمته ..
الأمر الثانى الذى نراه فى هذه الفترة هو أن ألب آرسلان رحمه الله استوزر وزيراً أنا أحسبه من أعظم الوزراء فى تاريخ العالم الإسلامي بكامله إذ استثنينا فريق الصحابة رضى الله عنهم وأرضاهم فهذا أعظم الوزراء قاطبة وهو نظام الملك الطوسى رحمه الله كان هذا وزير آلب آرسلان وعندما مات آلب ارسلان عينه كذلك ملك شاه ابن ألب أرسلان وكان ملكاً عادلاً وملكاً عظيماً وتقياً ورعاً فهذا الوزير الناصح الأمين .. الذى أوكلت إليه مهام كثيرة جدا فى الدولة كان من أعظم الأسباب فى قيام المهضة الإسلامية الحقيقية و صحوة إسلامية راشدةٍ فى العراق وفى فارس فى ذلك الوقت هذا الوزير ينطبق عليه قول رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ما استخلف خليفة إلا وكانت له بطانة من بطانتين بطانة تأمره بالخير و تحضه عليه وبطانه تأمره بالشر و تحضه عليه و المعصوم من عصمه الله عزوجل .
فكان هذا الوزير من بطانة الخير وأمر ونصح ألب أرسلان وكذلك نصح الملك شاه بنصيحة عادت على الأمة الإسلامية بخير عميم طويل جنت الأمة الإسلامية آثاره بعد ذلك عشرات السنين .. وكان سبباً فى قيام حلقات الجهاد من شمال العراق وكانت سبباً فى تحقيق النصر على الصليبيين ترى ما هى هذه النصيحة التى وجهها نظام الملك الطوسى رحمه الله لألب آرسلان ولملك شاه و ترى كيف تعدت أثارها الزمن الذى تحققت فيه النصحية أم بعد ذلك هذا ما سنعرفه بإذن الله فى الحلقة القادمة
أسأل الله عزوجل أن يفقهنا فى سننه وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمان إنه وليُّ ذلك والقادر عليه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته