|
|
|
| راغب السرجاني |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, إنه من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادى له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
أما بعد:
فأهلاً ومرحباً بكم فى هذا اللقاء المبارك, وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه اللحظات فى ميزان حسناتنا أجميعن.
كنا نتحدث فى الدرس السابق عن قضية فى غاية الأهمية, وهى أن الله عز وجل هو الذى غيّر, هو الذى أحدث ما نحن فيه من نعمة, هو الذى أزاح لنا هذا النظام الفاسد, وهو الذى وضع لنا هذا الوضع الجديد, الذى نحن جميعاً نستمتع به ونتحدث فيه, ونتجادل ونتحاور فى وضع ما كنا نحلم بحال من الأحوال أن نصل إليه.
الذى يُراجع التاريخ منذ ثلاثة أسابيع أو أربعة أسابيع يجد أن أقصى طموح لنا لم يكن يبلغ معشار ما نحن فيه الأن, لكن الله عز وجل أنعم علينا بهذه النعم بحوله وفضله ومنه وكرمه - سبحانه وتعالى - وتطلب ذلك منّا أموراً مهمة ذكرناها فى آخر الدرس السابق.
وأول هذه الأمور وأهمها هو واجب الشكر لله عز وجل, لله الذى جعل, لله الذى غيّر, لله الذى أنقذ, لله الذى حارب عدونا وأهلكه, بقدرته لا بقدرتنا, ومنّه لا بفضلنا, هو سبحانه وتعالى.
لكن كيف يمكن لنا أن نشكر الله عز وجل؟
بداية أقول أننا لا نعطى حقيقة الشكر مكانته الطبيعية فى حياتنا, بعضنا يظن أن قضية الشكر لله هى فضيلة من الفضائل, بمعنى أنك قد تفعلها وإن لم تفعلها فإنه أمر قد تُلام عليه أو أن ذلك يُعد من فساد الخُلُق, لكنه بحال من الأحوال فى ظن بعضنا أنه ليس من فساد العقيدة, وإن ذلك لأمرٌ خطير ياإخوانى, الشكر لله عز وجل كما سيتبين لنا فى ثنايا هذا الدرس هو ركنٌ ركين من وسائل عبادة الله عز وجل, فالذى لا يُحسن الشكر لله عز وجل لا يُحسن العبادة لله عز وجل, ومن ثمّ فهى قضية لا بد أن نقف أمامها وقوفاً طويلاً.
كيف يمكن أن نؤدى شكرنا لله عز وجل على النعمة التى أنعم بها علينا, أو على النعم الهائلة التى لا تُحصى ولا تُعد ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ﴾ سورة إبراهيم, فعدم القدرة على أداء الشكر بالشكل الذى ينبغى هى خطورة كبيرة جداً على عقيدة الإنسان, وليس فقط على أخلاقه, أو على فضائل الأعمال أو على ميزان الحسنات والسيئات, إنما هو يدخل فى قضية عقيدة المسلم, ولعلنا إن شاء الله نتعرض لبعض الأيات والأحاديث التى تُثبت لنا هذا المنطلق وهذا المفهوم.
الشئ الثانى الخطير الذى نعانى منه ونحتاج قبل أن ندخل فى الموضوع أن نقف أمامه, هو إنما عندما نتحدث عن السياسة, ونذكر ما يجب أن تفعله الدولة فى الأيام القادمة من أمور الحكومة وأمور التنظيم وأمور الجيش وأمور الإقتصاد إلخ... فتجد أنه ينفصل السياسى المُحلل عن الشريعة الإسلامية للأسف الشديد, عندما يبدأ فى التحليل ينفصل عن الشريعة الإسلامية, حتى معظم المُحللين السياسيين الإسلاميين, عندما يتكلم عن الأمور السياسية يخلع عبائة الشريعة الإسلامية ويتكلم بلسانهم, أحياناً يُجمِّل التحليل ببعض الكلمات وبعض الأيات والأحاديث لكن المنطلق واحد, منطلق مادى بحت يعتمد على الورقة والقلم وفقط .
وهذا عكس ما مر بنا فى الدرس السابق تماماً فى أحداث ميدان التحرير وغيره من الميادين فى مصر وما رأيناه فى التغيير فى ال 18 يوم التى مرت فى مصر.
كانت ثمانية عشر يوما كلها سياسة مرت بنا أحوال سياسية كثيرة, ودخلنا فى محاور الدولة كلها, سواء محاور أمن الدولة, أو الجيش المصرى, أو الوزارات المختلفة فيه, أو الحكومة من أعلى درجة إلى أٌقل درجة, رأينا أن التحليل كا ينبغى أن يمشى بطريقة معينة حتى نفهم الأحداث.
فالمحلل السياسى المادى فقط, وأحياناً كثيرة المحلل السياسى الإسلامى الذى لا ينظر إلى ميزان الشرع يُحلل بالورقة والقلم وتفوت عليه أمور كثيرة للغاية لا بد أن يلتقطها حتى يصل إلى النتيجة المضمونة أو المطلوبة منه فى هذا الموقف, وعلى الجانب الأخر هناك المحلل الشرعى الذى يرجع إلى الكتاب والسنة دون النظر إلى الواقع الذى يعيشه فتخرج أحياناً الفتاوى والأحكام مخالفة تماماً لما نحن عليه من أحداث, ويُفتى بما يُناسب قرناً سابقاً, أو قروناً سابقة مع وجود النص الذى يحتمل أكثر من معنى, لكنه لم يُسقط هذا النص على الواقع الذى نعيشه.
ما نحتاجه فى هذه الأيام بقوة هو العلماء الذين يجمعوا بين النظرتين, النظرة السياسية والنظرة الشرعية, ولدينا فى الإسلام فرغ ضخم جداً فى الفقه اسمه فقه السياسة الشرعية, أحكام خاصة بالحكم, خاصة بالإدارة, خاصة بالقيادة, خاصة بالإمارة, خاصة بالوزارة, خاصة بكل التفريعات المختلفة الموجودة فى دولة, هذه السياسة الشرعية نحتاج إلى الرجوع إليها عند تحليل هذه الأمور.
أُعطيك مثال يُثبت لك أننا ما زلنا حتى فى هذا الوضع الذى فُتح لنا فيه المجال لنتكلم ونبحث ونُفكر أننا ما زلنا ننظر إلى الأمور بمنظور مادى بحت, حتى السياسيين من الإسلاميين إلا من رحم الله, أقول مثلاً: أبو بكر الصديق - رضى الله عنه – رجل على رأس الدولة الإسلامية, يأخذ قرارات فى غاية الخطورة, قرارات سياسية, عسكرية, إقتصادية, إجتماعية, تعُمّ الدولة بكاملها, أنا أعتقد أن سياسى مُحلل مادى, حتى لو كان مُلتزم, لكن لا يرتكن إلى القرآن والسنه فى التحليل, لا يُمكن بحال من الأحوال أن يأخذ معظم القرارات الذى أخذها أبو بكر الصديق - رضى الله عنه وأرضاه - أى أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يذهب لقتال المرتدين مثلاً, لأن حسابات الورقة والقلم تقول أنه لا يُمكن أبداً أن تُقاتل المرتدين فى ذلك الوقت, لكن لأنه رجل ينطلق من عقيدة إسلامية ولديه من الضوابط الشرعية التى تحكمه, ولديه من الفقه الواضح من القرآن والسنّة والأيات والأحاديث, ولديه فوق كل ذلك اليقين الكامل فى وعد الله عزّ وجل, استطاع أن يأخذ قرارات ما يستطيع سياسىّ فى زماننا أن يأخذها.
قرار حرب المردتين مع إن الجزيرة العربية كانت تموج بالردّة من أولها إلى أخرها, ولم يبقى فيها على الإسلام إلا ثلاث مدن فقط وقرية, مكة والمدينة والطائف وقرية هجر فى منطقة شرق الجزيرة العربية, وما عدى ذلك كله مُرتد, وبعض الصحابة رضى الله عنهم قالوا له: بمن تُقاتلهم !!؟ فقال وهو سياسى حكيم, وليس شيخاً من المشايخ أو درويش لا يفقه الواقع الذى حوله, هو يُمسك الورقة والقلم ويُحسب حسابات عقلية منطقية ولكن بمنظور القرآن والسنّة, فبمفهومه الواحد من المسلمين قد يساوى ألفاً ويحسب حساباته ويؤدى الموقعة على هذا الأساس.
وذلك لأننا نحن المسلمين لدينا من المقاييس فى القرآن والسنّة تختلف عن مقاييس المُحلليين السياسيين الماديين, ولهذا قد نقول كلاماً يستغربه كثير من الناس, ويقولون أنك تعيش فى عالمِ أخر, وأنك لا تدرى بالوقع الذى نعيشه, فهناك اتحاد أوروبى, وهناك أمريكا, وهناك بوارج عسكرية, وهناك كيان صهيونى, وهناك أذناب الحزب الوطنى!! وهناك حسنى مبارك فى شرم الشيخ!! إلخ... .
وما إن يُعدد لك ويذكر لك من الأمور ما يذكر, فتجده أخيراً يُكبِّلك بكل هذه المُكبِلات, فما تستطيع أن تأخذ قراراً على ضوء القرآن والسنة, أو تجده يضعك فى موضع من المواضع تظن فيها أن هذا يُناسب فترة معينة من فترات التاريخ الإسلامى أو فترة معينة من فترات السنّة النبوية أو السيرة النبوية, فلا تستيطع فيها أن تأخذ القرارات التى أخذها حبيبنا – صلى الله عليه وسلم – أو أخذها أبو بكر أو عمر رضى الله عنهم وأرضاهم.
بأى عقل من عقول السياسيين المعاصرين يستطيع رجل كأبى بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه – أن يُخرج جيشاً لحرب الدولة الفارسية بعد الخروج من حروب الردة, فتخيل بعد حروب الردة وطحن كامل مع المرتدين سنة كاملة, وخرج المسلمون بإصابات هائلة, والجيش الإسلامى الذى كان مشترك فى موقعة اليمامة 12000 جندى, واستشهد منهم 1200, إذاً المُتبقى 10800 وكلهم جراح؛ أبو بكر الصديق – رضى الله عنه وأرضاه – يُرسل رسالة عقلية جداً فى حساباته, لأنه حاشا بالله ليس بالرجل المُتهور الذى يُضيع جيوش المسلمين ويُلقى بها هكذا فريسة للفرس, إنما يقول لخالد بن الوليد " إذا أتاك خطابى هذا, فخذ من معك ولا تُكره أحداً, وعلى بركة الله افتح بلاد فارس " هذا رجل عقيدة, رجل معه 11000 جندى يقول لسيدنا خالد لا تُكره أحداً على القتال, فخذ من أراد معك الخروج تطوعاً, أى أنه من المُحتمل أن الذى يخرج للقتال 6000أو 5000 أو 4000 الله أعلم !! خذهم وافتح فارس!!.
أى البلاد فارس ياإخوان؟
الذين لا يعرفون فارس فليُراجعوا الخريطة فى ذلك الزمن, فارس نصف الأرض فى ذلك الزمن!! دولة تبدأ من العراق وتصل إلى الصين, دولة واحدة بحاكم واحد, بداخلها أكثر من عشرين دولة من دول زماننا الأن؛ ومن يقول السلاح غير السلاح والطاقات غير الطاقات والزمن غير الزمن, إذاً مازلت لم تفهم بعد, حقيقة لا تفهم كيف تحرك ذلك الرجل.
أبو بكر الصديق كانت لديه حسابات مادية تقول له أن جيشك قد يخرج منه 5000 أو 6000 جندى, أمام 2 مليون جندى مثلاً, كيف تُحاربهم؟ بالعقل, العقل المادى البحت يقول هذا مستحيل, إلا أن ترتكن إلى أياتٍ كريمات و إلى أحاديثٍ شريفة, و إلى فقه للسيرة النبوية وإلى يقينٍ فى الله وإلى مواقف كثيرة مرت به ورءاها هو رأى العين.
أبو بكر الصديق – رضى الله عنه وأرضاه – كان يجلس مع النبى – صلى الله عليه وسلم – فى يوم الأحزاب, وبشره بفتح فارس, فهو متأكد أن فارس ستُفتح, هذا يقين فى داخله, كيف؟ هو لا يستطيع أن يجزم تماماً كيف ستسير المعركة, لكنه قيم الأمور بذلك - بإمكاناتنا الأن نستطيع فتح فارس – وكان مع النبى – صلى الله عليه وسلم – فى الهجرة, ورأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعد سُراقة بن مالك بسوارى كسرى, فمعنى ذلك أن فتح فارس سيتم فى زمن أبى بكر الصديق وفى زمن سراقة بن مالك, فدخل هذا فى روعه وأصبح متيقناً منه تمام التيقن, فلديه مشاهدات ولديه وعود واضحة من حبيبنا – صلى الله عليه وسلم – بتمكين هذا الدين فى الأرض, وبغلبة هذا الدين على المشركين, وبقول الحبيب – صلى الله عليه وسلم – فى مكة المكرمة وهو يعيش زمن الإضطهاد والتعذيب والقهر والبطش, يسير فى شوراع مكة ويقول للناس: « ياأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا, قولوا لا إله إلا الله تملكوا العرب والعجم » أو كما قال – صلى الله عليه وسلم – فحينما أقول أنا لا إله إلا الله بالعقيدة التى كان عليها الصديق – رضى الله عنه وأرضاه – فأنا على وعد من حبيبى – صلى الله عليه وسلم – أن أملك العرب والعجم, هذا يقينقد كان رضى الله عنه لديه هذا اليقين مزروع فى سُويداء قلبه, ولذلك تحرك به دون تردد, ودون ذبذبة, وهذا الذى أنزل عليه نصر الله عز وجل.
لمّا سيدنا خالد جائته الرسالة, قال للناس " من منكم يريد أن يخرج لفتح فارس, ومن منكم من يريد أن يبقى " فخيًّر الناس كما أمره الصديق؛ فخرج معه ألفان فقط! والبقية كانت مثقلة بالجراح, وقالوا لن نخرج فى ذلك الحين وقعدوا عن الخروج إلى فارس, وليس هنا معصية, لأن الأمر على التخيير, فماذا فعل خالد بن الوليد وهو رجل من رجال العقيدة الإٍسلامية, ولا يُفكر أحد أن خالد أن خالد كان ينتصر دائماً, لأنه قوى البُنيان أو لأن خطته عميقة للغاية, أو سلاحه ماضٍ أو ما إلى ذلك من أمور وهى إن كانت موجودة, لكن سر النصر الذى كان عند خالد بن الوليد كان العقيدة العظيمة التى كان يدين بها – رضى الله عنه وأرضاه – هو سيف الله المسلول.
انطلق خالد بالألفين رجل واستمع لكلام الصدّيق ما ردًّ على الصديق برسالة عكسية يسأله فيها كيف يخرج بألفين فقط, لكنه بعث بالرسالة إلى فارس, يقول لهرمز ملك الأوبال فى رسالته كلام عجيب لم أكن ليُصدَّق لو لا أنه موجود فى سيرة خالد مرات عديدة, عشرات المرات فى كل مواقعه, انظر إلى قوة الكلام يقول: " اعتقد لنفسك ولقومك الجزية, وإلا أتيتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة " هذا خطاب خالد بألفين جندى, يُعلن حالة الحرب, على دولة فارس التى لديها من الجيوش ما لا يقل عن 2 مليون, وصل الخطاب لهرمز واستقبله باستهزاء؛ وإلى أن وصل خالد لبلاد فارس كان قد وصل العدد إلى 18 ألف بسبب المسلمين المتطوعين وهو فى طريقه إلى فارس, ولكن حتى 18 ألف مقابل الدولة الفارسية!! دخل هؤلاء الرجال فى الموقعة الأولى " ذات السلاسل " وانتصروا على سبعين ألف ثم الموقعة التى تليها انتصروا على 80 ألف ثم 90 ألف ثم 120 ألف, خمسة عشرة موقعة متتالية انتصر فيها المسلمون إلى أن سقطت العراق بأكملها فى أيدى المسلمين؛ وبعدها " القادسية " 32 ألف مقابل 240 ألف وينتصر المسلمون.
بأى شئ ينتصرون ياإخوان؟
هل هي الصدفة التى حكَّمت 18 ألف فى رقاب 90 ألف و 100 ألف مرة ومرتان وخمسة عشرة مرة وعشرون مرة إلى أن سقطت الدولة الفارسية بأكملها فى غُضُون أربعة عشر سنة فى أيدى المسلمين؟ لا, ولكنها العقيدة الصحيحة التى كانت فى قلوبهم, والتى أرانا الله – عز وجل – طرفاً منها فى أيام الثورة المصرية – ثورة 25 يناير – رأينا بعض العلامات وتم ذكرها فى الدرس السابق, أنَّ الله – عز وجل – بفضله وقوته ورحمته وقدرته وجوده فعل هذه الأمور, ونصر المسلمين والمصريين فى هذه القضية العاجلة التى خرجوا من أجلها.
لو أن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعمة الفهم لهذه القضية, سوف نُكمل الطريق, ولو لم نفهم, لرجعنا وعاودنا نمسك الورقة والقلم قبل 25 يناير ونحسب الحسبة, ونُضيع على المسلمين فرص لا حصر لها, لأننا لم نفهم الدرس العميق, الذى أنعم الله – عز وجل – علينا به فى هذه الأيام.
وللتذكرة يجب علينا أن نمشى على كتاب الله حتى قبل أن نرى هذه الأيات, فالكتاب فى حد ذاته مُعجز – القرآن الكريم – والحجة فيه قاهرة وغالبة, لكن من رحمة ربنا عز وجل بنا أن يُرينا الأيات حتى تطمئن القلوب, فقد رأينا بما لا يمكن بحال من الأحوال أن نتخيله من الأحداث, فتثبت قلوبنا فى هذا الموقف.
سيدنا أبو بكر الصديق بعد حرب العراق بخمسة شهور, يخرج جيشاً ليحارب الجيوش الرومانية, فهل تتخيل أنه يحارب الفرس والرومان فى زمن واحد, بحسابات الورقة والقلم: ننتظر ونتمهل, فلا يُفتح علينا أكثر من جبهة فى وقت واحد, وهذه حرب عسكرية ليست حرب سياسية أدواتها مجرد كلام على الجرائد وتصريحات, للذين يقولون لا نفتح جبهة الإتحاد الأوروبى وجبهة الصهاينة مفتوحة وما إلى ذلك, فى هذه الحرب العسكرية يُحارب المسلمون الفرس نصف العالم الشرقى, والرومان نصف العالم الغربى فى زمن واحد, الله أكبر؛ هذا لا يتأتى إلا من عقيدة سليمة ياإخوان, وعلى مثل هذا كان عمر بن الخطاب وعثمان وعلىّ والدولة الأموية والعباسية ونور الدين محمود وصلاح الدين وقطز, فأى مرحلة من مراحل التمكين الإسلامى التى أنعم الله عز وجل فيها على المسلمين بالتمكين والنصر, لا يمكن بحال من الأحوال أن تحسب الأمور بحساب الورقة والقلم.
ولكن, هل معنى ذلك أن أضع الورقة والقلم جانباً ولا آخذ بالأسباب؟
ما قلنا ذلك أبداً, لقد كان أبو بكر يُجهز الجيش, ويمر عليه, ويقوم بتسليحه بقدر ما يستطيع, ويضع الخطة الحكيمة؛ وكان سيدنا عُمر يضع الخطة فى بلاد فارس وكأنه يراها رأى العين وهو فى المدينة المنورة, ويُرسل الجيوش ويُرسل المدد, ولكن حساباته فى المدد مختلفة عن حساباتنا.
لمّا دخل عمرو بن العاص ليفتح مصر كان معه أربعة ألاف جندى, وعندما رأى أن الجيوش الرومانية ضخمة وهائلة, فأرسل يطلب المدد من عُمر بن الخطاب, أرسل له عُمر أربعة ألاف جندى ومعهم أربعة رجال, وقال أن كل واحد فى هؤلاء الأربعة بألف رجل, وهم الزبير بن العوام ؟؟؟؟ بن مخلد وعبادة بن الصامت والقعقاع بن عمرو فى رواية, أربعة كل واحد منهم بألف ويحسبها كذلك, أى أنك ياعمرو بن العاص معك اثنا عشر ألفاً, وحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: « ... لن يُغلب اثنا عشر ألف من قلة » والحديث فى عقيدته يعطيه خلفية شرعية للجيش!!؛ لا يوجد قائد ولا حتى محلل مادى يستطيع أن يحسبها هكذا. صعب؛ كيف يغلب 12000 جندى 100000 أو 150000 جندى, على أرض جديدة لما يدخلوها قبل ذلك, وأمام دولة عاتية, الدولة الرومانية, سيطرة على مصر 900 سنة متصلة, فكل حسابات الورقة والقلم لا يمكن أن تصل إلى المطلوب فى أعرافهم, لكن سيدنا عمر يحسبها بالورقة والقلم وفى خلفيته القرآن والسنة, وفى ذهنه العقيدة الإسلامية, هذا الكلام يحتاج إلى تدريب طويل جداً ياإخوانى, يحتاج إلى يقين كامل فى الله عز وجل, اعتقاد جازم بقدرته سبحانه وتعالى, بقوته سبحانه وتعالى.
كلنا يقول أننا نعتقد هذا الإعتقاد, لكن عند التطبيق نقول: لا نستطيع, الظروف صعبة وإمكانياتنا لا تسمح ولا بد أن نصل إلى مستوى موازى للعدو, وقوة مقاربة من قوة العدو؛ أنا لا أقول لك توقف عن إعداد العدة, ولكن أعد العدة ولا تخاف لأن الله معك ولا توازى قوة فى الأرض قوة الله سبحانه وتعالى بحال من الأحوال, ولكن هذا يحتاج إلى يقين فى القلب.
لو أن معى هذا اليقين سأختلف فى أمور كثيرة جدا مع السياسيين والمحللين فى الأمور فى زماننا الأن, حتى المحللين السياسيين الذين يُجمّلون هذا التحليل عندهم ببعض الأيات وبعض الأحاديث وبعض الكلمات الإسلامية, لكن واقع الأمر أنه غير قادر إلا أن يحسبها حسبة مادية, وغير قادر على اتخاذ قرار جرئ لصالح الأمة الإسلامية, لأن عقله يقول: ياتُرى فلان العلمانى ماذا سيقول علىّ, وكذلك النصرانى, وكذلك اليهودى, وياتُرى ماذا سيفعل أوباما, وياتُرى ما تعليق رئيس الإتحاد الأوروبى, وياتُرى وياتُرى ....... .
وياتُرى ماذا قال الله - عز وجل – لك ؟؟؟
الله – عز وجل – قال أشياء كثيرة جداً تزرع الثقة فى قلب المؤمن, خاصة وأنه أرانا رأى العين هذه الأمور, كنا فى ميدان التحرير ورأينا الأيات تلو الأيات؛ ولم يكن يستطع محلل فى الدنيا فى يوم 23 يناير أو 24 يناير أن يتوقع أن هذا النظام بأكمله سوف يسقط فى خلال 18 يوم, كان فرضاً مستحيل ليس صعباً بل مستحيل, ولو اجتمعنا كلنا كبشر على أن نفعل لكان مستحيل, إلا أن يشاء الله -عز وجل- فقط, وهذا بيت القصيد فى الأمر كله.
لو أدركنا وفهمنا هذا الموضوع نستطيع أن نُجاوب على سؤال شكر الله – عز وجل - كيف يكون؟
بعد أن تعلمنا أن المفروض فى تحليلنا للأمور نعتمد على القرآن والسنة, مع عدم غياب الرؤية السياسية والورقة والقلم والحسابات المنطقية والتحليل من المتخصصين, كل هذا مطلوب ولكن فى ضوء القرآن والسنة والعقيدة الكاملة السليمة والإيمان الجازم بكل كلمة وكل حرف جاء فى القرآن الكريم أو جاء على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
سؤال فى غاية الأهمية قبل الإجابة عن موضوع الشكر, لماذا خلقنا الله عز وجل؟ ما المغزى من الحياة؟
ولعله يكون درس كامل إن شاء الله فيما بعد, ولعل بعضكم قرأ هذا المقال فى الموقع الخاص بى WWW.ISLAMSTORY.COM
خلقنا الله عز وجل كما صرّح فى كتابه لهدفٍ واضح صريح واحد قالوا على سبيل القصر والحصر ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾ سورة الذاريات
فهذه هى وظيفتك فى الدنيا, أن تعبد الله عز وجل, ورُبًّ سائل يتسائل أيعنى ذلك أن أترك عملى وحياتى وأعتكف بالمسجد؟ أقول له: أنك لم تفهم بعد معنى العبادة التى أرادها الله عز وجل منا, أنا أفهم معنى العبادة فى قول الله عز وجل فى قوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ﴾ سورة الأنعام, كل جزئية من جزئيات حياتى مطلوب منى أن أعبد الله بها وأن أحسن عبادة الله عز وجل فيها, فى فترة مكة المكرمة والإضطهاد والبطش مطالبون بأن نعبد الله عز وجل, وفى فترة المدينة المنورة زمن التمكين فى أوله أو فى آخره فى بدر أو فى أحد فى فتح مكة أو قبلها فى كل هذه اللحظات مطالبون بعبادة الله عز وجل.
وهو فى شرعه الدقيق سبحانه وتعالى وضًّح لنا كيف نعبده فى هذا الزمن, وكيف نعبده فى ذلك الزمن, فليس لك حُجة أن تُقلع عن عبادة الله لأن الظروف غير ملائمة, فأنت فى زمن الضعف مطالب بالعبادة وفى زمن القوة مطالب بالعبادة, وفى زمن النصر مطالب بالعبادة, وفى زمن الهزيمة مطالب بالعبادة, فى زمن الفقر, فى زمن الغنى, فى زمن الصحة, فى زمن المرض إلخ.. فأى متغيرات تمر عليك أنت مطالب بعبادة الله عز وجل, إذاً خلقنا الله عز وجل لنعبده, وليس معنى ذلك إهمال الدنيا, على العكس فالأية التى دائماً ما نستشهد بها فى إعمار الدنيا والتى جائت فى القرآن الكريم تطلب من المؤمنين أن يُعمروا الأرض, الأية تقول: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ وماذا عن أول الأية, وماذا يقول آخرها ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) ﴾ سورة هود؛ أية عقائدية دينية شرعية من أولها إلى آخرها ومن داخلها هذا موضوع الإستعمار للأرض فى مضمون العبادة الذى طلبه صالح – عليه السلام - من قومه ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ ليس معنى أن تُعمِّر الأرض أن تنطلق على هواك دون أُطُر عبادة لله عز وجل.
هذا الفصام الطويل الذى حدث بين العبادة وبين الطاعة لله عز وجل وبين حياتنا ودنيانا وحركتنا على هذه الأرض, هذا فصام لا بد أن ينتهى, هذا فصام كارثى على المسلمين, فلو أنك تفهم دينك بحق, لا يجوز أبداً أن تقول: دع لقيصر ما لقيصر وما لله لله, حياتنا تمشى بطريقة والقرآن يحكى طريقا آخر, لا يجوز أبداً ما يقال عن فصل الدين عن السياسة وفصل السياسة عن الدين, هذا كلام به خلل عقائدى واضح, إنما أنا أصلح هذه الدنيا بالدين, وأتعبد لله عز وجل فى كل جزئية من جزئيات حياتى, وأجهر بذلك بفخر, وأنتمى إلى الله بعزة, أنا عبد الله, وأكون سعيد بهذا الموضوع, وهذا موطن عزتى, " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام, فإذا ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله "؛ لا يكون عندى تميع فى القضية, فكثير من الناس تتحدث فى هذا الزمن الذى ترقب فيه تصريحات المسلمين فى الفضائيات الشرقية والغربية, ويُتابع كلامنا الشرق والغرب واليهود والأمريكان وغيرهم, فلكى يتقون شرهم, يبدأون فى تمييع الأمور, ويقول كلاماً يحتوى معنيين, يحتمل أن أكون إسلامى ملتزم ويحتمل أن أكون علمانى منحرف فهذا وارد وذلك وارد, حتى يبقى يظل ممسكاً بالعصاة من النصف؛ لا؛ « قولوا لا إله إلا الله تفلحوا, قولوا لا إله إلا الله تملكوا العرب والعجم » متى قالها – صلى الله عليه وسلم – قالها فى مكة وهو مستضعف, قالها ويراقبه من خلفه أبو جهل والوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة, وتصل أخباره إلى فارس إلى كسرى فارس وتصل أخباره إلى قيصر الروم هرقل, ولا يُبالى بشئ, ولا يخاف من شئ, هذا ما فعله حبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم – هذه سنته, أم أننا نعتقد أن سنته فقط صلاة ركعتين أو أربعة قبل الظهر واثنين بعد الظهر ولبس معين وسواك وكأن ذلك هى فقط سنته, كلا, كل ما ذكرناه وكذلك السياسة الشرعية هى من منهج السنة, وهذا الإعلان الواضح الصريح فى السنة, وحسابات النبى – صلى الله عليه وسلم – كانت مبنية على قياسات الواقع الذى يعيشه, فقال هذا الكلام فى ظروف يدركها جيدا ويعلم أن هناك دولة اسمها فارس ودولة اسمها الروم وأن مثل هذا الكلام قد يُهيج عليه الأرض كلها, ومع ذلك قاله – صلى الله عليه وسلم – فى وضوح وفى صراحة حتى لا تتميع القضايا, وحتى لا يصيرمن يسمعك لا يعرفك ولا يعرف أى إتجاه تسلك وأى قضية تتبناها وأى شئ تريد من أنت تحديداً, هل أنت إسلامى أم علمانى أم خليط بين الإثنين, ماذا أنت فاعل بى لو تربعت على كرسىّ الحكم؟ كن صريحا, قلها وأجرك على الله, قلها بعقيدة سليمة, قلها حتى تُرضى ربك سبحانه وتعالى,قلها: أنا أريدها إسلامية صريحة أنا أريدها دولة مبنية على القرآن والسنة, وأنا أفتخر بهذا الموضوع وأعتز به, أعتز بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم .
يخرج واحد علمانى فى كل وسائل الإعلام, لا نريد الإسلام, ويتحرج المسلمون فى إبراز أنهم يحبون الإسلام, لماذا؟ مع العلم بأن ذلك العلمانى لم يقف ورائه إلا القلة القليلة وليس له قاعدة شعبية يُخيفنا بها, إن هذه النعرات والحركات التى تقوم لا تقوم إلا بشخص حوله ألف أو ألفين يُجمِّعهم بشق الأنفس ثم ينادى بها صريحة لا نريد دولة إسلامية ولا مرجعية إسلامية, يتكلم فى فجوره هذا بقوة, والمسلم المؤيد بالله – عز وجل – والمرتكن إلى سنة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – يرتجف!! ويتكلم كلام مهزوز, هذا ما يستقيم يإخوانى, نحن نريد أن نُرضى الله عز وجل فى حياتنا هذه, فى رحلتنا السريعة هذه, والله عز وجل أمرنا أن نعبده فى هذه الرحلة السريعة, لا طائل من وراء التميع ومحاولة إرضاء الطرف الأخر بالتميع, إننا ننفخ فى الزبادى!! ظناً منا أنه ساخن, سنظل ننفخ وينتهى العمر, ونقابل ربنا سبحانه وتعالى ولم نعبده كما ينبغى أن نعبده.
ما الدنيا فى الأخرة؟ وماذا سفتعل بحساباتك المادية – لا أقول لا تأخذ حسبانك وحساباتك – احسبها ولكن فى ضوء القرآن والسنة, الكلام فى منتهى الوضوح, لأن سيدنا أبو بكر لم يخرج هباءً ولكن أعد الجيش وجعل فيه الميمنة والميسرة وزعيم وقائد يتبع الزعيم وجعل قاضى يقسم بين الناس وجعل من وظيفته يقسم الأنفال والغنيمة؛ أعدَّ وفعل كل ما بوسعه, هذا ما نراه لا يساوى شئ فى حسابات البشر, لكنه كان يرتكن إلى الركن الشديد, إلى الله عز وجل, فعلها وانتصر كما نعلم ونقرأ فى الكتب, وها نحن الأن نرى جزء منه فى الأيام السابقة.
نحن نعيش فى هذه الدنيا نعبد الله عز وجل, كم سنعيش؟ 60 عاماً, 70عاماً « أعمار أمتى ما بين الستين والسبعين » أو كما قال – صلى الله عليه وسلم – حتى ولو افترضنا أنك ستعيش 120 أو أكثر ولكن ماذا بعد ذلك ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) ﴾ سورة البقرة؛ لا ينكر ذلك مسلم, كلنا سيعود إلى الله عز وجل, وسيحاسبنا ربنا عز وجل على كل مواقفنا هذه, فإما أن تنجح وإما أن تفشل, أول نزولنا القبر بم سنُسئل: من ربك؟ ما دينك؟ من هذا الرجل الذى بعث فيكم؟
ملخص أعمالك فى الدنيا كلها سوف تدخل فى إجابة هذه الأسئلة, فى هذا الموقف استطعت أن تقول الحق وفى هذا الموقف تخاذلت, فى هذا الموقف أعطيت وفى هذا الموقف بخلت, فى هذا الموقف صليت وفى هذا الموقف تركت, إلخ.. كل محصلة أعمالك ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ﴾ سورة الأنعام 162؛ وبعد كل هذه الحسبة الطويلة تستطيع أن ترد بثقة, ربىَّ الله, دينى الإسلام, هذا الرجل هو محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – تقولها بمنتهى القوة, أو تتذبذب فى الإجابة, وها هى خلاصة قصة الحياة؛ « ما الدنيا فى الأخرة إلا كما يضع أحدكم اصبعه فى اليم, فلينظر بم يرجع » أو كما قال – صلى الله عليه وسلم -؛ بم سترجع من البحر, بنقطة أم بنقطتين, وبحر الأخرة بحر هائل لا ساحل له؛ فلو أنى أعطيت حساباتى و اهتماماتى وقدراتى ومواهبى ووقتى وجهدى وصحتى وحياتى وما أملك لكى أنجح فى دنيايَ وأفشل فى أخرتى, هذه كارثة ماحقة.
وليحذر الجمع أن أيامنا هذه القادمة لدينا الفرصة كى نخطط ونختار ونرسم معيشتنا, فلو رسمت معيشتى فقط لأعيش حياة رخاء فى الدنيا, خبنا وخسرنا والله؛ كيف أفعل والله عز وجل وعدنى لو أنى عملت واشتغلت للأخرة سيُحسن لى دنياىَ ويرزقنى حياة طيبة, مع العلم بأنها حياة ليس فيها اتكال.
فلنُراجع التاريخ الإسلامى, الدول الإسلامية التى طبقت الشريعة, الخلفاء الراشدين, وحتى الدولة الأموية التى طُعن كثيراً فى تاريخها وزُوِر وشُوِه؛ وما يحلم زعيم من الزعماء ولا علمانى من العلمانيين الذين يتكلمون الأن فى دولة تبلُغ معشار الدولة الأموية, دولة من الأندلس للصين, دولة واحدة, من يحلم بذلك فى ذلك الوقت!؟ ما أقصى طموحك؟ دولة بأى حجم؟ الدولة الأموية دولة واحدة قاهرة سائدة تفرض كلمتها على الأرض جميعاً, الدولة العباسية كذلك, والدولة العثمانية, أكثر دولة طُعن فيها فى التاريخ, دولة ذات مساحة خطيرة هائلة, من المغرب وحتى نصف أوروبا, تلتف حول البحر المتوسط؛ البحر المتوسط كاد أن يكون بحيرة عثمانية, هذه دول قامت على القرآن والسنة, ما يمنع أن فيها مخالفات, لكنها قامت على القرآن والسنة على عقيدة سليمة, دول نشرت العدل والحق والحرية, ودول سادت فى المجالات العلمية والمجالات الرياضية والمجالات المعمارية, المجالات الحضارية بكل أنواعها.
لعلنا نذكُر كلمات من كلمات المستشرقين المُنصفين, برفولت وهو استاذ فى جامعة نيويورك, استاذ تاريخ أمريكى يقول: ليس ثمة مظهر من مظاهر الحضارة الإنسانية من سياسة أو اقتصاد أو علوم أو اجتماع إلا وللمسلمين إسهام بارزُ مباشرٌ فيه, هذه الدول التى قامت على القرآن والسنة, علَّمت الدنيا كلها الطب والفلك والهندسة والكيمياء والجيش والبحرية والبريد والأوقاف وأمور كثيرة, لم يكن على الأرض ما يُسمى مستشفيات ولا مدارس ولا مؤسسات قضائية, نحن الذين صنعنا هذا كله وقبل الغرب بـ 600 أو 700 عام, عندما كنا نعتمد على القرآن والسنة, ليس كالمشايخ نتعبد فى المسجد وتاركين الدنيا, كنا نُعمِّرها, ولكن كنا نُعمِّر الدنيا بالدين, وكان الإعتماد الرئيسى الجازم على القرآن والسنة, ومن هنا فلحنا, ومن هنا سدنا العالم أجمع, ولو خالفت وضيًّعت ستضيع كل الأمور.
خطير جداً يإخوانى أن تغيب عنى هذه الرؤية, ونحن نشكر الله عز وجل, نشكره شكر عابر, كأن نقول وفقط " الحمد لله " مطلوب أن تقول " الحمد لله " بلسانك ومطلوب أن تعتقد فى قلبك أن الفاعل هو الله عز وجل, وأن الناصر هو الله عز وجل, ولكن مطلوب بعد ذلك وهو فى غاية الأهمية وهو المحك الأساسى للتعبير عن الشكر الحقيقى لله عز وجل أن تصرف النعمة التى أعطاها لك فى مرضاته سبحانه وتعالى, وفى عبادته سبحانه وتعالى, وفى تعمير الأخرة قبل أن تُعمر بها الدنيا, وإن كان مطلوب منك تعمير الدنيا.
لو لم أفهم ذلك فهذا يعنى أنى لا أعرف أشكر الله عز وجل حق الشكر, فليس الشكر قولنا بألسنتنا فقط الحمد لله وأن الله هو الذى فعل ذلك ولكن ماذا علىَّ أن بعد ذلك.
سؤال فلسفى: لماذا الله عز وجل يُنعم علينا ياإخوان؟
أُعطيك مثالاً أولا,ً ثم نُجيب على هذا السؤال, لو أن هناك ملك من الملوك وله سيطرة على مساحة ضخمة جداً من الأرض, ثم بينما أنت على سفر وضللت الطريق فإذا أنت تائه, ثم أدركت أنه ما هى إلا ساعات قليلة أو أيام قليلة وتهلك, فإذا الملك يسمع بخبرك, وأرسل إليك سيارة فاخرة لكى تُقلك وتأخذك عنده, حتى يُرحب بك ويُكرمك ويُعطيك من القصور والأموال والذهب والفضة الكثير والكثير, كل ذلك بدون مقابل, فقط أن تقبل وتركب السيارة؛ فإذا بأحدنا يركب السيارة ويأخذها ويهرب بسرعة!! يهرب داخل تلك الصحراء القاحلة, يُُريد أن يعيش وحده, ماذا تقول فى ذلك الرجل؟ إنه ليس فقط ناكر للجميل, إنه أحمق, ليس لديه خريطة للمكان, يعتقد بعقله الضال أنه سوف يصل, لأى شئ يصل!!؟ إنه بفعلته هذه يُمعن فى الهلكة, يترك المستقر الجميل العامر الذى أرشده إليه عنده, وها هو يذهب فى صحراء قاحلة, هذا هو مثالنا, ولله المثل الأعلى.
والله سبحانه وتعالى أرسل لنا رسول ومعه دليل قرآن وسنة, وقال لك تعالى وارجع لى, إن موطنا الأول هو الجنة, خرجنا منه بمعصية ونرجع إليه بطاعة, قال لك ارجع واركب طريق الطاعة وستعيش حياة سعيدة, هذه هى النقطة التى لا نفهمها أننا سنركب سيارة فاخرة إلى مستقرنا الأخير, سيارة الإسلام سيارة فاخرة مُريحة ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) ﴾ سورة طه
أيظن أحدكم أن الذين يعيشون بعيداً عن الشريعة الإسلامية سُعداء ومطمئنين, حتى وإن لم تر نهايتهم المُخزية كأمثال أحمد عز وصفوت الشريف وحبيب العادلى وحسنى مبارك, حتى وإن ماتوا فى عنفوان قوتهم وعظم شأنهم, ماذا تحسب كانت حياتهم؟ تُعساء والله, معيشة الضنك كما سماها ربنا عز وجل, لقد ضلوا فى تلك الصحراء القاحلة, كما يقول ربنا عز وجل فى كتابه الكريم: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) ﴾ سورة الأحزاب؛ هذا ما نخاف منه, نأخذ السيارة ونتيه ونضل فى الصحراء ونهلك ونعيش حياة الضنك وفى الأخرة عذاب شديد, لأنك خرجت من طوع الملك سبحانه وتعالى, وقد نبَّهك الملك أنه سيُعطيك جنة وقصوراً وأشجاراً وأنهاراً وحور عين وذهب وفضة وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, ولكنك تختار أن تعيش مخالفاً فى الدنيا, أىُّ عقل هذا, هذا يقوله أحمق كافر لا يؤمن بالرجوع إلى الله عز وجل, أما مسلم يعلم أنه إلى الله راجع ويقول هذا الكلام , فهذا لا أفهمه, والله لا أفهمه, إن كنت تُصدق أنك تعود إلى الله, فكيف تتجرأ على قرآنه وسنته!!؟ كيف يستطيع إنسان مسلم يقول لا نُريدها إسلامية, كيف وصل من الفجور إلى مثل هذا الكلام الذى لا يستطيع الإنسان أن يتلفظ بها.
لا تُريد قرآن وسنة, فماذا تريد؟ تريد قانون إيطالى أم أسبانى أم انجليزى أم أى قانون بشرى, أتُقارن قانون البشر بقانون رب العالمين - سبحانه وتعالى – أتتبع فلاناً وفلاناً ولا تتبع سيد المرسلين وخير البشر أجمعين- صلى الله عليه وسلم – أتتنكر لهذا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) ﴾ سورة الحجر؛ تدبر, تريد أن تعيش تأكل وتتمتع ويُلهك الأمل, أقصى طموحاتك أن تكون مثل بلجيكا أو هولندا أو أمريكا أو اليابان, كل هذا مطمحك, تختار رئيساً يُنظف لك الشوارع ويُنظف لك الأيادى ويمنع الرشوة وهكذا من الأمور للحياة الدنيا وليس لله عز وجل, تعيش فى حياة سعيدة فى الدنيا كما تظن وتعرض عن حياة الأخرة, أىُّ حياة هذه ياإخوانى؟ ليست هذه حياة المسلمين, إنما هى حياة الكفار الذين يعيشون كالأنعام, بل هم أضل, وحذرنا ربنا عز وجل تحذيراً مباشراً فى القرآن والسنة أن نعيش حياتهم, وليس معنى هذا أن لا نُعمِّر الدنيا, أقولها ألف مرة, حتى لا يقول قائل أنّا ندعو الناس إلى الرهبانية والعيش فى الكهوف, نحن نُعمر الدنيا بالدين, ولا نخالف شرع ربنا عز وجل لا فى صغيرة ولا فى كبيرة, ونقولها بقوة, ونرتكن إلى الله عز وجل ونطمئن إليه, ولا نخشى فى ذلك فرساً ولا روماناً, ولا نخشى أمريكان ولا روس, ولا نخشى صهاينة ولا حزب وطنى! ولا أى أحد فى الدنيا, نقولها بكل وضوح وبمنتهى الصراحة, معنا الله عز وجل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) ﴾ سورة الحج؛
ياإخوانى قضية الشكر لله عز وجل تكون بصرف النعمة فى عبادته؛ ما هى النعمة التى نحن الأن بصددها ونتحدث عن شكرها؟ إنها نعمة الثورة المصرية, نعمة إزالة النظام الفاسد الذى كان يحكمنا, نعمة الصناديق النزيهة التى سنحتكم إليها بعد قليل, نعمة أن تختار رجلٌ يحكمك بإرادتك, هذه كلها نِعم الله عز وجل, ما كان لنا القدرة على الإتيان بها, فأتى الله بها.
فماذا أنت فاعل؟ كيف تصرف هذه الأمور فى طاعته سبحانه؟ من تختار ليحكم البلاد؟ من الذى لديه من المواصفات التى تُحقق لنا ما قلناه اليوم فى شكر الله عز وجل؟ من الذى يستطيع أن يُعبِّد العباد لله عز وجل؟ من الذى يستطيع أن يُقيِّم لك حجم الدنيا بالقياس إلى حجم الأخرة ويكون حريصاً تمام الحرص على حفظ دينك قبل أن يحرص على حفظ مالك أو شوارعك أو نواديك أو مصالحك الدنيوية بشتى أنواعها وهو مطالب بالجميع؟
أحيانا نتحمس لشخصية ما فتح القرآن فى حياته, ما يعرف أن يقرأ آية من كتاب الله عز وجل, وقد قلت لكم قبل ذلك, أنا لا يهمنى أن الذى يحكم مصر يحمل جائزة نوبل, الذى يهمنى أن يكون حاملاً لكتاب الله عز وجل, هذا هو أصل الموضوع, أما أن يكون متفوقا فى مجاله العلمى أو مجاله النووى فهذا جيد جداً, بل ونحتاجه فى هذا المجال, ليس لدينا مشكلة فى هذا الأمر, لكن فى قيادة أمّة بالقرآن والسنة وهو لا ينظر إليهما مطلقاً, وهذا عام فيهم وفى غيرهم, وكل المرشحين للرئاسة؛ واقرءوا صحيفة المصرى اليوم بتاريخه وراجع نفسك, من منهم ينظر إلى القرآن والسنة؟ أما إنه لو سمع لهذه المحاضرة من أولها لأخرها لقال أنها هُراء وتخريف, ولقال أن هذا المُحاضر يعيش فى الوهم, يعيش فى الماضى والتاريخ, وإن السياسة لها قياسها ولها أمورها ولها حساباتها, ولقال أن هناك روس وأمريكان؛ هو لم يفهم ولن يفهم إلا بعد وقت طويل إذا أراد الله عز وجل له الفهم, لأن الأمر يحتاج إلى تربية طويلة, وقد تربى على عكس هذا سنوات طويلة, لذلك إن قلت له فى لحظة توكل على الله, وليكن اعتمادك على الله, واحسبها بناءً على القرآن والسنة, وراجع قصة أبو بكر, وراجع قصة عمر, سيقول لك: إن الزمن غير الزمن, وظروف غير الظروف, وأنت تُريدنى أن أُحكم قرآن نزل منذ 1400 سنة فينا الأن!؛ نعم يقول لك ذلك بكل جرأة, ثم تجد الأعجب أن المسلم أمام ذلك يهتز؛ هذا الكلام لا يستقيم ياإخوانى.
وبناءً على ما ذكرناه الأن الذى لا يشكر الله عز وجل ما موقفه؟ ما موقفه عقائدياً ولا أقول أخلاقياً؟ حتى لا يعتقد البعض أن الأمر ببساطة, سأذكر لكم آية واحدة, ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ سورة النمل آية 40؛ حتى لو كان الكفر دون الكفر كما يقول بعض العلماء, ولم يُخرج من الملة, انظر لماذا اختار الله عز وجل هذا اللفظ فى هذا الموقف, وهو كثير جداً فى القرآن الكريم, ولعلنا فى الدرس القادم نعرض لكم أربعة أو خمسة أمثلة على الأقل سريعاً فى أول المحاضرة.
بعض النقاط التى سيتم النقاش حولها المحاضرة القادمة:
دولة مدنية أم دينية؟ هذا السؤال الذى يتردد كثيرا هذه الأيام, ماذا نختار فى ظل هذا التوصيف, وما معنى دولة دينية وماذا يقصدون بها؟ وماذا تعنى دولة مدنية؟ وهل هى دولة تتوافق مع الشريعة أما تخالفها؟ وماذا عن الدولة الدينية بمفهومهم هم؟ وهل بمفهومهم مع الشريعة أم ضدها؟ والألفاظ يُتلاعب بها كثيراً فى ذلك الزمن.
كنت أُلقى كلمة فى ميدان التحرير, وأحد الشباب المسكين – كان واضح على وجهه المكياج – استوقفنى وقال لى: يادكتور نريدها مدنية, لا نريدها إسلامية.
يقول لى وأنا محتار لا أعلم هل هو ولد أم بنت بسبب المكياج!! ولكن توصلت فى النهاية إلى أنه ولد, بِطُرُقى الخاصة☻!!؛ حقيقة هو لا يعلم ماذا تُعنى مدنية أم إسلامية, هذا الكلام خطير يحتاج إلى المراجعة.
هل يمسك الدولة غير المسلم - نصرانى - ؟ هل تمسك الدولة أمرأة ؟ دستورنا قرآن وسنة أم قوانين وضعية؟ ولو كان قرآن وسنة نأخذ أى تأويل؟ نحكم على مذهب مالك أم مذهب الشافعى وإلى أى رأى سنرجع فى الأحكام التى اختلف فيها الفقهاء المسلمون؟
هل سيتم تغييركل شئ مرةً واحدة؟ بمعنى ما بين عشيةً وضحاها ستنتهى محلات الخمور ونوادى الليل والإعلام الفاسق المنافق؟ أم سيكون الأمر تدريجيا أم شيئاً آخرً؟
كلها أسئلة سوف تُوجه إليك طالما أنك قلت أنا أريدها إسلامية وأريد الإعتماد فى حياتى على القرآن والسنة.
هذه الأسئلة وغيرها بإذن الله هى إجابة الدرس القادم بعد العشاء يوم الثلاثاء القادم بإذن الله.
وقبل أن تنصرفوا, أود أن أقول لكم شئ هام جداً, أنّى قد وصلت من إيطاليا بالأمس, وأنقل لكم رؤية إيطالية للأحداث, مع العلم بأن هذه الرؤية الإيطالية موجودة فى أوروبا كلها, وموجودة فى أمريكا وفى كل مكان فى العالم وأيضاً وفى ميدان التحرير قابلت أكثر من مراسل أجنبى من أمريكا وغيرها, أغلب الحوار كان يدور حول جزئية واحدة.
أولاً: الإيطاليين فى معظمهم ينظرون بدهشةٍ عجيبة للشعب المصرى, وبتوقير شديد – والله العظيم, والله أكبر ولله الحمد – ياإخوانى فى ثمانية عشر يوماً فقط الله – سبحانه وتعالى – وحده مسح لنا تاريخ أكثر من مئة عام من الإحتقار من دول العالم, أنا أتكلم بمنتهى الوضوح والصراحة, النظرة لنا كانت دونية جداً, الله سبحانه وتعالى أعطى لنا نعمة أكثر مما كنا نتخيل ونحلم, لقد كنا نحتاج إلى عشرات السنين حتى نستطيع أن نمحو الذكرى السيئة التى أُخذت عنا فى سنوات طويلة ماضية؛ ولكن من كرم الله عز وجل فى لحظات تغير كل شئ, وتغيرت نظرات العالم لنا وأصبحوا ينظرون لنا نظرة كبيرة جداً.
النقطة المهمة جداً, والكل يسأل, والسؤال مباشر ليس فيه لعب ولا محاورات ولا تلويح ولا تلميح, ولكن تصريح:
الإخوان المسلمون ماذا هم فاعلين لو تولوا قيادة البلاد؟
هم يسألون ويقولون ليس لدينا احتمالات أخرى فى أن الإخوان هم القادمون فى المرحلة القادمة, هم الإخوان المسلمون وبنسبة 100% الذين سيمسكون الحكم, هذا ما يفهمه ويدركه ويتوقعه الغرب.
هذه حقيقة, كنت فى حوار لمدة نصف ساعة تقريباً مع أحد الأمريكيين فى أحد الصحف الأمريكية, ما فى كلمة واحدة خرجت عن الإخوان المسلمون, ماذا هم فاعلون, وماذا هم فاعلون مع الكيان الصهيونى, ومع أوروبا, وداخل مصر, ومع النصارى, كل الحوار كان عن الإخوان, وما ذكروا اسم فلان أو علان من الرموز والتى يصورها الإعلام المنافق بالنخب, والتى هى فى الحقيقة لا قاعدة ولا أرضية لها على أرض مصر, ما يذكروهم بالمرّة.
سؤال: من أين عرفوا بالإخوان المسلمين؟
حقيقة هم يعرفون الكلمة الثانية " المسلمين " المجموعة التى ترفع راية إسلام واضحة فى التغيير, هذا هو ما يلفت نظرهم, وهذا هو ما يُخوِّفهم, لأنهم يعلمون تماماً أن هذه الدولة لو اعتمدت على الإسلام فهى كيان مُخوِّف له, ومُرهب له وقوى ومتين, ويستطيع أن يُناضل من أجل السيادة على العالم أجمع, تاريخنا يقول ذلك, أمّا قومية عربية, وطنية فرعونية, فردد كما تحب, لا تجدهم يُبالون بشئ, ولا حتى أىّ زعيم من الزعماء الذين كانوا موجودين أو ما زالوا موجودين هنا أو هناك لا يفرق معهم فى شئ مهما كان مُجمعاً للناس, ومهما كان قيادى بارع, ولديه من الطرق العبقرية ما لديه, ولكن أمّا أن يرتكن الناس إلى الإسلام, فهذا ما يخشونه, ويُمثل لهم الخطر الأعظم.
ما آخر علاقة الغرب بالإخوان المسلمين؟ ما آخر صدام عسكرى بينهم؟ لماذا يخافون من الإخوان المسلمين؟
آخر مرة أمسك الإخوان المسلمين بالسلاح كان فى حرب 48, والإنجليز قبلها, وفى حرب 48 كان الناس الوحيدون الذين جاهدوا بحق, وكل الحكومات كانت تُجاهد ولكن لأجل ترسيخ الكيان الصهيونى فى فلسطين, وراجعوا ( مجموعة فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى ) تجدونها على الموقع الخاص بى: WWW.ISLAMSTORY.COM. آخر مرة رأى الغرب الإخوان كان فى تلك المرة, والإخوان حاصروا 100.000 يهودى فى القدس, وكان من الممكن أن تكون كارثة علي اليهود ولا تقوم دولة الكيان الصهيونى فى فلسطين لولا الخيانة العربية من الزعماء العرب الذين كانوا يحكمون البلدان العربية فى ذلك الزمن, وأذنابهم الذين يحكمون العالم العربى إلى زماننا الآن, هم يعرفون ذلك جيداً, ويقرأون التاريخ جيداً, ولمّا عاد الإخوان المسلمون من فلسطين, قتلوا الإمام حسن البنا – رحمه الله – فى فبراير سنة 49 وأدخلوا بقية الإخوان السجون, وحلّوا الجماعة, وسمّوها المحظورة – على رأى الحزب الوطنى – من عام 49 وحتى الأن لم يستخدموا السلاح, ومع ذلك يذكرون ذلك اليوم جيدا.
الإخوان المسلمين موجودة فى كل دولة فى العالم, حركة سلمية تماماً, حتى لو حدث تفجير فى مكان من الأماكن, يخرج الزعماء الأوروبيين ويقولون هؤلاء ليسوا الإخوان المسلمين, يعيشون بينهم بدون مشاكل.
الآن لماذا الغرب مرعوب, لأنه قارئ جيد للتاريخ ياإخوانى, ولتعلموا أيضاً أنه قارئ للقرآن والسنة, ويعرف مرجعيتنا ويعرف مصدر قوتنا جيداُ, ونحن تائهون ومترددون نقول إسلام أم لا نقول, ولو قلتها أنت لسقطت عروش هائلة فى الأرض, لأن الله – سبحانه وتعالى علواً كبيرا – هو الذى يزرع الرعب فى قلوبهم, لماذا تخاف؟ قل لى بالله عليك لماذا تخاف ومم تخاف؟
انظر للحكومة الإيطالية, وهى عاشر دولة فى التسليح فى العالم, هى التى تقول ذلك, وهى المرعوبة من الإخوان المسلمين, ماذا يملك الإخوان المسلمون!!؟ سكاكين مطبخ ☻!! ليس معهم أكثرمن ذلك, الإخوان المسلمون يدوب سيدخلون الإنتخابات, سلمية سلمية سلمية, لا نُريدها حرب, ولا نُريد أن نقف بحجارة أمام الأمن المركزى, أو الفزع المركزى!!.
هم يحسبونها جيداً, بل ويقرئونها جيداً, ياإخوانى لا يستقيم أبداً أن يكونً الكيان الصهيونى المسمى بإسرائيل, وإيطاليا وألمانيا وأوروبا وأمريكا لا يستقيم أن يكونوا قارئين سنن ربنا سبحانه وتعالى وعارفين لقوة القرآن الكريم والسنة المطهرة, ويكون المسلمين لا يعرفون مصدر هذه القوة, لا يستقيم أبداً بل حراماً أن تأتيك فرصة فى الإنتخابات القادمة تقول كلمتك وتحسب حساباتك دون مراعاة كيف تعبد الله عز وجل بهذه الشهادة ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ آية 3 سورة الطلاق؛ واضحة فى كتاب الله – عز وجل – أسأل الله – عز وجل – أن يفقهنا فى سننه, وأن يعلمنا ما ينفعنا, وأن ينفعنا بما علمنا, إنه ولى ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...