بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم في حلقة اليوم، والتي تُعد استكمالاً للحلقتين السابقتين اللتين كانتا تتكلمان عن كيفية التعامل مع أبنائنا، و طريقة التوجيه الصحيحة، وهل الصحيح أن نتكلم بلغة العاطفة أولاً أم لغة العقل؟ وانتهينا إلى ثلاث قواعد أساسية للتربية:
1. الأب الصديق وكذلك الأم.
2. لغة العاطفة قبل لغة العقل.
3. الاحترام والتقدير.
جاءتنا ردود سائلة عن العقاب. ماذا نفعل عندما يخطئ أولادنا؟ وهل لابد من معاقبتهم؟ لقد أفردنا حلقة كاملة للعقوبة، وهي حلقة اليوم.
دعونا نبدأ بالاعتراف بوجود إفراط وإسراف في استخدام الآباء والأمهات للعقاب. وعندما أذكر العقوبة أقصد كل شئ من المنع من المصروف، إلى المنع من الخروج، إلى الحرمان من الأشياء التي يحبها أولادنا...الخ، ولا أتكلم عن الضرب لأنه مرفوض تماما،ً ولا يُعد وسيلة تربوية كما أثبت علم النفس، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، "ما ضرب رسول الله امرأة قط، وما ضرب رسول الله طفلاً قط".
غالباً ما يلجأ الآباء للعقاب- رغم صحة نيته- لأنه وسيلة سهلة. ونعوذ بالله أن تفهمنا الناس أننا نقول أن الأبناء على حق والآباء ليسوا كذلك! بالعكس، فنحن أفردنا حلقتين للتحدث عن بر الوالدين، ونريد أن نربي أبناءنا على تقبيل يد الأب والأم وعلى احترامهما.
هدف هذه الحلقة: العقوبة ليست وسيلة مناسبة، العقوبة ليست أول البدائل.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما كان الرفق في شئ إلا زانه وما كان العنف في شئ إلا شانه" ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف". كان هدف النبي من هذا الحديث أن نبحث عن بدائل للتربية.
وسر حديثنا عن هذا الموضوع في وسط الحلقات التي نتكلم فيها عن الأسرة كجزر منعزلة أن العقاب يؤدي لفقدان الرغبة عند الأبناء في التعامل مع الآباء. كما يعلمهم أن يفعلوا ما يريده الآباء أن يفعلوه أمامهم فقط ليظهروا بالمظهر الذي يريده الآباء لهم، ثم يفعلوا ما يحلو لهم في السر. وهكذا أصبحنا نعلمهم النفاق بهذا العقاب، فنزيد الموقف سوءاً لأننا أخذنا الحل الأسهل الذي لا يؤدي لتغيير السلوك وتقويمه.
أريد أن أسألكم: هل العقاب هدف أم وسيلة؟
إذا كنت تعتبر العقاب هدفاً وتعاقب أبناءك دون سبب فهو حرام. وإذا كنت تعتبر العقاب وسيلة، فهل هو الوسيلة المؤدية لأفضل النتائج؟ وما هي الرسالة التي نوصلها للأبناء بالعقاب؟ المفاجأة هي أن ما نريد توصيله هو عكس ما يستقبله الأبناء تماماً! نحن نريد أن نوصل لهم إننا أباك وأمك نريد المصلحة لك، أنت غالي عندنا، وما تفعله يسئ لك، ولابد أن تصلح من سلوكك، ولهذا نعاقبك. أما ما يستقبله الأبناء فهو الحيرة "لماذا يقهرونني؟ لم يتحكمون فيَّ؟ هل أنا مكان يفرغون فيه مشاكلهم في العمل؟ سوف أعاند أكثر وأكثر وسأتزين أمامهم ليروني مثالاً جيداً ثم أفعل ما أريد دون أن يدروا" ويساعده الشيطان على التمرد مع تراكم هذه الرسائل. لأأ
يكون الموقف أسوأ مع الضرب. أرجوكم لا تضربوا أبناءكم؛ الضرب يؤذي الشخصية ويعطي إحساساً للطفل بأن الأقوى هو الأقدر على السيطرة، ويستمر معه هذا الإحساس مع تقدم سنه، ولهذا نسمع عن ضابط بالشرطة يضرب شخصاً ضرباً مبرحاً، ولهذا نسمع ونرى العنف والتفجيرات، لابد من وجود مشاكل في بيوت وأسر هؤلاء الأشخاص متعلقة بالعنف.
تعالوا نعود للقاعدة التي وضعها لنا النبي صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شئ إلا زانه وما نُزع من شئ إلا شانه وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف".
أحياناً نعاقب في وقت يكون استعمال العقوبة فيه غير سليم.
§ أحياناً نعاقب فنحرم أبناءنا الصغار من التعلم.
الأطفال يريدون تعلم كل شئ فيلمسون هذا، ويتعلمون هذا، ويحطمون هذا، ويفككون هذا...فبمعاقبتنا لهم نحرمهم من التعلم والاكتشاف. قد يكون صوت الطفل مرتفعاً ويسبب لك إزعاجاً فتعاقبه، وقد يكون لديه موهبة في الإنشاد. قد تكون لعبة الطفل المفضلة هي اللعب بالورق وتشكيله وتحرمه منها وتكون ثمرتها كبت عبقرية هندسية لديه. أنا عندي وصفة تحرم الأبناء من جميع أشكال الإبداع: كلما حاول الطفل أن يفعل شيئاً سيتسبب في فوضى البيت عاقبيه! مبارك! ستحصلين على بيت مرتب جداً وابن لا يفقه شيئاً!
§ أحياناً يكون لدى أبنائنا خُلقاً نريد أن ننميه، وبالعقاب الخطأ نحرمه منه.
تحكي أأأأم عن اتفاق أبرمته مع زوجها على تنمية سلوك الإيجابية عند ابنهما ذي السنوات الخمس. ذات يوم والأب عائد من عمله، استقبله الابن" أبي، أنا ولد رائع!" فحكت له الأم ما حدث. أراد الولد "الإيجابي" مساعدة أمه في غسل الأطباق، ولكنه لم يكن كبيراً بالقدر الكافي ليصل إلى الصنبور، ففتح الثلاجة ليأتي بالماء لغسل الأطباق فسكب المياه كلها! ماذا ستفعلين لو كنت في هذا الموقف؟ تحكي الأم أنها قالت للولد:
الأم: لماذا فعلت هذا؟
الابن: أردت أن أساعدك في غسل الأطباق. (هذه هي الإيجابية وهو سلوك رائع لا يمكن قتله)
الأم: ولماذا جئت بالمياه من الثلاجة؟
الابن: لأنني لم أتمكن من الوصول للصنبور.
الأم: أرأيت ما حدث؟
الابن:نعم.
الأم: وماذا علينا أن نفعل؟
الابن: في المرة القادمة سأحمل الأطباق إلى الحمام لأغسلها هناك!
الأم: ألا أدلك على خير من ذلك؟ في المرة القادمة التي تريد أن تساعدني، قل لي لكي آتي لك بكرسي تقف عليه فتستطيع الوصول إلى الصنبور.
الابن: هذا ما سأفعله في المرة القادمة.
الأم: وماذا سنفعل الآن؟
الابن: سآتي بمنشفة لأجفف المياه.
الأم: وأنا سأساعدك.
لم تبذل الأم مجهوداً في الانفعال وتوبيخ الطفل بل استخدمت وقتها ومجهودها في إنتاج سلوك صحيح عند الطفل؛ فعندما عاد الأب من عمله وجد الابن منتعشاً.
§ أحياناً نعاقب لأن هذا هو الطريق السهل دون الوصول إلى أصل المشكلة.
دعوني أقص عليكم قصة عمر بن أبي سَلَمة، أبي سَلَمة الذي استشهد ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أرملته أم سَلَمة. يحكي عمر:" كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في صحفة الأكل، فأخذني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: يا غلام، إذا أكلت فسمِ الله، وكل بيمينك وكل مما يليك."
لو كنت أنت زوج الأم، وابن زوجتك يأكل بطريقة غير لائقة على الإطلاق، ماذا كنت ستفعل؟ كنت ستعاقبه بالحرمان من الأكل مثلاً أو اللعب، لأن العقاب سهل. ولكن النبي لم يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم. تصرف النبي صلى الله عليه وسلم جعل الولد يتذكر هذه الحادثة رغم حداثة عمره الذي لم يتعد الست سنوات حينئذ، فظل متذكراً لها حتى روى لنا هذا الحديث! العقاب هنا سيكون خطأ لأن الأمر ليس مجرد أن الولد كان يأكل بطريقة غير لائقة، النبي صلى الله عليه وسلم توصل إلى جذر المشكلة وهي أن الغلام يتيم، وبدأت تظهر عنده صفة الجشع نتيجة إحساسه بفقدان أبوه الذي يعتمد عليه، فيريد أن يأخذ كل شئ لأنه وحيد. النبي صلى الله عليه وسلم فقه هذا ولهذا لم يعاقبه، بل ذكره بالله سبحانه وتعالى.
§ أحياناً نعاقب أولادنا انتقاماً لأنفسنا.
تحكي أم أنها ابتاعت بيتاً جديداً ودعت صديقاتها لتريهم البيت. فظلت تنظف البيت لمدة يومين وخصوصاً غرفة طفلتها ذات الأعوام الثلاثة، كما جعلتها تنام لكي يصل لصديقاتها مدى رفعة البيت وجمال هيئته! قبيل وصول صديقات الأم، دخلت الأم غرفة البنت فوجدتها وقد فرشت أرضية الغرفة باللعب وتلعب بها وأفقدت الغرفة كل ما كان من ترتيب وتنظيم! فعاقبتها عقاباً شديداً جعل الابنة تبكي دون أن تعرف ذنبها. ما حدث هنا هو أن الأم أرادت حسن المنظر أمام صديقاتها بينما الابنة لم تخطئ.
نستخلص من هذه الأمثلة أننا أحياناً نعاقب أولادنا دون سبب، أو نعاقبهم حينما لا يكون العقاب هو الوسيلة السليمة لتقويم السلوك ويكون إيذاءً قد لا ينسوه طيلة حياتهم، ولابد أن نكون حلماء وخصوصاً مع أولادنا وبناتنا. يوصينا النبي صلى الله عليه وسلم:" ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب." فالأولى أن نستخدم هذا الحديث مع أبنائنا. يقول الله تعالى:"...ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..." (آل عمران: 159)، نحن دائماً نفكر في هذه الآية كوصية من الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ولم لا تكون لنا في التعامل مع أولادنا باللين والرحمة حتى لا ينفضوا من حولنا؟!
قد يبرر بعض الآباء كثرة عقابهم لأبنائهم لصعوبة زماننا، وأنه لابد من معاقبتهم لكي يصبحوا أشداء قادرين على تحمل الصعوبات. أرد على هؤلاء بهذه الآية وإنهم سينفضون من حولنا بمجرد إحساسهم بقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم، وسيكون هذا الوقت هو أشد وقت تحتاج أنت فيه إليهم.
§ الأسوأ من كل ما سبق أننا قد نعاقب دون أن ندري:
فقد يكون لديك طفلان أحدهما يحسن التصرف عكس الآخر. فتظل تعامل الأول بطريقة تختلف عن معاملتك للآخر، وتتوقف عن العدل بينهما تحت شعار التربية. حذار من هذه الطريقة! جاء للنبي صلى الله عليه وسلم رجل يشهده على أشياء سيعطيها لابنه. فقال له النبي: ألك أولاد؟ قال: نعم. قال: أأعطيتهم مثل ما أعطيته؟ قال: لا. قال: فأشهد على ذلك غيري". حذار من عدم العدل بين الأبناء في كل صغيرة وكبيرة، فهذه الأشياء لا ينساها الأطفال طيلة حياتهم، وقد تفرق بينهم وتزرع بينهم الحقد والكراهية حتى بعد مماتك بأعوام مديدة.
بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في بيت ابنته فاطمة وعليّ رضي الله عنهما وأولادهما الحسن والحسين في الفراش، وإذا بالحسن يستيقظ فطلب السقاء، فقام سيدنا عليّ والسيدة فاطمة لإعطائه الماء، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دعوني أنا أسقيه. فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق لسقاية الحسن وثب الحسين فسبق الحسن يريد الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا. حتى أعطي أخاك أولاً، فإنه طلب أولاً".
أترون إلى أي مدى يكون العدل؟ من طلب أولاً يأخذ أولاً أو نستأذنه.
نحن لا نُقدّر ما نفعله في أولادنا بالعقاب. قد يحتاجون إلى العقاب ولكنني أؤكد أنه ليس الحل الأمثل، وهناك العديد من الحلول الأخرى التي يجب أن تسبق العقاب. يأتي الابن يوم القيامة فيقول لله تبارك وتعالى: يا رب خذ لي حقي من أبي، تركني أفعل كذا وكذا، (حديث صحيح). حجة الابن أن الأب أخذ الطريق الأسهل وهو العقاب فلم يدري ما هي مشاكل ابنه، ولم يعالجها. "بدلاً من أن يعالج مشاكلي، فرغ كل مشاكله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في عقابي لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع مديره!"
صدقوني حينما أقول لكم أن ما قلناه في الحلقات السابقة هو الحل الأمثل:
1. الأب الصديق.
2. استخدام لغة العاطفة قبل لغة العقل.
3. الاحترام والتقدير.
اسمعوا كلام المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شئ إلا زانه، وما نُزع من شئ إلا شانه".
كفانا عنفاً في بيوتنا، وأوصيكم بعدم الضرب خاصةً مع البنات، فالبنت هي فاكهة بيتك، وهي مربية أولادها، وهي جدة أحفادها فهي تبني بنياناً من ثلاثة طوابق. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان عنده ثلاث بنات فيكرمهن ويؤدبهن ويرحمهن كنَّ له ستراً من النار. قالوا: وإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين".
كفانا عقاباً وتعالوا نستخدم البدائل.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2734.html