الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته , وبعد .
يقول عليه الصلاة والسلام : " اللهم إني أعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع " .
يتعوذ من الجوع , وقد جاع عليه الصلاة والسلام مرات كثيرة وربط الحجر على بطنه من شدة الجوع .
ومرةً يربط حجرين في الخندق , لأنه لما نزل الصحابة يحفرون الخندق يقول أحد الصحابة : كنا نربط على بطوننا حجراً حجراً ورسول الله ربط حجرين حتى تجتمع أحشائه صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع .
ولهذا الحديث الذي مر معنا حديث على جابر فلا نعيده .
المقصود أه صلى الله عليه وسلم جاع في حياته وهو الذي وزّع الغنائم على الناس .
حتى ان ملك الجبال أرسله الله وقال : يا رسول الله أتريد أن أحول لك بإذن الله جبال الدنيا ذهب وفضة ؟ .
قال صلى الله عليه وسلم : لا ....أريد أن أشبع يوماً و أجوع يوماً حتى ألقى الله .
فهو حتى يقول البصري :
راودته الجبال الشم عن شبه من نفسه فأراها أيما همم
وأثبتت زهده فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدو على القيم .
فهنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم اختار أن يشبع ويجوع , يتلوى صلى الله عليه وسلم أحياناً يقول عمر وقد تولى الخلافة ورأى الفتوح , ورأى الكنوز تجبى من الدول الإسلامية ورأى الجيوش المهللة مكبرّة تأتي بالخزائن والقناطير المقنطرة .
يقول : والله ان رسولكم صلى الله عليه وسلم كان يتلّوى الأيام ما يجد إلا درك التمر الرديء من التمر ما يشبع عليه الصلاة والسلام .
يدخل على زوجاته قال : عندكم شيء من طعام ؟ .
قالوا : ما عندنا شيء .
قال : فاني صائم , صائم نافلة يجوز لك في صيام النافلة ان تعقد الصيام من النهار من أثناء النهار .
يبحث يقول في البيت شيء لا لبن , لا لحم , لا خبز , لا تمر .......وهو رسول الهدى عليه الصلاة والسلام , هو أفضل الناس وأكرم الناس ..
مرةً من المرات يقول عمر : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة وهي غرفة مرتفعة يطلع لها بسلّم درج , والدرج هذا من أعواد .
فصعد لما اعتزل نسائه صلى الله عليه وسلم والحديث في البخاري .
جلس في غرفة قال عمر : فدخلت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام , فلما جلست رأيت جلس صلى الله عليه وسلم وقد أثر الحصير بجنبه , حصير منسوج من سعف النخل أثر في جنبه صلى الله عليه وسلم , وكان صلى الله عليه وسلم جسمه رقيق , وجسمه لين صلى الله عليه وسلم فأثر الحصير بجنبه .
قال عمر : فنظرت في الغرفة ما فيها إلا شيء من شعير معلّق في كيس صغير من حب الشعير معلّق , ما في الغرفة شيء أخر لا من طعام , ولا ماء , ولا ثياب , ولا لبن , ولا شيء .....إلا هذا الشعير .
فدمعت عينا عمر .
قال صلى الله عليه وسلم : ما لك يا عمر ؟. .
قال : يا رسول الله هذا كسرى وقيصر , يعني الملوك الذين في عهدهم يعني ملك فارس وملك الروم , هذا كسرى وقيصر وهم أعداء الله وهم في ترف من النعيم .
قال : أفي شك أنت يا أبي الخطاب ؟ , أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ؟ .
إلا رضينا , عسى الله أن يجعل لنا جواره سبحانه وتعالى في جنات النعيم .
يقول هذه قسمة محسوبة على الكلام , ألا ترضى يا عمر ان تكون لنا الآخرة يعني الجنة ولهم الدنيا خذوا الدنيا .
ها هم أعداء الله الأن ينهبون الدنيا , وكثير منهم ليسوا مؤمن , ولا موحد , وليس مصلي , ويسكن ناطحات السحاب , وعنده مليارات .
{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ } {وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }.
فليست المسألة أن العبد إذا أعطاه الله أنه أحبه .......فالله قد يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب , أحياناً يعطي أعداءه أكثر مما يعطي أولياءه .
أحياناً يصلح الله الدنيا على الإنسان المؤمن لأن لا يفتتن , فتجد بعض المؤمنين لا يوفر قوت اليوم , ويسكن في بيت من الطين أو الصفيح أو في خيمة , أو في كوخ وهو ولي من أولياء الله صائم , قائم , قانت , عابد , زاهد , ولي , محتسب .
وتجد عدون من أعداء الله يسكن ناطحات السحاب , فهذه القسمة لا تفهم بهذا , لا يفهم الجهلة والحمقى بهذا .
لأن الله عز وجل لما يعطي الدين من يحب , يعطيه الإيمان , يعطه القرب منه سبحانه وتعالى , يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته , يحبب له السنة , فتجده مجتهداً .
وأما ذاك فأحياناً يبتليه الله بالمال , وبالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة , والأرصدة المالية , والدخل الكبير , لكنه معرض .
فهنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يجوع عليه الصلاة والسلام .
ولذلك لما أتى أبو هريرة وجاع في حادث الصفة ضّيفه صلى الله عليه وسلم , يقول : دخلت بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ما وجدت إلا إناء فيه لبن .
ليس هناك شيء أخر لا خبز , ولا لحم , لا تمر , ولا شيء , ولا حبوب , فقط هذا الإناء من اللبن , وأبو هريرة مشرف على الموت من الجوع .
قلت : عسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني من هذا اللبن أشرب .
قال : اذهب إلى أهل الصفة , الفقراء في المسجد نادهم يشربون معنا اللبن .
فذهب فناداهم , فاستقّت بهم الغرفة , الغرفة استقّت بهم في البيت اجتمعوا .
فأخذ يناولهم أبو هريرة حتى روي كل واحد منهم , وروي أبو هريرة , وبقي الأخير الجائع الأخير المضّيف سيد الحلق صلى الله عليه وسلم .
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : " ساقِ القوم أخرهم شرباً " .
فكان في بيته لا يأكل إلا بالأخير صلى الله عليه وسلم , ويقول : " سيد الخلق خادمهم " .
فصلى الله وسلم عليه ما أبّره , وما أًبره عن الجوع وعلى شرف العيش .
حتى يوم أقبلت الدنيا وزّع الغنائم ولم يأخذ شيء صلى الله عليه وسلم وبقي عليه الصلاة والسلام كما أتى إلى الدنيا سليماً من الدنيا .
فصلى الله وسلم عليه , وجزاه الله عنا خير الجزاء .
والى اللقاء .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4465