الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أيها الإخوة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
أتت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام امرأة مسكينة مبتلاة , مريضة كانت تصرع , يصيبها الصرع فتفقد وعيها , وتمزق ثيابها من شدة الأمل , ومن شدة ما ينتابها .
عسى الله أن يشافي المبتلين , عسى الله أن يعافي المرضى , فلا يملك الشفاء إلا الواحد الأحد , ولا يملك العافية إلا هو .
وكان عليه الصلاة والسلام هو الرحمة المهداة ,و النعمة الموسدات , كان رحيماً بالمؤمنين , يعوذ المرضى , يجلس مع المبتلين , يأكل مع المساكين , يقف مع أهل الحاجات .
توقفه العجوز في حر الشمس فيقف معها , تذهب به الجارية تأخذ بيده فيذهب معها في سكك المدينة متواضعاً , سمحاً , خلوقاً , ميسراً , رحمة , بركة .
يقول له ربه يزكيه , يمدحه , يثني عليه : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } , عظيم هذا الخلق , عظيم هذا الحلم , عظيمة هذه الرحمة .
أي خلق خلقك أنت ؟ , أنت الذي سما بالخلق ,أنت الذي أسر قلوب الناس بأخلاقك , قلوب الفقراء والمساكين ,و الأغنياء , والكبار والصغار .
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } .
انه الغيث عليه الصلاة والسلام , بل أهنا وأمراً من الغيث أتته هذه المرأة المسكينة مبتلاة , عوضها الله الجنة .
فقالت : يا رسول الله إني أصرع وأتكشف , أصابها صرع تفقد وعيها , وتحدث حركات بجسمها فتمزق ثيابها , فادعوا الله لي أن يشافيني ربي يا رسول الله .
فخيرها المعلم عليه الصلاة والسلام بين أمرين وهو الرحمة صلى الله عليه وسلم , وهو الذي يريد الأصلح بالأمة في الدنيا والآخرة .
{{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ .
قال : ان شئت دعوت الله لك وشافاك الله , وان شئت صبرتِ ولك الجنة .
اختاري إما أن أدعو الله لك لأن فتشافين تماماً , وإما أن تبقين على وضعك وتصبرين وتحتسبين فان المبتلى على اجر وان المريض على أجر .
هنيئاً للذين ينامون الأن على الأسرى البيضاء لهم أنينٌ وزفيرٌ , وآهات تنبعث وبكاء على أسره بيضاء من الآلام .
هنيئاً لمكن ابتلي في جسمه أو في عقله وذهب ماله إذا صبر واحتسب .
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } .
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } , {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } .
تصبرين ولك الجنة لأنك صبرت واحتسبت وأتاك بلاء ومصيبة وهذه كفّارة , أم أدعو الله لك ؟ .
قالت : بل أصبر واحتسب , فاختارت الأحسن تريد الجنة , ولكن يا رسول الله ادعوا الله لي لأن لا أتكشف .
سوف أصبر على هذا المرض وهذا الألم , وكما قال الأول :
ان سركم ما قال حاسدنا فما لجرحٍ إذا أرضاكم آلم .
وقال الأخر :
ويقبح من سواك الفعل عندي وتفعله فيحسن منك ذاك .
قالت : أصبر , لكن يا رسول الله ادعوا الله لي لأن لا أتكشف .
فدعا لها أن لا تتكشف .
فكانت تصرع , ويذهب وعيها , وتتألم , لكن بكفّارة من السيئات , بحسنة وبرفع درجة , وكانت لا تتكشف بعد ذلك ثيابها عليها .
وهذه رسالة وتحفة من محمد صلى الله عليه وسلم وهديه المبتلين , للمرضى , لذوي الاحتياجات الخاصة , له الآفات والعاهات , لمن فقد بصره , لمن فقد سمعه , لمن فقد راحته , لمن عطّل عضو من جسمه , لمن أصابه مرضٌ عضال , لمن يئن ولم يجد راحة , لم يجد للنوم طعماً ولا للطعام مذاقاً ,و لا يستثيره الشراب .
هنيئاً لهم الأجر ينتظرهم , الله سبحانه وتعالى سوف إما شافاهم وعافاهم , وألا ردهم إلى جنات النعيم .
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } .
حتى يتمنى بعض الناس يوم القيامة إذا رأى المبتلين وقد كفّر عنهم السيئات , أن هذا المعافى قرضّ بالمقاريض في الدنيا .
وفي بعض الآثار أن أهل البلاء , أهل البلاء يأتون يوم القيامة فيقفون عند أبواب الجنة ويرون الناس يحاسبون .
قالوا : يا ربنا حاسبت الناس ولم تحاسبنا .
قال : قد حاسبتكم بالدنيا , ادخلوا الجنة .
يدخلون بلا حساب لأنهم حوسبوا أصلاً في الدنيا , حوسبوا بالبلاء , حوسبوا بالأمراض , حوسبوا بالفقر , حوسبوا بالكوارث والخطورة والأزمات .
وهم المحتسبون الصابرون الذين يصبرون على قضاء الله وعلى قدره .
ولذلك كما في الحديث الصحيح" يبتلى المؤمن على قدر إيمانه , ويبتلي الله سبحانه وتعالى المؤمنين الأمثل فالأمثل " .
" وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا , ومن سخط فله السخط "
والمؤمن كالخامة من الزرع تفيؤها الريح يمنةً ويسرةً , كما في حديث البخاري الصحيح " كالخامة من الزرع مرةً بالبلاء , مرةً بالمرض , مرة بالفقر , مرة بكارثة , مرة بموت ولد .
وأما المنافق كالأرزه متصلب , جاسم , قوي , حتى يكون فجعه مرة واحدة .
المنافق كثيراً ما يسّمن , ويعني يبقى في راحة , لكن تأتيه الصدمة هائلة تجتثه إلى أن يذهب إلى سوء المصير .
أما المؤمن فصاحب الابتلاء , ولكنه صاحب احتساب .
هنيئاً لمن ابتلي فصبر , ولمن أذنب فاستغفر , ولمن انعم عليه فشكر .
جعلنا الله منهم .
والى اللقاء , وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4434