الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

سمع صلى الله عليه وسلم وهو في فجر الدعوة في الأيام الأولى في مكة أن أعيان قريش , يعني كبار قريش الأغنياء والأثرياء يريدون منه مجلساً , يريدون أن يتحدثوا معه .

فطمع صلى الله عليه وسلم في إسلامهم , وفرح صلى الله عليه وسلم أنهم أعطوه الفرصة ليريدوا صلى الله عليه وسلم أنهم يسمعوا منه .

لأنهم إذا سمعوا منه الوحي بلاغة الوحي , وفصاحته , وتأثيره , وإعجازه , وتحديه يمكن أن يفحمهم هذا الوحي العظيم ويسلموا , يمكن أن يعرفون البرهان ويكتشفون الدليل .

المهم صلى الله عليه وسلم منهم أن يمنحوه فرصة السماع يسمعوا منه , وأتت فرصة سانحة .

قالوا : نريد منك مجلساً يا محمد عليه الصلاة والسلام و لا يقربن هؤلاء عندك الفقراء والموالي .

كان فيهم كبر وطغيان كفار قريش , وكان فيهم عنجهية وخرجوا بطراً ورياءً أمام الناس , مثل أبي جهل , وأبي لهب , وليث ابن خلف , ونحوهم .

قالوا نريد مجلس لا يأتوا هؤلاء الموالي وهؤلاء الفقراء الذين عندك .

لأن أول من صدق الدعوة والرسالة هم الفقراء والمساكين والموالي , وهم أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام , وهم الذين تعلقوا بالدعوة , وهم الذين ينصرون الحق دائماً وأبداً .

الطبقات هذه الفقيرة في الغالب البسيطة تصدق وتؤمن وتسلّم , بخلاف عليه ة القوم فان الحق أحياناً يصعب عليهم .

وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً , إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } .

وفي بعضهم خيرٌ كثير , فمنهم من سبق حتى من الأعيان الإيمان ونصر الدين .

فأعطاهم صلى الله عليه وسلم أعطى كفار قريش وأعيان قريش مجلس و وعدهم , وتمنى صلى الله عليه وسلم وطمع في إسلامهم .

ولما جلس وهو مشغول بهم صلى الله عليه وسلم يوّجه لهم الرسالة والدعوة ويشرح لهم الدين الجديد ولا اله إلا الله .

وإذا برجلٍ من أصحابه مسكين فقير أعمى اسمه عبد الله ابن أم مكتوم , عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى أقبل ما يدري هو .

الأعمى ما يدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم عنده كفار قريش وأعيان قريش كبار قريش , وهو أعمى لا يرى لا ينظر , وأيضاً فقير مسكين وهو مسلم .

فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد يعني أن يرى أن هذا المضمون يعني عبد الله يأتيه في وقت أخر , لأنه مسلم وجاء يستفسر عن مسألة دينية , أتى يطلب الزيادة من العلم , أتى يطلب العلم .

فالرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه وكره أن يأتيه في ذلك المكان وهو مشغول بالقوم ويريد أن الله يفتح عليه في قلوب هؤلاء كفار مكة .

فأعرض عنه وعبس في وجهه , وانتهى المجلس .

ونزل جبريل بهذا العتاب من الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام في شأن عبد الله ابن أم مكتوم .

حي قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم , ولم يواجهه بالخطاب إبقاءً لقلبه عليه الصلاة والسلام , وحناناً به عليه الصلاة والسلام , ورحمةً به صلى الله عليه وسلم .

قال : {عَبَسَ وَتَوَلَّى } , كأنه رجلٌ أخر , ما قال عبست وتوليت .

قال : {عَبَسَ وَتَوَلَّى } , يعني عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عن هذا الشيخ المسكين الفقير الأعمى .

{عَبَسَ وَتَوَلَّى } , يعني عبس وتولى عنه , تقطبّ بوجهه وتعرض عنه ولا تعطيه إجابة .

{أَن جَاءهُ الْأَعْمَى } , لأنه جاءك الأعمى وأنت مشغول بكفار قريش عبست وعرضت عنه .

{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } , ما يدريك أنه يوم أن أتى أراد أن يتطهر بالإيمان , أراد أن يزداد خيراً , أراد يطلب علماً , أراد يزداد تقوى لله عز وجل بأن يطلب منك الخير والحكمة الذي معك .

{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى , أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى } , أو يجد موعظة فيرتدع عن الخطأ, و يرتدع عن الذنوب ويتذكر ما عند الله سبحانه وتعالى ولقاءه ويتذكر نعمه .

{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى , فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى } , يقول أما من استغنى عن الهداية وأعرض عنها ككفار قريش ولم يرد أن يهتدي , فأنت له تصدى يعني تستقبل وتعترض لهم وتلتقي بهم .

{وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى , وَهُوَ يَخْشَى , فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى } , أم هذا الذي أتى يسعى إلى الهداية وللنور , ويخشى الله سبحانه وتعالى يتقيه , فأنت تلتهي عنه ! .

كلا , فهذا إنكارٌ من الله وعتاب لرسوله صلى الله عليه وسلم .

حتى بعدها كان إذا رأى صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى أقبل فرش له رداءه , قال له : مرحباً بالذي عاتبني في ربي , مرحباً بالذي عاتبني في ربي .

فيرحب به ويقبل عليه , وهذا الذي وقع فان هذا الأعمى أصبح مؤذن للرسول عليه الصلاة والسلام .

ويقول أهل السير انه قتل في القادسية مع العمل أن الله عذر الأعمى من حضور المعركة , عذره من الجهاد .

لكن قال : والله لا أسمع بدعوة الجهاد إلا ذهبت , أعطوني الراية لأني أعمى يعني ما أعرف , ما أرى لأن أقاتل ولا أرى ولا أنظر , فأعطوني الراية أمسكها .

فحفر لقدميه ورجليه في الأرض وبقي واقفاً مكانه بالراية السلامية في القادسية فقتل مكانه وهو واقف ورجلاه في الحفرة .

هذا أولاً أن لا تقيس الناس من مناظرها ولا بأشكالهم ولا ما عندهم من الأموال ولا بالصور .

المسألة مسألة حقائق من عنده إيمان وتقوى ولو كان فقيراً أو مسكيناً أو يتيماً أو مضطهداً فانه قد يكون عنده من الخير .

كما قال صلى الله عليه وسلم : " إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم " .

فأنت لا تدري قد ترى الرجل الطريد فتزدريه وفي أثوابه , أسدٌ هصورٌ .

ويعجبك الكبير وتظن أن عنده من الفضائل الكثير , وإذا هو صفرٌ لا شيء من الخير عنده .

ولهذا يقول في صحيح مسلم : " ان الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .

قومّوا الناس بتقواهم , بإيمانهم , بنصرتهم للإسلام , بإتباعهم لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم لا بصورهم ولا بأشكالهم وأموالهم .

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى , وجعلنا الله وإياكم مقبولين عنده .

والى اللقاء وجزاكم الله خيراً .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4416