الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
معنا تابع بل من سادات التابعين سعيد ابن المسيب رضي الله عنه وأرضاه عالم المدينة , وسيد التابعين .
وهو الذي أخذ أكثر العلم من أبي هريرة روايةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحتى قال أهل العلم أنه تزوج ابنت أبي هريرة فكان حافظاً رضي الله عنه , وكان عابداً , وكان زاهداً , وكان طوالاً بالخير , طوالاً بالحق .
سعيد ابن المسيب كان يمكث بالمسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفجر إلى صلاة الظهر مستقبلاً القبلة عليه ثياب بيضاء يقول بعض الناس كأنه ملك جالس يسبّح , ويذكر الله , ويتفكر .
حتى أنه رأى مرة بعد صلاة الظهر شباب يصلون ويقومون ويسلمون , ويصلون ويسلمون , قال له رجل : يا أبا محمد يعني سعيد ان المسيب , انظر العبادة .
قال : العبادة ليست هكذا , العبادة هي التفكر في أمر الله والكف عن محارم الله .
يقول ليست يعني أفضل من غيرها , لأن الصلاة طبعاً كلما صليت وسجدت لله رفعك الله بها درجة , لكن أفضل منها التدبر , تدبر الشريعة , تدبر الكتاب والسنة , التفكر في آيات الله عز وجل .
والانكفاف عن المحارم يعني ترك المحرمات .
هاذ فقه سعيد .
سعيد ابن المسيب يقول لأبنته وهو في سكرات الموت وهي تبكي عليه : ابكي أو لا تبكي والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام ستين سنة .
ستين سنة يقول ما يؤذن المؤذن , ما أذن من ستين سنة خمس صلوات إلا وسعيد ان المسيب في المسجد .
حتى ذهبت إحدى عينيه من كثر البكاء من خشية الله , قالوا أصحابه : لو خرجت إلى العقيق , العقيق هو وادي قريب إلى المدينة فيه خضرة وماء حتى يعود لك بصرك .
قال : كيف أخرج إلى العقيق وأترك تكبيرة الإحرام وهي خيرٌ من الدنيا وما فيها , وأترك صلاة واحدة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بألف صلاة ! .
يعني حمامة المسجد يؤذن المؤذن وهو في المسجد , ينتظر الصلاة , يتأخر بعد الصلاة , يجلس من الفجر إلى صلاة الظهر , مرةً يتنفل , مرةً يعتكف , مرةً يقرأ , مرةً يبكي , مرةً يعلم الناس , مرةً يدعو , مرةً يسبّح .
سعيد ابن المسيب آية , علامة فارقة في تاريخ الإسلام في الجانب العلمي , حتى عدوه من سادات التابعين الثلاثة وهم : الحسن البصري , وسعيد ابن المسيب , و أويس القرني .
سعيد ابن المسيب كان في شمم قوالاً بالحق , قوال بالمعروف , ويقول الكلمة الفاصلة في المسائل .
حتى أنه مرة عندها ابنة , ابنته فاضلة عابدة قيل أن اسمها فاطمة , حافظة لكتاب الله , من أجمل النساء على الإطلاق .
سمع بها الوليد ابن عبد الملك الخليفة الأموي فأرسل إلى سعيد ابن المسيب يخطبها لابنه , وهو خليفة المسلمين يحكم اثنان وعشرين دولة .
فسعيد ان المسيب قال لما أتته الرسالة , قال : سبحان الله ما حال ابنتي إذا ذهب بها بين الجواري , وبين العيدان , وبين الدنان , وفي القصور .
يعني سوف يذهب العلم ,هي حافظة لكتاب الله , حافظة للحديث , وفي بيت فقير لكنه عالم للمسلمين , وفي صلاح , وفي قيام ليل , وتصوم .
يقول في هذا الحين أزوجها ابن ولي عهد المسلمين , هو عهد المسلمين ابن خليفة المسلمين ! .
فرفض واعتذر من ذلك .
بعض الروايات تقول أن عبد الملك يريدها لولده الوليد , هذا فيما قالوا يريدها للوليد ولي العهد .
فكتب واعتذر , فلما اعتذر غضبوا عليه واحتالوا وطلبوه في فتوى , ثم جلدوه في الشمس رضي الله عنه وأرضاه , هذا من الابتلاء رفعه الله سبحانه وتعالى .
حتى أنه في أثناء ما كان يجلد كان يسأله قتادة ابن دعامس السدوسي عند الحديث والسياط تقع على سعيد ابن المسيب فكان يفتيه بالأحاديث .
فقالوا لقتادة : كيف تسأله وهو يجلد .
قال : خفت أن يقتل ويذهب علمٌ كثير , فأنا كنت أسأله عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقتل , وكان يفتيه في هذه الساعة , وفي الشمس وهو يجلد بالخيزران .
ومع ذلك يسأله قتادة العالم الثاني تلميذه وسعيد ان المسيب يفتيه , ويعلمه الأحاديث , وهو في حرارة الشمس والعصا تقع على ظهره رضي الله عنه وأرضاه , وهو مظلومٌ , مجلود في سبيل الله وفي التضحية لرفع لا اله إلا الله .
وهذه الفتاة فاطمة بعد أن اعتذر من ولي العهد أتى رجل فقير في المسجد يدرس عند سعيد ابن المسيب كان صالحاً , قائماً , قانتاً , عابداً .
قال سعيد ابن المسيب : أليس عندك أهل ؟ .
قال : لا ليس عندي كيف لا أستطيع ليس عندي مهر ولا شيء .
قال : ولا تستطيع أن تجمع شيء ؟ .
قال : لا .
قال : اذهب وابحث عن شيء .
فأتى بدرهمين , قال : والله ما عندي إلا هذين الدرهمين .
قال : فأزوجك ابنتي فاطمة بدرهمين , درهمين .
قال : جزاك الله خيراً .
فعقد العقد وأخذ الدرهمين وذهب بزوجته هذا طالب العلم قال فوجدتها من أفقه , وأعلم , وأجمل الناس على الإطلاق .
هذا سعيد ابن المسيب رضي الله عنه يضرب بسيرته أجمل , وأحسن , وأرقى العبر .
حتى انه كان ملازم للسنة , وكان يعني يكره المخالفة وينكر .
جاءه رجل قبل صلاة الفجر عامي بعد أن أذن الفجر صلى ركعتين , ثم ركعتين , السنة ركعتين ثم تنتظر الصلاة فصلى هذا العامي ركعتين وركعتين .
قال سعيد ابن المسيب : لا تزد على الركعتين , السنة قبل الفجر ركعتين .
قال العالمي : والله لا يعذبني الله لأنني أصلي , انظر إلى الجهل والمعارضة للسنة .
قال سعيد ابن المسيب : أعرف أن الله لا يعذبك لأنك تصلي , لكن يعذبك الله لأنك خالفت السنة .
السنة هي التي رفعت سعيد ان المسيب وأمثاله إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
جمعنا الله بهم في الفردوس الأعلى , و إلى اللقاء .
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4397