الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
اجتمع ثلاثة شباب من شباب الصحابة في مجلس , فتذكروا عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام , وتذكروا هم تقصيرهم .
وقالوا : أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ , الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
فعلينا أن نجتهد نحن في العبادة , مادام أنه لم يغفر لنا كما غفر للرسول صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر , فعلينا أن نحرص كل الحرص حتى ندرك الفضل .
قال أحدهم : أنا سوف أصوم كل يوم ولا أفطر أبداً , يعني على طول الأيام .
وقال الثاني : وأنا لا أكل اللحم أبداً , من أجل يعني أنه يريد أن يترك الملاذ , ويريد أن يترك التنعم والترّفه .
وقال الثالث : أنا لا أنام الليل أبداً سوف أصلي حتى الفجر .
ودار هذا الكلام وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم , لأنها قصة اجتماعية تنتشر والرسول صلى الله عليه وسلم هو المسؤول وهو إمام العامة وقدوة الناس صلى الله عليه وسلم .
فأرسل إليهم وحضروا .
قال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا .
قالوا : نعم .
قال : لكني أعلمكم بالله وأتقاكم له , إني أصوم وأفطر , وأقوم وأنام , وأكل اللحم وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني .
وهذا حكمٌ منه صلى الله عليه وسلم بأن شريعته سمحة , وأنها ميسرة , وأنها وسط , ومن أراد أن يشدد على نفسه فليس هذا من طبيعة الدين ولا من مقصده .
لأنه صلى الله عليه وسلم ينبهنا دائماً , يقول : " ان الدين يسر ولم يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه , فسددوا وقاربوا " .
فمنهج الدين منهج الإسلام هو منهج الوسطية , منهج السماحة , منهج اليسر .
حتى يقول صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالحنيفية السمحة " .
فالذي يأتي ويغلوا في الدين , في العبادة ويشق على نفسه ويحرم نفسه ما أباح الله سبحانه وتعالى له .
كمن يصوم دائماً كل يوم , هذا خلاف السنة لأنه سوف يعطّل حقوق الأهل , أو حقوق الضيف , أو العمل , أو الوظيفة , أو الكسب .
لكن يقتصد بالعبادة , مثلاً يصوم ثلاثة أيام من كل شهر .
مثلاً من يقوم الليل كله , أحياناً قد يفوت عليه , حتى كتبوا عن بعض الطوائف يقولون : كانوا يقومون الليل ويتركون صلاة الفجر , فهذا أجهد نفسه .
مثلاً الذي يترك الطيبات , مثلاً لا يستظل بالظل , لا ينام على فراش وفير , لا يأكل اللحم , لا يأكل الفاكهة , لا يتزوج .
هذا خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم , هذه الأمور التي ذكرناها رهبانية ليست من طبيعة الإسلام .
يقول سبحانه وتعالى : { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } .
الإسلام ليس رهبانية , الإسلام ربانية , الإسلام دين سمح , دين عالمي , دين رباني , دين رحمة , دين يسر , تعطي كل ذي حقٍ حقاً .
فالرسول عليه الصلاة والسلام منع هؤلاء , لو كان غيره من العبّاد الذين يجهلون طبيعة الدين , وهو الذي أتى بالدين صلى الله عليه وسلم قال يعني زيدوا من النشاط , استمروا على هذا .
حتى تجد بعض المشايخ إذا رأى شباب متجهين لهذا قال : زد , اقرأ زيادة .
قال : ثلاثة أجزاء .
قال له : لو قرأت في اليوم خمسة كان أحسن .
قال : أقوم ساعة في اليوم .
قال : لا تكفي قم ساعتين , ثلاث , أربع ساعات .
وهذه فيه إجهاد .
وصلاة التراويح إذا رأى إمام يصلي فيهم , قال : زد وطوّل , طوّل بنا ثلاث ساعات , مع العلم من في الناس ضعيف , يحرم صلاة التراويح , حتى صلاة التراويح فيها من النساء ما يتحملن .
يا أخي كسب الناس أن يصلوا معك مطلبٌ شرعي , ومقصد من مقاصد الدين .
فرسولنا صلى الله عليه وسلم بين للشباب الثلاثة أن هذا ليس .
يقول لو أنه مثلاً مثلاً في التقوى كان صلى الله عليه وسلم يعني لو كانت مسألة التقوى هي الشدة على النفس لكان صلى الله عليه وسلم لتقواه زود على نفسه في العبادة , مع العم أنه أتقى الناس صلى الله عليه وسلم .
قال : ان أتقاكم وأعلمكم بالله أنا , وصدق عليه الصلاة والسلام .
ومع ذلك فهو اتقى الأمة , وأعلم الأمة بالله , ومع ذلك فهو ميسر عليه عليه الصلاة والسلام كما قال له ربه : {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } .
فهو لم يشق على نفسه , وما شق على الناس صلى الله عليه وسلم .
حتى تجد يوم أن تقرأ سنته وسيرته تجد فيها من اليسر, ومن السماحة , فكان رحمةً صلى الله عليه وسلم على أهله , ورحمةً على نفسه , ورحمةً على ضيوفه , ورحمةً على الناس , ورحمةً على العالم , ورحمة ً على الأرض التي مشى فيها صلى الله عليه وسلم .
حتى قال له ربه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } .
فإذا كان رحمة فانه لا يأتي بالشريعة إلا رحمة , ما يشق على عباد الله عز وجل .
فوجب على خاصةً على القدوات , والدعاة , العلماء أن يكونوا على السنة ما يشددوا على الناس .
للعابد إذا كان له أوراد وحده واستطاع لها بشرط أن لا يشق على نفسه له ذلك , لكن إذا كان الإنسان إمام عامة , وإذا كان مفتياً , وإذا كان داعيتاً , فعليه أن يسلك اليسر , ويسلك الوسطية , ويسلك الأسهل , ويسلك الطريق الأحسن .
فهذا الذي أتى به عليه الصلاة والسلام , وهذا الذي اجتمع عليه أمر الأمة فانه صلى الله عيه وسلم لما عاش مع الأمة مشى بمشية الضعيف في صلاته , حتى يقول " واقتدي بأضعافهم " كما مر .
فتجد الناس ناسبهم هذا الدين جميعاً الكبار , والصغار , والأطفال , والشيوخ , والرجال , والنساء .
لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بدينٍ وسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } .
وأتى بدينٍ سهل {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } .
فنبه صلى الله عليه وسلم هؤلاء على أن الإسلام سماحةٌ , ويسر , و وسط , و الحمد لله , ورحمة من عند الله جل في علاه .
فنسأل الله أن يعيننا على ذكره , وشكره , وحسن عبادته , وأن يتقبل منا ومنكم .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4378