الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله , و الصلاة و السلام على رسول الله , و على آله و صحبه و من والاه , أيها الأخوة المشاهدون .

عين عليه السلام معاذ بن جبل إماماً في بني سلمة في قبة .

قريباً من مسجده صلى الله عليه و سلم , لأن معاذ كان طالب علم , و هو سيد العلماء و قائدهم إلى الجنة , و كان يحبه صلى الله عليه و سلم .

و قال له إني أحبك يا معاذ , لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول , اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك .

و معاذ لحرصه على العبادة , كان يصلي بالناس و يطيل بهم , فصلى مرة بأصحابه قيل صلاة العشاء و أدركه رجل , و هذا الرجل كان يعمل في مزرعته , في الفلاحة .

فدخل مع معاذ , و طول معاذ تطويلاً عظيماً عجيباً .

يعني في بعض الألفاظ قال قرأ سورة البقرة , فانصرف الرجل و اقطع الصلاة , و صلا وحده .

الرجل متعب من المزرعة , و جاء من الفلاحة , و فيه نوم و تعب و إعياء و دخل , و معاذ رضي الله عنه طالب علم , و أطال بالصلاة .

فانصرف الرجل , و قال لأشكوك إلى الرسول صلى الله عليه و سلم .

سمع معاذ بهذا الرجل , فقال إنه منافق , لأنه انصرف من الصلاة و قطع الصلاة .

و ذهب الرجل و شكا معاذ إلى الرسول صلى الله عليه و سلم أنه طول و شق عليهم و حتى قطع صلاته معه .

فاستدعاه صلى الله عليه و سلم , و هو المعلم صاحب الشريعة , المعصوم النبي الكريم صلى الله عليه و سلم .

قال أفتان أنت يا معاذ , أفتان أنت يا معاذ , أفتان أنت يا معاذ , و في بعض الأقوال , غضب النبي غضباً شديدا .

و قال ( من صلى منكم بالناس فليخفف ) .

بل قال له , و أوصاه في بعض السورة عليه الصلاة و السلام , قال له اقرأ بأصحابك بعد الفاتحة , سورة الأعلى , سبح اسم ربك الأعلى , و الضحى , و الليل و أشباهها .

و قال صلى الله عليه و سلم ( من صلى منكم بالناس فليخفف , فإن فيهم الكبير و الصغير و المريض و ذو الحاجة ) .

فبين صلى الله عليه و سلم أن أحوال الناس و ظروف الناس تختلف , أنت إذا كنت إمام كما في سنن أبو داود من قوله صلى الله عليه و سلم ( اقتدي بأضعفهم ) .

أنت افتكر أن في المسجد رجل ضعيف اجعل صلاتك تناسب هذا الرجل الضعيف , رجل عاجز يصلي , يعني و هو مريض , أو يصلي على كرسي , أو رجل فيه سلس , أو رجل عنده مرض لا يسمح له أن يواصل الصلة , أو رجل لديه حاجة , يعني له طلب أو عنده ضيوف ينتظرونه .

أو تصلي في مكان في سوق , و الناس يعودون إلى محلاتهم و إلى دكاكينهم .

فأنت لا تشق عليهم , أيتخرج من السنة , و تكون عذاباً على عباد الله عز و جل .

تصلي صلاة كاملة و تامة و سنية , لكنك لا تدخل المشقة على الناس , اقتدي بأضعفهم , لأن ظروف الناس تختلف , أنت لا تقيس على نفسك إذا كنت إمام و مقبل و قوي و شاب .

تفكر أن خلفك من الناس , حتى ينبغي أن تتألف الناس , أي تحببهم في الصلاة , لأن بعض الناس من يأتيك شباب , ربما ليس لديهم صبر على المواصلة , إنما آتاهم أبوهم إلى المسجد يجب أن تحببهم بالصلاة و ـالفهم .

لأنك إذا أطلت , نفرت الناس .

فهذا هديه صلى الله عليه و سلم .

و هذا رحمته بالأمة صلى الله عليه و سلم , و منها أن على الإمام و الراعية ان ينظر إلى الضعيف و يرحم المسكين و يأخذ بقوى أضعف الناس , ليكونوا الناس على طريقة واحدة .

حتى يدرك الضعيف القوي .

و القوي هو أصلاً من أول الطريق في أوله .

و منها أيضاً , الغو في الإنكار حتى على المحب أو على العالم , فإن معاذ عالم و رسول صلى الله عليه و سلم يحبه و له منزلة مرموقة عند الرسول صلى الله عليه و سلم , و علية , و مع ذلك غضب عليه .

و من الغضب في مخالفة السنة , من الإمام , و هذا من باب الزجر , و منها أن من تسبب في ترك الناس لبعض السنن أو لبعض الخشوع , فإنه يعتبر فتان .

من تسبب بطول خطبة الجمعة , إلى أن تضجر الناس من الخطبة , أو خرج بعضهم فقد فتنهم .

من تسبب في طول الصلاة بالناس و طول عليهم , حتى أنهم ضجروا , و حتى أنهم ملوا , و قطع بعضهم الصلاة فقد فتنهم , هذا من الفتنة .

من آتى إلى ناس في مجلس , ثم أطال عليهم المواعظ إلى أن خرج بعضهم , أو ضجر بعهم فقد فتنهم .

لأن المسألة مسألة يسر , هذا الدين أيها الأخوة رحمة .

الرسول صلى الله عليه و سلم يقول ( بعثت الحنيفية السمحة ) .

حتى في المواعظ , كان صلى الله عليه و سلم يتخول الناس مخافة أن يشق عليهم .

ليس دائماً تعظ الناس و لا في كل ما يستحد في الناس , و لا في كل منتدى تخطب الناس .

إنما تأتي إلى الناس فإذا أقبلوا عليك و طلبوا الموعظة و رأيتهم متهيئين , فتبدأ تعظهم .

أما أنك تبتليهم في كل مشهد , في كل مجلس و في كل حفل و في كل منتدى , هذا لا يصح .

أنا أذكر بالمناسبة , يقول لي بعض المشايخ حضر أحد الدعاة إلى زواج , فأخذ يتحدث في عذاب القبر , و الزواج فرح يا أخواني , الزواج أنس , و الزواج سعادة .

الزواج ينبغي أن يأتي بكلام طيب و رفق , و أن يأتي بقصائد و أن يأتي بنكات و لطف .

الآن في عذاب القبر , زواج و الناس في فرح , و الناس سعود و في حضور .

و يأتي هذا من قلة الفكر , يعني أحيانا من قلة العقل و من قلة الفكر .

و بعضهم يأتي إلى أناس في العزاء , فيأتي بالمواعظ و يأتي بالأشعار و النكات , لا يا أخي , لكل مقام مقال .

البس لكل حالة لبوسا , إما نعيم و إما بؤسا .

إذا وعدت اختصر , و قدر الموقف , إذا كان في عزاء , فتستخدم أنت العزاء و التسلية و الآية المثوبة و الصبر و السلوان و نحو ذلك .

و إذا كنت في فرح و في زواج , تأتي بقصص المحبة , قصص الألفة , القصائد , المفرحات , الأناشيد و نحو ذلك .

هذه الحكمة , و من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا , وفقنا الله إلى ما يحبه و يرضاه , و إلى لقاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4358