الحقوق محفوظة لأصحابها

عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .

أيها الأخوة المشاهدون كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص شيئاً على تعلم سنته صلى الله عليه وسلم , كانوا يلاحظون هذا الإمام المعظم عليه الصلاة والسلام المعصوم فيحفظون كلامته , وينظرون إلى حركاته وتصرفاته على أنها شريعة , وعلى أنها سنة , ويسألون عما خفي عليهم .

مرة أبو هريرة كان يلاحظ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبّر إلى الصلاة سكت قبل أن يقرأ الفاتحة , فما يدري أبو هريرة ماذا يقول صلى الله عليه وسلم في السكوت ! , لأنه حفظ الفاتحة , وعرف السور , وعرف الركعات , وعرف السجدات , وعرف الواجبات , والمستحبات , والسنن .

فأراد أن يعرف كل شيء حتى ينقله للأمة , كانوا حريصين , كانوا يجتهدون فيما يقربهم من الله , لم تكن أسئلتهم جدلية كما قلت , و الترف إلى الثقافة التي لا تنفع , إنما يسألون فيما يصلحهم , ويقربهم , ويكتب الله بهم عظيم الأجر .

ولذلك كسبوا حسن الدنيا وحسن الآخرة , كسبوا النصر في الدنيا والرفعة في الآخرة , والنجاة من غضب الله .

فيقول أبو هريرة : يا رسول الله سكوتك ( يا رسول الله هكذا قالها ) بأبي أنت وأمي , هذا من الأدب , يقول فديناك بالآباء والأمهات ,و هذا يعين تفديه للرسول عليه الصلاة والسلام يقولها المسلم احتساباً , ويقولها تحبباً , ويقولها وداً .

كما يقولها حسان في قصيدته المشهورة :

فان أبي و والده وعرضي لعرض محمد منكم وقاءُ

هجوت مكرماً لا عيب فيه رسول الله شيمته الوفاءُ .

إلى آخر ما قال .

الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفدّي أحد كما نعلم إلا سعد بن وقاص خاله رضي الله عنه وأرضاه , حتى كان صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول : هذا خالي فليرني كلٌ خاله .

سعد بن أبي وقاص أحد العشرة , صاحب القادسية في الإسلام التي قادها إلى سبيل الله .

فمرة كان ينوي سعد في أُحد فلما أتى صلى الله عليه وسلم يعطيه النبل , يقول : ارمِ يا سعد فداك أبي وأمي , فيرمي سعد رمياً لا يخطئ أبداً .

يقول : يا رسول أين أضع الرمية ؟ .

قال : ضعها في جبينه .

في جبين الكافر فيضعها فيقع .

قال : وأيضاً .

قال : أجعلها في عينيه .

فجعلها بين عينيه .

قال : ارمِ سعد فداك أبي وأمي , ففداه صلى الله عليه وسلم .

فهنا قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله سكوتك بيت التكبير والقراءة في الفاتحة , ماذا تقول ؟ .

قال صلى الله عليه وسلم : أقول " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب , اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ,اللهم أغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد " .

هذا كلامه صلى الله عليه وسلم , هذه اللغة الفصيحة .

أما قوله " اللهم باعد بيني ( هذا رواه البخاري ) اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب : .

فالمعنى اللهم باعد بيني وبين يعني عاقبة خطاياي , وما يترتب عليها من نتائج ومن عقوبات كما باعدت بين المشرق والمغرب , وأجعل عقاب الذي يترتب على الخطايا والذنوب أبعد من بعد المشرق عن المغرب .

فإذا أبعدت الخطايا , وأثار الخطايا , وعقوبة الخطايا فقد نجوت يا ربي , هذا المعنى .

اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب , اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس :

قيل الذنوب كبار الذنوب والخطايا والصغار , قال اللهم يعني نقني من هذه الذنوب ومن أثارها لأن للذنوب أثار , وللمعاصي , نستغفر الله ونتوب إليه , قال نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .

مثلما تنقي الثوب الأبيض , لأن الثوب الأبيض اختار لأنه صافي , وشفاف , و يظهر عليه أي وسخ وأي درن , فيريد صلى الله عليه وسلم أن يكون حال المؤمن , وحاله عليه الصلاة والسلام , وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك يدعو , ويعلمنا صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء .

أن ينقينا الله من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس , فان الثوب الأبيض إذا غسل وأصبح ناقياً لا يقبل الوسخ , وإذا أتاه شيء من الدرن أو الوسخ ظهر فيه .

اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد :

قال بالماء والثلج والبرد فإنها أنواع المياه , لكن على حسب سيولتها , وعلى حسب جمادها من البرودة , فهذه تكون يعني أنقى , وأحياناً قد يستخدم البرد , وأحياناً يقال الثلج , وأحياناً الماء .

فبهذا طلب صلى الله عليه وسلم أن يغسل من أثار الخطايا والذنوب , ونحن نسأل الله ذلك فان للذنوب أثار كما قلت لكم ولا يغسلها إلا التوبة , والندم , وهذا ينقيها بإذن الله سبحانه وتعالى , ويذهب أثارها .

ويذهب أثار زيادة عن التوبة عمل الصالحات كما قال سبحانه وتعالى : {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } .

فمن أخطأ خطيئة أو ارتكب ذنباً عليه أن يتوب , وأن يندم , وأن يستغفر , وأن يأتي بالصالحات .

في وقت من الأوقات مثلاً أنت كنت تجلس مع الباطلين , ومع المغتابين , عوض بعض التوبة والندم اجلس مع طلبة العلم , اجلس مع الأخيار والعلماء والعبّاد والصالحين .

كنت مثلاً أسرفت أو أتلفت مالك في محرم فلما تبت فعليك أيضاً أن تصرف من الأموال وقدرها وأكثر في عمل الصالحات , بناء مساجد , حفر آبار , توزيع كتب نافعة أو نحو ذلك .

فاجعل هذا يعني من جنسه يعني إذا كانت السيئة أو الحسنة من جنس السيئة كانت أبلغ في المحو , وكانت أكثر في إزالة أثر السيئة , وهذا فعل المؤمن { وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } , ويدعون بالسيئة الحسنة .

فالحسنة تدفع السيئة بإذن الله وتمحوها وتزيل أثارها .

فنسأل الله أن يغفر لنا ولكم , أن يتوب علينا وعليكم , وأن يرحمنا برحمة من عنده , وأن يسامحنا وجميع المسلمين والمسلمات , والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .

و إلى اللقاء .

http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4341