الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أيها الأخوة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
كان صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين رجلين من أصحابه بين مهاجر وبين أنصاري , فيؤاخي بينهما فيكونا كالأخوين من الأم والأب بل أعظم وأكثر إخاءاً ووداً , ومعاونتاً , وبراً , وقرباً , وحباً .
فأخا صلى الله عليه وسلم مثلاً بين سلمان الفارسي وبين أبي الدرداء الأنصاري , فكان سلمان يزور أبا الدرداء , وأبو الدرداء يزور سلمان .
مرة من المرات , سلمان كان أكبر سناً ورجل مجرب وعاش في فارس ومر بديانات من النصراني حتى ووصل إلى الإسلام , فذهب سلمان إلى أخيه أبي الدرداء في بيته فلما أتى وجده صائماً , وقدم لسلمان طعام قال : أنا صائم .
قال : لا أكل حتى تأكل معي .
قال : أنا صائم وتعرف .
قال : لا أكل حتى تأكل معي , فأفطر فلكما نام عنده قام أبو الدرداء يريد أن يصلي بعدما نام قليلاً .
قال : نم , يقول سلمان وكان أكبر سناً ويحترم أبو الدرداء .
فنام , فقام يصلي أراد أن يتحرك .
قال : نم .
فنام , فتحرك ثالثاً , قال : أريد أن أصلي .
قال : نم .
فلما اقترب الفجر قال : قم الأن .
فقام فصلى في بعض الروايات يقال صلى أربع ركعات طويلة , ولما أصبح الصباح , قال له سلمان يحدثه بعقل , وبحنكة , وبتجربة , وهو رجل عارف للدين , قال : إن لربك عليك حقاً , ولنفسك عليك حقاً , ولعينك عليك حقاً , ولأهلك عليك حقاً , وليفك عليك حقاً , فأعطي كل حقٍ حقاً .
يقول ليس بصحيح أنك تصوم النهار دائماً دائماً وتقوم الليل , يقول حقوق أخرى سوف تضعف يعني , إذا استمرت على الصيام ضعفت عن حق الأهل , حق الأطفال , حق الكسب والوظيفة , أو حق الله سبحانه وتعالى في أمور أخرى , حق العين لابد أن ترتاح وتنام , حق النفس لابد أن تأخذ قسطاً من الراحة .
هذا دين فيه توازن , دين رحمة , دين سماحة , كما قال عليه الصلاة والسلام : " بعث بالحنيفية السمحة " , فلا ينبغي أن يطغى حق على حق , ولا ينبغي أن نقتل أنفسنا في باب من الأبواب على حساب الأبواب الأخرى .
لابد أن نعيش التوازن في حياتنا , وقت للصلاة , وقت لقراءة القرآن , وقت للجلوس مع الأهل , وقت لاستقبال الضيف , وقت للنزهة المباحة , فهذا الذي قصده سلمان .
فأراد أبو الدرداء أن يتأكد من هذه المعلومة وهذا التقسيم , وهذا الفقه الجديد , فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبره , قال : صدق سلمان , صدق سلمان , وفي بعض الألفاظ سلمان افقه منك يا عويمر , لأن أبو الدرداء اسمه عيمر يقول : أفهم منك للإسلام , أفهم منك لطبيعة الدين .
إن دين الإسلام دين يسر , { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } , {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } .
كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الدين يسر , ولم يشاد الدين أحد إلا غلبه " .
فالواجب أن يسدد الإنسان , وأن يقارب , وأن يأخذ ما يستطيع من العمل , وأن يكون مقصداً في العبادة متبعاً للسنة , يأخذ من العمل ما يستطيع أن يداوم عليه , لأن لا ينقطع , ولأن لا تكل راحلته التي هي بدنه , بل يأخذ شيئاً فشيئاً , رويداً رويداً .
وينبغي أيضاً أن يوّفي الحقوق , الرجل المتزوج لأهله عليه حق ,و لأطفاله من المداعبة والجلوس والنزهة ونحو ذلك , ولضيوفه , وإخوانه , وأرحامه , هذا طبيعة الدين , وهذا الذي أقر رسول الله عليه الصلاة والسلام سلمان .
بل صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " إن لربك عليك حقاً , ولنفسك عليك حقاً , ولعينك عليك حقاً , ولأهلك عليك حقاً , ولضيفك عليك حقاً فأعطي كل ذي حقٍ حقه ".
لا تطغى حقوق على حقوق , لأن التوازن في الحياة مطلوب للإنسان , وهذا الأمر قد نقص عند بعض الناس الأن تجده أقبل على العبادة انقطع مثلاً في التلاوة وترك الحقوق الأخرى , أتى يقوم الليل كله ثم لا يقوم بعمل في النهار ولا يؤدي وظيفة ولا يقوم بخير ولا نفع لأنه استهلك طاقته .
ولو قام قليلاً ونام , وصام بعض الأيام وأفطر , واستعان بالطعام على قوة البدن , وعرف كيف يوازن حياته , يستمر بإذن الواحد الأحد .
والسلام ليس فيه رهبانبة , لأن الله لام أهل الرهبنة على أنهم قتلوا نفوسهم , منعوا أنفسهم من المباح , ومن ملذات الحياة المشروعة , قال سبحانه وتعالى : { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } .
فالاقتصاد في إتباع السنة , أيها الناس القصد القصد أنكم تبلغوا , اقتصدوا في العمل و واصلوا واستمروا , لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم : " أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وان قل " .
لأن العمل الذي تداوم عليه أفضل من العمل الكثير المنقطع , يعني قليل مداوم خير من كثير منقطع .
ولهذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح : " إن المنبث لا ظهرٌ أبقى ..ولا رهرها بالشدة والجري من أول الطريق فينقطع لا وصل المكان ولا يعني رحم الدابة وأبقاها , بل أهلك دابته مثل ما أهلك بدنه , وما وصل المقصود وانقطع في الطريق " , وهذا الذي يغرض على نفسه , يقطع أجزاء كثيرة , ويصوم دائماً , ويصلي الليل , ويتعب نفسه فينقطع , فلو أنه أخذ قليلاً و واصل لوصل بإذن الله .
فالقليل المداوم خير من كثير منقطع , وهذه طبيعة الدين , ومن مقاصده التيسير على الناس , والتوازن في حياتهم .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى , والى اللقاء , وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4308