الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
أيها الأخوة المشاهدون كان رسولنا صلى الله عليه وسلم جالساً في مسجده يُحدّث الناس وهو بينهم كأحدهم في التواضع , ولكنه أفضل الخليقة وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم .
وبينما هو في حديثه يتلو عليهم ما أنزل الله عليه {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } .
وإذا برجل من الأعراب من بادية بني سعد حيث رضع صلى الله عليه وسلم هناك يأتي بجمله فيربط جمله ويعقله في طرف المسجد وكان المسجد مفتوحاً شماسياً , واتي يخترق الصفوف ويقول للناس : أين ابن عبد المطلب , يعني الرسول عليه الصلاة والسلام .
لأن محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب فينسب لجده لشهرة جده في الناس , فإن جده كان شيخ مكة , والرسول صلى الله عليه وسلم في حنين لما ضاقت الضوائق بالجيش والتقى صلى الله عليه وسلم بجيش هوازم , قال : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب , فإن جده كان شهيراً في الناس . بينما أبوه مات شاباً أبو الرسول صلى الله عليه وسلم .
فقال الناس : هذا ذاك الرجل الأبيض الأمهق المتكئ , يعني الأبيض المشوب بحمرة الذي هو متكئ هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم .
أقترب الرجل قال : ابن عبد المطلب ؟ .
قال : لقد أجبتك , فهو الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ابن عبد المطلب .
قال : يا رسول الله إني سائلك فمشدد عليك في المسألة .
قال : سل مابدا لك .
قال : من رفع السماء , الرجل سأل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : من الذي رفع السماء فوقنا ؟ .
قال : الله .
قال : من الذي بسط الأرض ؟ .
قال : الله .
قال : من الذي نصب الجبال ؟ .
قال : الله .
قال الرجل : أسألك بمن رفع السماء , وبسط الأرض , ونصب الجبال , ألله أرسلك ألينا رسولاً ؟ .
وكان صلى الله عليه وسلم متكئ , فتربع لعظم السؤال , وتهيئ , وجلس , قال : اللهم نعم .
قال : أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض , ونصب الجبال , ألله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة ؟ .
قال : اللهم نعم .
فأخذ يسأله مسألة مسألة عن أركان الإسلام , فلما انتهى , قال : أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أنك رسول الله والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص , أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر , ثم ولى ففك عناق جمله وركب الجمل وذهب .
والتفت صلى الله عليه وسلم إليه قال : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إليه .
وفي هذا الحديث مسائل أولها : ما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم من تواضعٍ وسماحةٍ ويسر فأنه كان يجلس بين الناس بل كان يجلس بين الفقراء والمساكين ويأكل معهم ويداعبهم , ويخالط الناس في أسواقهم , ويقف مع الضعيف , و الأرملة , و المرأة حتى ينتهي الواحد من غرضه .
الثاني : أن مسجده صلى الله عليه وسلم كان للتعليم وللدعوة ولاستقبال الوفود , و للإجابة عن الأسئلة , ولعقد الرايات والألوية , و كان المسجد في عهده صلى الله عليه وسلم مهد إلى الانطلاقة الكبرى , وكان الجامعة الكبيرة التي تخّرج منها علماء , و قوات الصحابة وعيالهم رضوان الله عليهم .
ومنها الصبر على الجفاء , صبر صاحب الجفاء , أو الجاهل , أو نحو ذلك , وتقبل أسئلة الناس بصبر , وبحلم وبسعة بال , و عدم الإغراض عليهم , بل بالرحمة كما وصف الله رسوله عليه الصلاة والسلام فقال له : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } , وزكاه قال : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } .
ومنها أن أعظم ما يسأل عنه هي أركان الإسلام وهي التي مرت في حديث جبريل , فينبغي أن يسأل عن القضايا الكبيرة , وعن القضايا التي ليس فيها خلاف وإنما هي أسباب النجاة , ويسأل عن علم الذي يعمل به " العلم النافع " ولا يسأل عن الغلوطات , ولا عن الجدل العقيم , ولا عن الخلاف الذي لا طائل فيه , ولا عن زبد الثقافة , أو نحو ذلك .
ومنها أن من حقق هذه الأركان وأتى بها على الوجه المطلوب الشرعي , لأنه ينجو عند الله ويدخل الجنة , وأن الإسلام سهل يسير , وبُعث صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة .
فهو لم يأخذ إلا دقائق في هذه الأسئلة , ومع ذلك استوعب كل الإسلام في جلسة واحدة وأخبره صلى الله عليه وسلم بلا كثرة كلام , ولا دروس , ولا محاضرات , وفهم عنه الرسول عليه الصلاة والسلام , وذهب ربما لم يجلس أصلاً .
وقال : والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص , فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه قد أفلح ودخل الجنة إن صدق في ذلك .
ومنها أن ما سوى هذه الأركان , يقول بعض العلماء : ليست فرائض وهذا فيه نظر , لكن من أتى بها , وحتى لو ترك النوافل فانه ينجو إذا أتى بالفرائض وترك الكبائر .
ولكن التزود بالنوافل تجبر هذه الفرائض , وهذا الأركان إذا نقصت , وكما في الحديث الصحيح قوله سبحانه وتعالى , في الحديث القدسي : " ما تقرب إلي عبدي بأحب ما افترضت عليه , ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الحديث .
فهذا حديث ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر الذي أحسن السؤال , وأتاه الجواب وفاز برضوانه بإذن الله لأنه امتثل الأمر واتبع الشرع .
وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضا , والى اللقاء .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4294