الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أيها الأخوة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
اليوم معنا صحابي جليل يرتكب خطأ ثم يقول أن هذا الخطأ طريقه الى الصواب والإنابة والتوبة والفلاح في الدنيا والآخرة " أبو لبابة الأنصاري " .
وله موقف طريف قبل القصة , مرةً كان عنده جنين , الجنين مثل الدار( مكان في مدخل المنزل ممكن زراعته ) في العمارة وكذا , جمع فيه تمراً , وهم أهل مزارع رضوان الله عليهم كانوا يزرعون ولكنهم كان لهم مهمة في حياتهم أنهم يحملون هذا الدين ويبلغونه , لكن عندهم زراعة وعندهم تجارة , فجمع في داره في الجنين تمراً , و التمر لا يناسبه المطر أو الماء .
فقام صلى الله عليه وسلم و أتى المسجد أبو لبابة هذا , فأخذ صلى الله عليه وسلم يستسقي ويدعو الله سبحانه وتعالى في الغيث .
فقام أبو لبابة وقال : يا رسول الله , يعني خفف علينا حتى ندخل التمر في بيوتنا , يعني من أجل الخوف من أن لا يدخل المطر , ويدخل السيل والماء فيفسد التمر .
فتبسم صلى الله عليه وسلم , وقال : اللهم أغثنا , اللهم أغثنا وأنزل علينا الغيث حتى يقوم أبو لبابة بكسائه يسد الثعب ( يعني الميزاب ) .
ونزل الغيث وقام أبو لبابة بكسائه يسد الثعب ( الميزاب ) عن التمر وهذه إجابة للرسول عليه الصلاة والسلام .
المقصود أن أبو لبابة أرسله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة , وهم فئة قبيلة من اليهود خانت الله , خانت رسول الله صلى الله عليه وسلم , نقضت العهد , غدرت , كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وثيقة فنقضت الوثيقة , وعاونت المشركين على الرسول عليه الصلاة والسلام .
فأرسل لهم أبا لبابة يفاوضهم , وذهب أبو لبابة وكان صديقاً لهم في الجاهلية قبل الإسلام , فلما دخل عليهم في حصنهم , اخذوا يستشيرونه هو يطلب منهم أن ينزلوا , أن ينزلوا إلى حكم الرسول عليه الصلاة والسلام .
وإذا كان حكم الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم الله فهو قتلهم , وتصفية حسابهم , لأنهم خانوا , وغدروا, وقاتلوا , فقام أطفالهم ونساءهم يبكون ويستشيرون أبا لبابة , ماذا تشير علينا ؟ , هل ننزل , يعني لحكم الرسول عليه الصلاة والسلام أم نبقى في أماكننا ؟ , ماذا تتوقع أننا سوف نواجه ؟ .
والواجب عليه لأنه صحابي رضي الله عنه وجندي من جند الرسول صلى الله عليه وسلم , ومن جنود الإسلام أن لا يكون إلا في النصح لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام .
لكن البشر يدركهم ضعفهم , ويدركهم الخطأ والوهم , فقام رضي الله عنه فأشر ( أعطى إشارة ) لليهود على عنقه , معناه مالكم إلا الذبح , يعني انتبهوا ترى إذا نزلتم إلى عند الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقتلكم , ألزموا مكانكم , هذا معنى الكلام .
معناه إفساد لخطة الرسول عليه الصلاة والسلام , معناه أنه كشف لهم ما ينتظرهم , قال : مالكم إلا هكذا وأشار مثل السيف على العنق , يقول مالكم ينتظركم الذبح , لا تنزلوا ابقوا في أماكنكم .
قال بعدما حصل : والله ما أنزلت يدي , ما أنزلت يدي من عند عنقي إلا علمت أني خنت الله ورسوله , وذهب رضي الله عنه وعاد , ولكنه لم يعد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام , عاد إلى المسجد , فربط نفسه بسارية المسجد , أخذ حبلاً وربط نفسه بالسارية , يقول : والله لا يطلقني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما أن يتوب الله علي فيطلقني الرسول عليه الصلاة والسلام , وإلا لا تأتي توبة فأموت مكاني , معنى ذلك أنا أخنت الله ورسوله فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } .
هذه خيانة , وهذا أمر محرم , ثم أنزل الله التوبة , يعني تاب الله عليهم فقام صلى الله عليه وسلم فحل الحبل عن أبي لبابة وبشّره رضي الله عنه بالخير , فرضي الله عنه فقد تاب وندم على ما فعل وله من المحاسن العظيمة , والمواقف الجليلة ما تشكر له .
وإنما أقول أيه المؤمنون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } .
العين أمانة , واللسان أمانة , والقلم أمانة , والعلم أمانة , والمال أمانة , فلا يذهب أحد الوظيفة , المنصب , الجاه كله أمانة تُسئل عنها عند الله عز وجل , فلا تخن الله في هذه الأمانة .
إن أمانة الكلمة تُسئل عن الكلام ,تُسئل عما يقوله لسانك يوم العرض الأكبر وهي أمانة عندك فلا تخن الله في هذه الأمانة وتصرف الكلام إلى السوء أو إلى الفحشاء , أو إلى المنكر , أو إلى الزور .
أمانة القلم أنت تحمل هذا القلم بيدك وهو نعمة من نعم الله عز وجل , والقلم شريفٌ ولذلك أقسم الله به وقال : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } , فاحذرا أن تخون الله في هذا القلم , إن تكتب سوءا أو تتعرض لمسلم , أو تستهزئ بالرسالة , حتى قال الله عن أعدائه : { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } ,
فبلقم تكتب شهادتهم مثلما كتبوا شهادتهم مزورة , سوف تكتب هذه الشهادة وتسجل عليهم ضدهم عند الله عز وجل .
وأمانة المهمة والوظيفة في الحياة أن تكون أميناً على ما استرعاك الله فيه , فلا تخن الله , ولا تخن رسوله عليه الصلاة والسلام , ولا تخن الأمة بل تكون أميناً حق وأمين .
ولهذا وصف صلى الله عليه وسلم أبو عبيدة عامر بن جراح رضي الله عنه بوصف عظيم , قال : " لا أرسلن معكم أمين جد أمين " , وقال : أمين هذه الأمة أبو عبيدة أحد العشرة رضي الله عنهم وأرضاهم , فلأمانته استحق المقام أن يرسله صلى الله عليه وسلم على وفد نجران .
كونوا أمناء ونعوذ بالله من الخيانة والخونة وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4281