الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
أيها الأخوة المشاهدون في ليلة مباركة مر رسولنا صلى الله عليه وسلم من عند مسجده وكان داخل المسجد أحد أصحابه أبو موسى الأشعري اليمني الصحابي المشهور المهاجر , وكان تالياً لكتاب الله وصوته أجمل الأصوات على الإطلاق , إذا قرأ يستدر الدموع , وتتأثر له القلوب وتخشع لصوته الأرواح .
وأنصت صلى الله عليه وسلم لصوت أبي موسى الأشعري وهو يرسل تلك النغمات الأثرة المؤثرة بكتاب الله عز وجل , والرسول عليه الصلاة والسلام يعلم مدى وتأثير هذا الكلام لأنه انزل عليه من عند الله .
وفي الصباح لقي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ولم يعلم أبو موسى في الليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستمع لتلاوته , لأنه كان أبو موسى يصلي نافلة فكان يرفع صوته أحياناً بالقران ويرتله ويتحزّن فيه ويتخشع .
وفي الصباح لقيه صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا موسى لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لتلاوتك , لقد أوتيت مزمار من مزامير آل داوود .
قال : يا رسول الله أنك كنت تستمع لي .
قال : نعم .
قال : والذي بعثك بالحق نبياً لو أعلم أنك كنت تستمع لي لحبرته لك تحبيراً , يقول جودته وحسنته وجعلته ابلغ وأكثر تأثيراً , يقول : ياليت أني أعلم يا رسول الله أنك كنت تستمع لي البارحة , لو كنت أعلم أنك تستمع لي البارحة كنت حبرّت أكثر وكنت أبدعت في الصوت , وكنت فخمّت , وكنت رجعّت , وكنت لغمّت هذا معنى الكلام .
وفيه دليل على استحباب تحسين الصوت بالقران بلا تكلف وعلى أنه لو تكلف الإنسان قليلاً حيث لا يخرج عن قدرته وعن طاقته بحيث يؤثر في الناس فان ذلك لا بأس به , وأن المسلم له أن يبحث عن الإمام حسن الصوت وجميل الصوت , لأنه أبلغ في التأثير بهذا القرآن .
وفي الحديث الصحيح " ليس منا من لم تغنى بالقران " ومعناه يحسّن صوته ونغمته بالقران ولو أن بعض أهل العلم ذهب إلى أنه يستغني , كقول سفيان ابن عيينة , يستغني بالقران عما سواه , وهذا الأمر محتمل لكن الصحيح أنه يجّود نغمته , ويجّود صوته بكتاب الله عز وجل .
وفيه ما كان بأبي موسى من مقام عظيم رضي الله عنه في القرآن , فانه كان إذا اجتمع الصحابة , قال عمر رضي الله عنه : ذكرنا ربنا يا أبا موسى , فينطلق أبو موسى يتلو كتاب الله فيبكون ,
لم يكن عندهم كتب أخرى تزاحم القرآن أبداً جمعوا قلوبهم على القرآن , جمعوا أذهانهم , جمعوا كل اهتماماتهم انصبت على هذا الكتاب العظيم , لم يكن لديهم مصنفات ولا مؤلفات أخرى , ولا مجلات , ولا جرائد , ولا صحف , ولا دوريات , لم يشغلوا أنفسهم بثقافات أخرى , ولا بفلسفة , ولا بمنطق , ولا بعلم كلام .
إنما أتوا بمهمة محددة , في هذه الحياة مهمة أن يعوا كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وأن يفهموا هذه الرسالة والوثيقة الربانية , يقرؤون القرآن , يتدبرونه , يبكون عند تلاوته , يحكمون به ينفذون أوامره , يستشفون به , يبلغونه العالم .
فهذه حال الصحابة يتلونه في الليل ثم يبدّعون في تلاوته , ويرجّعون بأصواتهم الجميلة , وإذا اجتمعوا تلوا كتاب الله عز وجل , لم يكن عندهم قضايا نظرية ثقافية فكرية , كما حصل عندنا لما ابتعدنا عن كتاب الله عز وجل استحدثنا قضايا جدلية , فنتحدث في كل موضوع بكلام مسهد طويل ممل ثقيل لانفع فيه ولا فائدة .
كان الصحابة أهل عمل , أهل رسالة , أهل مبدأ , أهل مهمة ملخص هذه المهمة أنهم يفهمون الوحي المنزّل على الرسول عليه الصلاة والسلام يعملون به , يبلغونه الناس ,يدعون إلى سبيل الله عز وجل .
ولذلك فهموا هذا المقصود فابتعدوا عن الجدل وأقبلوا على العبادة , فكان عندهم خشوع , ولديهم دموع , وكان عندهم تبتل وإخبات , وكان عندهم صدق ومناجاة لله عز وجل .
فانظر إلى هذا الصحابي كيف ترك فراشه الوثير ولحافه الدافئ , وقام في الليل حيث لايراه إلا الله , لم يعلم أبو موسى أن الرسول عليه الصلاة والسلام يستمع له , إنما قام .
فهم كانوا كما قال الشاعر :
عبّاد ليلٍ إذا جن الظلام بهم كم عابداً دمعه في الخد أجراه
رشد غابٍ إذا ناد الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يارب فابعث لنا من مثلهم نفرا يشيدون لنا مجـداً أضعنـاه
أي رسالة حملوها , وأي قلوب وعت هذه الرسالة , ولذلك الله عز وجل اصطفاهم لصبة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانوا نِعم الأصحاب صدقاً وإخلاصاً وتضحيةً وخشوعاً وعلماً وعملاً وتوزع هؤلاء الأصحاب على كل تخصصات الإسلام هذا قارئ وهذا فقيه , وهذا مفتي , وهذا معلم , وهذا مجاهد , وهذا شاعر , كلهم يخدمون لا اله إلا الله محمد رسول الله فجراهم الله على السلام خير الجزاء .
والى اللقاء .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4266