الحمد لله و صلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه .
سلام الله عليكم و رحمته و بركاته .
ننتقل الآن إلى عالم المرأة , و إلى قصة قصير بين رجل صحابي و زوجته الصحابية .
الرجل هذا علم , الرجل هذا رمز , صاحب القرآن , عبد الله بن مسعود الهزلي رضي الله عنه .
قصير القامة نحيل الجسم , لكنه كبير الهمم , عظيم النفس , صاحب القرآن أحد القراء الكبار , و عابد و عالم .
كان فقيراً هو و أبناؤه , ليس لديهم من المال ما يكفيهم , و زوجته زينب , كان لديها حلي من الذهب أرادت أن تتصدق به , أو تزكيه .
فقال ابن مسعود أنا و أبناءك أحق إذا تصدقتي علينا , تريديه أن تعطيه للفقراء والمساكين و المحتاجين , فهو رضي الله عنه .
يقول لا , أنا و أبنائك لم يكون لديهم وظائف أصلا , و ليس لديهم أموال , و لا لديهم شيء , يعني خصصوا حياتهم لله , في سبيل الله , جهاداً و هجرة و تعليما ً و دعوه , و كانوا يكتفون بالقليل قناعة , الشخص منهم يكتفي بكسرة خبز أو شيء من تمر .
لكن انظر إلى الأمة الإسلامية الآن , كم تأكل و كم تشرب و كم تتمتع من القصور و البيوت و المراكب الفخمة و الموائد الشهية و الملابس و الترف و البذخ و الإسراف .
و هي الآن أمة هامشية , ضعيفة هزيلة في العالم .
لم تؤدي الرسالة على الوجه المطلوب , مع أن الصحابة رضي الله عليهم , كانوا على شطر من العطش و الجوع و المشقة و العنت , و لكن مدوا رقعة الإسلام إلى ما بلغ في خمس و عشرين سنة إلى سور الصين العظيم و إلى نهر الرايهم في أوروبا .
فابن مسعود قال لزوجته , و هي تريد أن تزكي بالحلي أو تتصدق , أنا و أبنائك أولا , الأقربون أولا بالمعروف .
قالت لا , حتى أسأل الرسول عليه الصلاة و السلام , تقول إنك صحيح أنك زوج و عالم , لكن صاحب الشريعة النبي المعصوم هو الذي يفتي بالمسألة .
و هو النبي صلى الله عليه و سلم , كان للجميع , كان للكبار و للصغار و طلبة العلم و العامة و الخاصة و العرب و العجم , و للبيض و للسود .
لأن الله أعطاه شريعة ربانية , و سرح صدره , و أعطاه من الخلق الكريم , فكان يستقبل الكبار و الصغار و الأعراب و أهل الحاضرة .
فذهبت تسأل , و وصلت زينب عند الباب , و قالت لبلال , كان بلال عند الباب , و أحياناً يستأذنوه للدخول على الرسول صلى الله عليه و سلم .
يأتي صاحب الحاجة الذي يريد مالا , الذي يريد فتية , الذي يريد تعليما , الذي يريد أن يسلم , أتى رجل أتاه بخبر , أو أتى يشو حاجة .
قالت يا بلال استأذن لي .
و قالت عن نفسها أنها زينب زوجة عبد الله بن مسعود , فذهب بلال إلى رسول الله و قال له , زينب بالباب .
فقال أي الزيانب صلى الله عليه و سلم , الزيانب في المدينة كثيرات , المشهورات حوالي سبع .
لكن انظر إلى هذا اللفظ العظيم , أي الزيانب , حتى بعضهم يجعلها كالرواية , كأن الاسم رواية , لأنه أفصح الناس صلى الله عليه و سلم .
قال لبلال أي الزيانب , يقول له زينب بالباب تريد الاستئذان تريد أن تتكلم معك يا رسول الله تدخل عليك .
وقاتل أي الزيانب , يعني الزيانب كثيرات .
زينب بنت جحش و غيرها من نساء الصحابة , قال زينب امرأة عبد الله بن مسعود , فقال له دعها تدخل .
فدخلت و سلمت و جلست , وقالت يا رسول الله , أنا أردت أن أتصدق بشيء من حلي , فقال لي ابن مسعود هو و أبناؤه أحق من أتصدق عليهم .
قال صلى الله عليه و سلم صدق ابن مسعود , صدق ابن مسعود .
زوجك و ولدك أحق من تصدقتي عليهم , و تذهب .
بعد هذه الكلمة الراضية , و النفس الكبيرة من الرسول صلى الله عليه و سلم و الرحمة المهداة و التواضع , و سمعت الفتوى مباشرة من معلم الخير و من أتى بالكتاب و السنة صلى الله عليه و سلم و أتى بالشريعة الربانية .
و هذبت إلى ابن مسعود و تصدقت بشيء من الحلي عليه و على أبنائه .
و فيها من مسائل , أن الرجل الفقير أحق بزكاة و صدقة المرأة و حليها من الأجانب , و منها على أن المرأة الغنية تنفق على الرجل الفقير في الإسلام تفضلا منها و كرماً , إذا سمحت نفسها بذلك و كانت طيبة .
و منها إعادة الفتوى لأهل العلم الكبار , و لو وجد عالم فيعاد إلى من هو أعلم منه , كما عادت إلى سيد الخلق الرسول صلى الله عليه و سلم , و ابن مسعود من علماء الصحابة ,و لكن زوجته لم ترضى بذلك , و منها سماح الرجل لزوجته أن تذهب تتطلب العلم في غير ريبة , أو تسأل العلماء أو المشايخ إذا لم يكن هناك مفسدة و لا ريبة كما قلت .
و منا أن على الإمام و العالم أن يوسع صدره للناس و أن يحلم عليهم و أن يستقبل أسئلتهم , و أن ينفعهم جميعاً رجالاً و نساءً .
و أن يكون مورداً عذباً للجميع .
و منها حكم زكاة الحلي عند بعض الناس يأخذون من هذا الحديث زكاة الحلي أو زكاة الذهب , و هذا ليس متعين لأنه قد تكون الحلي غير ملبوسه .
و الذي أراه أن الذهب إذا لبسته المرأة , هذا فائدة على الطريق , أي أن المرأة إذا كانت تلبس الحلي فإنها لا تزكيه .
فزكاته لبسه , و لكن إذا كان لديها حلي كثير تلبسه أحيانا و تتركه أحيانا , فتزكيه , و إذا كان لديها حلي لا تلبسه أصلا , فهذا من الكنز الذي ينبغي أن تزكيه .
و في الاستفسار عن الوارد , أن بلال قال للرسول صلى الله عليه و سلم زينب بالباب , قال أي الزيانب , أخبره بذلك .
و منها أنه لا بئس أن يأخذ الإمام و العالم و المسؤول حرس عند بابه , ينظم دخول الناس و يرتب الأمور و تكون الأمور على سنن قويم .
حتى لا تزدحم الناس و يكون هناك فوضى و تشويش على العالم و المسؤول و نحو ذلك , و السلطان .
فهذه بعض المنازل أو بعض الفوائد في هذا الحديث الذي استفدناه من قصة زينب امرأة بن مسعود رضي الله عن الجميع .
و غفر الله لنا و لهم , و رحم الله و إياهم رحمة واسعة , و سلام الله عليكم و رحمته و بركاته .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4253