التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(56-60): تفسير الآيات 189 - 191، التوحيد نقيض الشرك
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-01-09
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الشرك نوعان ؛ خفي و جلي :
أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس السادس والخمسين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية التاسعة والثمانين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
الحقيقة الأولى في هذه الآية هي حقيقة التوحيد ، والتوحيد نقيض الشرك ، والشرك نوعان ، شرك جلي كأن ينحت قوم صنماً ، ويطلقون عليه اسماً ، ويضعونه في معابدهم ، ويعبدونه من دون الله هذا الشرك شرك جلي ، والله سبحانه وتعالى تفضل على المؤمنين وانتهت حياتهم من الشرك الجلي .
في العالم الإسلامي هذا ليس وارداً إطلاقاً ، ولكن الشرك الخطير هو الشرك الخفي .
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
( سورة يوسف )
من وقع في شرك خفي أدبه الله عز وجل حتى يبقى موحداً :
الشرك الخفي قلّ ما ينجو منه المؤمنون ، حتى إن الصحابة الكرام في حنين وقعوا بنوع خفيف جداً من الشرك الخفي ، حينما قالوا :
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]
لمجرد أن تعتمد على ذاتك ، وأن تنسى الله ، لمجرد أن تعتمد على ذكائك ، أو على خبرتك ، أو على نسبك ، أو على مالك ، وقعت في شرك خفي ، والله عز وجل يراك ، فإذا وقع الإنسان في شرك خفي أدبه الله عز وجل ، أدبه حتى يبقى موحداً ، التوحيد هو الدين ، أرأيت إلى الدين الإسلامي الذي هو أصل الأديان كلها ؟ قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
( سورة الأنبياء )
الرسالات السماوية جمعت في هذه الآية :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
فنحن في هذه الآية حديثنا عن الشرك الخفي ، قد يعتمد الإنسان على ماله ، كيف يؤدب ؟ يؤدب بمصيبة لا يحلها المال .
مرة شخص أنا أظنه صالحاً ، ولا أزكي على الله أحداً ، قال في مجلس : الدراهم مراهم تحل بها جميع المشكلات ، هو من أهل اليسار ، فابتلي بمشكلة أودعته في المنفردة ستين يوماً ، تفضل حلها .
التوحيد أن تعتمد على الله و تخلص الوجهة له :
حينما تعتمد على مالك ، أو على نسبك ، أو على أهلك ، أو على أبيك ، أو على قوي ، أو على صديق ، أو على ذكاء ، أو على عقل ، التوحيد أن تعتمد على الله ، التوحيد أن ترى أن الله وحده هو الرافع ، وهو الخافض ، وهو المعطي ، وهو المانع ، وهو الضار ، وهو النافع ، وهو المعز ، وهو المذل ، أن تخلص الوجهة إلى الله ، وأنا أستخدم هذا المثل لأنه مناسب جداً لشرح هذه الآية .
بلدنا الطيب عاصمته دمشق ، وهناك ثاني أكبر مدينة بعدها ألا و هي حلب ، وهناك قطار بين دمشق وحلب ، إنسان له مبلغ كبير في حلب وقد وعد أن يقبضه مثلاً يوم الاثنين الساعة الحادية عشرة ، يوجد قطار من دمشق إلى حلب ، يصل الساعة العاشرة ، قطع تذكرة من الدرجة الأولى ، وأخطأ وجلس في عربة من الدرجة الثالثة ، أليس هذا خطأ ؟ خطأ ، دفع قيمة الدرجة الأولى وجلس في الدرجة الثالثة ، لكن القطار متجه إلى حلب ، أخطأ خطأ ثانياً ، جلس مع ركاب شباب متفلتون أزعجوه إزعاجاً شديداً ، هذا خطأ ثانٍ ، لكن القطار متوجه إلى حلب ، جلس عكس اتجاه القطار أصيب بالدوار هذا خطأ ثالث ، لكن القطار متجه إلى حلب ، الآن تلوى من الجوع ولا يعلم أن في القطار عربة مطعم ، هذا خطأ رابع ، لكن القطار متجه إلى حلب ، أما في خطأ لا يغفر أن تركب خطأ قطار درعا المتجه نحو الجنوب ، هذا القطار لا يوجد معه مبلغ تقبضه ، القطار مريح جداً ، ودرجة أولى ، ولوحدك في الغرفة ، مقاعد وثيرة ، لكن انتهى كل شيء ، تعطلت الغاية ، ألغي الهدف .
من أشرك بالله عز وجل انتهى و أصبح طريق المغفرة عنده مسدوداً :
الإنسان مع التوحيد قد يخطئ ، لكن الله يغفر له ، أما إذا أشرك انتهى عند الله ، لذلك :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾
( سورة النساء الآية : 48 )
طريق المغفرة أصبح مسدوداً ، لأنك توجهت إلى غير الله ، اعتمدت على مالك ، أو على وجاهتك ، أو على أسرتك ، أو على ذكائك ، صحابة رسول الله هم قمم البشر ، حينما وقعوا في الشرك الخفي أدبهم ربهم وفيهم رسول الله .
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة )
التولي و التخلي :
لذلك درس ينبغي ألا ينسى ، درس التوحيد ، تقول الله ، يتولاك الله جلّ جلاله ، يتولاك بالتوفيق ، يتولاك بالحفظ ، يتولاك بالتأييد ، يتولاك بالنصر ، يتولاك بالقول السديد ، يتولاك بالفكر الرشيد ، يتولاك بالمنطق الصحيح ، يتولاك فيهبك مكانة ، يتولاك فيهبك حكمة ، يتولاك فيهبك أمناً ، يتولاك فيهبك عطاء ، يتولاك فيهبك سعادة ، يتولاك فيهبك سكينة .
أما إذا قلت أنا ونسيت الله عز وجل ، قال له : يا رب ، عنده امتحانان هندسة وجبر قال له : أنا يا رب جيد بالجبر ، فالجبر عليّ والهندسة عليك ، فلم ينجح بالهندسة ، ولم ينجح بالجبر ، قال له العام القادم : يا رب الجبر والهندسة عليك .
لا تقل أنا ، لا تقل عندي خبرات متراكمة ، حينما يقع الإنسان في الشرك الخفي يرتكب حماقة لا يرتكبها الصغار .
قال أبو حنيفة النعمان لطفل يمشي في الطريق أمام حفرة: إياك يا غلام أن تقع ، فقال : بل إياك يا أمام أن تقع ، إني أن وقعت وقعت وحدي ، وإنك أنت إذا سقطت سقط معك العالم .
حينما تعتمد على ذكائك ، أو على خبرتك ، أو على شهادتك ، أو على أسرتك , أو على علمك ، تعلم واجتهد ، وقل يا رب ، الحل الأمثل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
الحل الأمثل أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
سهل جداً أن تكون متطرفاً ، سهل جداً أن تكون كالعالم الغربي يأخذون بالأسباب أخذاً رائعاً ويعتمدون عليها ، وينسون ربهم ، ويؤلهونها ، وسهل جداً أن تكون كأهل المشرق لا يأخذون بها إطلاقاً ، وقعوا بالمعصية ، أما البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء عندك سفر ، راجع المركبة ، العجلات ، المكبح ، كل دقائق العجلة ، الأجهزة ، العدادات ، الوقود ، تراجع كل شيء ، ثم تتجه إلى الله ثم تقول : يا رب أنت المُسلِّم ، أنت الحافظ ، نحن المسلمون في أمس الحاجة إلى هذا الدرس .
ابنه مريض يبحث عن أمهر طبيب ، ينفذ تعليمات الطبيب بحذافيرها ، يعطيه الدواء في الوقت المناسب ، ومن أعماق أعماق أعماقه يقول : يا رب أنت الشافي ، أخذت بالأسباب .
النبي عليه الصلاة والسلام كان من الممكن في الهجرة أن ينتقل على البراق ، بلمح البصر من مكة إلى المدينة ، لكن أراد أن يعلمنا كيف نحيا ، اتجه نحو الساحل ، ليضلل المطاردين ، وقبع في غار ثور أياماً ثلاثة ، كي يخف الطلب عليه ، وهيأ من يأتيه بالأخبار ، وهيأ من يأتيه بالزاد والطعام ، وهيأ من يمحو الآثار ، استأجر دليلاً غلب فيه الخبرة على الولاء ، ولم يدع لثغرة احتمالاً ، أغلق كل الثغرات ، فلما وصلوا إليه قال أبو بكر : يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا ، الآن جاء دور التوكل على الله ، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وقال :
(( يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ]
الإيمان بالله شرط غير كاف للنصر فعلينا ربطه بإعداد العدة المتاحة :
الله عز وجل قال :
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم )
أنت مؤمن ورب الكعبة ، مؤمن بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، مؤمن بأنه خالق ورب ، ومسير ، مؤمن بأنه صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات الفضلى ، لا يكفي ، هذا حال المسلمين ، يجب أن تعد لهم ، فوجئنا أعدوا لهم الصواريخ ، والمدافع المضادة للدروع ، والألغام حتى قال أحد رجالاتهم : يا رب أعددنا ما نستطيع ، بقي أن تنصرنا ، أعدوا لهم ، هم أعدوا لنا من مئتي عام ، أعدوا لنا أنواعاً من الأسلحة ، ساعة قنبلة عنقودية ، تأتي كالمظلة بدائرة قطرها 150 م ، كل من في هذه الدائرة يصاب ، قنبلة انشطارية ، قنبلة حارقة وخارقة ، قنبلة تركب أشعة الليزر ، قنبلة تلغي الاتصالات ، قنبلة تلغي الطاقات ، قنبلة تفني البشر وتدع الحجر ألقيت في بغداد قبل سقوطها ، أعدوا أنواعاً من القنابل ، أقمار صناعية ، قصف خارجي ونحن نائمون ، نائمون في ضوء الشمس ، وهم يعملون من مئتي عام في الظلام ، والذي يعمل في الظلام يغلب من ينام في ضوء الشمس ، إذا كان الوحي شمساً نحن نائمون في ضوء الشمس ، سوقوا لباطلهم أروع تسويق ، تسمع كلمات رنانة الحرية ، ديمقراطية ، حقوق إنسان ، حقوق حيوان .
قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
* * *
أعدوا لنا ونحن نائمون ، منشغلون ببعضنا بعضاً ، الذي أعدوه لنا في المئتي عام السابقة تظهر آثاره اليوم ، أخطاء متراكمة ، ونرجو الله أن نصحو من غفلتنا ، وأن نعود إلى رشدنا ، وأن نتبع منهج ربنا ، ليس مسموحاً الآن أن تنطق بكلمة خلافية ، وضعنا جميعاً في سلة واحدة ، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد .
الشرك الخفي أخطر شيء يصيب المسلمين بالشلل :
أيها الأخوة الكرام ، أخطر شيء يصيب المسلمين بالشلل الشرك الخفي ، أن نظن أن زيداً أو عبيداً ينصرنا .
﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 119 )
بأي موضوع صغير جداً كان لهذا الذي انتخب رأي فيه إلا بهذا الموضوع ، سكت
﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾
الحل عند الله عز وجل ، والله عز وجل ممكن فئة قليلة جائعة ، محاصرة ، معذبة ، أن تقف في وجه أعتى جيش في المنطقة ، أليس كذلك ؟ اليوم هو الرابع عشر ، ولم يستطع جيش العدو أن يحقق هدفاً واحداً ، أما هو جيش جبان قتل أطفال ونساء فقط .
لذلك هذا الذي حدث أنا أسميه جرعة منعشة ، الأمر بيد الله عز وجل ، كن مع الله فأنت أقوى الأقوياء ، كن مع الله ، نحتاج إلى تجديد إيمان ، إلى صلح مع الله ، إلى بيت مسلم فيه تعاون ، ما سمعت كلمة لا تليق بالله عز وجل ، سبعة أولاد ماتوا ، لك الحمد يا رب ، الحمد لله إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ .
أيها الأخوة ، أنا أرى أن هذا درساً بليغاً لنا ، درس في التوحيد ، هذا الجيش هزم سبعة جيوش بست ساعات ، والآن مع فئة مؤمنة ، اليوم الرابع عشر ، ما تمكن من تحقيق شيء ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟.
النصر من عند الله و ثمنه نصر دينه :
أيها الأخوة ، درسنا اليوم درس توحيد ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، الأمر بيد الله ، دقق :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 126 )
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 160 )
ثمن النصر :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد الآية : 7 )
انصر دينه ، ثمن هذا النصر :
(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ؟ ))
[أخرجه البخاري والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ]
أزل المنكرات ، أزل الظلم ، أطعم الجائع ، اكسُ العاري ، علّم الجاهل ، عالج المريض ، انتصر للمظلوم ، إذا نصرت من هو أضعف منك فالله عز وجل يكافئك فينصرك على من هو أقوى منك .
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 60 )
ما كلفك ربنا جل جلاله أن تعد لهم القوة المكافئة ، هذا فوق طاقتنا ، إنما أمرك أن تعد العدة المستطاعة فقط .
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 60 )
النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها :
فيا أيها الأخوة ، درسنا اليوم درس توحيد ، لأن هذه الآية :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
أينما سافرت لي كلمة أرددها : الإنسان هو الإنسان ، أين ما سافرت ، شرقاً وغرباً ، وشمالاً ، وجنوباً ، الإنسان هو الإنسان ، خصائصه واحدة .
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ))
[ ورد في الأثر ]
هذه الفطرة ،
﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
نحن جميعاً نحب الكمال ، ونحب الجمال ، ونحب النوال ، والله هو أصل الكمال ، وأصل الجمال ، وأصل النوال ، و الإنسان فطر على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده.
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
أي إنسان يمكن أن تستعبده بالبر ، بالإحسان ، بالبر يستعبد الحر .
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ))
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
الذي يعادي الدين لو رأى مسلماً صادقاً ، مؤمناً ، عفيفاً ، رحيماً ، متواضعاً ، عالماً ، حكيماً ، يقبل الدين الإسلامي .
تكلمت قبل قليل : هم عندهم أسوأ بضاعة ، لكنهم سوقوها أروع تسويق ، وعندنا أفضل بضاعة ، وكنا أسوأ مسوقين لها ، هذا الإنسان الغربي ، لا يمكن أن يقرأ تفسير القرطبي ولا فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، يرى الإسلام من خلال مسلم يعيش معه ، فإذا أدلى هذا المسلم بتصريح كاذب لم يسقط هذا المسلم ، سقط عنده الإسلام ، هذه المشكلة .
والله الذي لا إله إلا هو لو أن مسلمي الجاليات في العالم الغربي طبقوا دينهم فقط لكان موقف الغرب من المسلمين غير هذا الموقف .
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
مرة رجل من أمريكا هداه الله إلى الإسلام وحج بيت الله الحرام ، هو في مِنى أحيان تعقد منتديات ، ألقى كلمة قال : أنا أنتمي إلى أقوى دولة في العالم ، فإذا أقنعتمونا بإسلامكم كانت قوتنا لكم .
الناس رجلان لا ثالث لهما :
أيها الأخوة ، الشعوب واحدة ، هذه تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
يعني الناس رجلان ، إنسان عرف الله ، فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، وإنسان غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، أين ما ذهبت ، أين ما سافرت الإنسان هو الإنسان ، الأب هو الأب ، الأم هي الأم ، الغني هو الغني ، الفقير هو الفقير .
التخلق بأخلاق الصحابة الكرام أساس انتشار الإسلام في العالم :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
أنا أقول لكم : لو عندك موظف ، وهو يعادي الدين أشد العداء ، لو رآك صادقاً ، أميناً ، عفيفاً ، منصفاً ، رحيماً ، لأحب دينك ، المشكلة أن عالماً يقول : يستطيع المسلمون أن ينشروا دينهم بالسرعة التي انتشر بها الإسلام سابقاً بعدة عقود من الزمن ، الإسلام وصل إلى الصين ، وإلى مشارف باريس ، يستطيع المسلمون أن ينشروا دينهم بالسرعة التي انتشر بها من قبل بشرط واحد أن يتخلقوا بأخلاق الصحابة .
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة القلم )
أقسم لكم بالله هذا الذي يعادي المسلمين ، يفعل ما يفعل ، لو جُمع بمسلم صادق لأخذ فكرة أخرى عن الدين .
حدثني أخ قال لي : كنت في أمريكا بمسجد ، رجل هيئته من وجهاء البلد فسأله ، فإذا هو أدميرال في البحرية ، برتبة عالية جداً متقاعد ، كان بمهمة في الخليج بحاملة طائرات ، سكن إلى جانبه رجل مسلم مثقف ثقافة عالية ، أقنعه بالإسلام ، فأسلم ، ماذا يفعل بالجامع ؟ ينظف المسجد ، الطرف الآخر ليس معقداً ، يحتاج إلى مسلم واعٍ ، مسلم صادق أمين .
الطرف الآخر يحتاج إلى مسلم واعٍ صادق و أمين حتى يتبع ديننا :
بإمكانك أن تكون أكبر داعية وأنت صامت ، صدقك دعوة ، أمانتك دعوة ، إتقانك دعوة ، تواضعك دعوة ، إنصافك دعوة ، هل تحبون قصة تكمن بها مشكلات المسلمين ، رويتها ألف مرة :
إمام مسجد بلندن نُقل لظاهر لندن ، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه يصعد المركبة ، أعطى السائق ورقة نقدية كبيرة ، ردّ له التتمة ، جلس في المقعد وعد التتمة فإذا هي تزيد عشرين بنساً عما يستحق ، هو إمام مسجد قال : لابدّ من ردّ الزيادة حينما أنزل ، قال : إنها شركة عملاقة(جاء الشيطان)ودخلها فلكي ، وهذا المبلغ يسير ، وأنا بحاجة إليه ، لا عليّ أن آخذه ، الذي حصل لما أراد أن يغادر المركبة دون أن يشعر مدّ يده وأعطى السائق عشرين بنساً ، ابتسم السائق قال له : ألست إمام هذا المسجد ؟ قال : بلى ، قال : والله أردت أن آتي إليك قبل يومين لأتعبد الله عندك ، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك ، وقع هذا الإمام مغشياً عليه ، وغاب عن الوعي ، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها ، لو أبقى المبلغ في جيبه ، فلما صحا من غفوته قال : يا رب كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً .
والله ملايين مملينة من المسلمين يبيعون إسلامهم بدراهم معدودات ، يمين كاذب ببضاعة مغشوشة ، لا تنتظر أن يعجب الناس بإسلامك إذا كنت كاذباً أبداً .
ببعض البلاد الغربية إذا إنسان ليس له دخل ، يكتب كتاباً أنا ليس لي دخل ، يُعطى رقماً يكفي عشرة أشخاص مجاناً ، ولابنه هناك تعويض ، يسافر كل سنة لبلده حتى يتواصل مع أهله ، وهناك تأمين صحي ، وبيت مجاني ، وكهرباء ، وماء ، بكتاب ! .
بعض أفراد الجالية اكتشف أنه إذا طلق زوجته يتقاضى هو راتباً ، وتتقاضى هي راتباً ، هو بيت وهي بيت ، يطلقها تطليقاً شكلياً ، هم يرون هذا الكذب ، هل يعقل أن يحترموا ديننا ؟.
أقسم لكم بالله من يكذب ، أو يحتال على غير مسلم كأنه ارتكب جريمة بحق دينه لأنه عندئذٍ بهذا العمل يقنع الطرف الآخر أنه على حق ، نحن سيئون .
أساساً رسام الدنمرك لما عوتب ، قال : كنت أظن محمداً كأتباعه ، هذه المشكلة ، أنت رسول ، رسول لهذا الدين ، أنت سفير هذا الدين ، أنت جميع الناس ينظرون إليك على أنك تمثل هذا الدين .
النِّسَاءُ شَقائقُ الرجال :
فيا أيها الأخوة ، الدرس حول التوحيد :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
من خصائص واحدة أين ما ذهبت .
﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾
إنسانة ، لها تفكير ، لها مشاعر ، تحب كما تحب ، تكره كما تكره ، ترقى كما ترقى ، تقصر كما تقصر ،
﴿ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
من خصائص واحدة .
(( النِّسَاءُ شَقائقُ الرجال ))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]
﴿ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾
الزوج يكمل نقصه العاطفي بزوجته فيسكن إليها ، والزوجة تكمل نقصها القيادي به ، فتسكن إليه ، الذكر والأنثى ليسا متشابهين ، بل هما متكاملان .
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾
خصائص واحدة ، الإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان ،
﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
( سورة الروم الآية : 22 )
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
( سورة فصلت الآية : 37 )
دقق :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
( سورة الروم الآية : 21 )
﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ﴾
يعني دخل بها ، بالمصطلح الشرعي ،
﴿ حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾
الحمل في بدايته خفيف جداً .
﴿ فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ ﴾
لما صار سبعة أشهر ، ثمانية أشهر ، تسعة أشهر انتفخ بطنها .
من عزا توفيقه إلى أسباب أرضية و نسي الله عز وجل فهو إنسان مشرك :
﴿ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
وهذا شأن أي إنسان في الأرض ، راكب طائرة ، دخلت في سحابة مكهربة ، على متن الطائرة عشرة مهندسين ملحدين ، القصة قديمة حدثني بها طيار ، فلما دخلت هذه الطائرة بغيمة مكهربة واضطربت ، وكادت تقع ، هؤلاء الملحدون دعوا ربهم و قالوا : يا رب .
أي إنسان عند المصيبة يقول يا رب مسلم ، غير مسلم ، كافر ، ملحد ، منافق ، فاجر أبداً ، عند المصيبة : يا رب ، بعد أن ينجو يقول الطيار ماهر ، بعد أن يشفى ابنه ، الطبيب رائع معه بورد ، بعد ذلك أدوية أجنبية أخذتها له ، صار الدواء الأجنبي سبب شفائه ، أو طبيب معه بورد ، أو طبيب ماهر ، أو طيار رائع ، نسي الله عز وجل ، هذا شأن البشر ، وأنت في المصيبة يا الله ، فإذا أزيحت عنك تعزو نجاتك ، وتوفيقك إلى أسباب أرضية وتنسى الله عز وجل .
من أطاع مخلوقاً و عصى خالقاً فقد أشرك بالله تعالى :
يا أيها الأخوة ، هذه مشكلة المسلمون اليوم ، أقسم لي بالله رجل : صار زلزال بدولة إسلامية أنا أكبرها كثيراً ، أقسم لي بالله المصلون في الصلوات الخمس ملؤوا الحرم ، والصحن ، والرصيف عند الزلزال ، فلما انتهى الزلزال رجع الصف واحد ، لا يوجد بلد إسلامي تأتيه مصيبة جائحة إلا و يتضاعف المصلون أضعافاً مضاعفة ، بعد أن تنزاح عنهم عاد إلى ما كان عليه هذه مشكلة ، هذا مرض ، هذا من خصائص المسلم المقصر .
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
هذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ،
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
إنسان ضعيف مثلك ، مفتقر إلى الله مثلك ، تعبده من دون الله ؟ تطيعه في معصية ؟ بمجرد أن تطيع إنساناً وتعصي ربك فأنت لا تعرف الله ، أنت واقع لا سمح الله ولا قدر في شرك ، ترى أن طاعته أكبر من طاعة الله ، لمجرد أن تطيع مخلوقاً مهما كان كبيراً ، أكبر من طاعة الله فأطعته وعصيت الله فأنت مشرك .
لذلك لو قلت الله أكبر أنت كاذب بها ، هذا الذي يطيع مخلوقاً ، ويعصي خالقاً ما قال الله أكبر ولا مرة ، ولو رددها بلسانه ألف مرة .
أيها الأخوة الكرام ، الآية الكريمة محور هذا الدرس :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1974&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254