التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(55-60): تفسير الآية 188 ، النفع والضر بيد الله وحده
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-01-02
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل ، والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الكاذب من ادعى معرفته بالغيب وأنه يملك للآخرين نفعاً أو ضراً :
أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس الخامس والخمسين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثامنة والثمانين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
أيها الأخوة ، هذه الآية لها دلالات كبيرة جداً ، ذلك أن الله يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين للناس أنه رسول هذه الأمة ، وأنه نبي هذه الأمة ، ومع أنه سيد ولد آدم ، ومع أنه سيد الأنبياء والمرسلين ، ومع أنه حبيب الحق ، وسيد الخلق ، لا يعلم الغيب ، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً .
ماذا أراد الله من هذه الآية ؟ أي إنسان من آدم إلى يوم القيامة يدعي أنه يملك للآخرين نفعاً أو ضراً فهو كاذب ، وأي إنسان من آدم إلى يوم القيامة يدعي أنه يعلم الغيب فهو كاذب ، هذا مقام النبي عليه الصلاة والسلام ، مقام النبي وهو فوق كل المقامات ، وهو رسول فوق كل الرسل ، ومع ذلك لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، فلأن لا يملك لغيره من باب أولى وهو لا يعلم الغيب .
النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب و لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً :
هل تصدقون أن هذه الآية وحدها يمكن أن تنفي نفياً قاطعاً ملايين القصص التي لا أصل لها ؟ هذا الدين دين الله ، هناك مبادئ في هذا القرآن الكريم ، أي إنسان يدّعي أنه يعلم الغيب ، أي إنسان يدّعي أنه يقدم لك شيئاً ، يستطيع أن ينفعك ، أو أن يضرك ، فهو كاذب ، هذا هو أعلى مقام في بني البشر ، هناك أخطاء كبيرة جداً يقع بها الناس ، مثلاً :
إنسان يسأل شخصاً يعمل في الحقل الديني ( إمام مسجد ، خطيب مسجد)سؤالاً يعطيه فتوى ، يظن هذا السائل أن هذه الفتوى تعفيه من المسؤولية ، ولو علم مقولة النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
(( ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من أخيه فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]
لو كنت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ، وانتزعت من فمه الشريف فتوى منه وهو المعصوم لصالحك ، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله .
إذاً النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنا نفعاً ولا ضراً :
﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً ﴾
( سورة الفرقان الآية : 3 )
لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب .
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
( سورة الأنعام )
التوحيد أن تتجه إلى الله وحده بمعية رسول الله :
النبي عليه الصلاة والسلام يخاف أن يقع في خطأ ، حينما تعرف ما معنى مقام النبوة والرسالة ، مقام الطاعة ، مقام الخضوع ، مقام الاتباع ، لا مقام أن للنبي مقام ، أن للنبي إرادة مستقلة عن إرادة الله ، ينفع ويضر ، ويعطي ، ويمنع ، لا ، هذا الدين دين التوحيد .
سيدنا الصديق من أقرب الناس لرسول الله ، من أشدهم حباً له ، من أشدهم طاعة لتوجيهاته ، لما توفي النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال ؟ قال : من كان يعبد محمداً ، فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، أراد أن يؤكد التوحيد ، الله وحده ينفع ويضر ، الله وحده يعلم الغيب ، الله وحده ينفع ، الله وحده يُعلي ، الله وحده يخفض ، هو المانع ، هو المعلي ، هو الخافض ، هو المعز ، هو المذل ، هو الرزاق ، التوحيد أن تتجه إلى الله وحده بمعية رسول الله .
﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
( سورة الفرقان )
التوحيد أن تعبد الله وحده ، أن تعقد الأمل على الله وحده ، التوحيد أن تثق بالله وحده ، التوحيد أن تطيع الله وحده ، وأن تطيع رسوله أيضاً لأنه أمرك أن تطيع رسوله .
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
التوحيد أن توقن أن طاعة رسول الله هي عين طاعة رسول الله ، وأن طاعة الله هي عين طاعة رسول الله .
التوحيد ألا ترى مع الله أحداً :
﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾
( سورة التوبة الآية : 62 )
بضمير المفرد ، فلذلك آية دقيقة جداً ، وآية فاصلة ترد بها مليون قصة لا أصل لها ، مليون شطحة ، مليون بدعة ، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، التوحيد أن تعلم علم اليقين أنه وحده هو الرافع ، وحده هو الخافض ، وحده هو المعز ، وحده هو المذل ، وحده هو المانع ، ولكن لأن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم ، ولأن الله سبحانه وتعالى أمرك أن تطيعه .
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
( سورة المائدة الآية : 92 )
استقلالاً ، أطيعوا الله ورسوله لها معنى ، أما
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
أي أنك تطيع رسول الله لكن الذي يعطي ويمنع هو الله ، والذي يرفع ويخفض هو الله ، والذي يعز ويذل هو الله ، والذي يحيي ويميت هو الله .
قال أحد الخطباء أمام رسول الله : ما شاء الله وشئت يا رسول الله ، قال : بئس الخطيب أنت ، جعلتني لله نداً ، قل ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن ، فقط ، بئس الخطيب أنت جعلتني لله نداً .
إعلام الله عز وجل نبيه ببعض الغيب :
الله عز وجل يبين مقام العبودية الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام في قمة هذا المقام
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
أنا لا أملك النفع لكم ، ولا لنفسي ، لا أملك الضر لكم ولا لنفسي ، ولا أعلم الغيب ، إلا إذا أعلمني الله هذا الغيب .
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾
( سورة الجن )
أحاديث قيام الساعة لا تعني أن النبي يعلم الغيب ، ولكن تعني أن الله سبحانه وتعالى أعلم نبيه ببعض عالم الغيب ، هذه عقيدة ، هذا هو التوحيد .
فلذلك هؤلاء الدجاجلة ، والمشعوذون ، والكذابون ، والذين يسحرون الناس ، ويسلبون عقولهم ، ويربطونهم بذواتهم ، أساساً ليس هناك على وجه الأرض فرقة ضالة إلا ولها هذه الخصائص ، تأليه الأشخاص ، شيخ يعلم الغيب ! إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغيب أنى له أن يعلم الغيب ؟ شيخ ينفع ويضر ! مستحيل ! إذا كان سيد الخلق وحبيب الحق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، فلأن لا يملك أي إنسان النفع والضر من باب أولى ، هذه العقيدة ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، أنا لا أتصور على وجه الأرض إنساناً أشد حباً لرسول الله من الصديق ، ومع ذلك الصديق موحد ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .
التوحيد يلغي دور المشعوذين والمتسكعين الذين يبتزون أموال الناس بالباطل :
هذا التوحيد يلغي دور المشعوذين ، والدجاجلة ، والمتسكعين ، الذين يبتزون أموال الناس بالباطل ، فضلاً عن السحرة والمنجمين وما إلى ذلك ، أنت مؤمن ، الله وحده يعلم ، الله وحده قادر ، وأنت ذائب في محبة رسول الله ، أحبه ما شئت ، قدره ما شئت ، تمثل أخلاقه ما شئت ، بالغ في محبته ما شئت ، الباب مفتوح هنا ، أما أن تعتقد أن له إرادة مستقلة عن إرادة الله ؟ ينفع ويضر ؟ مستحيل ! .
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾
طبعاً من باب أولى فلأن لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً من باب أولى .
مثل للتوضيح : يقول لي شخص : أرجوك أن تؤمن لي عملاً لابني ، أقول له : هل لديك فرصة عمل لابني أنا ؟ إذا كنت أنا لا أملك لنفسي أن أؤمن عملاً لابني ، من باب أني لا أستطيع أن أؤمن عملاً لابنك ، طبيعي جداً .
هذا هو مقام النبوة ، مقام العبودية لله .
﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ﴾
( سورة الجن الآية : 19 )
وحينما بلغ :
﴿ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾
( سورة النجم )
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾
( سورة النجم )
هذه نقطة دقيقة جداً ، هذه الآية فاصلة ، هذه الآية مركزية ، هذه الآية بإمكانك أن تعتمد عليها ، لنفي ملايين القصص الباطلة التي لا أصل لها .
العاقل من ابتعد عن المشكلات التي تسبب شرخاً بين الفئات الإسلامية :
شيء آخر ، الشيء بالشيء يذكر :
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
( سورة البقرة )
كن واقعياً ، هناك من ينبش في التاريخ لعداوة قديمة بين فئتين ، ويجلبها ، ويثيرها الآن ، هؤلاء الآن سبقوا أمرهم إلى الله ،
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
وفر وقتك
﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
هذا الذي يستورد من التاريخ المشكلات ويثيرها الآن لإيقاع شرخ بين الفئات الإسلامية ، آن الأوان أن ننتهي من هذا ، هذا التاريخ دعه للاختصاصيين ، أما أن تقحم نفسك في رواية تاريخية لم تثبت ، ولم تقع .
المشكلة الكبرى أن أكبر كتاب تاريخ بين أيدينا تاريخ الطبري ، يقول المؤلف في مقدمته : أنا أدرجت في هذا الكتاب كل ما وصل إلى سمعي من حق أو باطل ، من رواية صحيحة أو غير صحيحة ، وأيها القارئ محص أنت ، هذه المقدمة يجب أن تكتب في كل صفحة في هذا الكتاب ، أعداء الدين ينقبون في هذا الكتاب ، ويأتون بروايات غير معقولة ، هو المؤلف صرح بهذا .
ولم يتح بالمناسبة للتاريخ الإسلامي رجال ثقات محققون كما أتيح لعلم الحديث ، فلذلك أكثر أعداء الدين يأتون بروايات باطلة لا أصل لها ، من وضع الزنادقة في التاريخ الإسلامي ليشوهوا صورة الإسلام في عصر ازدهاره .
على كل إنسان ألا يقبل أية رواية تتناقض مع الفطرة والعقل و كمال الصحابة :
يجب أن تسأل من لم يأخذ العلم عن الرجال فهو ينتقل من محال إلى محال ، لا تستطيع أيها الطالب طالب العلم لمعلوماتك المحدودة أن تكتفي بالكتاب ، في الكتاب الغث والثمين ، في الكتاب الحق والباطل ، أي كتاب مؤلف فيه صح وفيه خطأ ، فيه غث وفيه ثمين ، فيه ثغرات ، فهؤلاء أعداء الدين يتصيدون هذه الثغرات ، ويجمعونها ، ويقولون هذا هو الدين ، غير صحيح هذا الكلام ، اعتقد اعتقاداً جازماً أنه لم يتح للتاريخ الإسلامي رجال ثقات ، علماء كبار دققوا ومحصوا في رواياتهم كما أتيح للحديث الشريف ، إذاً لا تقبل أية رواية ، تتناقض مع الفطرة ، ومع العقل ، ومع كمال الصحابة الكرام .
لماذا عزل سيدنا عمر سيدنا خالد ؟ قيل : هناك عداوات في الجاهلية قديمة فلما تملك السلطة شفى حقده من هذا الصحابي الجليل فعزله ، هكذا بعض الروايات ، اركلها بقدمك ، يا أمير المؤمنين لِمَ عزلتني (سيدنا خالد)؟ قال له : والله إني أحبك ، قال له : لمَ عزلتني ؟ قال له : والله إني أحبك ، قال له : لمَ عزلتني ؟ قال له : والله ما عزلتك يا بن الوليد إلا مخافة أن يفتتن الناس بك ، لكثرة ما أبليت في سبيل الله ، حفاظاً على التوحيد عزلتك ، قال الناس خالد أية معركة يقودها ينتصر ، أراد عملاق الإسلام عمر أن يبين للأمة أن الناصر هو الله ، وأن سيدنا خالد على علو مقامه عبد لله ، فعزله والنصر استمر .
التاريخ يحتاج إلى تمحيص و تدقيق و مراجعة كثيرة لمعظم الروايات التاريخية :
لا تستطيع أن تفهم التاريخ إلا إذا كنت في مستوى أبطاله ، بعضهم من يفسر أنه عزله خوفاً منه ، يعمل عليه انقلاب ، إياك أن تفهم التاريخ تاريخ الصحابة بمنطق العصر ، حسن الظن بالله ، وبأنبياء الله ، وبأصحاب رسول الله من الإيمان ، نحتاج إلى تمحيص كثير ، نحتاج إلى مراجعة كثيرة لمعظم الروايات التاريخية ، وحسبكم أن أكبر مؤلف كتاب تاريخ الطبري يقول : أنا أدرجت في هذا الكتاب الغث والثمين ، والصحيح وغير الصحيح ، وأيها القارئ محص أنت ، كان هناك ثقة بطلاب العلم ، جمع لك في هذا الكتاب كل ما وقعت يده عليه ، أما الآن يقول لك بالطبري موجودة هذه ؟ اقرأ مقدمة الطبري .
لذلك :
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾
والله هناك آلاف القصص لا أصل لها إطلاقاً ، من وضع الزنادقة .
الإنسان حينما يكتفي بالنقل من دون تدقيق ، من دون تمحيص ، من دون بحث ، من دون درس ، من دون أن تأخذ العلم على أيدي علماء كبار لن تستفيد شيئاً .
أيضاً ورد في بعض الكتب أن امرأة وضيئة حسناء صلت بين الصحابة ، فصلى بعضهم وراءها ، ليرى محاسنها أثناء ركوعها وسجودها ، وبعضهم صلى أمامها ، فنزل قوله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴾
( سورة الحجر )
هذه أخلاق صحابة هذه ؟ هل يجوز أن تصلي امرأة بين الصحابة ؟ إذا صلت امرأة في الصف فالصلاة باطلة ، ممنوع أن تحاذي امرأة في الصلاة ، فكيف أن تصلي وراءها ؟ وصفوف النساء في آخر المسجد دائماً .
يعني حينما نصل إلى مثل هذه الروايات نرى الصحابة أشخاصاً عاديين جداً ، وأقل من عاديين .
رواية ثانية : أراد سيدنا علي أن يخطب فتاة رفع ثوبها إلى الأعلى ، معقول ؟! هل يجرؤ خطيب الآن أن يفعلها ؟ أما أبيها ، قالت له : لولا أنك أمير المؤمنين لسملت عينيك .
ما هذه الروايات يا أخوان ؟ صدقوا والله الذي لا إله إلا هو الصحابة الكرام في مستوى رائع جداً ، والله المؤمن العادي الآن في مستوى رفيع .
الله عز وجل عطاؤه نعمة وأخذه نعمة :
أيها الأخوة الكرام ،
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾
إذا الله عز وجل مكني من شيء وانتفعت ، هذا من فضل الله عز وجل ، وأحياناً الله عز وجل لحكمة بالغة يمنعني من شيء ، أنا أتوهم ذلك ضر ، هو في الحقيقة منع ، منع رحمة بنا ، إن الله ليحمي صفيه من الدنيا ، كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام ، أحياناً الله عز وجل يعطيني ، فهذا الخير من الله ، الله مكني منه ، وأحياناً الله عز وجل يمنعني من شيء ، أما الكلمة الرائعة ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشفت لك حكمة المنع عاد المنع عين العطاء ، فالمؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له ))
[أخرجه مسلم عن صهيب الرومي ]
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾
أو ما اقتضت حكمته من ضر ، وهذا الضر في ظاهره ضر ، أما هو نعمة باطنة ، نعمة باطنة من نعم الله عز وجل ، عطاؤه نعمة وأخذه نعمة .
﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾
مثلاً يقول لك عرضوا عليّ أرضاً (25 دنم) بخمسة و عشرين ألف ليرة ، اليوم ثمن الدنم خمسة ملايين ، لو أن هذا الذي عُرض عليه الأرض يعلم الغيب يوافق على الشراء فوراً ، لا أحد يعلم الغيب ، التجار لهم كلمة لطيفة يقول لك : تاجر ومنجم لا يوجد ، لو أنك تعلم ما سيكون بعد حين ، الذي اشترى فرضاً بمئة مليون حديد ، الطن بتسعة و ستين ألفاً على أمل أن يبيعه بمئة ألف ، اليوم بستة و عشرين ألفاً طن الحديد ، لو كان يعلم الغيب لما فعل ، هذا خسر أربعة أخماس ماله .
﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾
إنسان يموت أثناء السفر لا يسافر ، يعني للتعبير عن حقيقة التوحيد .
يروى أن فرعون رأى أن طفلاً من بني إسرائيل سيقضي على ملكه ، فأمر بقتل أبناء بني إسرائيل جميعاً .
﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ﴾
( سورة القصص الآية : 4 )
أما الطفل الذي سيقضي على ملكه رباه في قصره ، أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد .
مهمة النبي عليه الصلاة والسلام نذير و بشير و الإنسان مخير :
﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
الآن الله عز وجل حدد لك مهمة النبي نذير وبشير .
﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾
( سورة القصص الآية : 56 )
الإنسان مخير .
﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾
( سورة البقرة الآية : 272 )
لست مسؤولاً إن لم يؤمنوا كما أنك لا تستطيع أن تهديهم ،
﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾
أي أنت لست مسؤولاً إن لم يهتدوا ،
﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾
أنت لا تستطيع هداية عمك قل يا عم لا إله إلا الله ، أبداً ما قالها
﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾
( سورة المسد )
عمه ،
﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾
﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة الشورى )
لا ينتفع من سنة النبي إلا من أراد الآخرة و سعى لها :
أيها الأخوة ،
﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾
يعني ما من قضية مهما دقت تقربكم من الله إلا بينتها لكم ، وما من قضية مهما دقت تبعدكم عن الله إلا بينتها لكم ، هذه مهمتي ، أما هناك قضايا ، ملايين القضايا لا تقرب ولا تبعد ، هل يعقل أن يعرف النبي الجهاز الهضمي للضفدع مثلاً ؟ ليس له علاقة فيها ، هناك من يضم علماً مطلقاً ، العلم المطلق علم الله عز وجل ، أما النبي الكريم أي جزئية مهما دقت تقرب من الله يبينها ، أية جزئية مهما دقت تبعد عن الله يبينها .
﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾
لكن لمن ؟
﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة البقرة )
لمن أراد الإيمان ، أما الذي لم يرد الإيمان لا يصغي إلى أقوال النبي الكريم .
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 21 )
إنسان ليس له علاقة بالعلم إطلاقاً ، ولا طلب العلم ، ولا قرأ ، ولا كتب ، لو وقف أمام مكتبة هل تعنيه الكتب ؟ إطلاقاً ، لا يقف أمامها أصلاً ، لكن طالب دكتوراه مرّ أمام مكتبة ، فيها كتب متعلقة باختصاصه ، يقف ، يدخل ، الكتاب الفلاني ، الكتاب الفلاني ، لا ينتفع من سنة النبي إلا من أراد الآخرة .
من أراد الإيمان بالله عزّ وجل كل شيء في الكون يدله عليه :
لذلك
﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
( سورة البقرة )
يؤمنون بالغيب ، فلذلك هناك فكرة دقيقة جداً ، هذه الفكرة أن الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
عجيب ! أنا أتصور أنتم بهذه الآية تؤمنون ،
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
كأنه فيما يبدو القضية معكوسة ، ليست معكوسة ، هذا هو الأصل ، الذي اتخذ قراراً أن يؤمن أي شيء يدله على الله ، والذي اتخذ قراراً ألا يؤمن لو كان يعمل في مرصد فلكي يرى المجرات بعينيه ، أو في مجهر إلكتروني يرى الخلية بعينيه ، لا يؤمن .
حينما تتخذ قراراً أن تؤمن كل شيء في الكون يدلك على الله ، وحينما تتخذ قراراً داخلياً بعدم الإيمان لو رأيت الآيات صارخات ، واضحات ، جليات لا تؤمن ، يعني الذي أراد الإيمان يشبه آلة تصوير ، فيها فيلم ، فكل هذه المناظر طبعت على هذا الفيلم ، أما الذي لم يرد الإيمان يشبه آلة تصوير لكن بلا فيلم ، كل هذه اللقطات لأنه ما أراد الإيمان لا تنطبع على قلبه ، هذا السؤال المشهور أن هؤلاء علماء الغرب الذين تفوقوا في العلوم لماذا هم غير مؤمنين ؟ إنهم ما أراد الإيمان أصلاً ، أرادوا الشهادة ، أرادوا الشهرة ، أرادوا التألق الاجتماعي ، أرادوا الثروة الطائلة ، وقد حصلوها ، أما هذا العلم إن أردته لله عندئذٍ تكشف لك الحقائق ، حقائق الدين الدقيقة .
خيار الإنسان مع الإيمان ليس خيار قبول أو رفض بل هو خيار وقت :
كل الذين يأتيهم ملك الموت يرون الحقيقة التي جاء بها الأنبياء ، أكبر دليل على ذلك أن فرعون عندما بدأ يغرق آمن بالذي جاء به سيدنا موسى ، لكنه آمن بعد فوات الأوان ، الآية الكريمة :
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
( سورة ق )
جميع الحقائق التي جاء بها الأنبياء الذين يأتيهم ملك الموت ، يرونها ناصعة جلية واضحة ، ولكن بعد فوات الأوان .
لذلك أيها الأخوة ، خيارك مع الإيمان ليس خيار قبول أو رفض ، بل هو خيار وقت لماذا ؟ إما أن تؤمن في الوقت المناسب ، فتنتفع بإيمانك ، أو أن تؤمن بعد فوات الوقت المناسب ولن تنتفع بهذا الإيمان .
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾
( سورة الأنعام الآية : 158 )
فأنت خيارك مع الإيمان خيار وقت ، إما أن تؤمن في الوقت المناسب ، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان ، الآية الكريمة دقيقة جداً ، وبإمكانك أن تعتمدها في كل قصة وردت في الكتب تتناقض مع كمال الله ، تتناقض مع رحمته ، تتناقض مع علمه ، تتناقض مع كمال الأنبياء ، تتناقض مع كمال سيد الأنبياء والمرسلين ، تتناقض مع الصحابة الكرام ، هذه القصص من وضع الزنادقة .
على الإنسان ألا يقبل شيئاً في الدين من دون دليل من كتاب الله أو سنة رسوله :
قال بعض واضعي الحديث : وضعت فيكم مئة ألف حديث ، حرمت فيها الحلال وحللت فيها الحرام ، من أجل التيئيس .
كل الناس هلكى إلا العالمون ، والعالمون هلكى إلا العاملون ، والعاملون هلكى إلا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم .
حديث للتيئيس وضعه الزنادقة ، هذا الدين علم .
(( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))
[ مسلم عن ابن سيرين]
(( ابن عمر ، دينك دِينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
لا تقبل شيئاً في الدين من دون دليل من كتاب الله ، أو مما صحّ من سنة رسول الله ولا ترفض شيئاً في الدين إذا كان معه دليل من كتاب الله ، ومما صحّ من كتاب رسول الله ، أما أن تقرأ أي كتاب ، أن تستمع إلى أي إنسان ، أقول لك كما قال النبي الكريم لابن عمر :
(( ابن عمر ، دينك دِينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ـ استقاموا في عقيدتهم ـ ولا تأخذ عن الذين مالوا ـ مالوا منحرفين ـ))
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
هذه الآية يمكن أن تنفي بها مليون قصة باطلة ، فيها باطل ، فيها انحراف ، فيها موازين خاطئة .
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً : هذه الآية ميزان أي إنسان على وجه الأرض :
لذلك أقول لكم أيها الأخوة ، لأن تخطئ في الوزن أفضل ألف مرة من أن تخطئ في الميزان ، الخطأ في الميزان لا يصحح ، إذا الميزان غلط هذه مشكلة ، أما الخطأ في الوزن لا يتكرر ، يعني ممكن ميزان دقيق جداً لكن ما انتبه البائع ظن الكيلو كيلو و نصف ، هذا خطأ في الوزن لا يتكرر ، أما إذا أصل الميزان خطأ يعني في كفة فيها مئة غرام زائد ، لو استخدمنا مليون مرة المليون مرة غير صحيح ، لأن تخطئ في الوزن أفضل ألف مرة من أن تخطئ في الميزان .
هذه الآية ميزان أي إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة مهما لمع نجمه إذا أوهمك أنه يعلم الغيب قل له أنت كذاب أشر ، لأن هذا لم ينله رسول الله ، قال : لا أعلم الغيب .
﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾
أي إنسان يقول لك : أنا أملك أن أنفعك أو أن أضرك ، قل له : الذي يملك النفع والضر هو الله ، الذي يملك الموت والحياة هو الله ، الذي يملك الرزق هو الله ، هذه الآية أصل في التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، هذه الآية يمكن أن تكون آية مركزية ، آية فاصلة ، آية يمكن أن تنفي بها مليون قصة .
والآية التي ذكرتها من باب الشيء بالشيء يذكر :
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
أي رواية تاريخية لقوم مضوا ، وقعت أو لم تقع هذا ليس من شأننا ، أنا معي كتاب ، معي منهج ، معي منهج تفصيلي ، عليّ أن أعرف الله وأن أتبع هذا المنهج وانتهى الأمر ، لا تقحم قضية تاريخية تستوردها من التاريخ ، وتسهم في شقّ صفوف المسلمين ، التاريخ دعه لخبرائه ،
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
هناك من المسلمين من يحرص على الغوص في أعماق التاريخ ليقرأه قراءة مغلوطة حتى يقيم شرخاً في العالم الإسلامي ، هذا خطأ كبير .
هاتان الآيتان تنفي بهما ملايين القصص التي ربما أعاقت الطريق إلى الله .
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1971&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254