بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نكمل سويا "الجنة في بيوتنا"، هدف هذا البرنامج هو إعادة الدفء والحب في العلاقات داخل بيوتنا وأسرنا، ونمنع الجزر المنعزلة، فتعالوا نجمع العلاقات الأسرية مرة أخرى.
تحدثنا في الحلقات السابقة عن علاقة الأزواج بالزوجات، ودور الآباء (لأب القدوة، الأب الصديق). واليوم نتحدث عن مفتاح جديد من مفاتيح التعامل، وقاعدة جديدة للتعامل تعيد حضن الأسرة. قاعدة اليوم خاصة بالآباء - سواء أب أو أم- وبين الشباب، بنات أو أولاد، وعنوان الحلقة: "كيف توجّه أبناءك" فيتساءل الكثير من الآباء والأمهات عن كيفية التعامل مع الأبناء، ويشكو الكثير من استهتار الأبناء وردودهم السخيفة إلى آخره.
أساليب توجيه الآباء للأبناء في الطفولة:
كيف نوجه أبناءنا؟ ما هي الطرق التي نوجه بها أبناءنا ؟ تعالوا نحصر هذه الطرق ثم نتحدث عن كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم والمبدأ الذي كان يتحرك به النبي في التعامل مع الشباب، ثم ننصح الآباء بالتعامل مثلما كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، ونتفق على طريقة تربية جديدة وطريقة معاملة جديدة. فحلقة اليوم عن طرق التوجيه، وكيفية توجيه الشباب.
في البداية، نسأل كيف كانت طريقة توجيه الآباء للأطفال؟ هناك طرق شهيرة للتعامل والتوجيه أثناء الطفولة منها طريقة الأوامر المباشرة فتأمر ابنك أمرًا مباشر: كُلْ، اشرب، نَمْ. وهناك طريقة ثانية؛ وهي طريقة اللوم والعتاب بأن تقول: لا تفعل كذا. وهناك طريقة ثالثة وهي طريقة التهديد؛ فمثلا تنظر الأم لابنها نظرة حادة. فهذه كانت طرق التوجيه أثناء الطفولة ولكنهم الآن أصبحوا أكبر سنا وأصبح سنهم يتراوح ما بين الثانية عشرة والعشرين. هل يمكن أن نستخدم الطرق نفسها التي كنا نستخدمها أثناء الطفولة أم يجب أن نغيرها؟
الأساليب الخطأ في توجيه الآباء للأبناء عند الكبر:
سأعرض ما يقوله الآباء والطرق التي يستخدمونها، وليس الهدف من ذلك أن نقول بأن طرق الآباء خطأ بل الهدف هو أن نتفق بأن نتحد ونمنع الجزر المنعزلة.
الأسلوب الأول: اللوم والعتاب:
فالأسلوب الأول الذي يستخدمه أغلب الآباء أسلوب اللوم والعتاب؛ فمثلا تقول أم لابنتها: تركتي الزيت على النار حتى احترق، فيمن تفكرين إذن؟ من يشغل بالك؟ كاد البيت أن يحترق، وعادةً ترد البنت وتقول: نعم كنت سارحة ولا مشكلة، وتراها ترد بردود سخيفة ومرفوضة من الآباء.
الأسلوب الثاني: النصح الاستفزازي:
يقول أب لابنه: إني أحذرك من هؤلاء الأصدقاء، لو خرجت معهم مرة ثانية سيحدث لك مصيبة، ولن أكون مسئولا عنك! فعادة يرد الابن ويقول: وماذا تعرف عن أصدقائي؟
الأسلوب الثالث: التهديد:
إذا كان رأيك أن المذاكرة ليست مهمة فأنا رأيي أن المصروف ليس مهمًّا أيضا، فيقول الابن في نفسه: متى أخرج من هذا البيت؟
الأسلوب الرابع: الأوامر:
أغلق التلفاز حالا وقم لتذاكر، فيرد الابن قائلا: لا.
الأسلوب الخامس: المحاضرات:
تجلس طويلاً لتعطي ابنك محاضرة طويلة بأن هذا الفعل خطأ بسبب كذا وكذا، وأننا عندما كنا في مثل عمرك لم نكن نفعل كذا.
الأسلوب السادس: التحقير والاستهزاء:
لقد نسيت أن تغلق السيارة إذن فأنت إنسان بلا مسؤولية.
الأسلوب السابع: المقارنة:
تقول أم لابنتها: أختك أفضل منك ولهذا السبب يحبها الناس، لأنها تعامل الآخرين بطريقة جيدة.
فالطرق التي نوجه بها أبناءنا غالبا ما تكون في شكل من هذه النقاط السبعة. أحيانا تهديد، وأحيانا لوم وعتاب، وأحيانا نصح ولكن باستفزاز، أحيانا أوامر مباشرة، أحيانا استهزاء وأحيانا مقارنة.
ولكن يجب أن نُذكّر الشباب أنه مهما فعل الآباء فإن بر الوالدين فرض، وأحيانا دمعة أم غاضبة منك تكون أشد عند الله من ذنوب سنة، وأحيانا احمرار وجه أب من غضبه تكون أشد عند الله من مئات الذنوب، واعلم أنه إذا مات الأب أو الأم أو أنت، وهما غاضب عليك فأنت في مصيبة شديدة، فمهما كانت الطرق التي يستخدمها الآباء مع الأبناء فليس هناك أي مبرر بالرد عليهم، فقد قال الله تعالى "... فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ..." (الإسراء23)، فأنت مأمور بالبر من الله سبحانه وتعالى. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يضع طعامه وشرابه)، فقول الزور معناه الكلام السيئ، فلذلك لا يصح التعامل بهذه اللهجة مع أبوك وأمك.
الطريقة الصحيحة في توجيه الآباء للأبناء:
نريد أن نقول للآباء أن هذه ليست الأساليب الصحيحة في التوجيه، ثمة طريقة أفضل من هذه الأساليب السبعة؛ وهي الطريقة النبوية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الشباب، ألا وهو المبدأ هو الاحترام والتقدير للشباب؛ أنت محترم، أنت مُقدّر، أنت غالٍ، فأنا أتعامل معك على أنك كبير وأنك رجل، حتى وإن وصل إلى أسوأ درجات إدمان المخدرات لابد أن تستمر في معاملته باحترام. بداخل الإنسان إنزيمات وهرمونات تجعله يريد أن يشعر أنه محترم حتى تفرز إنزيمات الاحترام بشكل طبيعي وبطريقة غير مكبوتة، فهناك مثل سوري يقول: (كبّره يكبر.. صغّره يصغر).
مثال للاحترام بين الأبناء والآباء:
لو استخدمت هذا المبدأ وهو الاحترام مع ابنك سيشعر بذلك جيدا وستنهض الأمة. ثمة مدرسة الآن تسير بهذا المبدأ أي الاحترام والتقدير، حيث تقوم بتطبيقه على شبابها، فالأمل هو نهضة أمتنا من خلال أناس تسير على هذا المبدأ.
يقول فتى إنه كان يجلس مع أصدقائه فدخلت أمه وتحدثت معه، فرد عليها بصوت عالٍ، فقدرته ولم تحرجه أمام أصدقائه وانتظرت بعد أن غادر أصدقائه، وقالت له: لا تفعل هذا مرة أخرى، فيقول الفتى إنه احترمها كثيرا؛ لأنها قدرته، ولم تحرجه أمام أصدقائه. فمن هنا نلاحظ أن هذا الولد شعر بالذنب أكثر من أن لو عاتبته أمه أمام أصدقائه.
أسلوب النبي في التعامل مع الشباب:
فمبدأ الاحترام والتقدير هو مبدأ من مبادئ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يوجد أي حديث للنبي يتعامل به مع الأساليب السبعة السابقة التي ذكرناها.
من أمثلة ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما وسط كبار الصحابة كأبو بكر وسعد بن أبي وقاص، ومعاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح، وكان الطقس حارًّا والجميع عطشان، فطلب النبي الماء فجاء إناء وكان يجلس بجانب النبي الأيمن طفل صغير يبلغ من العمر عشر سنوات فمسك النبي الإناء وقال للطفل: أتأذن لي أن أبدأ بالكبار؟ فقال الطفل: لا، لماذا؟ لا أؤثر بنصيبي منك أحدا، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكبار وقال لهم: هذا حقه فأبدأ به: اشرب يا غلام.
عندما أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة، جمع النبي أبو لهب، والعباس وصفية، وجميع عائلته، وقال لهم: والله لو ضللت الناس ما ضللتكم، ولو كذبت الناس ما كذبتكم، إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إني رسول الله إليكم: من يبايعني على الإسلام؟ فما قام أحد، فقام ولد يبلغ من العمر سبع سنوات - وهو علي بن أبي طالب- وقال له: أنا أبايعك على الإسلام، فضحكوا، ولكن انظر إلى النبي وهو يقول له: نعم امدد يدك أبايعك، فسكت الناس فتقدم علي بن أبي طالب ووضع يده في يد النبي، فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم. فذاك هو علي بن أبي طالب الذي فتح الله على يديه خيبر، وأصبح أمير المؤمنين، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون لموسى. لماذا؟ لأنه رجل، ولأنه تربى على الاحترام.
ولذلك إذا نظرنا لطالب يحب مُدرسه، أو مدربه سنرى أنه يحبه؛ لأنه يحترمه ويقدره ويشعره بقيمته، ومن هنا تحدث نهضة الأمة.
المثال الثالث: تعامل النبي صلى الله عليه وسلم باحترام حتى مع البنات؛ فكانت تأتي الجارية أي البنت الصغيرة التي تبلغ من العمر تسع سنوات تأخذ بيد النبي إلى السوق ليشتري لها ما يشاء، فما كان ليتركها النبي صلى الله عليه وسلم حتى تنتهي.
المثال الرابع لتقدير واحترام النبي صلى الله عليه وسلم للشباب يحكيه لنا شاب اسمه أبو رفاعة العدوي، يقول: لم أكن مسلما، فذهبت إلى المدينة لأتعرف على الإسلام فوجد النبي يخطب على المنبر، فقلت: يا محمد، فنظر في وجهي فعرف أني جاد فنزل من على المنبر وتقدم بين الناس حتى أتاني وقال: آتوني بكرسي، فأتيناه بكرسي، فجلس أمامي يعلمني بصوت مرتفع، والناس تسمع، فظل يعلمني حتى قال لي: أفهمت؟ فقلت: نعم يا رسول الله، فقام وعاد إلى المنبر يكمل خطبته.
يقول أحد الصحابة: كنت شابا جلدا فجاء النبي في الحج على ناقته، والناس تتزاحم عليه بينما يمنع أبو بكر وعمر وعلي الناس لتمر الناقة فتزاحمت عليهم، فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني من الشباب، فقال دعوه: فجئت وأخذت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم أقودها والنبي الله عليه وسلم يميل ليربت على كتفي.
أنت محترم، ومقدر، ولك قيمة. لا يوجد إنسان لا يحتاج للتقدير، ولو كان يشرب المخدرات فعليك أن تعطيه الاحترام، فصوتك سيكون أعلى وستنتصر على هذه الأزمة. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يختار شبابا صغيرا لعمل قضايا كبرى، فالذي حمل الزاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة هي أسماء بنت أبي بكر، فقد أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم سرًّا خطيرا كهذا، وهي تبلغ من العمر واحد وعشرون عاما فقط، فمن احترامه أن يحملهم أسرارا ومهاما كبرى. أيضا أسامة بن زيد حيث كان عمره ستة عشر عاما، وقد عُيّن قائدا للجيش، وكان في هذا الجيش أبو بكر وعمر، فقال الناس: أتجعله قائدا على جيش فيه أبو بكر وعمر، فقال لهم: إنه لخليق بها. فعملية تعيين أسامة بن زيد لم تكن سهلة، ولكن النبي أصر على تعيينه وأعطاه الثقة، وكأن تعيين أسامة بن زيد قائدا للجيش رسالة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل شاب يقول له فيها: أنت في عيني محترم و أهل للثقة، ورسالة لكل أب وأم لتكليف أبناءهما بمهام؛ كي يشعرون أنهم أصبحوا على قدر المسؤولية، فيجب أن نُشعر الابن بأنه محترم، فالاحترام مبدأ.
المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2732.html