التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(48-60): تفسير الآيات 169 - 171، الإنسان يختار العرض الأدنى فيرتاح - وفي ظنه أنه أدى الواجب كاملاً
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-08-15
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس الثامن والأربعين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية التاسعة والستين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾
علماء اللغة يقولون : الخلف بتسكين اللام ، خلف في الفساد ، والخلَف بفتح اللام خلَف في الخير ، الإنسان يُدعى له ، ويُقال : خير خلف لخير سلف ، وحينما قال الله عز وجل :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
( سورة النور الآية : 55 )
وهذه وعود الله عز وجل ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
إضاعة الصلاة تفريغها من مضمونها و ليس تركها :
لكن الذي حصل كما قال الله عز وجل :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾
من بعد هؤلاء المؤمنين ، الصادقين ، الملتزمين ، الورعين :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾
( سورة مريم الآية : 59 )
وقد أجمع العلماء : على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها ، ولكن يعني تفريغها من مضمونها .
(( ليس كل مصل يصلي ))
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
( سورة مريم الآية : 59 )
وقد لقي المسلمون ذلك الغي ،
﴿ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾
ما تركوها .
﴿ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ﴾
( سورة التوبة الآية : 45 )
معنى ذلك أنهم يصلون ، وينافقون .
﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾
( سورة النساء الآية : 142 )
من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يحقق من الصلاة غايتها :
آيات كثيرة تبين أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها ، ولكن يعني تفريغها من مضمونها ، لأن الصلاة في الأصل :
﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45 )
فمن لم تنهه صلاته
﴿ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
معنى ذلك لم يحقق من الصلاة غايتها ، ولم يحقق من الصلاة مقصدها الذي أراده الله منها .
فلذلك
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾
بتسكين اللام ، في الفساد
﴿ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، الشهوات سلم نرقى بها ، أو دركات نهوي بها .
الشهوة حيادية فهي سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها :
لذلك أيها الأخوة ، هؤلاء اتبعوا الشهوات ، أية شهوة ؟ الشهوة المحرمة ، لأن هناك شهوات أودعها الله فينا سمح لنا أن نمارسها ، والدليل :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
( سورة القصص الآية : 50 )
لو أن الإنسان اتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه ، لك أن تأكل الطعام ، لك أن تتزوج ، لك أن تنام وترتاح ، لك أن تمتع نظرك بجمال الطبيعة ، لك أن تنجب أولاداً يسعدوك في دنياك وفي أخراك .
لذلك قضية الشهوة حيادية ، سلم نرقى بها ، أو دركات نهوي بها .
إذاً هنا الآية :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾
الإسلام في البدايات تألق تألقاً مذهلاً ، العصر الذهبي عصر النبي عليه الصلاة والسلام ، وعصر الصحابة ، والتابعين ، وتابعي التابعين ، وبعدئذٍ دخلوا على الإسلام ، أضيف على الدين ما ليس منه ، فُهم الدين فهماً ما أراده الله عز وجل ، اتخذ الناس الدين وسيلة لمكاسب دنيوية ، فصار في مشكلات ، ونرجو الله عز وجل أن يعيدنا إلى الدين الحق الذي أراده الله .
لن يُمكن الله للمسلمين دينهم حتى يفهمونه فهماً صحيحاً و يطبقونه تطبيقاً دقيقاً :
لكن كتعليق دقيق : حينما قال الله عز وجل :
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
أي دين وعد بتمكينه ؟ أي دين ؟ الدين الذي يرتضيه ، فإن لم نمكن في الأرض نحن معنى ذلك أن فهمنا للدين لم يرضِ الله عز وجل ، فالبطولة أن نفهم الدين فهماً صحيحاً ، وأن نطبقه تطبيقاً دقيقاً ، وأن نخلص في تطبيقه حتى نستحق أن يُمكن الله لنا ديننا .
إذاً
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾
الخلف بتسكين اللام خلف فاسد ، والخلف بفتح اللام خلف صالح .
﴿ وَرِثُوا الْكِتَابَ ﴾
هذا القرآن بين أيدينا ، هو الكلام الذي نزل على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، عن طريق جبريل ، الكتاب هو هو ، لم يكن فيه زيادة ، ولا نقصان ، هو هو ، كيف فتح به الصحابة أطراف الدنيا ؟ وكيف تألقوا ؟ وكيف سطروا آيات المجد والكتاب هو هو بين أيدينا ، له طبعات رائعة ، يطبع طبعاً ، وتراه على الشاشة ، وتسمعه تلاوة بالقراءات العشر ، وكل هذا الاعتناء بالقرآن ، وأمة المسلمين متخلفة ، معنى ذلك أن فهمنا لهذا القرآن لم يكن كما ينبغي .
فهم الناس لكتاب الله عز وجل ليس كما ينبغي :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ ﴾
هنا الكتاب التوارة ، لكن أحياناً يمكن أن نقيس ، كيف نقيس ؟ حينما قال قوم موسى :
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
( سورة المائدة الآية : 18 )
بماذا أجابهم الله عز وجل ؟ أجابهم الله بقوله تعالى :
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾
( سورة المائدة الآية : 18 )
معنى الله عز وجل ما قبل ادعاءهم ، لو قبل ادعاءهم لما عذبهم ، كلام دقيق .
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
فكان الرد الإلهي :
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾
﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة الآية : 18 )
ألا أستطيع أن أقيس على هذه الآية ، إذا قال المسلمون : نحن أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، نحن أمة مرحومة ، الرد الإلهي بالضبط :
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
الآية هنا تتحدث عن أهل الكتاب ،
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ ـ التوراة ـ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
تجد بعض المسلمين يا أخي الله قال في كتابه الكريم :
﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
( سورة القصص الآية : 77 )
هذه حافظها تمام الآية ، كل آية فيها مكسب ، هينة ، سهلة يتمسك فيها ، أما في آيات فيها ردع قوي لمن يأكل المال الحرام ، يقول لك : نحن نرجو رحمة الله ، نحن عبيد إحسان ولم نكن عبيد امتحان .
سهل جداً أن تأخذ من كتاب الله ما يعجبك ، وأن تأخذ الأشياء اللطيفة ، يقول لك : أنا عملت 18 عمرة ، والله العمرة سهلة ، تركب الطائرة ، تذهب إلى مكة والمدينة ، تنزل بفندق ، وتتمتع ، وتعمل سبع مرات طواف ، وسعي ، وينتهي الأمر ، خفيفة العمرة ، لكن غض البصر ليس خفيفاً ، عدم الاختلاط ليس خفيفاً ، أن تتحر الحلال في دخلك هذا كله يحتاج إلى إيمان قوي .
المسلم الحق من يطبق الدين بحذافيره لا الأشياء اللطيفة فيه فقط :
لذلك يمكن أن تأخذ من الدين الأشياء اللطيفة ، تعمل مولد ، المولد جيد جداً ، تعمل دعوة تأتي بمنشدين ، تدعو عالماً أو عالمين ، يلقوا الكلمات ، تستقبل الناس ، وتودعهم ، شيء جميل والله ، تعمل احتفالاً دينياً ، تعمل سهرة أسبوعية ، يوجد أشياء بالدين لطيفة ، ومريحة ، وخفيفة ، لا تكلف شيئاً ، هذه
﴿ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
في أشياء لطيفة ، وخفيفة ، ولا تكلفك انضباطاً ، ولا جهداً ، ولا مجاهدة ، ولا مشقة ، ولا بذلاً ، ولا تضحية ،
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
لذلك الآية الكريمة :
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
( سورة البقرة )
بالدين ، وبالقرآن ، وبالإسلام ، في أشياء خفيفة ، فيها وجاهة ، فيها متعة ، وفيها مكانة اجتماعية ، وفيها أشياء فيها مجاهدة ، وفيها بذل ، وفيها تضحية .
ضعف المسلمين نتيجة تأخرهم عن تطبيق منهج الله عز وجل :
لذلك المسلمون مع تأخرهم ، ومع تخلفهم ، ومع تأخرهم عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
نحن نقيس أنفسنا على أهل الكتاب الذين وصفهم الله عز وجل
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
الأشياء الدنيوية مثلاً أوضح آية :
﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
الله عز وجل خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، يقول لك : أنا أحب أن أتمتع بالدنيا ، لا عليّ إن تمتعت في الدنيا .
لهذا أيها الأخوة ، هذا مرض أصاب أهل الكتاب ، وهذا مرض أصابنا ، لذلك قال بعض العلماء : الشيطان يأتي الإنسان ليوسوس له بالكفر ، فإن رآه على إيمان وسوس له بالشرك ، إن رآه على توحيد وسوس له بالكبيرة ، إن رآه على طاعة وسوس له بالصغيرة ، إن رآه على ورع لم يستطع حمله على الكفر ، ولا على الشرك ، ولا على اقتراف الكبيرة ، ولا على اقتراف الصغيرة ، بقي معه ورقتان ، الورقة الأولى هي التحريش بين المؤمنين ، يوزع تهماً على الحلقات الدينية ، وعلى الجماعات الإسلامية ، هو مرتاح لا يقدم شيئاً ، فقط يوزع تهماً ، ويتهم ، ويُنصب نفسه وصياً على المسلمين ، ويحرش بينهم ، وقد يحدث فتنة بين علمائهم .
أستاذ ، العالم الفلاني هكذا أفتى ، أنت ما رأيك ؟ أنا بالمناسبة ، أي إنسان يسألني عن فتوى ، وينسبها إلى عالم لا أجيبه ، لئلا تقع فتنة ، اسألني سؤالاً عادياً أجيبك عنه ، أما فلان الفلاني ، العالم الفلاني قال كذا ، أنت ما رأيك ؟ إن خالفته ، نقل له هذه المخالفة ، نشبت مشكلة بين العلماء ، وإن وافقته ولم يكن على حق ، تلافياً للفتنة ، وقعت في الخطأ .
فلذلك هؤلاء الذين يحدثون الفتن هم ليسوا على ما يرضي الله عز وجل
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
البر الحقيقي أن يكون إيمانك صحيحاً وأنت منضبط :
فضلاً عن ذلك
﴿ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾
وهذا تألي على الله ، هذه المرأة التي قالت لأحد صحابة رسول الله ، وقد توفاه الله ، قالت له على مسمع رسول الله : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لو سكت لكان كلامها صحيحاً ، قال لها : ومن أدراك أن الله أكرمه ؟ قولي أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .
هؤلاء
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
لو أنه في وقت ممكن أعدد أنواعاً كثيرة من مظاهر الدين ، ومن نشاطات الدين ليس فيها جهد كبير ، بالعكس فيها متعة ، فيها وجاهة ، فيها مكانة ، فيها رفع قيمة ، هذه القضية سهلة ، أما البر الحقيقي أن يكون إيمانك صحيحاً وأنت منضبط ، وأن تبذل ، في تألي على الله ،
﴿ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾
التمنيات بضائع الحمقى فالإنسان يتمنى وهذا التمني لا قيمة له عند الله عز وجل :
إخوانا الكرام ، لو فتحتم كتاب الله عز وجل ، أو تتبعتم هذه الآية :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
( سورة النحل )
تطلب مغفرة بلا ثمن ؟ .
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
( سورة الحجر )
وبعدها :
﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾
( سورة الحجر )
في هذا ، إن لم تتب يوجد عذاب .
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾
( سورة الزمر )
لا تتصور المغفرة بلا ثمن ، هكذا ! يا رب اغفر لي ، وتعيد الكرة ثانية في المعاصي والآثام ، لا تتصور أن القضية بهذه البساطة .
(( أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غالية ، ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجنَّةُ ))
[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
فالإنسان يتمنى ، وهذا التمني لا قيمة له عند الله عز وجل ، فقد قال الله عز وجل :
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾
( سورة النساء الآية : 123 )
والتمنيات بضائع الحمقى ، والأحمق يتمنى ، والمؤمن يسعى ، فرق كبير بين السعي وبين التمني .
علة خيريتنا الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
﴿ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾
إذاً الآية الكريمة :
﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
يعني أنتم لا قيمة لكم عندي إطلاقاً إن لم تلتزموا ، الدليل حينما قال الله عز وجل :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 110 )
قال العلماء : علة الخيرية هو الإيمان بالله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فإذا لم نتناهَ عن المنكر فقدنا خيريتنا ، والله عز وجل حينما أهلك بني إسرائيل ماذا قال ؟ قال :
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾
( سورة المائدة الآية : 79 )
فأنت حينما تجد أمة ليس فيها تناهٍ عن المنكر ، تقترف المعاصي ، والناس يجاملون بعضهم بعضاً .
لذلك حينما أرسل الله الملائكة لإهلاك قرية ، الملائكة قالوا : يا رب إن فيها صالحاً قال : به فابدؤوا ، لمَ يا رب ؟! قال : لأن وجهه لم يكن يتمعر إذا رأى منكراً .
بالمناسبة : الرحمة خاصة ، والبلاء عام ، هذه المقولة تحتاج إلى توضيح ، عندما يكون هناك حريق ببيت ، بشارع ، ولم يهب كل سكان البيوت في هذا الشارع لإطفاء الحريق فالحريق سوف يصل إليهم واحداً واحداً .
فلذلك ما لم نأمر بالمعروف ، وما لم ننهَ عن المنكر ، فالفساد سوف يعم الأرض .
مظهر المسلمين الآن تغطية المعاصي والآثام بأشياء فلكلورية إسلامية :
إذاً
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
ويدعون مجاهدة النفس والهوى ، يدعون البذل والتضحية ، إنفاق المال ، إحقاق الحق ، يدعون النصح العام ، يدعون الأشياء الشاقة المتعبة و
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
والله سمعت شخصاً عنده مسبح مختلط ، عمل مولد ، ودعا الناس ، وجاء من يتكلم في هذا المولد ، والأمر طبيعي جداً ، مسبح مختلط ، وعمل مولد ، وأتى بمنشدين ، وهناك إنسان ألقى كلمة ، واستقبل المدعوين ، وودعهم ، إنسان صالح جداً ! وعمله مسبح مختلط ، نساء ورجال يسبحون في ثياب السباحة طبعاً .
فهذه التغطية ، تغطية الأشياء ، المعاصي والآثام بأشياء فلكلورية إسلامية ، هذا شيء لا يُقدم ولا يؤخر ، هذا الآن مظهر المسلمين ، تجد الآن أسرتان عريقتان ، العرس مختلط ، أين التدين ؟ أين الالتزام ؟ وبعدها الدعوة : الطيبون للطيبات ، أي طيبون وطيبات ؟ إذا ما في التزام إطلاقاً ، فما معنى الطيبون للطيبات ؟ في مظاهر ،
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
المظاهر دينية ، يقول لك : بعقد قران دعيت فلاناً ، وألقى كلمة ، ودعيت فلاناً وألقى كلمة ، هل أنت مطبق لهذا المنهج ؟ هل أنت مطبق لهؤلاء الذين قالوا كلمات في حفلة ابنتك ؟ لا ، يريد سمعة أنا دعوت فلاناً ، والدكتور فلان حضر ، وألقى كلمة ، وكان حفلاً رائعاً ، وأنت لست رائعاً .
من أراد الجنة عليه أن يُلزم نفسه بطاعة الله عز وجل :
أيها الأخوة ، كلمة :
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
الأشياء اللطيفة ، الخفيفة التي لا تكلف إلا عملاً لطيفاً ، وفي وجاهة ، ومكانة ، فهذا شأن المسلمين اليوم ، تجد سافرة : أنا اليوم صائمة ، 27 رجب ، لا أقدر ، ما شاء الله ! تجد تناقضاً عجيباً ، الأشياء الخفيفة ، صيام 15 شعبان ، 27 رجب لا يكلف شيئاً ، الدنيا شتاء ، والنهار قصير ، وصائمة ، والسفور ؟ وكل مفاتن المرأة ظاهرة ، لا تقدر ، هكذا الموضة .
الآية دقيقة جداً :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ ﴾
منه الأشياء الخفيفة ، اللطيفة ،
﴿ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ﴾
والأشياء التي ما فعلوها ، وقصروا فيها ، ما بذلوا ، وما ضحوا ، وما ألزموا أنفسهم بطاعة الله ، ولا حملوا أنفسهم على البذل والتضحية
﴿ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾
نوع من السذاجة أن تتوقع أن تنال الجنة بلا عمل .
يروى أن إنساناً أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، توفي والده ، بعد أن دفن ، يبدو فقيراً جداً رأى شاباً يقرأ القرآن في المقابر ، أعطاه عشرة قروش ، والقصة قديمة ، أن يقرأ له ، فهذا الشاب امتلأ منه غيظاً ، عشرة قروش ! فبدأ قوله تعالى :
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾
( سورة الحاقة )
فهذا الشاب غلى ، الآن يغير الآية :
﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾
( سورة الحاقة )
ازداد غلياناً ، الآن يغيرها :
﴿ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ﴾
( سورة الحاقة )
فقال له : ما لقيت بالقرآن غير هذه الآيات ؟ قال له : تريد الجنة بعشرة قروش ؟
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ﴾
الجنة تحتاج إلى عمل وتعب :
يتابعون المكاسب ، أين يوجد احتفال ، أين يوجد سهرة ، أين يوجد جلسة لطيفة ، عشاء ، يتابعون ، والله الدين حلو ! ، أنت لم تطبق منه شيئاً ، لكن أحبّ فيه العزائم ، واللقاءات ، والاحتفالات ، بالعيد بيته مرتب ، وحلويات ، وضيوف ، تجد في عمله لا يوجد استقامة ، بكسب ماله لا يوجد استقامة ، بإنفاق ماله لا يوجد استقامة ، بعلاقاته لا يوجد استقامة ، بناته لسن كما ينبغي أن يكن في حجابهن :
﴿ وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾
يعني تريد جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين بجهد يسير ، بركيعات تركعها ، بدريهمات تدفعها ، وانتهى الأمر .
والله أيها الأخوة ، ليست من باب التصعيد ، والمشقة ، ولكن لا تتوقعوا جنة من دون امتحان ، والدليل :
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
( سورة العنكبوت )
ممكن ؟ من دون امتحان ، من دون ابتلاء ، من دون صعوبة توضع أمامك ، وعليك أن تجتازها ، تتمنى جنة عرضها السماوات والأرض بلا تعب ، هناك إنسان الآن يستطيع أن يقول أنا دكتور وما معه ابتدائي ؟ ابتدائية ، وإعدادية ، وثانوية ، ولسانس ، ودبلوم عام ، ودبلوم خاص ، ماجستير ، ودكتوراه ، ثلاث و ثلاثون سنة ، قراءة ، ودوام ، وتأليف ، حتى أضيف على اسمه دال فقط ، بالدنيا ، وكلمة مؤمن ، يعني أنت لك مرتبة علمية ، لك مرتبة أخلاقية ، لك مرتبة جمالية في انضباط ، في مجموعة قيم .
الدين النصيحة و لو كان لغير المسلم :
إخوانا الكرام ، لا تتصورا الفرق بين المؤمن ، وغير المؤمن العبادات ، لا ، الأمر أعمق بكثير .
مرة أخ استشارني بمصلحة معينة ، والله أنا لا أعلم ، اذهب إلى السوق الفلاني واسأل باعة هذه المصلحة ، استنصحهم ، قال لي : سوق ، سألت أصحاب هذه المصلحة دكاناً دكاناً ، على اليمن واليسار واحداً واحداً ، جميعهم من دون استثناء نصحوه ألا يقدم على هذا العمل ، متعبة ، وما فيها أرباح ، ولها متاعب ، يعني جعلوا هذه المصلحة سبب إفلاس الإنسان أنا ما أعجبني كلامهم ، قلت له : أعرف إنساناً مؤمناً سألته ؟ سميت اسمه ؟ قال لي : كان محله مغلقاً ، قلت له : اذهب غداً ، ذهب غداً إليه ، العجب العجاب ! قال له : والله مصلحة فيها الربح الكثير ، والمواد الأولية وطنية ، لا تحتاج إلى استيراد ، وسهل عملها أنا أعاونك ، المؤمن متميز .
(( الدِّينُ النصيحة ))
[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
قال له : هذه المصلحة جيدة جداً ، أرباحها جيدة ، موادها الأولية متوافرة ، عليها طلب مستمر ، وأنا أعاونك ، فالفرق بينك وبين غير المؤمن صارخاً ، المؤمن نصوح.
والله إنسان غير مسلم دخل لمحل معمل حلويات ، قال لصاحب المحل : أتعلمني صنع هذه الحلويات ؟ نوع واحد ، قال له : تكرم ، صنع أمامه طبخة ، ما اكتفى ، قال له : اكتب بعدما انتهى قال له : اصنع طبخة ثانية أمامي ، بحسب ما كتب ، صنعها نجح ، يقسم لي بالله خلال ثلاثين عاماً يأتي من القامشلي للشام ومعه هدية ، قال له : كل الخير الذي أكرمني الله به عن طريقك ، مسلم ! ألا تنصح ؟ ولو كان غير مسلم ، عمل جسراً .
أنا أريد أن أقول كلمة : إذا كنت مؤمناً متميزاً بكل مواقفك ، متواضعاً ، نصوحاً ، تقدم كل خبراتك للآخرين ، وقافاً عند كتاب الله ، منصفاً ، ورعاً ، يعني إذا لم يعشقك الناس ففي الإيمان خلل ، أما مؤمن يصلي ، لا يكفي أن يصلي ، يكون صادقاً ، أميناً ، عفيفاً ، يخدم الناس ، يقدم لهم كل ما يطلبون ، في خدمة الناس ، يحمل همّ المسلمين .
المباحات إحدى وسائل الشيطان لاستهلاك الإنسان :
أيها الأخوة ، ثم يقول الله عز وجل :
﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ ﴾
يعني نحن مسلمون ، ما في ميثاق ؟ الله عز وجل أخذ علينا ميثاقاً غليظاً أن نعبده ، أن نطيعه ، أن نحسن للخلق .
﴿ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾
لذلك لما الشيطان يوسوس للإنسان بالكفر ، ثم بالشرك ، ثم بالكبيرة ، ثم بالصغيرة ، ثم بالتحريش بين المؤمنين ، معه ورقة رابحة ، آخر ورقة ، ورقة المباحات ، يغرق نفسه بالمباحات ، يعتني بحياته عناية فائقة ، بمزرعته ، ببيته ، بكل أموره ، لدرجة أن وقته كله في تهيئة جو مريح لنفسه ، ثم يفاجئه الموت .
المباحات أيضاً إحدى وسائل الشيطان لاستهلاك الإنسان ، يستهلك الإنسان بالمباحات استهلاكاً رخيصاً ، ثم يفاجأ بالموت .
﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾
العوام لئن يرتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون .
الله تعالى جعل المعاصي متصاعدة و على رأسها أن يقول الإنسان على الله ما لا يعلم :
بالمناسبة الإنسان أحياناً يرتكب بعض الأخطاء ، لكن هذه الأخطاء حينما يرتكبها قد لا تسبب فتنة بالبلد ، يخطئ مع ربه ، أما حينما يتكلم على الله ما لا يعلم ، يعطي فكرة سيئة جداً عن حقيقة هذا الدين ، فالله جعل المعاصي متصاعدة ، الفحشاء ، والمنكر ، والإثم ، والعدوان ، الشرك ، الكفر ، وعلى رأس هذه المعاصي والآثام :
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة )
لذلك : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذي استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا .
﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾
أخطر حدث مستقبلي مغادرة الدنيا و العاقل من أعدّ لهذه الساعة عدتها :
الآخرة أبد ، ما في نهاية ، والدنيا محدودة ، وعطاء الله إن كان مقتصراً على الدنيا ليس عطاءً ، هذا العطاء لا يليق بكرم الله أن يعطيك عطاء ثم يأخذه عند الموت ، كل شيء حصلته في الدنيا تخسره في ثانية واحدة ، يضع السماعة ، يقول لك : لا يوجد نبض ، يأتي بمصباح ، يفتح العين يضيء المصباح الحدقة لا تصغر ، يأتي بمرآة يضعها أمام الذي على فراش الموت ، ما في بخار ، لا في بخار على المرآة ، والحدقة ما صغرت بالمصباح ، والنبض ما في ، يقول : عظم الله أجركم ، خالص ، خالص يعني انتهى كل شيء ، أملاكه المنقولة والغير المنقولة ، وبيته ، ومركبته ، ومقتنياته ، وشركته ، بلمحة تخسر كل شيء ، بثانية ، في نبض هذا البيت لك ، وقف النبض ليس لك ، للورثة ، ما دام الموت بهذه البساطة بلمحة يكون الإنسان ميتاً ، بلمحة يكون شخص له مكانته ، وله هيمنته ، فجأة صار جثة هامدة .
مرة كنت بالطائرة في محطة بالانتظار ، رأيت نعشاً نازلاً مع البضاعة ، كان إنسان له مقعد ، الآن صار بضاعة ، صار أوراق تخليص ، كان إنساناً راكباً ، له محل ، له هوية ، معه جواز سفر صار بضاعة معه أوراق تخليص .
أيها الأخوة ، البطولة أن تتوقع ما سيكون ، أخطر حدث مستقبلي مغادرة الدنيا ماذا أعددت له ؟ الذكاء ، النجاح ، التفوق ، أن تعد لهذه الساعة عدتها ، كيف تلقى الله عز وجل ؟
أنا قرأت تاريخ سبعين صحابي ، لفت نظري أنهم ما منهم واحد إلا كان في أسعد لحظات حياته عند لقاء ربه .
على الإنسان أن يستقيم على أمر الله قبل أن يصلي :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
الدعاة إلى الله يحملون الناس على أن يتمسكوا بالكتاب ،
﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾
(( الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين ))
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]
﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾
المصلحون مهمتهم تمسك الناس بالكتاب ، وإقامة الصلاة ، يعني تعمل فتتصل ، تدفع ثمن اتصالك تمسكاً بالكتاب .
﴿ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾
يعني أنت لا تستطيع أن تصلي الصلاة التي أرادها الله إذا في بدخلك حرام ، إذا في عدوان بعملك ، إذا في تقصير ببيتك ، إذا في عدم أداء لواجباتك .
﴿ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ﴾
يحملون الناس على الاستقامة بأمر الله وفق كتاب الله ، ووفق سنة رسوله ، وبعدئذٍ يدعونهم إلى الصلاة ، فالصلاة تحتاج إلى إقامة ، إقامة الصلاة بالمعنى الواسع أن تستقيم على أمر الله قبل أن تصلي :
﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾
الصالح قد يهلك ، أما المصلح الله ينجيه ، المصلح الذي يصلح غيره ، صالح في ذاته مصلح لغيره .
من قصّر في العمل ابتلاه الله بالهم :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
﴿ نَتَقْنَا ﴾
أي نزعنا ، نزع الجبل من مكانه ، ورفعه وكان كالمظلة ، هكذا ورد في القرآن الكريم .
﴿ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
والإنسان أحياناً يقول عندي هموم كالجبال تسحقني ، سواء كان المعنى الظاهري أو المعنى المجازي ، أحياناً من قصّر في العمل ابتلاه الله بالهم ، فالهموم تسحق .
﴿ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾
بعزيمة ، بإرادة قوية ، بإتقان ،
﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
﴿ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾
من خير .
من تاب إلى ربه توبة نصوحة عاش حياة ملؤها السعادة :
لذلك أنت حينما تبحث عن حكم العبادات ، وعن حكم الأعمال الصالحة ، تزداد تمسكاً بها ، الإنسان منطقي يحب الخير لنفسه ، فإذا علم أن الذي يفعله من طاعات سيؤدي به إلى جنة عرضها السماوات والأرض يسعد بها .
﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
الله عز وجل يسوق بعض الشدائد وكأنها جبال جاثمة على صدره ، يقول كدت أسحق من هذه الهموم ، أما إذا تاب العبد إلى ربه توبة نصوحة ، عاش حياة ملؤها السعادة .
(( إذا تاب العبد توبة نصوحة ، أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ))
[ رواه أبو العباس الهمذاني مرسلا ]
﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
لذلك :
(( علموا ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف ))
[أخرجه الحارث عن أبي هريرة ]
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1943&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254