التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(47-60): تفسير الآيات 163 - 166، ابتكار الحيل الشرعية للخروج عن منهج الله
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-08-08
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أدلة أن سيدنا محمداً هو رسول الله أنه جاء بأنباء ما كان يعرفها لا هو ولا قومه :
أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس السابع والأربعين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثالثة والستين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾
أيها الأخوة ، الله جل جلاله يأمر نبيه أن يسأل أهل الكتاب .
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ﴾
هو لم يقرأ ولم يكتب ، وما اتصل بالمراكز العلمية في العالم ، ولا يعلم شيئاً عن قصص الأمم الغائبة ، من أنبأه بهذا الحديث ؟ لذلك الله عز وجل يقول :
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴾
( سورة هود الآية : 49 )
من أنباء الغيب ، هذه الأنباء غابت عنك ، وما دمنا قد أوحيناها إليك وأنت تذكرها لقومك فأنت رسولنا ،
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴾
﴿ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ ﴾
( سورة هود الآية : 49 )
أي من أدلة أن هذا الإنسان محمد بن عبد الله ، رسول الله ، أنه جاء بأنباء ما كان يعرفها لا هو ولا قومه ،
﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ ﴾
أمية النبي عليه الصلاة والسلام وسام شرف له لأن الله تولى تعليمه :
آية ثانية :
﴿ وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾
( سورة القصص الآية : 45 )
أنت ما كنت مع أهل مدين ، من أين أتتك هذه الحقائق تتلوها على قومك ؟ .
آية ثالثة :
﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾
( سورة آل عمران )
دليل ثالث .
آية رابعة ، أنت أمي لم تقرأ ولم تكتب ، وعاؤك ممتلئ من الله مباشرة :
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾
( سورة النجم )
أمية النبي عليه الصلاة والسلام وسام شرف له ، لأن الله تولى تعليمه ، يعني إنسان يفتخر له أستاذ بروفسور ، يحمل أعلى شهادة في العالم ، تتلمذ على يده ، يتيح بهذه النسبة لأستاذه فكيف إذا كان الذي علم النبي الكريم خالق السماوات والأرض ،
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾
دعوة النبي الكريم دعوة نقية خالصة لأنها من وحي السماء :
الله عز وجل شاءت حكمته أن يكون أميناً ، لئلا يكون في وعائه الثقافي إلا وحي السماء ، تبقى دعوته نقية خالصة من وحي السماء ، لذلك :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
( سورة النجم )
﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾
( سورة العنكبوت )
لذلك اسألهم يا محمد ، اسأل أهل الكتاب ، كدليل على نبوتك ، وكدليل على رسالتك ، وكدليل على صدقك ،
﴿ وَاسْأَلْهُمْ ﴾
الإسراء و المعراج مكافأة من الله عز وجل للنبي الكريم على صبره في الطائف :
أيها الأخوة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( لَقَد رَأيتُني في الحِجْرِ ـ في الكعبة ـ وَقُرَيشٌ تَسألُني عن مَسْرَايَ ؟ ـ عن أحداث الإسراء ـ فَسألَتْني عن أشياءَ من بَيتِ المقدس لم أُثبِتْهَا ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
أحياناً تزور صديقك أنت منشغل بالحديث معه ، تقول لك زوجتك ما لون قماش الأثاث ؟ والله لا أعلم ! أنت منشغل بموضوع مهم تسألك عشرات الأسئلة لا تستطيع أن تجيب عنها إطلاقاً ، لأنك منغمس في موضوع خطير ، في لقاء حميم ، تعالج موضوعاً دقيقاً ، ما انتبهت لا إلى الأثاث ، ولا إلى الجدران ، ولا إلى الستائر ، تقول والله لا أعلم .
فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء إسراءه ومعراجه مكافأة من الله عز وجل على صبره على قومه في الطائف ، قال تعالى :
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
( سورة الإسراء )
عدم تخلي النبي الكريم عن قومه بل دعوته لهم بأن يخرج الله من أصلابهم من يوحده :
لما قال النبي الكريم في الطائف :
(( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني ، أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ))
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن جعفر ]
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتحنه ، مكنه أن ينتقم منهم ، أرسل له ملك الجبال قال :
(( يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين قال : لا يا أخي ، اللهم اهدِ قومي ))
[الدر المنثور في التفسير بالمأثور ]
ما تخلى عنهم ، ودعا لهم ، واعتذر عنهم ، فإنهم لا يعلمون ، ورجا الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده .
(( اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده ))
سؤال قريش النبي الكريم في حِجر الكعبة عن معالم بيت المقدس :
لما سئل وهو في حجر الكعبة عن معالم بيت المقدس ، وقد أسرى الله به إليه قال :
(( وَقُرَيشٌ تَسألُني عن مَسْرَايَ ؟ فَسألَتْني عن أشياءَ من بَيتِ المقدس لم أُثبِتْهَا ـ أي لم أتذكرها ـ فكُرِبْت كُرْبَة ما كُرِب مثلها قطُّ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
ألم تذهب إلى هناك ؟ حدثنا عن بيت المقدس ، وقع بحرج شديد ، قال :
(( قال : فَرَفَعهُ الله لي ))
يراه رأي العين .
(( أنْظرُ إليه ، ما يَسألُوني عن شيءٍ إِلا أَنْبَأتُهم بِهِ ، وقد رَأيتُني في جماعةٍ من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلي ، فإذا رجل ضَرْبٌ ـ نوع خاص ، متميز ـ جَعْدٌ كأنَّه من رجال شَنُوءةَ ، ـ قوم شنوءة قوم أشداء ـ وإذا عيسى بنُ مريمَ قائم يُصلِّي ، أقرب الناسِ به شَبها عُروَةُ بنُ مسعودٍ الثقفيُّ ، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يُصلِّي ، أَشْبهُ النَّاسِ به : صَاحِبُكم ـ أي النبي عليه الصلاة والسلام يشبه سيدنا إبراهيم ـ فَحَانَتِ الصلاةُ فَأَمَمتُهُم ـ صلى بهم إماماً ـ فَحَانَتِ الصلاةُ فَأَمَمتُهُم ، فَلمَّا فَرَغْتُ من الصلاةِ قال قائلٌ : يا مُحَمَّدُ هذا مالكٌ خَازِنُ النَّارِ ، فَسَلِّمْ عليه ، فَالتَفَتُّ إليه ، فَبَدَأني بالسلام ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة]
يعني الله عز وجل أخبره .
أحد أكبر أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه جاء بأخبار الأمم والشعوب السابقة :
أحد أكبر أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه جاء بأخبار الأمم والشعوب السابقة ، أنى له أن يعرفها لولا أن هناك وحياً يأتيه ، أنى له أن يعرفها لولا أن الله أخبره بها ، لكن السؤال :
﴿ وَاسْأَلْهُمْ ﴾
قال : سؤال للتقرير ، والتقريع ، والتوبيخ ، يعني أنتم يا أهل الكتاب لماذا تنكرون نبوة النبي الكريم ؟ وأوصاكم في كتبكم ، وها قد جاءكم بأخبار الأمم السابقة ، هي عندكم في التوراة هو لم يقرأ التوراة ، إذاً هذه الأخبار السابقة تعد دليلاً على نبوته صلى الله عليه وسلم وعلى رسالته .
﴿ وَاسْأَلْهُمْ ﴾
ما السؤال ؟ قال :
﴿ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ﴾
معنى حاضرة البحر ؛ أي قريبة من البحر ، طبعاً ليست بيت المقدس ، بعض العلماء قالوا : أيلة ، ومدين ، وطبرية ، لأن هذه المدن قريبة من البحر .
الحكمة من إغفال الله تفاصيل بعض القصص في القرآن الكريم :
بالمناسبة أيها الأخوة ، هناك ظاهرة في قصص القرآن أن الله جلّ جلاله يُغفل التفاصيل ، ويُغفل الجزئيات ، كم عدد فتية أهل الكهف ؟
﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً ﴾
( سورة الكهف الآية : 22 )
ما الحكمة من أن القرآن الكريم في قصصه يغفل التفاصيل ؟ يغفل الجزئيات ؟
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾
( سورة الكهف )
من هو ذو القرنين ؟ عاش في آسيا ؟ في جنوب آسيا ؟ في أوربا ؟ في الجزيرة ؟ متى ؟ متى ظهر ؟ في أي عام ظهر ؟ في أي أرض جلس ؟ مع من تحارب ؟ ما في تفاصيل ، ما الحكمة ؟ أقول لكم : الحكمة البالغة أن الله سبحانه وتعالى ما أراد من هذه القصص أن تكون قصصاً مع تفاصيل ، وجزئيات ، وأسماء ، وزمان ، ومكان ، معنى أنها وقعت ولن تقع مرة ثانية ، الله ما أراد تاريخاً ، ما أرادها سيراً ذاتية ، ولا أرادها سيراً موضوعية ، أرادها قوانين مستمرة ، أرادها نماذج بشرية ، تقع في كل مكان .
قصص القرآن الكريم نموذج متكرر و حقائق مستمرة لا تاريخ و قصة وقعت وانتهت :
لذلك أنا أقول : حيث ما سكت القرآن الكريم عن بعض التفاصيل ينبغي ألا تسال عنها لأنك لو سألت عنها أفسدت على الله حكمته ، أضرب مثلاً :
أستاذ في جامعة أديب ، وأستاذ اقتصاد ، ألقى محاضرة على طلاب السنة الأولى عن عوامل نجاح التجارة ، فساق هذه الأفكار والحقائق بشكل قصة ، قال : لي صديق ، اشترى محلاً تجارياً في مركز المدينة ، بمكان تزاحم الأقدام (يوجد بمركز المدينة محل مئة مليون فروغ ، بينما في مكان آخر بلا فروغ ، إطلاقاً ، الفرق تزاحم الأقدام ) فقال هذا الأستاذ : لي صديق اشترى محلاً تجارياً بمركز المدينة ، واختار بضاعة أساسية ، ما اختار حوض أسماك ، بضاعة غير أساسية ، إذا في ارتفاع أسعار ، في أزمات معيشية ، يقف عمله ، اختار بضاعة أساسية واختار البضاعة من أفضل الأنواع ، وضع لها سعراً معتدلاً ، ولم يبع ديناً ، وعامل الناس معاملة طيبة ، موقع المحل ، نوع البضاعة ، مستوى البضاعة ، عدم البيع ديناً ، المعاملة الطيبة فهذا الصديق ربح أرباحاً جيدة ، واشترى بيتاً ، وتزوج ، واشترى مركبة ، وعاش حياة محترمة جداً .
فقام طالب و قال له : أستاذ هذا صديقك أبيض أم أسمر ؟ ما لها علاقة بالموضوع ! ما درجة قرابتك منك ؟ ما اسمه ؟ أين يسكن ؟ رقم هاتفه إذا ممكن ؟ هذا الطالب ما فهم مغزى المحاضرة ، أراد المدرس أن يقول من أجل أن تنجح تجارتك ينبغي أن تختار مكاناً ، و مكان ازدحام الأقدام بالمركز ، وأن تختار بضاعة يحتاجها الناس كثيراً ، وأن تختار مستوى البضاعة في أعلى مستوى ، وان تضع لها سعراً معقولاً ، وألا تبيع ديناً ، وأن تكون طيباً في معاملتك ، أراد المدرس أن يقول هذه الحقائق ، فلما سأل أحد الطلاب عن اسم هذا الشخص ، أبيض لما أسمر ، وعلاقتك معه أستاذ ، وأين بيته ؟ ورقم تلفونه ؟ هو ما فهم القصة إطلاقاً .
لذلك قالوا ينبغي أن تسكت حيث سكت القرآن ، ما جاء بتفاصيل ، جاء بالمغزى لذلك أراد الله من قصص القرآن الكريم أن تكون نموذجاً متكرراً ، وأن تكون حقائق مستمرة ، لا أن تكون تاريخاً ، وقصة وقعت ولن تقع .
وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ : هذه الآية وحدها تملأ النفوس ثقة بالله عز وجل :
أوضح مثل لهذا قصة سيدنا يونس حينما التقمه الحوت :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
( سورة الأنبياء )
هذه هي القصة ، انتهت ، جاء التعقيب من قِبل الله عز وجل ليجعل هذه القصة قانوناً ساري المفعول في كل مكان و زمان ، فقال تعالى بعد القصة :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
2008 ـ 2020 ، بأوربا ، بالشرق الأوسط ، وأنت على الباخرة ، وأنت في الطائرة ، وأنت في ضيق ، وأنت في مرض ، وأنت في دولة فيها حصار ،
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هذه الآية وحدها ينبغي أن تملأ نفوسكم جميعاً وأنا معكم ثقة بالله عز وجل ، هل من مصيبة أكبر من أن ترى نفسك لقمة في فم حوت ، في ظلمة فم الحوت ، وفي ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر .
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ﴾
أي على البحر ، أو قريبة منه ، وما في تفاصيل ، لأن الله أراد المغزى ، سيدنا يوسف ، يقول لك شخص : يا ترى بعدما جعله الله عزيز مصر هل تزوج زليخة بعد ذلك ؟ والله لا أعرف ، أنا ما كنت وقتها ، لا أعرف ، ولازم ما أعرف ، أنا أعرف هناك إنسان دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال :
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة المائدة )
بطاعته لله كان عبداً فصار ملكاً ، امرأة خادمة ، جارية ، لما رأته في مركبه قالت : سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعتك ، وسبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيته .
إذاً :
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ﴾
ما في تفاصيل ، فهمتم عدم ذكر التفاصيل ؟ أراد الله لقصصه أن تكون حقائق ، وقوانين ، ومبادئ ، وسنن ، ونماذج متكررة ، أما التفاصيل توحي إليك أن هذا تاريخ ، أنها قصة وقعت ولن تقع مرة ثانية ، تقع كل يوم ،
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
تقع كل يوم .
تحريم العمل عن أهل الكتاب يوم السبت :
ما قصة هذه القرية ؟.
﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ﴾
هؤلاء أهل الكتاب حُرم عليهم أن يعملوا يوم السبت ، وهذا التحريم ساري المفعول حتى الآن ، يكون في مؤتمرات ، مندوب هذه الدولة مراعاة لأحكام دينه لا يقبل أن يقوم بأي نشاط يوم السبت ، إذا في مؤتمر ، معروف ، أما هم يعتدون يوم السبت ، يهدمون بيوتاً يوم السبت ، ويذبحون ، ويقتلون ، ويعملون كل المبيقات يوم السبت ، هذه ما لها علاقة بالدين .
﴿ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ﴾
لكن حًرم عليهم العمل يوم السبت ، وسبحان الله لحكمة بالغة ، ولامتحان صعب ،
﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ﴾
البحر ممتلئ بالحيتان ، ممنوع أن تصيدوا ،
﴿ وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ﴾
أحد ، اثنين ، ثلاثاء ، أربعاء ، خميس ، جمعة ، ما في أحد ، الامتحان صعب ، امتحان إنسان ادعى أنه يحب الله كثيراً .
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
( سورة المائدة الآية : 18 )
يقول لك شخص : لو تقطعني إرباً إرباً لا آكل قرشاً حراماً ، ما في شغل ، طرق باب وظيفة لا يوجد ، هنا لا يوجد شواغر ، هنا انتهت ، هنا فات الأوان ، يأتي عمل بدخل فلكي بمكان محرم ، يتماسك ، يتماسك ، بعدها يقول لك ماذا أفعل ؟ أنا عندي أولاد ، معناها أنت دعواك غير صحيحة ، أما وضعك بظرف صعب ، أحياناً الله عز وجل يغلق أمام أبواب الحلال ، ينفتح دخل كبير فلكي من عمل محرم ، فأنت تدعي وصلاً بليلى ، لكن ليلى تعرف أنك لا تحبها ، تحب مصلحتك ، وضعك بهذا الوضع الصعب بعدئذٍ كفرت بليلى ، وفعلت ما يغضبها وانتهى الأمر هذا الواقع .
الحيل الشرعية فيها جانب إيجابي ولها مئات الجوانب السلبية :
﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾
لمعت أمامهم فكرة ، عملوا أحواضاً مفتوحة من جهة واحدة ، هذه الحيتان يوم السبت تدخل في هذه الأحواض ، إذا دخلت أغلقوا الأحواض ، صادوها يوم الأحد ، هذه حيلة شرعية .
وصدقوا أيها الأخوة ، أقسم لكم بالله إن الذي يفعل مثل هذه الحيل الشرعية كأنه يستهزئ بالله عز وجل .
يريد أن يسكن مع زوجة أخيه ، هي امرأة أجنبية ، سهلة ، نأتي ببنت ترضع من عند الجيران ، نعمل عقد زواج بيني وبينها ، بنت ترضع عمرها سنة ، ترضعها زوجة أخي ، نصيغ عقد زواج بين الرجل وبين هذه الرضيعة ، تصبح أمها التي أرضعتها حماتي ، أطلق البنت الرضيعة الحماة محرمة على التأبيد ، حلها .
آتي زكاة مالي أضعها في رغيف ، أقدمه للفقير ، هو ظن فقط رغيف ، بعدما أخذ قال له : تهبه لي بخمسمئة ليرة ؟ رغيف ثمنه خمسمئة ؟ فيه اثني عشر ألفاً في وسطه ، يرجعهم يضحكون على أنفسهم .
الحيل الشرعية يا أخوانا كثيرة جداً ، لكن لها وجه إيجابي ، إذا كان أخوك له مكانته ، وعزيز النفس ، وصعب يقبل صدقة ، هو عنده كبرياء ، وعنده عزة نفس عالية ، إذا عملت حيلة أنه وجدنا هذا المبلغ ، والآن سنضعه عندك أمانة حتى الله يفرجها ونجتمع بصاحبه ، إذا انتفعت منه ما في مانع ، ونحن حتى يأتي صاحبه نؤمنه لك ، القصة كلها ما لها أصل ، عملت حيلة حتى تساعد أخاك ، وتحافظ له على كرامته ما في مانع ، فيها جانب إيجابي ، ولها مئات الجوانب السلبية ، الحيل الشرعية هذا وضعها .
من جمع مالاً حراماً حوسب عليه لأنه استحل ما حرم الله :
أيها الأخوة ، هذا هو الوضع الدقيق قال :
﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ ﴾
الحيتان جمع حوت ، والعمل يوم السبت عندهم محرم كي ينقطعوا للعبادة ، نحن عندنا يوم الجمعة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾
( سورة الجمعة الآية : 9 )
لكن قال : لأنهم اعتدوا في السبت ، واصطادوا الحيتان التي حُرمت عليهم يوم السبت بحيلة أدخلوها إلى أحواض مغلقة ، أغلقوا الأحواض ، واصطادوها يوم الأحد ، لأنهم استحلوا ما حرم الله عليهم ، حرم الله عليهم ما هو حلال لهم ، كلام دقيق ، يعني عقاب من جنس العمل ، هم استحلوا ما حرم الله عليهم ، فالله عاقبهم لأنه حرم عليهم ما أحلّ لهم ، هذا اسمه عند العلماء تحريم تأديب ، لا تحريم شرعي ، والدليل :
﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾
( سورة النساء الآية : 160 )
مثلاً : شخص خطر في باله أن ينشئ دار سينما ، وأتى بأفلام مثيرة جداً ، وفاضحة والشباب أقبلوا عليه ، وجمع أموالاً طائلة ، جمع هذه الأموال كي يعيش حياة مستقرة ، منعمة ، مرفهة ، فجاءه مرض خبيث وهو في الأربعين ، فله ابن أخت هو تلميذ عندي ، قال لي : دخلت على خالي رأيته يبكي ، قال له : جمعت ملايين مملينة من هذه الدار ، وأنا الآن سأغادر الدنيا ولم أنتفع بهذا المال إطلاقاً ، لأنه اختار حرفة مبنية على إفساد الشباب ، على انحرافهم .
لذلك أقول لكم يا أيها الأخوة ، أنا لا أرى أغبى ممن يجعل رزقه من طريق محرم .
مرة شخص عنده دار قمار ، على فراش الموت أهله طلبوا له داعية من الدعاة ، قال له : معي ثمانمئة مليون جمعتها من القمار ، هذه قصة قبل عشرين سنة ، ثلاثين سنة ، ثمانمئة مليون ماذا أفعل ؟ هذا الداعية أنا لا أوافقه على كلامه ، لكن هذا الذي قاله ، قال له : والله لو أنفقتها جميعاً لا تنجو من عذاب الله ، فات الأوان .
فلذلك الإنسان إذا جمع مالاً حراماً لا يستمتع به بل يحاسب عليه .
على الإنسان أن يصلح بين الناس و لا يستمع لكلام المثبطين :
أيها الأخوة :
﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
هناك قول قيل ، إذا أنت ألقيت كلمة ووجهتها إلى أناس معينين ، فأنت اسمك متكلم ، هناك ثلاث شرائح ، شريحة تؤيدك ، وشريحة تعارضك ، لذلك :
﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾
فأجاب الواعظون :
﴿ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾
إنسان وعظ ، الموعوظ يخطئ ، يرتكب هذه الحيل الشرعية ، فمن ذلك أنه كان في بني إسرائيل أناس منصفون ، ومؤمنون ، وورعون ، هؤلاء المؤمنون الورعون نصحوهم ، وعظوهم ، ما معنى وعظه ؟ هناك فرق كبير بين أن تقول صلِ ، وأنت مسلم من أب مسلم وأم مسلمة ، وتعلم علم اليقين أن الصلاة فرض ، إذا قلت له صلِ ، أنت الآن واعظ لماذا ؟ لأنك تأمر الناس بشيء يعرفون أنه فرض ، ولكن لا يفعلونه ، أما قد تدخل إلى جامعة ، تسمع درس علم مثلاً الفقه المقارن ، موضوع جديد عليك ، إذا ألقي عليك موضوع لا تعرفه هذا تعليم ، أما إذا ألقي عليك كلام يذكرك بالمحرمات التي لا تعبأ بها أنت أحياناً هذا اسمه وعظ ، الوعظ أنا أُذكّر من حولي بشيء يعرفونه محرم ، لكنهم يقترفونه .
فهؤلاء الشرائح الثلاث ، يرون أن هؤلاء لا جدوى منهم ، وأحياناً إنسان يقول لا أحد فيه خير ، ادخل إلى بيتك وارتاح ، دعك من الناس ، هذا موقف ؟ هناك أناس آخرون عندهم طموح كبير ، يحكي ، حكى أمام مئة هناك أربعة استفادوا ، وأربعة تابوا إلى الله ، فالذين وعظوا لما جاءهم اللوم ؟
﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾
على الإنسان ألا يتأخر في نصيحة الآخرين لأنه من قال هلك الناس فهو أهلكهم :
شخص مغنٍّ أقلق أبا حنيفة رحمه الله تعالى سنوات طويلة بغنائه ، وعوده ، وآلته الموسيقية ، ويغني ويقول : أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ، ثم افتقد الصوت ، سأل عنه ، قالوا : في السجن ، ذهب بحجمه الكبير ، وبمكانته الكبيرة إلى صاحب الشرطة ، وأفرج عنه أركبه خلفه ، قال له : يا فتى هل أضعناك ؟ فتاب إلى الله ، وقد يمكن ألا يتوب ، لكنه تاب .
فأنت حاول أن تصلح الناس ، لكن لا تسمع كلام المثبطين ، الناس ما فيها خير ، قال : من قال هلك الناس فهو أهلكهم ، والله هناك آلاف القصص من إنسان انحرافه شديد ، إلى إنسان تاب إلى الله عز وجل قال :
﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾
قال المعذرة إبداء سبب المخالفة ، والمُعذر من يأتي بعذر صادق ، والمُعذّر من يأتي بعذر كاذب .
في بعض المعارك جاء المنافقون ، يعتذرون إلى رسول الله ، قال جاء المُعذّرون سوف يختلق أعذاراً كاذبة غير صحيحة ، والنبي جاملهم ، قبل منهم أعذارهم وانتهى ، جاء سيدنا كعب قال : والله أوتيت جدلاً ، عنده قوة إقناع ، عنده أسلوب قوي جداً ، والله أستطيع أن أخرج من سخطه ، لكنني خفت إن خرجت من سخطه أن يُسخطه الله عليّ ، بحجة محبوكة تماماً أخشى من الله أن يسخطه عليّ ، قال : فأجمعت صدقه ، أخذ قراراً أن يصدقه ، لما وصل إليه كان النبي غاضباً ، قال له : والله يا رسول الله تخلفت عنك ولا عذر لي ، ما كنت أنشط ولا أقوى يوماً من يوم تخلفت فيه عنك ، ولكنه تقصير ، تكلم الحقيقة ، فالنبي بليغ قال : أما هذا فقد صدق ، وجاء الأمر الإلهي بمقاطعة هؤلاء الثلاثة الذين هم مؤمنون لكنهم قصروا خمساً و خمسين يوماً ، ثم تاب الله عليهم .
فلذلك : المُعذّز الذي يأتي بعذر كاذب ، والمُعذر الذي يأتي بعذر صادق ، والمَعذرة إبداء سبب التأخير .
﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾
من لم ينتبه لإنذارات الله تعالى تأتيه البطشة الإلهية من حيث لا يعلم :
قال :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
شخص راكب مركبته في دمشق في طلعة الحجاز ، وصل إلى الشارة الضوئية ، فإذا به يصاب بأزمة قلبية حادة ، زوجته إلى جانبه ، فصرخت لحكمة بالغةٍ بالغة كان صديقه بمركبة خلفه صدفة ، خرج من مركبته وحمله وانطلق به إلى المستشفى ، إلى العناية المشددة ، وهو على وشك الموت ، أعطوه إسعافات ، أعطوه مميعات للدم ، لكن وهو في هذه الحالة شعر أنه على وشك الموت ، طلب مسجلة ، وفيها شريط وقال ، هو كان أخ أكبر ومغتصب أموال إخوته جميعاً : المحل الفلاني لأخي فلان ، البيت الفلاني لأخي فلان ، الأرض الفلانية لأخي فلان ، في هذا الشريط ذكر جميع الأموال التي اغتصبها من إخوته القُصر ، لأنه أيقن بالموت ، لما أعطوه مميع رجع طبيعياً ما فيه شيء ، أين الشريط ؟ كسره ، وانتهى الأمر ، وافته المنية بعد ثمانية اشهر .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾
الله ذكره ، صدق أيها الأخ يعمل لك إنذاراً ، أحياناً رؤية مخيفة ، تُقدم على مشروع لا يرضي الله ، رؤية مخيفة ، أو إنسان ينصحك ، إياك .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ـ جاءت البطشة الإلهية ـ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾
عقاب الله عز وجل لمن لم يطبق فحوى الموعظة ونجاة الواعظين :
انتبه أنت حينما ترى رؤية واضحة جداً ، فيها تحذير ، حينما يأتيك أخ كريم ينصحك هذا العمل لا يرضي الله ، هذا الاختصاص لا يناسب مكانتك الإيمانية ، هذا العمل لزوجتك لا يناسب ، زوجتك مؤمنة ، ملتزمة ، محجبة ، هذا المكان لا يليق بها إطلاقاً ، هذا السفر لا يناسبك ، هذا الاحتفال لا يجوز ، هذه الحرفة لا ترضي الله ، فإذا إنسان نصحك ، وأنت استجبت تكون من السعداء ، أما إذا ركب الإنسان رأسه تنطبق عليه هذه الآية :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾
أي عاقبنا هذا الذي ذُكّر فلم يذكر ، وأنجينا الواعظين ، عاقبنا الموعظين الذين لم يطبقوا فحوى الموعظة ، وأنجينا الواعظين ، لكن هؤلاء الذي قالوا :
﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ﴾
قال : هؤلاء لهم وجهة نظر ، ينجون إذاً .
أحياناً تقول لشخص يرتكب المعاصي والآثام ، تقول له : هذه الأعمال تنتهي معك بمرض الإيدز ، لكن إن شاء الله يلتقي له دواء ، هذا استهزاء ، لعلك تجد دواء إذا الله بعثه لك ، إذا شخص ما أحب أن يدرس ، هناك أعمال كثيرة جداً ، في مسح أحذية إذا كنت تريد لا يوجد مشكلة .
أحياناً هناك موعظة فيها سخرية ، فقال هؤلاء ، لما أنت تسمع شخصاً لا تغلب حالك ما في أمل ، قد تستفزه في هذا الكلام .
على كلٍ قال العلماء : قدموا يوماً للواعظين ، قال : هم وعظوا بطريقة غير مباشرة ،
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ﴾
الشيطان يُعري والرحمن يستر :
(( بَدَأَ الإِسلامُ غريباً ، وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ ، فطُوبَى للغرباءِ ))
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]
من الغرباء ؟ قال :
(( وهم الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ ))
[أخرجه الترمذي عن عمر بن عوف]
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
القرد مكشوف العورة صح هذا الكلام ؟ ثياب قصيرة ، ضيقة ، فتحات ، مثل القرد القرد ماشي من دون ثياب ، مكشوف العورة ، دائماً الشيطان يُعري ، والرحمن يستر .
﴿ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 27 )
الشيطان عمله الأول التعرية .
تحذير الله تعالى الإنسان من المعصية فلما لم يسمع مسَخه قرداً بأنانيته وشهوانيته:
طبعاً أهل الضلال يظنون التعري حضارة ، أن هذه البنت يجب أن تظهر مفاتنها ، من حقها أن تثير الشباب ، أنا أقول الآن : هناك عبادة للفتيات المؤمنات والله الذي لا إله إلا هو حينما أرى فتاة محجبة ، ثياب سابغة ، لا تشف عن جسمها ولا تظهر خطوط جسمها ، ثيابها فضفاضة ، ثخينة ، ألوانها معتدلة ، غير فاضحة ، والله أراها قديسة ، هذه فتاة تعبد الله بعبادة اسمها إعفاف الشباب ، مفاتنها لمن يحل له أن يراها ، لزوجها لمحارمها ، أما هذا الشاب بينه وبين الزواج عشرين سنة قادمة ، تظهر له كل ما عندها من مفاتن ماذا يفعل ؟ يوجد أسئلة تأتيني ، والله بالمئات كل أسبوع ، من هذا التفلت ، هذه الفتاة التي تبرز كل مفاتنها لمن لا تحل له هذه تعصي الله في أشد خصوصياتها ، أما التي تتحجب ، لعل الله سبحانه وتعالى يهيئ لها زوجاً يعرف قيمتها ويكرمها ، قال :
﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾
القرد مكشوف العورة ، وهمه بطنه ، والخنزير همه فرجه ، فإذا مسخ الإنسان إلى قرد ، أو إلى خنزير ، أنا بتصوري ولا أصر على هذا التصور أنه معنى الإنسان مسخ قرداً يبقى بشكل إنسان لكن همه بطنه ، والثاني همه فرجه ، فكل شخص همه بطنه وفرجه فهو قرد على خنزير ، فقط .
لذلك لا يوجد حيوان يقبل أن يلتقي مع أنثاه إلا الخنزير أمام الخنازير البقية ، فلذلك :
﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1942&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254