التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(44-60): تفسير الآيات 154 - 156، تأديب الله لقوم موسى لما عبدوا العجل
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-07-11
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الأنبياء قمم البشر تجري عليهم كل خصائص البشر :
أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس الرابع والأربعين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الرابعة والخمسين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾
أيها الأخوة ، أولاً سيدنا موسى نبي من أولي العزم ، لكنه بشر ، يغضب كما يغضب البشر ، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، هو يغضب ، ويتألم ، ويفرح ، ويخاف ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]
فالأنبياء قمم البشر ، لكنهم بشر ، ولأنهم بشر ، ولأنه تجري عليهم كل خصائص البشر كانوا سادة البشر .
على كل إنسان أن يسلك المنهج الذي جاء به الأنبياء :
سيدنا موسى نبي كريم ، ورسول من أولي العزم ، ومع ذلك الله عز وجل يقول :
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ﴾
شُبه الغضب بإنسان ، يصيح اقتل ، اضرب ، اشتم ، الإنسان أحياناً يغضب تأتيه خواطر ، وأحياناً تأتيه خواطر من نوع آخر ، فكأن الغضب نزوع إلى موقف عملي إثر استفزاز ، فكأن الغضب إنسان بدأ يكلم سيدنا موسى ، افعل ، افعل ، افعل ، ثم سكت الغضب ، هدأ الغضب .
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ﴾
إذاً هم بشر ، وهم قمم البشر ، والمنهج الذي جاؤوا به يصلح للبشر ، وينبغي على كل إنسان أن يسلك هذا المنهج ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
أيها الأخوة ، الآية الدقيقة :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
( سورة هود الآية : 112 )
للتقريب : ممرض بأقل درجة ، وجراح قلب بأعلى درجة ، إذا أراد الممرض أو جراح القلب أن يعطي المريض حقنة لا بد من التعقيم ، الإجراءات واحدة ، مقام هذا غير مقام هذا ، عظم المكان ليس له علاقة بالاستقامة ، الممرض إذا أراد أن يعطي حقنة لابدّ من تعقيمها ولابدّ من تعقيم المنشار ، ولابدّ من تعقيم الإبرة ، ولابدّ من تعقيم المكان ، هناك إجراءات لابدّ منها .
علامة كمال الإيمان أن تغضب لله وأن ترضى لله :
لذلك :
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ﴾
لما رأى قومه يعبدون العجل من دون الله .
﴿ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 148 )
لما رأى قومهم وقد أراهم الله الآيات ، كيف أصبح البحر طريقاً يبساً ، وكيف أصبحت العصا ثعباناً :
﴿ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
كل هذه المعجزات رأوها رأي العين ، وبعد ذلك يعبدون عجلاً من دون الله ، هو كان بالميقات ، كان في لقاء مع الله ، كان في مناجاة ، وبقي في المناجاة أربعين يوماً ، هم استغلوا غيابه ، ورأوا أناساً يعبدون من دون الله فقالوا :
﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 138 )
الآن غضب :
﴿ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 150 )
كان في حالة غضب شديد ، هذا غضب لله ، علامة كمال الإيمان أن تغضب لله وأن ترضى لله ، وأن تصل لله ، وأن تعطي لله ، أن تغضب وأن ترضى ، وأن تعطي وأن تمنع وأن تصل وأن تقطع .
الألواح التي كانت في جعبة سيدنا موسى منسوخ عليها توجيهات الله عز وجل :
سيدنا موسى أخذه الغضب الشريف ، أخذه غضب الغيرة على هذا الدين ، أخذه الغضب على المؤمنين الذين تاهوا وعبدوا صنماً من دون الله ، هنا سكت عنه الغضب
﴿ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ﴾
التي ألقاها ، الألواح التي ألقاها من شدة الغضب أخذها ، هذه الألواح ماذا فيها ؟ قال :
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾
الألواح منسوخ عليها توجيهات الله عز وجل ، منسوخ عليها تعليمات الصانع ، منسوخ عليها منهج ، افعل ولا تفعل ، منسوخ عليها طريق السلامة ، منسوخ عليها طريق السعادة ، هذه
﴿ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾
وقد نسخ عليها ، النسخة بمعنى منسوخ ، كغرفة ؛ مغروف ، فعلة ؛ بمعنى اسم المفعول .
فهذه الألواح نُسخ عليها مناهج الله عز وجل ، وتعليمات الصانع ، والتوجيهات ، وطريق السلامة والسعادة ، لما غضب ألقاها ، فلما سكت عنه الغضب حملها والله وأخذها .
ما فيها ؟ قال :
﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ ﴾
كلمة الرحمة كلمة جامعة مانعة يعني الله عز وجل خلقنا ليرحمنا .
الرحمة كلمة جامعة مانعة فالله عز وجل خلقنا ليرحمنا :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
( سورة هود الآية : 119 )
ماذا تعني الرحمة ؟ كلمة واسعة جداً ، يا ترى راحة نفسية ؟ راحة نفسية ، ثقة بالله ؟ ثقة بالله ، طمأنينة ؟ طمأنينة ، سعادة ؟ سعادة ، رؤية صحيحة ؟ رؤية صحيحة شجاعة ؟ شجاعة ، كرم ؟ كرم ، مكانة علية ؟ مكانة علية ، صحة ؟ صحة ، زواج موفق ؟ زواج موفق ، أولاد أبرار ؟ أولاد أبرار ، كلمة الرحمة شيء جامع مانع ، تشمل كل شيء ، كل شيء ، الله عز وجل تفضل بها علينا ، أحياناً الأمطار رحمة ، النبات رحمة ، الجو اللطيف رحمة ، أحياناً التوفيق بالتجارة رحمة ، التوفيق بعمل رحمة ، التوفيق بشهادة عالية تخدم بها المسلمين رحمة ، تحقيق أهدافك رحمة ، كلمة واسعة .
هذه الرحمة أيها الأخوة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، بل إنك مخلوق للرحمة ، للتقريب :
طالب ما كتب وظيفته ، الذنب تكرر ، المعلم ضربه ، فقال : هذه المدرسة أُنشئت لضربنا ، هذه المدرسة أُنشئت لتعليمنا ، كي نكون قادة للأمة ، كي نكون علماء ، كي نعيش حياة مريحة ، كي نسهم في بناء الأمة ، هذه أهداف المدرسة ، أما هذا الطالب أفقه ضيق جداً ، ولما تلقى ضرباً من أستاذه تأديباً على تقصيره قام اتهم المدرسة بأنها بنيت ، وأسست لضرب الطلاب .
على المسلمين مراجعة حساباتهم قبل كل شيء :
عوام المسلمين لهم كلمات هي الكفر بعينه ، يقول : سبحان الله ! الله خلقنا للعذاب ، ويقول سبحان الله أيضاً ، سبحان الله ! لا يوجد أحد مرتاح ، هكذا طلع معك ؟ سبحان الله ! الله يعطي الحلاوة للذي ليس له أضراس .
والله أيها الأخوة ، هناك كلمات للعوام هي الكفر بعينه ، فلان شرب خمراًً ، سبحان الله ! هكذا قدّر الله عليه ، هو ما له علاقة أبداً ، الله كتب عليه يشرب الخمر ، اسمعوا ماذا حكى الناس ، قال : طاسات معدودة بأماكن معدودة .
يا أخي الكريم يجب أن تراجعوا كل مصطلحاتكم ، والله مئات المصطلحات ، مئات التعبيرات ، مئات الكلمات والله هي الكفر بعينه .
الأم : مسكينة هذه البنت ما لها حظ ، هي طاهرة ، نقية ، عفيفة ، لكن لا حظ لها ، هذا الكلام غير صحيح .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
هذا قانون للتيسير والتعسير ، لذلك نحن بحاجة إلى مراجعة حساباتنا ، إلى مراجعة مصطلحاتنا ، إلى مراجعة عباراتنا التي نرددها دائماً ، إنسان مرتكب معصية كبيرة ، الله عتره ما هذا الكلام ؟! .
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
( سورة الكهف الآية : 29 )
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
( سورة الإنسان )
أو فلان الله كاتب عليه الشقاء ، الله يعافينا ، وكله سبحان الله ، يحكي كلمات الكفر وقبلها سبحان الله .
الأوامر و النواهي في منهج الله تعالى غرضها الوصول إلى رحمة الله و جنته :
فهنا :
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾
منهج كي تصل إلى رحمة الله ، نسخ عليها منهج تفصيلي كي تصل إلى رحمة الله ، عندنا في الإسلام هناك صلاة خمس مرات يومياً ، شحنة روحية ، يوم الجمعة هناك درس تعليمي ، الخطبة ، يوجد بالشهر دورة تكثيفية ، ثلاثين يوماً رمضان صيام ، هناك حج بيت الله الحرام ، يوجد غض بصره ، ضبط لسان ، صدق ، أمانة ، استقامة ، عدم غش ، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا المنهج افعل ولا تفعل ، أمر ونهي ، مجموع هذه الأوامر وتلك النواهي من أجل أن تصل إلى رحمة الله ، من أجل أن تصل إلى الجنة ، وتقول :
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ﴾
( سورة الزمر الآية : 74 )
في الأرض جاءنا وحي السماء ، وجاء المنهج وطبقنا ، والنتيجة جنة عرضها السماوات والأرض .
مخافة الله عز وجل أكبر صفة يتمتع بها المؤمن :
إذاً
﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى ﴾
أي منهج يصل بك إلى الهدى ، والهدى رحمة الله ، منهج تفصيلي ، أحكام شرعية ، تفاصيل ملخصها افعل ولا تفعل ، أمر ونهي ، تؤدي بك هذه إلى رحمة الله ، لمن هذا ؟ لا لكل الناس أبداً
﴿ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾
ما الفرق للذين يرهبون ربهم ، أو
﴿ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾
تماماً الفرق بين نعبدك يا رب ، أو إياك نعبد ، حينما يأتي المفعول قبل الفعل صار في صيغة القصر والحصر إذا قلنا :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
( سورة الفاتحة )
أي يا رب لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين إلا بك ، أما إذا قلنا يا رب نعبدك ، وقد نعبد غيرك ، هنا
﴿ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾
أي لا يخافون إلا الله ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، إذا كان الله معك فمن عليك ، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ،
﴿ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾
يخاف من الله .
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
( سورة الأحزاب الآية : 39 )
يرهبون ، عرفوا عظمته ، عرفوا قدرته ، عرفوا غناه ، عرفوا رحمته ، عرفوا عدله ، عدله الدقيق ، فلذلك يخافونه ، أكبر صفة في المؤمن أنه يخاف الله ، و للعوام كلمة صحيحة(هذه المرة صحيحة) إذا شخص لا يخاف الله خاف منه ، لأنه وحش ، أعظم شيء بالمؤمن أنه مقيد .
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ ))
[أخرجه أبو داود عن أبي هريرة ]
لا يستطيع ، إذاً
﴿ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾
الله عز وجل لا يعذب أحبابه أبداً :
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ﴾
( سورة نوح )
بالمناسبة : المؤمن الله عنده كبير ، يضحي بكل شيء ولا يضحي بطاعته ، الناس في آخر الزمان هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، لا يدقق المال حلال حرام ، يقول ماشي لا تدقق ، ما هذه لا تدقق هل هي آية أم حديث ؟ لا تدقق ، حرام ، حلال ، هذه الجلسة يجوز أن نجلس بها لا يجوز ، هذه الحرفة ترضي الله ، لا ترضي الله ، فيها معاصي ، فيها آثام ، المادة محرمة شرعاً يقول عليها طلب ، أنا أبيع طاولات زهر ، قلت له : لكن حرام ، عليها طلب كثير أستاذ لا أقدر ، عليها طلب كثير ، المهم أن يربح المال .
إذاً هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، قد عصيتك ولم تعاقبني ، قال وقع في قلبه أن عاقبتك ولم تدرِ ، الله عز وجل يعاقب المسلمين ، وضعهم صعب جداً ، وضعهم لا يرضي .
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
ردّ الله عليهم :
﴿ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة الآية : 18 )
معنى ذلك أنهم ليسوا أحبابه ، لأن الله لو قبل دعواهم لما عذبهم ، فاستنبط الإمام الشافعي إن الله لا يعذب أحبابه أبداً .
ذهاب سيدنا موسى مع سبعين رجلاً من قومه للاستغفار و الاعتذار من الله تعالى :
﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
نحن عندنا ميقاتين ، الميقات الأول ميقات المناجاة مع الله أربعين يوماً ، هذا الأول أما لما عبد قوم موسى العجل صار في ميقات ثانٍ للاعتذار والاستغفار ، سيدنا موسى اختار من قومه سبعين رجلاً يمثلوا كل أطياف قومه .
﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى ﴾
من قومه
﴿ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا ﴾
اختار موسى من قومه ، فجاءت
﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ﴾
قومه في الأساس مجرور بحرف جر محذوف ، من قومه ، أما هنا نصب بنزع الخافض .
﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا ﴾
هذا الميقات الثاني ، أول ميقات ، ميقات المناجاة ، تمّ خلاله عبادة العجل ، الميقات الثاني سيدنا موسى مع نخبة من قومه من أجل الاعتذار والاستغفار ، لكن الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة أصابهم برجفة ، أي زلزال عنيف .
الله عز وجل متكفل أن يمتحن كل إنسان و يضعه في حجمه الطبيعي :
﴿ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾
سيدنا موسى وقع بحرج شديد ، يعني هو أخذهم للمناجاة أخذهم للاستغفار ، أخذهم للصلح مع الله ، فإذا ماتوا فكأنه أخذهم ليقتلهم ، وقع بحرج .
﴿ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ ﴾
لو أردت أن تهلكهم كنت قد أهلكتهم قبل هذا الميقات ، فإذا قتلوا وأهلكتنا الآن ماذا يقول الناس عني ؟ إنني أخذتهم ليموتوا .
﴿ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ﴾
وأنا معهم .
﴿ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ﴾
يبدو أن هؤلاء النخبة لم ينصاعوا لعبادة العجل فذهبوا للمناجاة ، أو لميقات ثانٍ كي يستغفروا لأقوامهم .
﴿ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾
ماذا تعني كلمة فتنة ؟ امتحان فقط ، أنت لك أن تتوهم نفسك في أي حجم ، لك أن تتبجح ، لك أن تقول لكن الله متكفل أن يمتحنك ، وأن يضعك في حجمك الحقيقي ، مثل بسيط :
شاب يسمع أمه كلمات معسولة تفوق حدّ الخيال ، إن شاء الله حينما أتزوج سأكون أنا وزوجتي في خدمتك ، أنت أمنا ، أنت بركتنا ، أنت ، أنت ، أنت ، أسمعها كلاماً معسولاً ، لما تزوج انحاز لزوجته ، قال لها : كل البلاء منك .
المشكلة أحياناً الإنسان يعطي نفسه حجماً كبيراً ، أنا لا آكل قرشاً حراماً ، طبعاً عرضوا عليك مئة ليرة ، لا تأخذها ، وألف لا تأخذها ، وخمسة آلاف لا تأخذهم ، جاءك مليون ، يا أخي أصبحت هذه بلوى عامة ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، أنا عندي أولاد ، اختلف الوضع ، كلامك باطل ، الله عز وجل يعرف بالضبط من أنت ، إذا تبجحت زيادة ، أعطيت نفسك حجماً كبيراً ، الله فقط يحجمك ، يضعك بظرف صعب ، صعب جداً .
الله عز وجل رحمة بالإنسان يريه من هو :
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾
إنسان تجده صاحب دين ، وورع ، ومستقيم ، يقبل عمل بشركة ، يجد فيها اختلاط ، يطيب له الاختلاط ، صار يصلي صلاة و يقطع صلاة ، مشغول بعد ذلك ترك الصلاة ، بعد ذلك صار له صاحبات من هذه الشركة ، أين ورعك القديم ؟ ورعك ادعاء كنت تدعي هذا ، الله وضعك بوضع صعب كشفك على حقيقتك .
بمعمل الاسمنت يصنعوا طبخات ، كل طبخة يصبوا منها مكعبات ، هناك جهاز بسيط جداً مكعب يمسك من الأعلى ، ومن الأسفل في كفة ، توضع في هذه الكفة أوزان متدرجة بأي وزن يكسر هذه مقاومته .
وكل مؤمن له وزن يكسر فيه ، كلما كان إيمانك أقوى يصبح الوزن عالٍ جداً ، أما الأنبياء :
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
[السيرة النبوية]
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
( سورة الأحزاب )
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾
وكل شخص لا بد من أن يفتن .
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
( سورة العنكبوت )
هو موظف ، دخله محدود ، وله جامع ، وله شيخ ، وكل أموره تمام ، عملَ عملاً تجارياً ، و هناك مادة رائجة جداً لكنها محرمة ، ماذا نفعل ؟ مضطرين .
مرة قال لي شخص : نحن عنا مطعم درجة أولى ، لكن المشكلة نبيع الخمر ، إن شاء الله برقبة شريكي أنا ما لي علاقة ، قلت له : ألا تأخذ نصف الربح ؟ قال لي : بلى ، لكن هو الذي أراد هذا ، قلت له : لماذا وافقت ؟ .
الإنسان أحياناً يدعي مكانة لنفسه ، يدعي حجم إيمان معين ، فربنا عز وجل رحمة به يحجمه ، يريه من هو ، هذه الفتنة
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
المؤمن القوي الصادق لا تضعفه سبائك الذهب اللامعة ولا سياط الجلادين اللاذعة :
بصراحة إخوانا الكرام ، هناك بالحياة ضغوط ، و مغريات ، المؤمن القوي الصادق لا تضعفه سبائك الذهب اللامعة ، ولا سياط الجلادين اللاذعة ، المؤمن رقم صعب ، الآن أي إنسان يغير قناعته برقم ، وليكن مئة مليون انتهى عند الله ، إذا في رقم يغيرك انتهيت ، والله المؤمن لو يعطوه ألف مليون وهو فقير على أن يقول كلاماً بخلاف قناعته لا يتكلم ، الصحابة كانوا من هذا النوع ، كان الواحد بمليون ، الآن المليون بأف وليس بواحد ، بأف ، كلمة أف شيء تافه لا قيمة له إطلاقاً ، تأفف ، المليون بأف ، وكان الواحد بألف ، كن رجل مبدأ ، الله موجود ، كلمة الحق لا تقطع رزقاً ، ولا تقرب أجلاً .
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ ﴾
الإنسان عند الله مكشوف ، لكن يدعي دعوة ، فربنا عز وجل يفتنه ، أي يمتحنه ، بعد الفتنة ينجح أو لا ينجح .
أذكر إنسان حدثني عن قصة ، ذهب مع صديقه ليشتريا سيارتين من ألمانيا ، ويأتيان بها إلى الشام ليتاجرا بالسيارات ، قال لي : نزلنا بفندق ببولونيا ، الساعة الثانية عشرة طُرق بابي وباب صديقي ، من امرأتين موميستين ، قال لي : أنا ما فتحت خفت من الله ، شريكه فتح ، طرق الباب من امرأة وأنت مسافر وحدك طبعاً هذه فتنة ، شخص قال :
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الحشر )
والله يا أخوان أبلغني أنه بعدما عادوا إلى الشام أحدهما عمله في صعود ، هذا الورع في توفيق ، في بحبوحة ، والثاني اضطر أن يسلم محله التجاري ، واشتغل صانعاً ، شخصهكذا وشخص هكذا ، الله فتن الاثنين ، أحدهما نجح ، والآخر لم ينجح .
استغفار قوم موسى عن خطئهم الناجم عن عبادة الأصنام :
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا ﴾
والإنسان عنده رغبة بالمعصية ، لكن ما كان في ظرف مناسب ، جاء الظرف ، الظرف قلب رغبته إلى واقع ، فكان ضالاً ، والثاني عنده رغبة بالطاعة جاءه ظرف صعب قال : معاذ الله ، الله قلب ورعه إلى واقع .
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا ﴾
أنت ربنا ، أنت ناصرنا .
﴿ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ﴾
اغفر لنا ماذا ؟ الخطأ الكبير الناتج عن عبادة الأصنام .
﴿ وَارْحَمْنَا ﴾
استنبط العلماء أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع .
﴿ فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾
الله عز وجل سمح لذاته العلية أن توازن مع بعض خلقه
الله عز وجل سمح لذاته العلية أن توازن مع بعض خلقه ، قال :
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
( سورة المؤمنون )
إنسان عالم كبير صنع كلية صناعية ، جيد ، صنعها من كل شيء ، صنعها من مئات القوانين التي قننها الله عز وجل ، صنعها من تقدم العلم المذهل ، لكن هذه الكلية الصناعية بحجم هذه الطاولة ، ومن أجل أن تصفي الدم يجب أن يجلس المريض إلى جانبها ثماني ساعات ، أو ست ساعات ، بالأسبوع ثلاث مرات ، وازن مع الكلية الطبيعية ، حجمها بحجم البيضة ، تعمل بصمت ، لا تشعر بوجودها ، تصفي الدم باليوم خمس مرات ، كل كلية في احتياطي عشرة أضعاف حاجتك ، الاثنتين عشرين ضعفاً ، بلا صوت ، بلا نفقات ، لا تجمد نفسك ثماني ساعات بالأسبوع ثلاث مرات ، وازن بين كلية صناعية ، وكلية طبيعية ، وازن بين وردة بلاستيك ووردة طبيعية .
الله سمح لذاته العلية أن توازن مع بعض خلقه قال :
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
الله عز وجل ستير يُخفي عن الناس نقائصك إن تبت إليه :
هناك :
﴿ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
هناك :
﴿ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
هنا
﴿ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾
أحياناً إنسان يعفو عنك ، كلما لمحك أنا فضلت عليك يقول لك ، الله يجزيك الخير ، غفر ، لكن منّ بغفرانه ، أما الله عز وجل :
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، وإذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه ، وذنوبه ))
[ورد في الأثر]
﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾
والله عز وجل ستير ، يُخفي عن الناس نقائصك ، ويظهر محاسنك ، يوجد أشخاص يكون يتعامل معك بمئة ميزة ، يجد في خطأ يشيع الخطأ ، قناص ، لئيم ، فضاح ، أما ربنا الله عز وجل ستير .
إنسان ضُبط يسرق في عهد سيدنا عمر ، فجاء ليقيم عليه الحد ، فأقسم بالله أنها أول مرة ، قال له : كذبت ، إن الله لا يفضح من أول مرة ، فلما شدد عليه ، قال له : هذه المرة الثامنة ، ثامن مرة ، الله عز وجل ستير ، الإنسان يغلط يعطيه فرصة ، يبقى مستوراً .
فلذلك الإنسان لا يطمع بستر الله عز وجل إلى مالا نهاية ، ليس كل مرة تسلم الجرة ، مرة هناك فضيحة .
إذاً
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ـ امتحانك ـ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾
الحسنة في الدنيا لها معنيان معنى لغوي و معنى شرعي و المقصود هنا حسنة الشرع :
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
الحسنة في الدنيا لها معنيان ، لها معنى لغوي ، شيء تستحسنه ، ولها معنى شرعي الشيء الذي حسنة الشرع ، إنفاق المال حسنة في الشرع ، أما إنفاق المال بنظر البخيل حمق فهناك معنى لغوي للحسنة ، كل شيء تحبه أنت ، وقد تحب المعاصي لا سمح الله ، أما البطولة بالمعنى الشرعي الحسن ما حسنه الشرع .
تكون نائماً في الشتاء ، والفراش وثير ، ودافئ ، فالحسنة عندك أن تبقى نائماً ، أما الحسنة بالشرع أن تستيقظ كي تصلي الفجر في وقته .
الحسنة بالشرع لها معنى ، وباللغة لها معنى ، المقصود هنا حسنة الشرع .
رحمة الله عز وجل في الدنيا لكل الخلق و في الآخرة للمؤمنين فقط :
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾
أي يا رب أجري على أيدينا عملاً صالحاً ، أعنا على طاعتك ، أعنا على العمل الصالح ، أعنا على خدمة خلقك ، هذه حسنة الدنيا .
﴿ وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾
لكن هناك تعليق دقيق للعلماء : أن الحسنة في الدنيا لغوية للمؤمن والكافر ، للقريب والبعيد ، للمستقيم والمنحرف ، للمؤمن والملحد ، الملحد يأكل ، ويشرب ويتنفس ، في عنده دماغ ، ومعدة ، وأمعاء ، ورئتين ، وقلب ، وأوعية ، ويشتري بيتاً ويسكن ويتزوج ، مليون حسنة للكافر في الدنيا ، الحسنة في الدنيا بمعناها اللغوي للمؤمن والكافر معاً .
(( ولو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ ))
[ أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله ]
لكن الآية دقيقة :
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾
رجعنا إليك يا رب ، الآن :
﴿ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ﴾
إياك أن تقول فلان لا بد من أن يعذبه الله ، هذا تألي على الله ،
﴿ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
لكن في الآخرة ليست لكل الناس ، رحمة الله في الدنيا لكل الناس .
﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آَمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 126 )
سيدنا إبراهيم :
﴿ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 126 )
الله ماذا قال له ؟
﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 126 )
الكفار غارقون بالنعم ، بيوت وسيارات ، وطعام نفيس ، واختلاطات ، وسفر وسياحة ، رحمتي في الدنيا لكل الخلق ، مؤمنهم وكافرهم ، أما رحمتي في الآخرة للمؤمنين فقط .
العاقل من يسعى لعمل يفضي به إلى الجنة :
﴿ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا ـ بالآخرة ـ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾
كلام دقيق ، الرحمة في الدنيا لكل الخلق ، مؤمن ، كافر ، مستقيم ، عاصي ، ملحد ، يأكل ، ويشرب ، ويتنفس ، ويتزوج ، وساكن ببيت ، ودخله فلكي ، ويتفلسف على الناس ، هكذا ، رحمة الله في الدنيا لكل الخلق ، أما في الآخرة
﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾
لذلك :
(( إن الدنيا عرض حاضر أكل منها البر والفاجر ، وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر ))
[أخرجه الطبراني عن شداد بن أوس ]
نعم الله في الآخرة للمؤمنين فقط ، أنت الآن في الدنيا مثلك مثل غيرك ، تجد شارعاً فيه مئة بيت ، بيوت فيها معاصي ، وفيها آثام ، في خيانة زوجية ، فيها استقامة ، وفيها غناء ، وفيها رقص ، وفيها تفلت ، بيوت ، والكل عندهم سياراتهم ، ولهم دخلهم ، ولهم مكانتهم ، ويعطيك بطاقة ، والكل مثل بعض الآن ، متى التمايز ؟ يوم القيامة .
﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾
( سورة يس )
ابتعدوا عنهم ، فالبطولة من يسعى لعمل يفضي به إلى الجنة .
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾
أي رجعنا إليك يا رب
﴿ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا ﴾
﴿ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
في الدنيا ، أما في الآخرة
﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
( سورة القصص )
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1925&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254