الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(42-60): تفسير الآيات 145 - 147، العفو طريق الإنسان للتواصل و الرحمة و المودة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-06-20

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الكتابة تطمين للمؤمنين :

أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس الثاني والأربعين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الخامسة والأربعين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

أولاً أيها الأخوة ، الكتابة تطمين للمؤمنين لأن الله لا يكتب ، ولكن الإنسان بحسب معطياته الأرضية الشيء المكتوب أثبت ، إذا في عقد أقوى ، إذا في وعد خطي أشد تأثيراً .

فلذلك الله عز وجل تمشياً مع عقلية الإنسان استخدم كلمة

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ ﴾

والحقيقة الله عز وجل لا يكتب ، لكنه الآمر الأعلى ، والكتابة تعزى أحياناً إلى من يباشرها ، وهو الملك ، أو من يتوسط بين الله وبين الملائكة ، أو تعزى إلى الآمر الأعلى ، على كلٍ الكتابة من أجل تطمين المؤمنين .

﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾

( سورة الأنعام الآية : 45 )

﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾

( سورة المجادلة الآية : 21 )

كلمة كتب تفيد التطمين تفيد شيئاً ثابتاً ، لا يعدل ، لا يبدل ، لا يلغى ، لا يطور ، يعني ثبات أمر الله عز وجل أراد الله أن يعبر عن ثباته بكلمة

﴿ وَكَتَبْنَا ﴾

منهج الله عز وجل منهج تقريب من ذاته العلية :

أيها الأخوة ، الكتابة على الألواح ، ما كان في ورق ، عظم اللوح يُكتب عليه ، الجلد يُكتب عليه ، أي شيء مسطح يُكتب عليه فالمكتوب عليه هو الألواح .

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ ﴾

الهاء على من تعود ؟ على سيدنا موسى ،

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

أي كل شيء يقربك إلى الله مهما بدا صغيراً يكتبه الله ، وأي شيء يبعدك عن الله مهما بدا صغيراً ينهاك الله عنه ، لأن منهجه منهج تقريب من ذاته العلية ، فالذي يقربك يُكتب والذي يباعدك يُكتب ، لكن هذا الذي يتوهم أن القرآن فيه كل شيء هذه مبالغة لا طائل منها يعني العلم ميكانيك التربة في القرآن ، هذا شيء من اختصاص الخبراء في الدنيا ، أما الله عز وجل جعل القرآن كتاب هداية ، فأي شيء يقربك من الله تجد نصاً له في القرآن ، أو في السنة ، وأي شيء يبعدك عن الله تجد له أثراًً في القرآن والسنة .

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

تحتاجه أيها الإنسان ، حينما جعلك الله في الأرض خليفة أنت بحاجة إلى منهج ، بحاجة إلى عقيدة ، بحاجة إلى أن تعلم من أنت ؟ ما سر وجودك ؟ ما غاية وجودك ؟ ما الذي ينبغي أن تفعله ؟ ما الحرام ؟ ما الحلال ؟ ما الخير ؟ ما الشر ؟ ما الجمال ؟ ما القبح ؟

الموعظة تذكير بتشريع سابق و ليست تشريعاً جديداً :

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

يحتاجه الإنسان ، ليكون خليفة الله في الأرض ، كتبنا له موعظة تذكير لشيء سابق .

﴿ وَعِظْهُمْ ﴾

( سورة النساء الآية : 63 )

ذكرهم .

﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾

( سورة إبراهيم الآية : 5 )

ذكرهم بنعم الله .

﴿ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ﴾

( سورة النساء )

فالموعظة ليست تشريعاً جديداً ، ولكنها تذكير بتشريع سابق .

التناقض بين الطبع و التكليف ثمن الجنة :

﴿ وَكَتَبْنَا ﴾

لسيدنا موسى

﴿ فِي الْأَلْوَاحِ ﴾

في الأمكنة التي تكتب عليها الكلمات

﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

يحتاجه الإنسان الذي جعله الله خليفته في الأرض

﴿ مَوْعِظَةً ﴾

تذكيراً بوحي السماء ، تذكيراً بكتاب الله عز وجل ، وتفصيلاً لكل شيء ، وفي ديننا والحمد لله الكليات في القرآن الكريم ، والتفاصيل في السنة المطهرة ، فالله عز وجل جعل نبيه مبيناً لما في القرآن .

﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾

( سورة النحل الآية : 44 )

﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾

الإنسان له طبع ، ومعه تكليف ، مثلاً الطبع مرتبط بالجسم والجسم يميل إلى الراحة ، إلى الاسترخاء ، إلى النوم ، النوم المديد ، إلى أن يتمتع الإنسان بدفء الفراش في أيام الشتاء ، أما التكليف أن تستيقظ ، وأنت في نشوة النوم ، وأن تنزع عنك الغطاء وأن تتجه إلى الحمام ، وأن تتوضأ بالماء البارد كي تصلي الفجر ، فالتكليف يتناقض مع الطبع الجسم يميل إلى النوم ، والتكليف يأمرك أن تستيقظ .

الإنسان لأن الله أودع فيه حبّ المرأة في طبعه ، ميله إلى أن يملأ عينه من محاسن النساء ، والتكليف أن يغض البصر .

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾

( سورة النور الآية : 30 )

الموقف يتناقض مع الطبع ، الطبع يقتضي أن تأخذ المال ، المال قوام الحياة .

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهّب و الفضَّة﴾

( سورة آل عمران الآية : 14 )

والتكليف يأمرك أن تعطي المال ، أن تنفق المال ، الطبع يقتضي أن تخوض في فضائح الناس ، والتكليف يدعوك إلى أن تصمت ، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة .

ممانعة النفس تحتاج إلى قوة إرادة :

لذلك :

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾

لأن هناك ممانعة من النفس ، النفس تميل إلى الراحة ، إلى النوم ، إلى جمع الأموال ، إلى استغلال الآخرين ، إلى العلو عليهم ، إلى الترفع عنهم ، والتكليف يأمرك أن تكون واحداً من الناس .

دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم ما عرفه ، فقال : أيكم محمد ؟ ولا ميزة ، لا ثياب خاصة ، ولا مكان خاص ، ولا جلسة خاصة ، ولا شيء تحته يجلس عليه أبداً ، مثله مثل أصحابه .

فلذلك :

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

يحتاجه الإنسان الذي جعله الله خليفته في الأرض ،

﴿ مَوْعِظَةً ﴾

تذكيراً لحكم شرعي ،

﴿ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾

لأنه في ممانعة ، في صراع ، في دعوة إلى الأرض ، دعوة إلى الشهوة ، إلى الراحة ، إلى استغلال الآخرين ، إلى جمع الأموال ، إلى الاستمتاع بالحياة ، وفي دعوة من الله إلى أن تنتصر على نفسك .

لذلك التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة ، ممانعة النفس تحتاج إلى قوة إرادة .

الشهوة تحقق لذة آنية تعقبها كآبة والسعادة التي تتأتى من الطاعة تحقق سعادة مستمرة:

﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

يعني الشهوة تحقق لذة للإنسان ، ما قال لك إن الشهوات لا يحبها الإنسان ، الشهوة محببة ، شيء طبيعي ، كل الشهوات التي أودعها الله فينا محببة إلى الإنسان ، الشهوة تقدم لك لذة آنية ، متناقصة يعقبها كآبة ، لكن تقدم لك لذة آنية متناقصة تتبعها كآبة ، هؤلاء الذين يُنشؤون المقاصف ، مع الخمور ، مع الراقصات ، مع المغنين تجد خمسين مركبة أمام مدخل هذه المقاصف ، ماذا يوجد في الداخل ؟ يوجد امرأة تغني وأخرى ترقص وهناك خمر ، و لحم ، و أكل ، هذه لذائذ كلها ، لكن طاعة الله عز وجل تعطيك سعادة متنامية ولا تنتهي بالموت ، تستمر حتى في القبر ، إلى أن تصل بك إلى جنة عرضها السماوات والأرض .

لذلك

﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾

في عندك ممانعة ، في عندك نفس قد تكون أمارة بالسوء أو أقل شيء ترتاح من دون أن تعمل صالحاً ، ولحكمة بالغةٍ بالغة جعل الله الأعمال الصالحة تحتاج إلى وقت ، وإلى جهد ، وإلى مال ، وإلى إرادة قوية ،

﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

أولاً : الله عز وجل حينما نهاك أن تأكل المال الحرام ، نهى مليار وخمسمئة مليون مسلم ألا يأخذوا المال الحرام ، الأمر لصالحك ، كم من المسلمين حولت لهم مبلغاً خطأ ردوه إليك ؟ لولا الأمر بتبرئة الذمة لما ردّ إليك المبلغ ، فإذا أمرك أن تكون أميناً أمر كل من حولك أن يكونوا أمناء معك ، إذا أمرك أن تكون مستقيماً أمر كل من حولك أن يكونوا مستقيمون معك .

إذاً الشهوة تحقق لذة آنية ، متناقصة ، تعقبها كآبة ، بينما السعادة التي تتأتى من الطاعة تحقق سعادة مستمرة متنامية تنتهي بك إلى الجنة .

العفو طريق الإنسان للتواصل و الرحمة و المودة :

إذاً

﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

ما معنى بأحسنها ؟ الله عز وجل قال :

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

( سورة الشورى )

ما دام في توجيه بالعفو أنت مكلف أن تأخذ من الأمرين أحسنهما ،

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾

هذا حقك لكن :

﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا ﴾

( سورة التغابن الآية : 14 )

﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾

( سورة المائدة الآية : 8 )

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

هذه واحدة ، يعني أنت انتصرت على خصمك ولك أن تؤدبه تأديباً دقيقاً ، ولكن الله عز وجل يحنن قلبك عليه يقول لك :

﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا ﴾

﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾

( سورة البقرة الآية : 178)

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

إذاً الأحسن أن تعفو لا أن تأخذ حقك الذي شرعه الله لك ، يعني مثلاً :

قاتل قتل ، ولي المقتول من حقه أن يطلب إنزال عقوبة الموت بالقاتل ، هذا حقه ، لكن ولي المقتول لو عفا عن هذا القاتل يكون أسيره طوال حياته ، بعفوه بقي حياً ، صار في تقارب بين القبيلتين ، لا أحد يفكر أن ينتقم ، أي العفو هو أقرب للتقوى ، أقرب للمودة ، أقرب للتواصل ، أقرب للتراحم ، فالله عز وجل قال :

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

العدل و الإحسان :

الآن الله عز وجل قال :

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾

( سورة النحل الآية : 90 )

العدل أمر ، وأمر قسري ، لكن الله أمرك أن تأخذ بالإحسان ، هناك قضايا لا تحل بالعدل ، تحل بالإحسان ، الشيء الذي لا يسعه العدل يسعه الإحسان .

فالانتصار وأخذ الحق مقبول ، والعفو مكرمة كبيرة ، يعني بكل شيء لك أن تأكل وأن تشرب ، أما الإفراط في الطعام والشراب له مضاعفات كبيرة جداً ، خذ من شهوة الطعام أحسن وضع فيه ، الاعتدال .

أحد الأدباء يقول : لي صديق كان من أعظم الناس في عيني ، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه ، فكان خارجاً عن سلطان بطنه ، فلا يشتهي مالا يجد ، ولا يكثر إذا وجد .

أي خذ الوضع المعتدل ، هذا في الطعام ، في العلاقة بالمرأة سمح الله لك بالزواج اكتفِ بزوجتك ، ولا تنظر إلى غيرها ، هذا الأمر الحسن ، أما أحياناً ضمن الحلال أربعة ، أربعة ترفاً ، يحتاج إلى مصروف كبير ، وهناك متاعب ، وخصومات ، ويخسر أولاده أحياناً .

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

من طبع الإنسان أن يستطلع ، أما التجسس تطرف ،

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

(( مِنْ حُسْن إسلام المرءِ تِرْكهُ ما لا يَعنِيه ))

[ أخرجه زيادات رزين عن الحسين بن علي بن أبي طالب ]

(( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ))

[أخرجه البزار عن أنس بن مالك ]

(( أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا ))

[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]

﴿ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

(( وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا ))

[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]

اصنع المعروف مع أهله ، ومع غير أهله ، إن أصبت أهله أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله ،

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

كلما ارتقى الإنسان أحبّ بعقله وكره بعقله :

الآن أنت أحببت إنساناً ، لا تظلم من لم تحب ، سيدنا عمر قال لشخص : والله لا أحبك ، قال له : أو يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي ؟ قال له : لا والله ، قال له : إذاً إنما يأسف على الحب النساء ، يعني أحبت إنساناً لا تظلم غيره من أجله ، أحياناً إنسان يتزوج امرأتين ، أحب الثانية كثيراً ، أهمل الأولى ، لم يعد يأتيها إلى البيت ، إذا دخل متجهماً ، بنظرات قاسية ، بكلام قاسٍ ، محبة الثانية جعلتك بحق الأولى ظالماً ،

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

أحسن ما في التعدد العدل ، لا تظلم الناس لصالح من تحب ، ولا تظلم من لم تحب ، بكل شيء خذ الوضع المعتدل ، الوضع الوسطي ، الوضع الذي كان عليه النبي وأصحابه قال :

(( ما بال أقوام يقولون كذا و كذا لكني أصلي و أنام ، أصوم وأفطر ، و أتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ))

[متفق عليه عن أنس]

لذلك هذا الموضوع ينقلنا إلى ما يسمى بالحب العقلي ، يعني قيام الليل يحتاج إلى جهد ، صلاة الفجر في المسجد تحتاج إلى جهد ، غض البصر يحتاج إلى جهد ، فالإنسان يحب غض البصر مع أنه يتناقض مع طبعه ، يحب صلاة الفجر في المسجد مع أن الصلاة في هذا الوقت تتناقض مع طبع جسمه

(الخلود إلى الراحة)

لذلك هذا وضع معتدل ، وضع بين ترك الصلاة كلياً ، وبين أن يصليها في البيت دائماً خذ الوضع المعتدل .

إنسان أحياناً يكون معه أمراض معينة ، هناك أكلات يحبها كثيراً لكنها تؤذي جسمه يكرهها بعقله ، ويحبها بحسه ، والإنسان كلما ارتقى يحب بعقله ، ويكره بعقله .

طالب معلق آمالاً كبيرة أن يكون الأول على القطر مثلاً ، يُدعى إلى سهرة يرفضها السهرة محببة ، أصدقاؤه يحبهم ، هناك طعام لذيذ ، هناك طرف ، جو لطيف ، هذا محبب بطبعه لكنه يعيقه عن الدرجة الأولى ، يعتذر ، فأحب الدراسة بعقله ، لكنه يحب السهر مع أصدقائه بحسه ، بل يكره السهر مع أصدقائه بعقله ، كلما ارتقى الإنسان أحب بعقله ، وكره بعقله .

الآن على مستوى الغذاء ، هناك أكلات رائعة جداً ، لكنها تسبب متاعب في القلب والأوعية كثيرة جداً ، فالإنسان كلما كان عقله راجحاً يكره هذه الأكلات بعقله ، يحبها بحسه ويكرهها بعقله .

الأعمال الصالحة تحتاج إلى جهد كبير ، المؤمن يحب الأعمال الصالحة بعقله ، وقد تكون متعبة كثيراً تتعب جسمه ، لكنها محببة إليه بعقله ، هذا معنى

﴿ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

من صبر على ما أصابه كان الله معه :

الآن الله عز وجل قال :

﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

( سورة لقمان )

لكن في آية :

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

( سورة الشورى )

هذه اللام لام مزحلقة ، لام التوكيد ، لماذا ؟ قال : إذا القدر أتى من الله مباشرة يحتاج إلى صبر ، إنسان ابنه على الشرفة وقع فنزل ميتاً ، هذا قضاء وقدر ، هل يستطيع أن يقاضي إنساناً ؟ ابنه ، وفي بيت والده ، وابنه أخطأ ، أما لو أن سائقاً دهس ابنه ومات ، أمامه إنسان يقاضيه ، هناك إنسان تمّ إزهاق روحه على يد إنسان ، إذا جاء القدر على يد إنسان فأنت تحتاج إلى توحيد عالٍ جداً ، انتهى أجله على يد فلان ، فبدل أن تبطش ، تستسلم ، تأخذ حقك منه لكن من دون أن تحقد ،

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾

هذا معنى

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

لك دَيْن عند إنسان ، استحق الدين ، لك أن تقيم دعوى عليه ، ويحجز على بيته وعلى محله التجاري ، لكن الله عز وجل قال لك :

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾

( سورة البقرة الآية : 280 )

هذا شيء آخر ، إذاً انتظار المعسر

﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾

حتى بعض العلماء قال : كيف لا أشكر الذي ظلمني ، لأنه جعل الله بجانبي ، الله عز وجل مع المظلوم دائماً قال : كيف لا أشكر من ظلمني ، لأن هذا الذي ظلمني جعل الله بجانبي ، بل بعضهم قال : لو يعلم الظالم كيف أن الله سيكون مع من ظلمه لضن عليه بظلمه ، فالله عز وجل أصبح معه كان معه ، وأيده ، ونصره .

ورود النار شيء ودخولها شيء آخر لأن دخولها عقاباً و ورودها إطلاعاً :

الآن :

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

الله عز وجل قال ، يخاطب المؤمنين :

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾

( سورة مريم الآية : 71 )

ورود النار غير دخولها ، ورودها أن يطلع على النار ، وعلى أهلها من دون أن يتأثر بوهجها .

أنا أضرب مثلاً : مرة كنا في معرض للثعابين ، وقفت أمام ثعبان يزيد طوله عن اثني عشر متراً ، وبيني وبينه أربعة سنتيمتر (بلور ستة ميلي بيننا) ، لا تتأثر ولا تخاف منه أبداً لأنه محجوز .

فالمؤمن أحياناً يرد النار ، يردها ليرى مكانه في النار لو لم يكن مؤمناً ، لتزداد سعادته في الجنة ، لذلك الله قال للمؤمنين :

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

يوم القيامة يتطلع المؤمنون على النار ،

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾

ورود النار شيء ، ودخولها شيء آخر دخولها عقاباً ، أما ورودها إطلاعاً ، أما المؤمن ، قال :

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

سأوريكم مصيرهم ، هؤلاء الطغاة .

قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر

* * *

هؤلاء الذين يدمرون الشعوب ، ينهبون الثروات ، يقتلون الملايين ، أي خمسة ملايين ، مليون قتيل ، مليون معاق ، وخمسة مشردون ، من أجل تهمة باطلة لا وجود لها ، يقول أسلحة دمار شامل ، لا يوجد شيء من هذه الأسلحة ، مليون قتيل ، مليون معاق ، خمسة ملايين مشرد ،

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

( سورة إبراهيم )

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

سأوريكم حسابي لهم العسير .

دار الفاسقين في الدنيا يراها المؤمن قاعاً صفصفاً و في الآخرة نار جهنم :

لذلك ورود النار نوع من رؤية المؤمنين لدار الفاسقين ، وأحياناً ترى الدار في الدنيا ، ترى بلاداً أصابها زلزال دُمرت عن آخرها ، هناك بلدة بالمغرب يرتادها السياح ، ولا يسمح لأبناء البلدة أن يدخلوا إلى المرافق العامة ، نوادي عُراة ، وفسق ، وفجور ، فيها فندق ثلاثين طابقاً(هولدي إن)أصابها زلزال ثلاثين طابقاً أصبحت تحت الأرض ، بقي آخر طابق عليه كلمة هولدي إن ، الشاهدة هذه شاهدة هذا القبر .

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

أي منتجعات سواحل آسيا ، شيء لا يوصف ، من فئة العشر نجوم ، تستقطب أغنياء أغنياء العالم ، الشركة فيها عشرين مديراً ، المدير العام يقضي عطلة الميلاد و رأس السنة في هذه السواحل والمنتجعات من فئة العشر نجوم ، وقد أرى الله هؤلاء رواد هذه المنتجعات النجوم ظهراً ، مات 25 ألف بزلزال تسونامي ، هؤلاء نخبة نخبة أغنياء العالم ، كيف أن الله استدرجهم .

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

أحياناً ترى زلزالاً ، طوفاناً ، بركاناً .

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

( سورة هود )

هذا في أماكن زلزال تسونامي رئيس وزارة ببلد يلقي خطاباً ويفتخر أنه ليس في شعبه فتاة عذراء أبداً ، لأنه بلد يعيش على الدعارة ، لا يوجد فتاة عذراء .

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

هناك آيات ، وهناك عبر ، و زلازل ، و براكين ، و فيضانات ، و أعاصير ، الإعصار يقول لك خسارة ثلاثين ملياراً .

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

دارين ، دار في الدنيا (يراها المؤمن قاعاً صفصفاً) ودار في الآخرة جهنم .

﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾

ما أعظم العبر ، وما أقل المعتبرين .

من تكبر ظلم نفسه فالله عز وجل له أن يتكبر لأن وجوده لا يتعلق بجهة ثانية :

ثم يقول الله عز وجل :

﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾

( سورة الأعراف )

﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ ﴾

الله له آيات ثلاث ، آيات كونية (خلقه) وآيات تكوينية (أفعاله) وآيات قرآنية (كلامه) هذا المتكبر لا يصغي إلى آيات الله ، متكبر .

﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾

من الذي له حق أن يتكبر ؟ الله وحده ، لأنه صمد ، وجوده ذاتي ، وجوده لا يتعلق بجهة ثانية ، أما أنت وجودك متعلق بإمداد الله لك ، في أي لحظة موت مفاجئ ، فكل إنسان وجوده ليس ذاتياً لا يحق له أن يتكبر ، فإذا تكبر ظلم نفسه .

﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ﴾

كبراً ، واستعلاءً ، مأخوذ بصناعات البشر ، ولا يؤخذ بآيات الله الدالة على عظمته ، يقول لك الآلة الفلانية ، المركبة الفلانية ، اليخت الفلاني ، الطائرة الفلانية ، الحاسوب الفلاني ، الجوال الفلاني ، مأخوذ في صنع البشر ، ويتعامى عن دقائق خلق الله عز وجل .

﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ﴾

مرة المتنبي قال : أي عظيم أتقي ، وأي مكان أرتقي ، وكل ما خلق الله وما لم يخلق محتقر في نظري ، كشعرة من مرفقي .

لما سمي المتنبي ؟ ادعى النبوة ، قال :

﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾

( سورة الشعراء )

قال :

الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

* * *

خرج عليه أحد أعدائه فولى هارباً ، فقال له غلامه : ألست القائل :

الخيل والليل والبيداء تعرفني .

كلام فارغ ، قال له : قتلتني قتلك الله .

اتباع الكفار سبيل الغي لأنه يوفر لهم كل طموحاتهم الشهوانية :

﴿ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ﴾

يقول أحدهم : صعب الدين ، الدين ينهاك أن تأخذ المال الحرام ، كل حياته بالحرام ، الدين يأمره بغض البصر هو يعيش مع النساء الكاسيات العاريات ، الدين صعب عليه ، دخله حرام ، وعلاقاته مع النساء حرام ، وكلامه في كذب ، وفي استغلال ، وفي دجل ، وفي استعلاء ، فالدين لا يناسبه ، الدين قيود بالنسبة له ، قال :

﴿ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ﴾

لا يتناسب مع طموحاتهم الشهوانية .

﴿ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ ﴾

رائع جداً ، حرية ، اختلاط ، الربا حلال ، الاختلاط حلال ، تقريباً معاصي لا يعلمها إلا الله في هذه الخلوات تتم ، و لا يوجد أي قيد ، ولا أي شرط ، لا يوجد قيد أبداً ، كل شيء مباح ، فهذا سبيل الغي أريح ، العلمانية والله أريح من الدين ، الدين كله قيود ، العلماني ما في إله ، المؤمن هذه حرام ، وهذه حلال ، هذه لا ترضي الله ، هذه أحاسب عنها يوم القيامة .

﴿ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ ﴾

الغي يعجبهم ، العلمانية تعجبهم ، الفكر الذي ينحي الدين جانباً يعجبهم ، يا أخي ! الدين كله قيود .

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾

يعني سبيل الغي يطلق العنان لشهواتهم ، والإيمان يحرمهم من طموحاتهم الشهوانية .

لذلك هذا الذي يتكبر بغير الحق ، هو عبد ، قلبه بيد الله ، نمو خلاياه بيد الله ، قطر شريانه التاجي بيد الله ، حركاته بيد الله ، سكناته بيد الله ، هو في قبضة الله ، ويتكبر ، الكبر حمق ، الكبر غباء ، الرب رب ، والعبد عبد ، من شأن العبد التواضع ، من شأن الله عز وجل أنه العلي الأعلى ، بيده مقاييد السماوات والأرض .

أيها الأخوة ، الإيمان بنظرهم يحرمهم شهواتهم ، بينما الغي يوفر لهم كل طموحاتهم الشهوانية .

من ابتغى بعمله الدنيا فعمله لا وزن له يوم القيامة :

أيها الأخوة :

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

معنى إحباط العمل قد يكون للعمل صورة رائعة ، لأن الإنسان ابتغى منه الدنيا ، ابتغى منه السمعة ، هذا العمل لا وزن له يوم القيامة .

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾

( سورة الفرقان )

هذا معنى إحباط العمل ، لو كان عمل صورته رائعة ، مستشفى مثلاً ، ميتماً ، القصد أنه إنسان اجتماعي ، معطاء ، فهمه للحياة عميق ، يقدم الخير للمجتمع ، ولا يلتفت إلى الله إطلاقاً ، ولا يبتغي بهذا العمل وجه الله عز وجل ، هذا حبط عمله ، وقد يكون العمل سيئاً .

بعض البلاد المحتلة أنشؤوا دار قمار ، لها دخل كبير ، أنتم تجاهدون عدواً شرساً تنشؤون دار قمار ؟ كي تعطوا الله حجة لعدم نصرتكم على أعدائكم .

من لم يبتغِ بعمله وجه الله عز وجل فعمله سيئ :

لذلك إما العمل سيء ، أو العمل ظاهره حسن لكن ليس وراءه إخلاص لله إطلاقاً قال :

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعمالهم ﴾

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

( سورة المؤمنون )

﴿ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

قال معنى حبط ؛ انتفخ ، وتورم ، من علة ومرض ، قال :

أعيدها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

* * *

من كثرة القتل انتفخت رجليه ، هذا ليس سمناً ، هذا ضرب ، فالمحبط عمله ، عمله كبر ، كبر أصبح ورماً خبيثاً ، انتفخ وتورم من علة ومرض ، وتوهم حاله أنه إنسان عظيم ، ماذا فعل هتلر ؟ أنهى حياة خمسين مليون ألماني ، نتائج الحرب العالمية الثانية ، يظن عمله عظيم يقول لك : أتينا من أجل الحرية ، خمسة ملايين بعضهم مشرد ، وبعضهم مات ، وبعضهم معاق من أجل الحرية ، أي حرية هذه ؟.

من أحبط عمله فعمله فاسد أو في ظاهره صالح ولكن لم يبتغَ به وجه الله إطلاقاً :

إذاً حبط عمله ؛ كبر هذا العمل من مرض ، كبر من علة ، لذلك قال تعالى :

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

( سورة الكهف )

إحباط العمل إما أنه فاسد ، أو أنه في ظاهره صالح ، ولكن لم يبتغَ به وجه الله إطلاقاً لذلك قال تعالى :

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾

( سورة النور )

أيها الأخوة ، هذه الآيات الثلاث :

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ * سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1923&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254