الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أيها المشاهدون الكرام أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتح مكة ويتوجه بالجيش إليها بعد ما أخرجته عليه الصلاة والسلام , أخرجته طريداً شريداً كما يقول الشاعر :
يا طريداً ملئ الدنيا اسمه وغدا لحناً على كل الشفاه
وغدت سيرته أنشودةً يتلقاها رواة عن رواة
هل درت من طاردته أمة هبلٌ معبودها شاهت وشاه
طاردت في البيد من بوأها منزلاً لا يبلغ النجم مداه .
عاد هذا الطريد الشريد المهاجر عليه الصلاة والسلام بجيش عرمرم جرار ليفتح مكة ويجعلها عاصمة الإسلام ويكسر الأصنام والأوثان ويسحقها , وهو يقول : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } .
لكن قبل أن يلتحم بالجيش عليه الصلاة والسلام أراد أن يكتم الأمر وأراد أن يفاجئ وأن يباغت كفار قريش وهذه هي السنة الحربية للقادة العظام , لأن الحرب خدعة كما قال عليه الصلاة والسلام .
فطلب من الناس أن يكتموا عليه وسكت صلى الله عليه وسلم وقطع الخطوط الاستخباراتية إلى مكة , ومنع أي مسافر من أن يأخذ خبر إلى مكة , لأنه سوف يذهب بجيش عشرة ألاف .
فأتى أحد الصحابة من أهل بدر , لاحظ صحابي حضر بدر ولكن عنده بنات وعنده مال في مكة فأراد أن يأخذ , عند أهل مكة يد يعني يقدم لهم جميل حتى يحفظوه في أبنائه وبناته وهو " حاطب بن أبي بلتعة " رضي الله عليه , اجتهد اجتهاد خاطئ ,وتصرف تصرف كبير ومؤذي جداً للإسلام والمسلمين , لكن يعني الإنسان لا يخلوا من نزغات الشيطان .
فكتب حاطب رسالة سرية إلى كفار قريش يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يقاتلهم سوف يفاجئهم بالجيش سوف يحاربهم ويذهب إليهم .
وهذه نقض لخطة السلام وضرب للدين في الصميم وخيانة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام , لكن هذا الذي حصل .
وأخذ هذا الخطاب الصغير في الورقة وجعله في جديلة امرأة , امرأته , في شعرها شعر رأسها , وخمرت رأسها وذهبت ببعيرها إلى مكة في الليل وأتى الخبر من السماء من عند الواحد الأحد علام الغيوب , نزل به جبريل على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يخبره أن حاطب بن أبي بلتعة قد كتب كتاباً لكفار قريش ووضعه مع امرأته وهي ذهبت وهي في روضة خاخ , وروضة خاخ بلدة صغيرة بين مكة والمدينة .
وأتى صلى الله عليه وسلم وأستدعى رجل الطوارئ والمهمات البطل أبا الحسن علي بن أبي طالب وحواريه في الجنة الزبير بن عوام , اثنان من العشرة المبشرين في الجنة , وهما للطوارئ ووقت المساولة وقطع الرؤوس وتأديب العصاة .
قال : اذهبا فان ظعينة و امرأة حاطب بن أبي بلتعة في روضة خاخ أدركاها معها كتاب من حاطب إلى كفار قريش .
فذهب بفرسين كأنهما صقرين أو نسرين يخبان في الأرض يقطعان القفار , أسرع من الريح المرسلة وطوقا روضة خاخ , وإذا بالمرأة بالبعير وهي تمشي في طريقها , فطوقوا المكان وقالوا : سلمي الخطاب الذي عندك , الكتاب .
قالت : ليس عندي .
قال علي بن أبي طالب : والله الذي لا اله إلا هو ما كذب صلى الله عليه وسلم ولا كُذب , والله لتسلمن الخطاب أو الكتاب أو لأجردنك من الثياب , إما تفتيش أو سلمي .
هذه خيانة للأمة , خيانة للإسلام , فقامت فاختفت ثم أخرجت لهم الكتاب من عقيصتها من شعرها , وعاد بالكتاب .
ودعا صلى الله عليه وسلم المسلمين لمحاكمة حاطب في يوم مشهود لإيقافه أمام الخطأ الذي ارتكبه في حق الأمة وحق الرسالة وحق الإسلام وجلس حاطب بن أبي بلتعة أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد من الصحابة من حضر بدر , حضر بدر وغزوة بدر من يحضرها ! .
يرتفع شأنه لأنها أول غزوة في الإسلام ولأنها في وقت كرب وفي شدة , والصحابة جلوس فقال صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ماحملك على ماصنعت , يعني في هذه الخيانة .
قال حاطب : يا رسول الله ليس عندي قرابة في مكة وعندي أبناء وبنات ضعاف و مال فأردت أن أتخذ عندهم يداً وهذا الذي حملني والله يعني لم أكفر أو نحو ذلك .
فقام عمر , قال : يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقد نافق ,
فسكت صلى الله عليه وسلم والتفت إلى عمر , قال : دعه يا عمر ما تدري لعل الله أطلع على أهل بدر .
فقال : أعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم .
فدمعت عين عمر بكى , يا عمر هذا بدري هذا من أهل بدر حضر غزوة بدر .
ياعمر مات دري لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم , لأنه من أهل بدر , وعفى عنه صلى الله عليه وسلم لأنه من أهل بدر , وفيه العفو عن ذلات الكبار وإقالة عثراتهم ومعرفة قدرهم إذا حصل منهم ما حصل .
وهذا منهجه عليه الصلاة والسلام ولكن انظر إلى ميزة الإسلام في أنه يعرف لأهل المكانة العظيمة ولأهل المنازل الشريفة ومكانتهم , وانظر إلى معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أطلعه ربه على علم الغيب .
ومنها أنه قد يحصل من الصديق والولي والرجل العظيم في الإسلام ذلة وعثرة , فتنغمر في بحار حسناته .
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع ط
ومنها غرية عمر رضي الله عنه وأرضاه , فانه كان سيفً مسنوناً في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , يسله متى شاء ويغمده متى شاء .
فرضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى والى اللقاء .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4203