الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أيها الأخوة المشاهدون الأن نقف لحظة مع أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمر بن العاص , داهية العرب ...الصحابي الجليل , فاتح مصر وحامل النور الى مصر في لحظة إسلامه وهو يروي ذلك المشهد وينقله الينا .
تلك اللحظة المؤثرة في حياته , مشهد يوم أسلم عند الرسول صلى الله عليه وسلم ,يقول : لما نصر الله الرسول صلى الله عليه وسلم , أتيت من مكة الى المدينة لأسلم فلقيت خالد بن الوليد .
فقلت : يا خالد أسبقني أو تأخر عني فإن عندي ذنوب وأريد أن أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم , يعني يريد أن يصفا له الجو يريد أنه يكون بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال : فلما دخلت المسجد رآني صلى الله عليه سلم تهلل في وجهي ورحب بي وجلست بين يديه , فقال : أسلم يا عمر .
قال عمر : فبسطت .
قلت : يا رسول الله أبسط يدك لأبايعك , فبسط صلى الله عليه وسلم يده , فقال فقبضت يدي , قال : مالك يا عمر .
قلت : أشترط يا رسول الله .
قال : تشترط ماذا ؟ .
قلت : أشترط أن يغفر لي ما سلف من ذنبي .
قال : يا عمر , أما تعلم أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تجب ما قبلها , يعني الاسلام يغفر لصاحبه اذا أحسن ما سبق في الجاهليه , والهجرة يعني تهدم ما قبلها من الذنوب وكذلك التوبة .
قال : فأسلمت , ( هو العمر يروي هذا ) , فو الله ما كان أحدٌ أحب الي من رسول الله صلى الله عليه وسلم , والله ما ملأت عيني من إجلال الله , والله لو سألتموني أن أصفه لكم ما أستطعت .
وحضرة الوفاة عمر بن العاص في مصر , فبكى طويلاً وحّول وجهه إلى الحائط , وأخذ أبنه عبد الله يرجيه برحمة الله عز وجل , فبعد ما طال التراد والكلام بينهما ألتفت إلى الناس فأتى بهذا الوصف , أو ذكر البيعة وذكر هذه القصة .
ثم قال : وقد مر بي ثلاث حالات , ثلاث طباع : فكنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام فلو مت على تلك الحالة لكنت من جفا جهنم , ثم أسلمت فصحبت النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته وما كنت أملىء عيني منه والله لو سألتموني الأن أن أصفه لكم فما أستطعت أن أوصفه .
فلو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة , ثم تخلفت بعده فلعبت بي الدنيا ظهراً لبطن , فوالله لا أدري ماذا يُفعل بي , هل يؤمر بي إلى الجنة , أو يؤمر بي إلى النار ؟ .
لكن معي كلمة سوف أحاج لنفسي بها عند الله وهي " أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدً رسول الله " ثم قبض يده أصابعه عليها , ثم فاضت روحه , فبقيت أصابعه مقبوضة على لا اله إلا الله محمد رسول الله .
غسلوه فتحوا أصابعه عادت , ادخلوه الكفن وأصابعه مجتمعة مقبوضة على بعضها متماسكة , دخل قبره وهو يحمل لا اله إلا الله محمد رسول الله .
ويقول قبل أن يموت : شدوا علي أزراري ,( يعني الكفن ) فإني مخاصم , يعني سوف أدافع عن نفسي في القبر وأني سوف أسأل .
وهذا سؤالٌ يعرض على الإنسان, على كل مخلوق في القبر , من ربك ؟ , من نبيك ؟ , وما دينك ؟ .
أعاننا الله على الإجابة يجيب عن ذلك كل مؤمن , كل صادق , كل منيب , {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } .
ذهب عمر بن العاص وهو يمسك يديه هكذا , ودخل كفنه وهو يمسك يديه هكذا , ودخل قبره وهو يمسك يديه هكذا , على لا اله إلا الله محمد رسول الله , وهي نعم الزاد لمن عمل بمقتضاها وصدّق بها وأمن وأحبها وأيقن بما فيها وشهد شهادة الحق وأخلص في أتباعها فنعم والله الزاد .
وفي هذا ما كان عليه الصحابة من إجلال لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم ومن حب الله ومنها وضوحهم رضوان الله عليهم , فإنهم يعترفون بذنوبهم وتقصيرهم مع عظيم جهادهم وهجرتهم وما لقوه في سبيل الله سبحانه وتعالى وما قدموه .
فان هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه قد صدق في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهد وفتح مصر وساعد المؤمنين برآيه ,وكان من دهات الناس على الإطلاق , كان من دهات العرب .
بل يقول عمر رضي الله عنه : ضربنا أرطبول الروم بأرطبول العرب ,وكان إذا رآه عمر رضي الله عنه قال : ما كان من لأبي عبد الله إلا أنه كان يمشي أميراً .
فكان ممتلئاً حزماً وعزماً ودهائاً ومضائاً , عسى الله أن يتجاوز عنا وعنه وعسى الله أن يسامحه وأن يسامحنا وأن يسامح جميع المسلمين , فإن مثل هؤلاء الأفزاز العظماء , هذه سيرهم وقود وطاقة وزاد للجيل في عصر التفت الجيل إلى غير هذه القدوات وهذه الأسوات التفتوا إلى نجوم في الفنون وفي الأداب وفي التخصصات , ونسوا هذا الملأ الرعيل الأول الذي أختارهم الله سبحانه وتعالى في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم .
فأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم واجب علينا أن نقرأ سيرهم وأن نتطلع على أحوالهم وأن نحاول أن نقتدي بهم وأن نحاكي أفعالهم الجميلة وأقوالهم المسددة رضوان الله عليهم .
فإنهم كما وصفهم ابن المسعود : أبر الناس قلوباً وأعمقهم علماً وأقلهم تكلفاً , رضي الله عنهم وأرضاهم , وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى .
والى اللقاء وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4193