بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون تفريج الكروب :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم : ( قانون تفريج الكروب)وما أكثرها في العالم الإسلامي .
الدنيا دار ابتلاء و امتحان :
أيها الأخوة الأحباب ، ورد في كتاب عن خُطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النص التالي :
(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ))
[ الديلمي عن ابن عمر]
أيها الأخوة ، المركبة (السيارة)لماذا صُنعت ؟ صُنعت من أجل أن تسير ، ولماذا وضع فيها المكبح والمكبح في أصل وظيفته يتناقض مع السير ويوقف الحركة ؟ هذا المكبح مع أنه يتناقض مع علة صنع السيارة لكنه ضروري جداً لسلامة الركاب .
وكذلك المصائب ، نحن في دار ابتلاء ، نحن في دار امتحان ، نحن في دار فيها نوازع نحو الأرض ، واتجاهات نحو السماء ، فحينما يغفل الإنسان قد يقع في خطأ ، والخطأ ينبغي أن يُعالج من قبل رب العالمين ، وكلمة رب العالمين تعني التربية ، فالله عز وجل يقول :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
( سورة السجدة )
مصائب المؤمنين مصائب دفع إلى باب الله ورفع في مقامات المؤمن :
إذاً طبيعة الحياة الدنيا فيها ابتلاء ، الإمام الشافعي سُئل : ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ تبسم وقال : لن تمكن قبل أن تبتلى ، والله عز وجل يؤكد في بعض الآيات الكريمة أن هناك مصائب تصيب المؤمنين قال تعالى :
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾
( سورة البقرة )
هذه مصائب المؤمنين ، مصائب دفع إلى باب الله ، ومصائب رفع في مقامات المؤمن ، هذه المصائب كلها خير ، وقد عبّر القرآن عنها وقال :
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
( سورة لقمان الآية : 20 )
الباطنة هي المصائب التي تصيب المؤمنين كي تسوقهم إلى باب الله ، وتحملهم على التوبة ، وترقى بهم إلى أعلى مقام .
مصائب الأنبياء مصائب كشف و مصائب الطرف الآخر مصائب قصم :
لكن مصائب الطرف الآخر مصائب العصاة ، والمجرمين ، والفجار ، مصائب قصم ، وإن كان في هذا الإنسان بقية خير مصائب ردع ، أما مصائب الأنبياء مصائب كشفٍ.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول :
(( اللهم ما رزقتنا مما نحب ، فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب ))
[ورد في الأثر]
هذه النصوص تؤكد حقيقة دقيقة ، هي أن الدنيا مفعمة بالمصائب ، بالأحزان ، هكذا جعلها الله بهذه الطبيعة ، كي نسعد في الآخرة ، الله عز وجل يربينا في الدنيا ويكرمنا في الآخرة .
توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :
أيها الأخوة الأحباب ، هناك نقطة دقيقة في الموضوع أن الحظوظ ، المال حظ ، الوسامة حظ ، الذكاء حظ ، القوة حظ ، العمر المديد حظ ، أن هذه الحظوظ وزعها الله في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف يوزعها في الآخرة توزيع جزاء ، قال تعالى :
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
فالمؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ))
[ مسلم عن صهيب]
أين هو قانون تفريج الكروب ؟ الدنيا دار ابتلاء ، وفيها مصائب ، يصيب الله بهذه المصائب