الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
أخوتي المشاهدون , وصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة , مهاجراً من مكة ,وعندما وصل إلى هناك أتت امرأة عاقلة , دينه , محتسبة ,تقية , من سادات نساء أهل المدينة اسمها " أم سليم الأنصارية " .
أرادت أن تهدي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ,وأن تتحفه بتحفة ,وبهدية فلم تجد شيء أعز من ابنها الوحيد " أنس ابن مالك " .
بحثت , ليس عندها مال ,والرسول صلى الله عليه وسلم ليس بطالب مال ,ولا عندها ملابس ,ولا عندها شيء .؟
فأتت بهذا الأبن في العشر سنوات الذي هو أحب إليها من قلبها الذي بين جنبيها .
فأغسلت ابنها ,وطيبته ,وألبسته ,وأخذته بيدها وذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ,وقالت : يارسول الله هذا أنس ابني دعه معك يخدمك يا رسول الله .
خادم يعني , وانعم بهذه الوظيفة العظيمة ,ويكفي أنس ابن مالك شرف أنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فيقبله صلى الله عليه وسلم , يتقبله يقبول حسن ,وتقول : وهي العاقلة , الحصيفة الزكية : يا رسول الله ادعوا إلى انس .
لأنه إذا دعا , يبدأ تاريخ أنس , تبدأ البركة مع أنس ,يبدأ الفتح من الله , يبدأ النجاح .
قال صلى الله عليه وسلم : الله كثّر ماله وولده ,وأطل عمره ,وأغفر ذنبه , اللهم كثر ماله ,ولده ,وأطل عمره ,واغفر ذنبه .
أي دعاء ابرك في الدنيا ,والأخرة من هذا الدعاء ؟.
فأما إكثار المال , فأكثر الله مال أنس فكان لا يدري أين يضع المال ,وأما ولده فكثر الله له من الذرية حتى انه يقول : دفنت يوم دخلت البصرة مئة من صلبي , يعني مئة فقط هؤلاء الذين دفنوا ,و الباقي حي , الذي من أولاده ,وأولاد أولاده ,وأولاد بناته ,وأحفاده ,وأسباطه .
وأطال الله عمره فقارب المئة ,وقيل ليف عليها .
وأما غفران الذنب , فعند الله هذا محقق بدعاء الرسول عليه الصلاة والسلام .
فانظر إلى هذا المعنى الجليل الذي سلكه صلى الله عليه وسلم مع أنس فإن تكثير المال ,والولد مع تقوى الله عز وجل رزقٌ ,و خيرٌ من الله .
فكونك أي ترزق بأولاد ,وبنات ,ولو كانوا كثيرين ,ولكنهم على صلاح وتقوى فإنك أنت الرابح , تربح في الإنفاق عليهم , تربح في الصبر على تربيتهم , تربح أنك أكثرت عدد المسلمين ,وأكثرت ثواب المؤمنين , تربح لأنهم يدعون لك .
تصور أن عندك بنيات ,وأبناء ,وقد أصبحت في قبرك هذا يدعو لك في غرفة ,وهذا على سجادة ,وهذه في مكة تعتمر ,وتدعوا لك ,وهذه طائفة ,وهذه تتصدق عنك ,وهذا الولد يُنفق عنك نفقة .
فيا لله ما أعظم الثروة إذا كانوا أبناء صالحين , يررة , أخيار , وتكثير المال أيضاً خير , إذا كان من خير ,ومن حلال , وصرف في حلال .
فأنه تكف به وجهك ,وتكرم به ضيفك ,وتعطي أقاربك ,وتسدي الخير للناس ,وتنفع المساكين ,والفقراء فهو خير إلى خير .
وإطالة العمر في طاعة الله فضيلة عظيمة ,و ملقبة شريفة , موهبة ربانية .
حتى يقول صلى الله عليه وسلم : " خيركم من طال عمره ,وحسن عمله " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " وأعلموا انه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً " , يعني طول العمر لا يزيدك إلا خير , لأن هذا طول العمر تستطيع أن تسّبح فيه ,وتعبد الله فيه ,وتكثر من التلاوة ,وتصلي عدد من الصلوات .
حتى بالمناسبة هناك حدث , رجلين جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , أخوان فأعطاهم طلحة بن عبيدة للصحابي ليبقيا عنده كان غنياً .
أما احدهما فقتل في سبيل الله شهيداً ,والثاني بقي أربعين ليلة بعده ثم مات على فراشه , فرأى طلحة الضيفين الأخوين هما في الجنة , فإذا الذي مات على فراشه أرفع من الشهيد بأربعين درجة .
فذهب فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه قال : كم مكث بعده ؟ , يعني الذي مات على الفراش أصبح في الجنة أرفع من الشهيد .
قال : كم مكث بعده .
قال : مكث بعده أربعين ليلة .
قال : كم صلى من صلاة ,وكم ذكر الله ,وكم سبّح الله ,وكما قال صلى الله عليه وسلم , يعني انه في الأربعين يوم ,أربعين يوم صلى صلوات ,ودعا دعوات ,وسبّح تسبيحات .
يا أخي العمر فرصة فأرجوك اجعل كل ساعة طاعة ,وجهها إلى الواحد الأحد , هو مزرعة للآخرة ,مساكين الذين فهموا أن الحياة هي فقط للشهوات ,والمغريات ,والملهيات ,واللذائذ ,وإنها مجرد متعة , ومجرد لعبة .
عندما سافرت إلى أوربا كنت انظر إلى الشوارع , صحيح أنهم أنتجوا في عالم المادة ,و صنعوا لأنهم عندهم ناطحات سحاب , والله إني أتذكرهم ,وأنا أراهم ,وهم يقفزون في الشوارع ليس عندهم صلاة ,ولا طهارة ,ولا توحيد ,ولا إيمان .
عندهم عضلات قوية , عندهم سيارات , عندهم مصانع , عندهم معامل , لكن آلة , الإنسان عندهم مثل الآلة , ليس عنده روحانية , ليس عنده نور , ليس عنده هدايه , ليس عنده صلة بالواحد الأحد .
وإنني أتذكر قول الباري سبحانه وتعالى عن أعدائه : {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } .
مسكين الذي يظن أن هذه الحياة هي الستون سنة , أو السبعون التي يصرفها كما يشاء .
بعضهم الأن يصرفها أكثرها في العمار خادم للدنيا , بعضهم في جمع المال حتى يموت وهو يجمع المال ,ولم يستفد من المال شيئاً .
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته , أتعبت جسمك فيما فيه خسرانُ
أقبل على الروح واستكمل فضائلها , فأنت والروح لا بالجسم انسانُ
والى لقاء , بارك الله فيكم .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4159