|
|
|
| عائض القرني |
أيها الأخوة المستمعون , والمشاهدين سلام الله عليكم و رحمته وبركاته .
جاء صحابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسأله سؤالاً , عظيماً دقيقاً , محققاً , لا أجمل منه ولا أحسن ببساطة , بإختصار يقول : يارسول الله من نجا , يقول : دلني على النجاة , ماهو العمل الذي ينجيني من غضب الله ,ومن عذابه ؟ , ماهو العمل الذي يمكن أن أنال به رضوان الواحد الأحد ,وان أنجو من ناره ؟ .
من نجا يا رسول الله ؟ .
فيجيبه صلى الله عليه وسلم بسطر هو أجمل السطور ,وأحسن الكلام ,وأفيد الجمل , بسطر واحد ,أرجوك أن تسجل ,وأنت تسمعني الآن هذا السطر ,اكتبه أولاً في قلبك ,وسجله بقلمك ,وعلقه عند رأسك في المكتب ,أو في غرفة النوم ,أو في المجلس .
يقول الرجل : يارسول الله من نجا ؟ .
فيجيبه صلى الله عليه وسلم : كفَ عليك لسانك ,وليسعك بيتك ,وابكي على خطيئتك , كفَ عليك لسانك ,وليسعك بيتك ,وابكي على خطيئتك .
فأما قوله صلى الله عليه وسلم , روا هذا الحديث الترمذي , أما قول صلى الله عليه وسلم : كفا عليك لسانك فمعناه احبس هذا اللسان إلا من خير , حافظ على كلماتك وجملك ,ولا تقول إلا خيراً , اجتنب الشر , اجتنب أن تقول سوءاً بهذا اللسان , اجتنب ما يثمر عن هذا اللسان من عمل مضرٍ من ضلالٍ ,من فحشٍ .
ولذلك تسعة أعشار الذنوب من اللسان , الغيبة , النميمة ,الاستهزاء ,اللعن , القذف , شهادة الزور , السخرية من المؤمنين ,وغيرها من هذه القائمة البذيئة , القائمة الموحشة , كلها من اللسان .
فقال صلى الله عليه وسلم : كفَ عليك لسانك ,ولهذا في حديث الترمذي عن معاذ , يقول : يارسول الله وهل نؤاخذ بما نقول ؟ .
قال : ثكلتك أمك يا معاذ ,وهل يكب الناس في النار إلا حصاد ألسنتهم .
هذا اللسان هو ثعبان في الحقيقة إذا أطلق فينبغي أن تحبسه إلا من خير .
{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } .
قال : كفَ عليك لسانك ,و ليسعك بيتك , يعني عند الشر ,و عند الفتن عليك أن تلزم بيتك .
البيت كما يقول التاندي ( شاعر من ايطاليا ) : البيت مملكة الأفكار لن تسعد إلا في بيتك .
إذا لم تسعد أنت في بيتك ,ومع أسرتك ,فأعلم انك لن تسعد في مكان أخر , أن تسعد في قصور الناس ,ولا في بيوتهم .
بيتك ولو غرفة من طين ,أو خيمة هو مكان السعادة , لأنك في بيتك تصلي ,وتقرأ ,وتنام ,وتتحدث ,وتمزح ,وتضحك ,وتأخذ راحتك ,و وضعك الطبيعي في الجلسة ,والهدوء ,وملاعبة الأطفال ,والأنس بالأهل .
فبيتك هذا مكان السعادة , خاصةً إذا كان هنالك فتن ,والقضاء على الأوقات كما يحصل في حياتنا الأجتماعية الآن .
الأن عندنا فوضوية في مجتمعاتنا , في عزائمنا ,ولائمنا ,والمناسبات , كلها كلام فارغ , كلها ضياع على الزمان , ضياع للعمر .
نلتقي في الزواجات , في الأفراح , في المأتم , نلتقي في المناسبات , فنضيع الزمان بلا طائل
, بلا لا علم نافع , لا مدارسة لشؤون المسلمين , لا مشاورة في خير , لا مناصحة , إنما ضياع في ضياع .
فإذا وصل هذا الحال , ليكفَ عليك لسانك ,وليسعك بيتك , ثم قال : وابكي على خطيئتك , ومعنى وابكي على خطيئتك , اندم على مافعلت , وحاول أن تستغفر ,وأن تراجع ربك ,وأن تستعرض ما سلف منك من الخطيئة , فانه ليس هنالك معصوم إلا رسول أهدى صلى الله عليه وسلم .
وكلكم خطاء ,وخير الخطاءون التوابون , من الذي لم يسئ قط ,ومن له الحسنة فقط , أنت الذي سوف تحاسب على الخطأ الذي صدر منك ,لن يقوم أحد بالدفاع عنك ,ولن يقوم احد بتحمل أوزارك ,ولا ذنوبك ,ولا خطاياك .
عليك أن تصحح هذا الخطأ ,أن تستعرض سجلك اليومي ,والشهري ,والسنوي , فإن كنت وجدت خيراً احمد الله ,وان مجدت سوءاً فافعل خيراً .
{وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ }
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ } .
اجعل مكان السيئة حسنة , الأستغفار , الندم , الصدقة , الصلاة , بر الوالدين , حسن الخلق , كلها صدقات , تكفّر عنك السيئات , والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار .
وهذا الحديث المختصر ,والموجز لكنه البليغ , قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفَ عليك لسانك , وليسعك بيتك ,وابكي على خطيئتك ".
في هذا موقف ,وهو أن الصحابة كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم السؤالات العلمية , النافعة التي توصلهم إلى رضوان الله ,وتباعدهم عن غضبه .
لم يشغلوا أنفسهم بالخلافات الفقهية ,ولا بالردود ,ولا بالجدل العقيم ,ولا بالطرح الفلسفي ,ولا بزبد الثقافة .
كان كلامهم محدد , كان كلام عملي ,اتوا هم في الحياة لمهمة ,اتوا للدنيا في زيارة قصيرة لنشر الخير , والرسالة التي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكانوا حريصين على حفظ الوقت .
فقال : من نجا .
فأجابه صلى الله عليه وسلم : " كفَ عليك لسانك ,وليسعك بيتك ,وابكي على خطيئتك .
أيها الأخوة لا استطيع أن أقول أفصح من هذا الكلام الذي قاله سيد ولد لآدم صلى الله عليه وسلم .
إنما اهدي لكم هذا السطر لتكتبوه , وتتدبروه ,وتعملوا به نفع الله الجميع بما سمعنا .
وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى ,وآله وصحبه ومن والاه .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4155