الحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه .
أيها الأخوة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمته وبركاته " قافلة ابن عوف " عبد الرحمن ابن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه .
كان تاجراً كثير التجارة , كثير المال , غنياً ثرياً ,أتته قافلة من الشام , ألف جمل محملة بالأرزاق ,والثياب ,وحاجات الناس ,وأقبلت القافلة تشق طريقها إلى المدينة المنورة .
وهذه القافلة ألف جمل هي عبارة عن قطار طويل كبير من البضائع ,والأرزاق ,والحمولة ,وخرج تجار المدينة يستقبلون هذه القافلة ,ويربّحون ابن عوف , فيها فائدة ,وخرج هو معهم ,وإذا بالقافلة تدلف ,والجمال مائة ثم مائة ثم مائة حتى اكتمل ألف جمل .
فقالوا التجار : يا ابن عوف نعطيك في كل درهم درهم , يعني ضعف , دبل على التجارة , على الفائدة يعني .
قال : وجدت من زادني على ذلك .
قالوا : نعطيك في الدرهم درهمين , يعني الضعف مرتين , الدبل مرتين .
قال : وجدت من زادني على هذا .
قالوا : نحن تجار المدينة ,وما زادك احد .
قال : إن الله سبحانه وتعالى أعطاني في الدرهم عشرة دراهم إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة ,أشهدكم إن هذه القافلة في فقراء المدينة ,وفي مساكين أهل المدينة ,وفي أيتام أهل المدينة ,وهي في سبيل الله , فتوزعها على الفقراء ,وتوزعها المساكين ,وتوزعها الأيتام ,ودخلت في بيوتهم , فتحول الفقراء في ليلة واحدة ,والأيتام ,والمساكين إلى أغنياء .
وتولوا الفقراء ,والمساكين ,والأيتام يبكون ,ويقولون : سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة .
يالي هذه التجارة الرابحة , بالله هل سمعتم ببيع أحسن من هذه البيعة , يا أيها الأثرياء ,يا أيها الأغنياء رسالة من ابن عوف لكم عبر أربعة عشر قرن , ألم تسمعوا , ألم تصدقوا , قصة ثابتة في التاريخ ,وفي الحديث الصحيح أنه وزعها في ساعة ,وفي جلسة واحدة إلف جمل بأحلالها ,وأكتابها ,و بحمولتها ,وببضائعها ,وأرزاقها , كلها .
ثم عاد إلى بيته بعصاه ,ولم يعد بشيء من الدنيا , لكن هذه القافلة بقيت أضعاف مضاعفة عند الواحد الأحد ,والله ذهبت الدور ,والله مات أصحابها ,والله ذهبت القصور ,والله انتهت الخزائن ,والله لم يبقى إلا مادفع لله الواحد الأحد , أو عند الله سبحانه وتعالى .
{إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } , {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
لا أدري ما نفع من يكدّس أموالاً طائلة ,ويبني أبراجا تنطح السحاب , ولكنه مكفر من عمل الخير , لم يستفد من أحد , لم يكفل يتيماً ,ولم يطعم جائعاً ,ولم يكسو عارٍ ,ولم يتصدق بصدقة ,ولم يفعل مشروعاً ,ولم يحفر بئراً ,ولم يبني مسجداً ! .
لا ادري ماذا يريد هذا الشقي , المحروم , البخيل ! .
لا أدري ما الذي يخطط له ,وماهي طموحاته ! .
أيها الممسك أمواله غداً سوف تفارق هذه الحياة إلى قبرٍ ضيق ,والى لحدٍ ضيق , والله لا تأخذ معك لا درهمً ,لا دينارً , ولا سيارةً ,ولا فلةً ,ولا قصراً ,ولا شيكاً ,ولا رصيداً .
والله انك تذهب من هذه الحياة بكفن , تأخذ من الحياة كفن ,وانك تجرد حتى من ساعتك الشخصية ,ومن أقلامك ,ومن ثيابك ,ومن غضرتك , تسلم قطعة لحم كما أتيت من بطن أمك في القبر , لا ينفعك إلا ما قدمت .
يا أثرياء المسلمين ,يا أغنياء المسلمين , يا تجار المسلمين , استحوا من الله ,اذهبوا إلى الفقراء في الأكواخ ,وفي بيوت الصفيح ,وفي الخيام ,اذهبوا إليهم في البوادي , اذهبوا إليهم في بيوت الطين , إنهم ينامون في العراء , ينامون على التراب , لا يجدون كسرة خبز , إنهم ينامون ,والجوع يعصر بطونهم , إنهم لا يجدون ملابس للعيد ,ولا فاكهة ,ولا لحم .
وأنتم , وأنتم تلعبون بالمال ,وأنتم تصرفون هذا الصرف ,وهذا البذخ الذي لا حدود له .
متى يستيقظ ضمير التاجر المسلم ,ويشارك أخوانه , يشارك المسلمين في تجارته , فيبارك الله في تجارته ,ويطّهر ماله ,ويزكّي روحه ,ويقبل عمله ,و يضاعف له الأجر عند الواحد الأحد .
الدرهم الذي تنفقه هو الذي يبقى ,أما الدرهم الذي تلبس منه ,وتأكل منه فهذا الذي يفني ,ولا شك , فكيف بمن رصد أموالاً كثيرة ,وخزّن خزائن ثم يموت ,ويتركها ,ولا يستفيد منها .
إن هذه الرسالة " قافلة ابن عوف " معناها تقول للناس هلموا إلى ربٍ رحيم , ادخروا وتاجروا ,مع الله سبحانه وتعالى في تجارة باقية حتى يضمن الله لكم رأس المال , و الربح عنده سبحانه وتعالى , ماعندكم ينفذ ,وما عند الله باقٍ .
هنيئاً للمنفقين , هنيئاً للمتصدقين , هنيئاً للباذلين ,وقرة عين لهم ,وطوبا لهم .
أسأل الله أن يجعلنا ,وإياكم ممن ينفع عباده ,وممن يمتثل أمره ,وممن ينتهي عن نهيه .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4153