الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو خليفة المسلمين آن ذاك, يصلي الجمعة, خرج خطيبا, سوف يخطب في من, من هم الجمهور, كبار الصاحبة وعلماء الصحابة وشهداء الصحابة من المهاجرين والأنصار.
خرج من بيته لا يملك إلا هذا الثوب الذي عليه, مرقع هذا الثوب, وهو خليفة يحكم اثنتان وعشرين دولة معه عصا يرتك عليها, غسل ثوبه وجففه ونشّفه, بلا كي ولا ثياب جديدة ولا تغيرات ولا شيء, هو نفسه ثوبه الذي يصلّي به وينام به ويحكم به ويقود الأمة والدولة, رضي الله عنه وأرضاه.
فلما مشى في الطريق يريد أن يدخل المسجد ويصعد المنبر, وهو في الطريق مرّ تحت ميزاب هذا الذي يصب منه الماء في سقف وسطح البيت, للعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم, وإذا بما ينزل وفيه دم, فوق الدم والماء على ثوب عمر, فغضب عمر لأن هذا ثوب وحيد عنده, ويصلّي الجمعة ويخطب المسلمين, وهو الخليفة, فأخذ الميذاب ونزعه وطرحه في الأرض من الغضب, وعاد إلى بيته وغسل الدم, ودخل وخطب الناس وبعد الصلاة, خرج هو والمسلمون من المسجد, واجتمعوا, قال للعباس لماذا تؤذي من في الشارع, فأخبره العباس ببساطة, يقول اشتهينا على دجاجة وذبحناها قبل الصلاة لهذه الدجاجة, وسال دمها من الميذاب, فقال عمر, فقال عمر فأنا قلعت الميذاب, يعني تأديب وتعزيز, قال كيف تقلع الميذاب والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه بيده, يعني لما بنوه, وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك المرحلة, يعني في خلافة عمر, قال العباس لما بنيت البيت فأتى وهو الذي وضع الميذاب بيده, قال عمر, أسالك بالله, أرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع الميذاب مكانه, نعم والله الذي لا اله إلا هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جعل الميذاب مكانه, قال عمر والصحابة ووقف المسلمون والله الذي لا اله إلا هو لأركدنّ يعني يدي كما يركد البعير, ولتصعدن أنت بالميذاب على ظهري وكان إكرام للرسول صلى الله عليه وسلم, ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع هذا الميذاب وأنا كنت لا أدري انه وضعه, فتعذيرا لي وتأديبا لي أنا أركد على الأرض, عمر بن الخطاب الذي زلزل دولة فارس, الدولة المستبدة الظالمة, الذي زلزل كيانه وأزالها من على وجه الأرض, عمر الذي زلزل دولة الروم ودولة هرقل حتى يقول شاعر مصر محمود غنيم:
يا من يرى عمرا تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتزّ كسرى على كرسيه فرقا من خوفه وملوك الروم تخشاه
ويقول حافظ إبراهيم الشاعر وادي النيل في حق عمر, يقول:
حسبي وحسب القوافي حين أرويها, أني إلى عمر الفاروق أهديها
كل الملوك تنحّوا عن مناصبكم, فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها.
هذا الإمام يقف بتواضع وخشوع وانكسار أمام السنة وأمام صاحب السنّة تقديرا واحتراما فيه صلى الله عليه وسلم,
ويبرك على يديه ورجليه ويصعد العباس والناس موجودون, وكان العباس طويلا وثقيلا, بدينا, فيأخذ الميذاب ويصعد على ظهر عمر الخليفة رضوان الله عليه, الراشد الإمام العالم الرباني الخاشي لله عزّ وجل, الحاكم العادل, الفاروق فاروق الإسلام.
يصعد على ظهره ويعيد الميذاب, وفي ذلك احترام لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم, واحترام سنّته وتوقيره, وهذا حق المسلم.
إذا ذكر محمد عليه الصلاة والسلام وسنّة محمد عليه الصلاة والسلام, فما عليك إلا الخشوع والإنصات والإذعان والاحترام, لا تضحك ولا تمزح إنما هو الجد, إنما هو العبودية, إنما هو الاستسلام لرب العالمين, والإتباع لهذا النبي الذي لن تدخل الجنّة إلا من طريقه ولن تنجو إلا إذا اتبعته, ولن تفلح إلا إذا مضيت على خطاه صلى الله عليه وسلم.
كما قال سبحانه : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21
ويقول عليه الصلاة والسلام : " من رغب عن سنّتي فليس مني "
الإتباع الإتباع كما يقول مالك, ما منا إلا راد ومردود عليه, إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام.
العلماء تأخذ, تعرف وتنكر, الساسة القادة المفكرون الأدباء, كل طوائف الأمة, إلا الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم,
عصم الله قلبه ولسانه وسمعه وبصره ومنهجه وزكى لسانه ومدح خلقه, {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4
فهذا المشهد, ينبع عن مدى احترام الصحابة وحبهم للرسول عليه الصلاة والسلام, وتكريم مكانته وإجلاله عليه الصلاة والسلام,ومعرفة حقه,وعمر أرسل هذه الرسالة أما العالم, أنه كان يستغفر ويندم أنه أزال الميذاب,لكن لتنقل هذه الصورة ويعرفها الناس وهي أفضل وأبلغ من ألف محاضرة وألف درس وألف خطبة, للعالم.
وعلى التراب وفي السكّة في الشارع, يبرك عمر بن الخطاب ويصعد العباس, على ظهره ويعيد الميذاب,مكانه لأن رسول الله صلى عليه وسلم هو الذي وضع الميذاب في مكانه, فالله أي جيل كان جيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما أجمل سيرتهم, ما أجمل منظرهم, ما اصدق أتباعهم, وما أكثر حبهم لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم, أسال الله أن يحببنا فيه وفي كتابه وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رسوله وأسال الله أن يجعلنا خير خلف لخير سلف, نقتدي بآثارهم, نقرأ علومهم ونستفيد مما تركوه لنا من مغنم, نبني كما بنوا.
وصلاة الله وسلامه على رسوله المصطفى والى اللقاء.
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4132