الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه , سلام الله عيكم و رحمته و بركاته .
أيها الأخوة الكرام , وقف الرسول صلى الله عيه و سلم في غزوة , و هو يجهز لغزوة تبوك , غزوة عسرة , جيش العسرة في المدينة في شدة الحر , في القائلة , يوم تلتهب الرمضاء كأنها نار جهنم , وقف على المنبر صلى الله عيه و سلم , يجهز جيش و هو جيش عظيم , قيل يقارب الثلاثين ألف .
و من المدينة إلى تبوك مسافة هائلة , تتقطع فيها أكباد الإبل , و لم يكن عندهم وسائل كما هذه الوسائل .
ولا أيضا وسائل للراحة أو التكييف أو على نحو ذلك , و إنما شدة , و عنت , و مشقة , و رمضاء , و جوع و ظمأ .
فقال الرسول صلى الله عيه و سلم من يجهز جيش العسرة , لم يكن هناك كثرة مال , واحتاج الرسول صلى الله عيه و سلم إلى دعم من الصحابة ليفتح لهم باب التبرع , و باب الصدقة ويثيبهم الله على ذلك ويبتليهم الله سبحانه و تعالى , ليعلم الصادق من الكاذب .
فقام عثمان بن عفان السيد رضي الله عنه و أرضاه العابد العالم من أخيار أصحاب النبي صلى الله عيه و سلم , قام في المسجد كأنه علم في رأسه نار , فقال أنا عليّ يا رسول الله , قيل أنه جهز ثلاثة آلاف , وقيل جهز الجيش كله و هذا الصحيح , عليّ تجهيز الجيش , فقال الرسول صلى الله عيه و سلم , غفر الله لعثمان ما تقدم من ذنبه و ما تأخر , ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم .
بهذا الموقف , يقال ما يضرك ما تصنع بعد هذا اليوم , يكفيك هذا الموقف أن يأتي على خطاياك و على ذنوبك , و أحيانا الحياة هي مواقف .
الحياة هي موقف من الصدق ,موقف من الجمالة , موقف من المروءة , موقف من الشهامة .
الحياة فرص , إذا فاتتك الفرصة لن تعود مرة ثانية .
من فرص الحياة , أن يمر بك فقير وتستطيع أن تحسن إليه و لا تحسن إليه .
من الفرص , أن يأتيك ضيف يقصدك فلا تكرمه , فتفوت عليك الفرصة .
من الفرص , أن يأتيك إنسان مظلوم أو مضطهد أو مكروب , فتستطيع أن تفرج عنه أو تشفع له أو تقف معه , فلا تفعل , تفوت الفرصة .
الحياة مواقف , حياتك هي مجموعة من المواقف الإيجابية , فإذا أضعت هذه المواقف , فحياتك تعني صفر , و معناها أنك لم تؤدي دورك , و معناها أنك سوف تأسف و تندم حيث لا ينفع الندم , و لذلك الأنذال و البخلاء و الناقصون هؤلاء .
قد اضاعو ا فرص مثل الضيافة , فرص المساعدة , فرص العون , فرص الوقوف مع الفقراء و المساكين , فرص تعليم الناس و خدمة الناس و حسن الخلق مع الناس .
أما الكرماء الأجلاء الشرفاء , فهد أخذوا هذه المواقف , و لذلك عثمان اصطاد هذا الموقف .
يوم قال الرسول صلى الله عيه و سلم من يجهز جيش تبوك أي جيش العسرة وله الجنة , لا تفوته الفرصة .
و عثمان مقتدر , و في أيضا في القصة أن الكسب الحلال في الإسلام مطلوب , نحن لا نؤمن بالدروشة , إسلامنا لا يؤمن بدين الزوايا و الرهبة , الرهبانية , الرهبانية التي تدعونها ما كتبناها عليهم .
الإسلام عمل , السلام كسب من الحلال , الإسلام قوة في المال , قوة في الجانب العسكري , قوة في العلم في الفكر في الأدب .
فعثمان كسب المال من الحلال , و باع و اشترى رضي الله عنه , فصار عنده ثروة , و لكن انظر له كيف ينفق الثروة في لحظة واحدة .
و مرة من المرات أيضاً اصطاد عثمان موقف , ما أراد أن يفوته هذا الموقف , قال الرسول صلى الله عيه و سلم , من يشتري بئر روما للمسلين و دلوه مع دلائهم و له الجنة .
فقام عثمان , و هي البئر هذه بئر روما رجل من اليهود .
و فاشتراها عثمان و سبلها في سبيل الله , وقفها وقف .
الحياة أن تسجل مواقف مثل هذه .
بئر ترى أن تستطيع أن تشتريها , يا أخي البئر في أفريقيا يكلف حفره أربعة آلاف , يبنى مساجد الآن بعشرة آلاف في بعض المناطق تظل الناس من المطر و من الشمس .
هذه الِأشياء تنقذك من النار , بعشرين ألف تستطيع أن تبني مسجد أخر , قد تأتي ببرادة ماء تضعها في الشارع , فيشرب منها العمال و الفقراء و المساكين , تدخل الجنة .
يا أخي امرأة بغي من بني اسرائل , أسقت كلب فغفر الله لها وادخلها الجنة .
المواقف لا يشترط أن تكون باهظة كثبراً مكلفة عليك , ما تدري .
أحيانا الكلمة الطيبة صدقة , البسمة صدقة , تتصدق في السر و العلن ما تدري , ربما تدفع رغيف إلى جائع إلى فقير إلى مسكين , فيكون مهرا لدخول الجنات النعيم .
إذا فانظر إلى هذا الإيمان عثمان بن عفان رضي الله عنه , كيف اقتنص الفرصة كيف اصطادها .
لم يتركها تفوت أبدا , لو فاتت من عثمان من يضمن له أن يأتي يوم آخر و يطلب أن يجهز جش آخر .
من يدري , قد يموت و تذهب عنه هذه الفرصة , و لذلك سبق هو و أخوانه من المهاجر و الأنصار , سبقوا الناس جميعا بالبر و العطاء والتضحية .
هم دفعوا أساسا أرواحهم رخيصة في سبيل الله .
قدموا رؤوسهم , قدموا أموالهم , قدموا أوقاتهم فرضي الله عنهم و أرضاهم .
فأقول أنا , أنا و أنت ماذا قدمنا .
ما عندنا لا جهاد و لا هجرة ولا بدل الأموال , و لا تضحية في سبيل الله , يعني يطلب منا أن نصلي صلاة الجماعة في المسجد , و تجد المتكاسلين المتراخين منا .
يطلب منا أن نبر والدينا نرحمهم , و تجد من يعق والديه لدرجة الإغلاط و الضرب لهما .
يطلب منا صلة الرحم , فتجد القاطع .
يطلب منا الصدق و الكسب الحلال , و في مجتمعنا الآن من شاخ وشاب وهو يتعامل بالربة و القمار و الميسر .
أي جيل يريد أن يتبع دين محمد صلى الله عيه و سلم وهو بهذا الحال .
أعاد الله لي عودا جميلاً , وردنا إلى كتاب و سنة الرسول صلى الله عيه و سلم , وبارك الله فيكم و إلى لقاء .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4124