الحمد لله ,والصلاة والسلام على رسول الله ,وعلى اله وصحبه ,ومن والاه .
سلام الله عليكم ,ورحمته ,وبركاته .
يروي لنا عبد الله بن عباس الطفل الذي ترعرع في التقوى ,ونشئ في الإيمان عمره ثماني سنوات ,يوم يروي هذه القصة في حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ليلة من الليالي أراد ابن عباس هذه الطفل عمره ثماني سنوات قال انه
بأطفال الآن في الثماني ,والعشر سنوات ,ليست هي باهتماماته في الغالب ,ليست هي مراداته ,كيف يقضون النهار ؟ .
هذا الطفل كان يحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,يحفظ القران
يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ,يحفظ سنته للأمة .
فأراد أن يعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ,وحياته البيتية في الليل ,وكان صلى الله عليه وسلم متزوج خالة ابن عباس ميمونة .
فأتى,ن عباس فسبقت رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد بعد صلاة العشاء ,ليكتشف صلاة رسول الله ,كيف يصلي في الليل ,كيف يتهجد ,ماهو دعائه .
فأتى ,قال فدخلت في عرض الفراش ,الذي ينام فيه صلى الله عليه وسلم ,والغرف ضيقة من طين ,وفراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من وثير .
فنام هذا الطفل قال تناوم ,لم ينم
يقول الشاعر عن الذيب:( ينام بإحدى مقلتيه ,ويتقي بإحدى المناية ,فهو يقظان نائم ) .
فوصل رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت بعده فسلم على ميمونة ,وكان صلى الله عليه وسلم مونسا ,قريبا من أهله ,متواضع ,هاشا ,باشا ,كما وصفه ربه ( وانك لعل خلق عظيم ) .
فنظر صلى الله عليه وسلم إلى ابن العباس, وهو متظاهر انه نائم.
قال :نام الغليم (يعني الغلام ,لكن تصغير للتحبيب) .
قالت له : نعم نام .
هذا في الظاهر, لايعلم صلى الله عليه وسلم الغيب إلا ماقد أطلعه الله عليه .
قال ابن عباس ,أنا أسمع الكلام .
فأتى صلى الله عليه وسلم إلى فراشه فذكر الله, وسبح ثلاث وثلاثين, وحمد الله ثلاث وثلاثين, وكبر ربه ثلاثين.
وعلى الذكر نام صلى الله عليه وسلم ,قال :حتى سمعت غطيطا ,و خطيطا (وهو صوت النفس ,من الاستغراق في النوم ) .
ثم قام صلى الله عليه وسلم يعرك النوم,ويفرك النوم من عينيه ,ويقرأ أواخر سورة آل عمران ,وهي العشر آيات المباركات .
قال تعال : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ,الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }
في الآية .
قال ابن العباس ثم قام صلى الله عليه وسلم إلى خارج البيت ,إلى الخلاء .
قال ابن العباس :علمت
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يحتاج إلى الماء ليتوضأ ,فقام ابن العباس إلى إناء في طرف البيت ,وفتح القربة ,وملئ الإناء ,وخرج فوضع الماء .
وهذا من فقه ابن العباس ,ومن ذكائه ,وفهمه .
ووضع الماء خارج البيت ,فعاد صلى الله عليه وسلم ,ونظر إلى الماء ,وهو لايرى ابن العباس .
قال :من وضع لي هذا الماء ,ثم تذكر عليه الصلاة ,والسلام ,أنه ابن العباس ,أو علم أنه ابن العباس .
فقال صلى الله عليه وسلم :اللهم فقه في الدين ,وعلمه التأويل .
هذه أبرك ليلة في حياة ابن العباس ,دعوة من أصدق ,وأخلص الأمة ,وأفقهها لربها ,وأعبدها لله عز وجل .
الداعي عليه الصلاة ,والسلام ,والمستجيب الله ,اللهم فقه في الدين
,وعلمه التأويل .
والفقه في الدين أيها الأخوة هو من أعظم المكاسب التي يأتيها الناس رجالا ,ونساءً ,لا يتأسف فيه إلا على ساعة فاتتك في ,يعني لم تطلب فيها علما نافعا أو لم تتفقه فيها في شرع الله عز وجل .
والعلم في التأويل معرفة التفسير ,ولهذا كان ابن العباس أية في كتاب الله عز وجل ,معرفة ,وتفسير ,وتأويلا بحيث أنه المرجع الأكبر للأمة ,وهو أعظم مفسر في العالم .
حتى فسر سورة البقرة يوم عرفة من صلاة الظهر إلى صلاة المغرب ,وهو على ناقته .
يقول أحد الرواة : والله أظن لو سمعوا اليهود ,والنصارى ,لأسلموا عن بكرة أبيهم ,ماتلعثم في أية ,ولا توقف في حرف ,ولا أخطئ في جملة .
فلما دعا له صلى الله عليه وسلم ,توضأ صلى الله عليه وسلم ,وأتى يقوم يصلي يتنفل ,فلما كبر صلى الله عليه وسلم ,قام ابن العباس فتوضأ ,وهو طفل في الثامنة من عمره .
فوقف عن يسار الرسول صلى الله عليه وسلم ,والسنة موقف المأموم المنفرد عن يمين الأمام .
فأخذ صلى الله عليه وسلم وفرك بأذنه ,وأوقفه على يمينه فصلى معه تلك الليلة ,وحفظ دعاء رسول الله ,وأخبرنا كم تنفل صلى الله عليه وسلم ,ونقل لنا سنة صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل .
فجزا الله ابن عباس خيرا ,وصلى الله وسلم على النبي المعصوم .
وأسال الله سبحانه ,وتعالى أن يزيدنا فقها في الدين ,وعند هذه المسألة ينبغي أن ندرب أبنائنا ,وأن نعلمهم هذه السيرة الحميدة سيرة ابن عباس ,ونخبرهم كيف كان هذا الجيل ,جيل الصحابة يحرصون على الفقه في الدين
فهم كتاب الله ,وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ,كيف كانت همته عالية ,لم يكون أهل ضياع الأوقات ,أو قيل ,وقال ,أو غيبة ,ونميمة ,أو أصراف في المباحات التي لاتنفع ,والترف ,والبذخ ,واللهو ,اللعب ,الذي أخذ عليه الجيل ,وضيع أبنائنا ,وأجيالنا .
عودوا إلى تعلم السيرة المطهرة ,تفقهوا في الدين ,وفقنا الله ,وإياكم إلى مايحب ,ويرضى ,والى اللقاء .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4113