الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى اله وصحبه ومن والاه.
عنوان هذه الحلقة ,عناق جابر ,كان معنا جابر في جمل جابر ,والان في العناق ,والعناق: هي بنت الماعز ,الجفرة الصغيرة .
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,كان يحفر الخندق مع أصحابه ,وكانوا ألف مقاتل ,ألف مجاهد في سبيل الله ,ألف صحابي .
جاؤو رضوان الله عليهم ,لم يكن عندهم وفرة في الأشياء كما عندنا ,الأن قليل من يجوع في العالم الأن في قصدي ,خاصة في البلدان وفي الحواضر ,وفي المدن .
وحتى لو جاع ,فإنه جوع مؤقت ,فقد يأتي الى المساء ,فيحل هذه الأزمة ,لكن بعض الصحابة يمكث ثلاثة أيام جائع ,ويربط على بطنه الحجر .
بل ربط الله صلى الله عليه وسلم حجرين في غزوة الخندق ,حفروا الخندق حول المدينة ,وتصور الرسول الله صلى الله عليه وسلم ,كان يحفر معهم بيده صلى الله عليه وسلم ,ويحمل التراب على ظهره الشريف صلى الله عليه وسلم .
ولم يكتفي ,لم يقل لنفسه أنه قائد ,وأنه امام ,وانه امام الأمة ,ورسول رب العالمين ,فيبقى في مكانه أوفي بيته .
لا,بل شاركهم ,وكان الغبار على رأسه صلى الله عليه وسلم واشتغل بيده صلى الله عليه وسلم ,وحمل التراب صلى الله عليه وسلم .
حتى مرة عرضت لهم صخرة ,وهم يحفرون الصحابة ,لأن الخندق هذا يحمي المدينة ,لألاتقتحم ,وهذه فكرة من سلمان الفارسي رضي الله عنه .
لأنه من بلاد فارس ,وهي عند العجم ,وهذه الفكرة رائدة ,لأنهم أهل حضارة ,وكان عندهم دولة .
فالمقصود أنه عليه الصلاة والسلام ,لما حفر عرضت على الصحابة صخرة لم يستطيعوا أن يضربوا فيها ,فشكوا الى الرسول صلى الله عليه وسلم .
فأتى صلى الله عليه وسلم ,فأخذ الفأس أو الفاروح,هذه الألة القوية الحديدية التي يضرب بها الصخر ,فضرب بها ضربة ,فبرق بارق في السماء ,مثل أعظم برق .
قال :أريد قصور كسرى وسوف يفتحها الله علي ,
فضرب الضربة الثانية ,وقال :أريد كنوز كسرى وقيصر ,وسوف يفتحها الله علي فأستهزأ المنافقون الذين كانوا منتسين في الصف ,مستتيرين قاتلهم الله .
قالوا الأن الواحد منا يجرئ يذهب الى الحجة ,والأن يعدنا الرسول أن يفتح كنوز قصرى ,وقيصر .
أما المؤمنون فقالوا :صدق الله ,ورسوله ,والله سوف يحصل هذا ,فالمؤمنون قالوا صدق الله ورسوله ,ولم يزدهم الا ايمانا ,وتسليما .
وروا الله عن المنافقين ,قال : {و وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً }
وكان صلى الله عليه وسلم على بطنه حجران ,وبعض الصحابة ,حجر ,حجر ,وبلغ بهم الجوع ,ألف مقاتل يحفرون من الصباح .
جابر يقول : تذكرت طعاما في بيتي ,عناق صغيرة بنت ماعز ,يعني تكفي ثلاث ,أو أربعة من الجائعين .
قال: فذهبت الى بيتي فذبحت العناق ,ووضعتها في القدر تطهو ,قلت لزوجتي :هل عندك شيئ طعام .
فقالت :عندنا شيئ من الشعير .
قلت :اطحنيه , واعمليه للرسول صلى الله عليه وسلم ,فجعلته في البرمة ,هذا الشعير الطعام في البرمة ,وذهبت للرسول صلى الله عليه وسلم ,أريد أن اناديه بيني وبينه ,من أجل ألا يسمع الناس ,كلهم جائعون ,وبحاجة , فاقتربت من اذن النبي صلى الله عليه وسلم ,من اذنه الشريفة ,اذن الخير ,والنفع ,والحق .
قلت :يارسول تعال انت واثنين معك ,أوثلاث ,(حتى لايسمع أحد يعني ) لأنه جائع صلى الله عليه وسلم ,الجيش كله جائع .
فلما انتهى جابر من كلامه ,رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته في ألف مقاتل ,الف مجاهد .
يأايها الناس ان جابر بن عبد الله ,قد صنع لكم طعاما ,فحيا هيا بكم .
قال جابر :فأتاني طائق ,فطاقت عليا الدنيا وما فيها ,قلت ألم يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمي ,أو ما سمع كلامي ,أنا طلبت يأتي باثنين ,أوثلاثة ,لايوجد عندي العناق ماتكفي الا لاثنين أوثلاث ,وشيئ من الشعير ,لايوجد عندنا شيئ في البيت أصلا ,فنادى الأن الجيش .
قال :فذهبت أمامه ,وبي من الوجل ,ومن الخجل ,مايعلمه الا الله ,قال وسبقت عند زوجتي .
قلت :الرسول صلى الله عليه وسلم قلت يأتي باثنين أوثلاث ,فنادى الجيش كله ,أقبل ألف مقاتل .
قالت : الله ورسوله أعلم ,دع الموضوع ,هذا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم سيد المعركة ,وهذا نبي معصوم .
فأقبل صلى الله عليه وسلم أمام الجيش .
قال :ياجابر لا تنزل اللحم ,لا تنزل الطعام من على البرمة ,(البرمة القدر الصغير ) .
قال : فأقترب من اللحم ,واقترب من البرمة ,ونفث فيه ,من ريقه بصق , من ريقه الشريف ,المطهر, الطيب ,المبارك ,في هذا القدر ,وقال :بسم الله .
قال :ياجابر ,نادي لي عشرة ,عشرة ,البيت مايتسع عشرة ,يعني على السفرة ثم عشرة ,وهم ألف مقاتل .
يعني مئة وردية .
قال :فنادى عشرة ,واللحم موجود بينهم ,لحم هذا العناق ,والشعير ,فيأكولون حتى يشبعون ,قال :ثم عشرة ,ثم عشرة ,ثم عشرة , كلما أكلوا وشبعوا قاموا .
فلما انتهى الألف مقاتل ,الألف جائع ,كلهم شبعوا ,بقي جابر ورسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال صلى الله عليه وسلم : بقيت أنا وانت يا جابر .
قال :صدقت يا رسول الله .
قال : تعال .
قال جابر :والله الذي لا اله الا هو ,انا اتينا واذااللحم بحاله لم ينقص منه شيئ ,والشعير بحاله ولم ينقص منه شيئ .
فأخذ وسم صلى الله عليه وسلم ,وأخذ ياكل والتفت الي.
قال :ياجابر اشهد اني رسول الله .
قال جابر :قلت أشهد يارسول الله .
يقول جابر هل يوجد علامة أكثر من المعجزة هذه ,هل يوجد أكثر من هذا برهان ,ألف مقاتل ,ألف جائع ,ألف مجاهد ,يأكلون ويبقى هذا الطعام كله .
قال : ياجابر اذا أكلت أنت ,وأهلك ,فوزعوا هذا ,يعني تصدقوا فيه على المدينة
قال :فأخذنا نوزع على المدينة ,بيوت أهل المدينة ,الحارات ,شيئ من اللحم ,وشيئ من الشعير , يقول والله لم أنسى بيت في المدينة الا و قد وصلهم شيئ من اللحم وشيئ من الشعير .
وهذا من بركة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام ,وهذا الطعام مثل طعام جابر يعتبر معجزة ,من معجزات نبوته صلى الله عليه وسلم .
فهنيأن لمن عاش معه ,وهنيأن لمن صدق رسالته ,وهنيأن لمن اتبعه ,وهنيأن لمن جلس معه ولو جلسة أو رأه بابي وأمي صلى الله عليه وسلم .
انظر الأن الى حاله صلى الله عليه وسلم ,يحفر مع الصحابة, ويحمل معهم التراب ,ويجوع عليه الصلاة والسلام ,وهو الذي رفض أن تحول له جبال الدنيا ذهبا .
لأن ملك الجبال أتاه قال :ان الله أرساني اليك ,وأمرني أن أحول لك جبال الدنيا كلها ذهبا ,يريد أن يحولها ذهبا ,باذن الواحد الأحد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا ,أشبع يوما ,واجوع يوما ,حتى ألقى الله .
رسوانا صلى الله عليه وسلم , هذا النبي الكريم كان ينام بعض الليالي لايجد كسرة خبز ,لايجد حتى حفنة تمر .
ومع ذلك كان عنده من الايمان والمعارف القلبية ,والفتوحات اللاهية ,وأعمال من الذكر ,الدعاء ,وهذا الذي يشبع الروح .
ولذلك أوصي الناس ,أن لايكون تركيزهم على فقط الطعام , أن يكون عندكم زاد ,فقوت الروح أرواح المعاني ,وليس بان طعمت ولا شربت ,فقوت القلب هو الذكر ,الصلاة ,الدعاء , تلاوة القران ,العمل الصالح .
حتى يقول أحد الشعراء :
لها أحاديثم من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد ,لها بوجهك نور تستضيئ به ,ومن أحاديثك في أعقابها حاد ,
اذا تشكت كلال السيل أسعفها شوق القدود فتحيا عند ميعادي ).
فالرسول عليه الصلاة والسلام فتح الله عليه من الايمان العظيم ,ومن حب الله عز وجل ,ومن التلذذ بذكره ,ومن حلاوة طاعته , ومن الشوق لعبوديته ,ماأنساه حتى الطعام والشراب .
ومع ذلك فانه صلى الله عليه وسلم سعى بمعجزة الى أن اشبع الجيش كله ,والا أن اشبع المدينة , ومنها ماكان عيه الصلاة والسلام من التواضع ,فانه أكل بعد الجيش .
لاحظ أنه هو المضيف صلى الله عليه وسلم يدخلهم عشرة حتى يشبعون ,وصبر حتى أكلوا مئة مرة ,يعني أكلوا مئة وردية ,مئة فرقة ,وهؤلاء المئة هم في عشرة يعتي ألف .
وبعد ذلك وهو صلى الله عليه وسلم واقف يأكلون حتى يشبعوا ,يأتي بعد أخرهم صلى الله عليه وسلم ,ويأكل ,ومنها أن الانسان يحاول أن يؤثر على نفسه,أن يكون خادم لضيفه ,وان لايستعجل أمام الناس ,يعني يستأثر عليهم بالطعام ,او ان يستاثر عليهم بالمجلس الطيب .
ولكن يكون عنده شمم ,وان يكون عنده همة ,وان يكون عنده رجولة ,يحاول أن، يكون كريم ,ويؤثرون على أنفسهم ولو كانوا بهم خصاصة .
كما يقول حاتم الطائي في قصيدته :( اذا كنت ربا للكنوس فلا تدع رفيقك يمشي خلفها غير راكب , فأنخها فأركبه فان حملتكما فذاك وان كان العقاب فعاقب ).
أسال الله أن يهدينا واياكم سبيل الرشاد ,وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما .
http://www.alresalah.net/#textsdetail.jsp?pid=324&sec_id=4094