|
|
|
| راغب السرجاني |
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم , ان الحمد لله , نحمده و نستعينه ونستغفره ونستهديه .
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , انه من يهده الله فلا مضل له .
ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأشهد ان محمد عبده ورسوله , أما بعد فأهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء المبارك .
وأسأل الله عز وجل ان يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين .
والحلقة التاسعة من حلقات فتح فلسطين والشام , وفي الحلقة السابقة , تحدثنا عن وصية الصديق الرائعة جدا ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم , وهي وصية توجه الى من أراض أن يحرر فلسطين .
وصية تكلم فيها عن التقوى , تكلم فيها عن حسن الإدارة , تكلم فيها عن حسن القيادة , عن استقبال الرسل , عن الحرب , تكلم عن أشياء كثيرة جدا جمعت بين طياتها , الفكر الرائع الذي كان عليه الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
وخرج بفضل الله جيش يزيد ابن أبي سفيان , وبعده بثلاث أيام خرج جيش شرحبيل ابن أبي حسن .
جيش شرحبيل ابن أبي حسن كان من البداية جاهز , ومع ذلك أخره الصديق ثلاثة أيام .
لماذا أخره الصديق ثلاثة أيام ؟
أولا لأنه هنالك عيون رومانية تتابع جيش الإسلامي , فلا تكتشف الا الجيش الأول فقط , سبعة آلاف , فلا تدرك الحجم الحقيقي لقوات المسلمين .
وهذه طبعا حنكة عسكرية رائعة من الصديق , والحاجة الثانية أن الطرق العسكرية في ذلك الوقت ما كانت تستوعب الأعداد الكبيرة من الجيوش .
لذلك كان يخرج سبعة آلاف في البداية , ليراعي القائد أمور المياه وأمور الزرع , وأمور اتساع الطريق , أو ضيق الطريق , وما الى ذلك من أمور في رحلته .
ثم يخرج بعده بثلاثة أيام جيش شرحبيل , وأيضا جيش شرحبيل أخذ بعض الوصيات الجميلة من الصديق , لا يتسع حقيقة المقام لذكرها .
(تظهر صورة على الشاشة لخريطة الشام ومواقع الحرب ) .
ثم بعدها ثلاثة أيام , أو بعشرة أيام حقيقة خرج جيش أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه , تأخر عشرة أيام حتى يجمع المقاتلين من هنا وهناك .
وجاء ببعض الإمدادات الأخرى من اليمن , وكان من هذه الإمدادات قيس ابن هبيرة رضي الله عنه و هو من كرام الفرسان , ومن الفرسان المشهورين جدا .
وعمل مع الصديق نفس العمل قبل ذلك , قلناه في الحلقة التي فاتت , ما بين يزيد بن أبي سفيان , وزمعة ابن الأسود .
قرب نفس الوصية , أوصى أبا عبيدة ابن الجراح بقيس ابن هبيرة , وأوصى قيس ابن هبيرة بأبي عبيدة ابن الجراح .
فكانت هذه الروح الجميلة التي تسري في الجميع المتجه للشام , أيضا في وصية طويلة جدا لأبي عبيدة ابن الجراح من الصديق رضي الله عنه .
الحقيقة لن نقف عليها لأنها فيها معاني كثيرة جدا قد لا يستوعب الوقت ذكرها , لكن أنا سأقف على وصية قصيرة جدا بعد ما أبي عبيدة مشي , دعاه الصد\يق رضي الله عنه وقال إني أوصيك بوصية .
وصية قصيرة جدا لكنها جامعة مانعة , أنا أرجو من أخواننا المشاهدين وأخواتنا المشاهدات أن يجعلوها منهج حياة .
في منتهى القصر لكن في منتهى العمق , وفي منتهى الأهمية , يقول له يا أبا عبيدة , أعمل صالحا .
أعمل صالحا وعش مجاهدا , وتوفى شهيدا يؤتك الله كتابك بيمينك , أعمل صالحا وعش مجاهدا , وتوفى شهيدا , يؤتك الله كتابك بيمينك .
دعونا في ننتبه منتهى العمق هذا الكلام , نحن كثير جدا يا أخوان نقول افتحوا أبواب الجهاد .
كثير نسمع هذه الدعوات , في مصر في الأردن , في سوريا في لبنان , في الأماكن التي تحيط بفلسطين الحبيبة وما وراء تحرير هذه البلاد العظيمة .
لكن يا أخواني هل نحن فعلا جاهزون للخروج في سبيل الله , الجهاد ذروة سلام الإسلام .
شيء صعب جدا على النفس , الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كفى للشهيد فتنة , الموت تحت ظلال السيوف .
شيء صعب , ما تظن أن هذا الأمر سهل , الأمر محتاج إعداد طويل , ما هو الإعداد ؟ العمل الصالح .
تعرفون الحديث الذي الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيه , ذروة سلام الإسلام في الجهاد .
ما بدأ كلامه بالكلام هذا , بدأ كلامه من البداية كما يقول معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأراه , عندما سأله عن عمل يقربه الى الجنة ويبعده من النار .
قال لقد سألتني عن عظيم , وانه ليسير على من يسره الله عليه , ثم قال له , أقم الصلاة وصم رمضان وأدي الزكاة وحج البيت .
أمور الفرائض , ثم قال له , ألا أدلك على أبواب الخير ؟
قال نعم يا رسول الله , قال الصوم جنة , والصدقة تطفئ الخطيئة , كما يطفئ الماء النار , وصلاة الرجل في جوف الليل .
يعني أمور أولا كلها من الفرائض , ثم من النوافل , كل هذا تجهيز في النهاية حتى تصل في ذروة سلام الإسلام .
ألا أدلك على رأس الأمر وعموده , وذروة السلام , قال رسول الله قال رأس الإسلام وعموده الصلاة , وذروة سلامه الجهاد في سبيل الله .
لا يأتي الجهاد في سبيل الله ولا القوة على الجهاد في سبيل الله ولا قرار الجهاد من الأصل , الا إذا قدمت العمل الصالح .
ثم عش مجاهدا , إذا وصلت الى هذه المرتبة لا تتخلى عنها , عش مجاهدا , من أول حياتك .
خرج أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه سنة اثنا عشر هجرية , فما عاد الى المدينة المنورة حتى مماته في سنة ثمانية عشر هجرية .
ستة سنوات كاملة ما عدا مرة واحدة الى المدينة المنورة , عاش مجاهدا منفذا وصية الصديق العميقة , رضي الله عنه وأرضاه .
ثم قال وتوفى شهيدا , كيف أختار أن أتوفى شهيدا ؟
هل نختار الطريقة التي نموت بها ؟ , هل نختار الوسيلة التي نموت بها , أو الوقت الذي نموت فيه ؟
يقول له وتوفى شهيدا , عش على نية الشهادة , تنل الشهادة , وان مت على فراشك .
اذكروا حديث الحبيب "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وان مات على فراشه " .
هذه وصية جامعة مانعة من الصديق احفظوها , واكتبوها , وعلموها لأولادكم , علموها لإخوانكم , علموها لمجتمعاتكم , تحرر فلسطين إنشاء الله رب العالمين .
أعمل صالحا , عش مجاهدا , وتوفى شهيدا يؤتك الله كتابك بيمينك , ثم يختم هذه الكلمات الرائعة الرقيقة القصيرة بجملة .
يقول له ان الله قد صنع بك خيرا وساقه إليك , إذ جعلك تسير في جيش من جيوش المسلمين , الى عدو من المشركين .
يا الله ! , ساعات يا أخواني نفتكر أن الظروف التي أدت الى معركة من معارك المسلمين , وحرب من حروب المسلمين , هي ظروف صعبة , وظروف سيئة , وظروف مكروهة .
لأ هذا خير بعته الله إلينا , نعم القتال كره لنا كما ذكره ربنا سبحانه وتعالى , كتب عليكم القتال وهو كره لكم , لكنه في النهاية خير .
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم , جعل الله عز وجل في هذا الجهاد الذي نكره صورته وتدودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم .
جعله خيرا ساقه الله إلينا , الله أكبر على هذا الفكر , يا سلام لو يفكر المجاهدون والمقاتلون في سبيل الله , والرافعون لراية الإسلام , أنهم في حالة من حالات الخير , وان حصروا , وان قطعوا , وان حوربوا , وان تخلى عنهم الناس .
هم في خير عظيم والناس في لهوهم وهم في سبيل الله عز وجل .
يسير ابن الجراح بجيشه , وتجتمع الجيوش الإسلامية في الشام , ويرسل خالد ابن سعيد ليكون في جيش أبي عبيدة ابن الجراح بعد أن أمن الطريق في تيماء .
وعبرة الجيوش بأمان ووصلت الى الشام , أرسله في جيش أبي عبيدة ابن الجراح , وخرج الصديق بنفسه لوداع خالد ابن سعيد , جبرا لخاطره , لأنه كان من المفترض في بداية الأمر أن يكون أمير على كل الجيوش .
لكن كما حدث وذكرنا أخره الصديق رضي الله عنه وأرضاه لبراعة أبي عبيدة ويزيد وشرحبيل العسكرية عنه .
وبذلك ودعه حتى وصل الى جيوش الشام , وصلت طبعا أنباء وصول الجيوش الإسلامية الى أرض الشام الى هرقل .
هرقل كان ساعتها ببيت المقدس , لما بدأت الجيوش الإسلامية تتحرك من المدينة المنورة الى الشام , كان في بيت المقدس , ماذا فعل ؟
انتقل من بيت المقدس شمالا الى دمشق , ثم انتقل من دمشق شمالا الى حمص , ثم انتقل من حمص شمالا الى أنطاكيا , أبعد نقطة في بلاد الشام .
وكأنه يهرب هروب واضحا من جيوش المسلمين , هذه هي نفسية هرقل من أول المعارك الى آخرها , ونفسية المسلمين أنظروا شكلها كيف .
خارجين مقبلين على الله عز وجل , كجاهدين في سبيل الله , يطلبون الموت في سبيل الله , وهو عندهم غاية من الغايات .
لكن طبعا هرقل لما راح الى هذا المكان , لم يذهب وقعد ساكتا , بدأ يحفز الناس ويجمع الجموع من الرومان ومن العرب الغساسنة ومن غيرهم من الأعراب الذين يوالون الرومان .
بدأ يجمع من هنا وهناك , فأرسل أبا عبيدة ابن الجراح رسالة الى الصديق رضي الله عنه وأرضاه يخبره بهذه الجموع الكبيرة التي يجهزها هرقل لحرب المسلمين .
فرد عليه الصديق برسالة جميلة , رقيقة فيها يقين وفيها ثبات وفيها ثقة في الله عز وجل .
قال الصديق أما منزله في أنطاكيا , أنت تقول انه خارج من بيت المقدس على حمص على دمشق على أنطاكيا , أما منزله في أنطاكيا فهو هزيمة له .
ونصر للمسلمين , وهروب له من أمام جيوش المسلمين , قرأها الصديق مباشرة رضي الله عنه وأرضاه .
ما قال أن هذا تكتيك عسكري , لأ .
نظر الى الأمر على أنه هروب من هرقل من جيوش المسلمين , وهذا أول انتصار للمسلمين .
وأما ما يجمعه من جنود فأنتم تعلمون ذلك , وهل كنتم تظنون أنكم تذهبون إليهم في حصونهم وفي قلاعهم وفي ديارهم ولا يخرجون إليكم ما عندهم من جنود .
فنحن نعلم أنهم سيخرجون ذلك , لكننا لا نخشى جنود الرومان , فيقول فوالله , لجندي من جنود الإسلام خيرا من ألف من الرومان .
الله أكبر ! , في عيون الصديق رضي الله عنه وأرضاه أن جندي واحد من جنود المسلمين خير من ألف من الرومان , يعني ألف مسلم بمليون روماني , يعني واحد وعشرين ألف مسلم بواحد وعشرين ألف روماني .
فما تخافوا يا أخواننا , النصر بإذن الله مع المسلمين ومع ذلك فأنا سأمدك بالرجال تلو الرجال حتى لا تطلب الاستزادة من الرجال .
فماذا فعل الصديق رضي الله عنه بعد هذه الكلمات العميقة , وماذا فعلت جيوش المسلمين , هذا ما سنعرفه بعد الفاصل فابقوا معنا .
-----------------------------------------------------------------------------
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , قبل الفاصل تكلمنا على حركة الجيوش الإسلامية لأرض الشام .
تكلمنا على موقف عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه وكيف أنه أرسل في طلب المدد من الصديق رضي الله عنه وأخبره بحركة هرقل في البلاد تحركا من بيت المقدس الى أنطاكيا .
ثم ذكر له أنه يجمع الجموع وهون له الصديق الأمر ومع ذلك قال له أنه سوف يرسل له الإمداد , وبالفعل أرسل من فوره ألف رجل مع هاشم ابن عتبة ابن أبي وقاص ابن أخو سعد أبن الوقاص رضي الله عنه وأرضاه .
وبعدها بقليل أرسل سبعمائة مع سعيد ابن عامر , وكان هذه الرسالة وصلتن الى الصديق رضي الله عنه وأرضاه وهو في الحج وهنالك كلمه بلال رضي الله عنه كلمات رقيقة جدا ومؤثرة جدا .
قال له يا صديق ان كنت قد أعتقتني لله عز وجل فاتركني أجاهد في سبيل الله .
وان قد أعتقتني لنفسك فأنا معك في هذه البلاد , طبعا بلال يعلم تمام العلم أن الصديق ما ابتغى الا وجه الله عز وجل , بل ذكر ذلك ربنا تصريحا في سورة الليل كرامة للصديق , وتصديقا للصديق رضي الله عنه وأرضاه .
لكنه يريد أن يحفز الصديق على إطلاقه للجهاد في سبيل الله , وكان الصديق يمسكه للأذان , في المدين المنورة , وكان بلال رضي الله عنه وأرضاه يقول لا أأذن لأحد بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام .
فلما وجد الصديق هذه الحمية , في قلب بلال رضي الله عنه , قال له على بركة الله .
ان كان هواك في الجهاد , فاخرج للجهاد في سبيل الله , ما كنت أمسكك في المدينة الا للجهاد , وإلا للأذان , ويعلم الله عز وجل أني ما أعتقتك الا له سبحانه وتعالى .
وان كنت تريد الخروج , فاخرج لعلي لا ألقاك بعد عامه هذا , كان يتوقع الصديق رضي الله عنه وأرضاه أن يموت قريبا وخاصة بالبشارة التي بشره بها الشرحبيل ابن حسنة .
ونعى فيها نفسه عندما قرء عليه صورة النصر في الرؤية التي رآها ابن حسنة كما ذكرنا في أول الحلقات .
خرجت الجيوش الإسلامية , المدد بقيادة هاشم ابن عتبة ابن أبي وقاص , وخرج معه السعيد ابن عامر , يعني حوال ألف وسبعمائة مع القائدين وهناك في أرض الشام حدثت موقعتان صغيرتان .
وكانت أوائل هذه المواقع في أرض فلسطين , في مكان اسمه العربة في جنوب البحر الميت , وكذلك في منطقة دافنة وهي قرية من قرى غزة .
دارة موقعتان بين المسلمين وبين الرومان , انتصر فيها المسلمون لكنها كانت من المواقع البسيطة .
يعني ألف من المسلمين ضد ثلاثة آلاف من المشركين , لم يكن الجيش الإسلامي بكامله , ولم يكن الجيش الروماني بكامله .
لكنها على العموم كانت بداية طيبة للجيش رفعت الروح المعنوية عند المسلمين .
لكن نخلي بالنا أن هذه الوصية أيضا وصلت الى الصديق رضي الله عنه وأرضاه , أو هذا الطلب بالمدد وصل الى الصديق وهو في موسم الحج في مكة المكرمة , في ذي الحجة من سنة اثنا عشر من الهجرة .
عند ذلك عرض الصديق الأمر على المجلس الاستشاري الذي كان يحج معه , بل وعرض الصديق رضي الله عنه وأرضاه أن يستشير في ذات الوقت زعماء مكة وقادة مكة الأقدمين .
زعماء مكة أسلموا سنة كم , أسلموا سنة ثمانية من الهجرة بعد الفتح , زعماء مكة عكرمة ابن أبي جهل , صفوان ابن أمية , سهيل ابن عمر .
القادة الكبار الذين تأخر إسلامهم كثيرا حتى فتح مكة , كانوا يسمونهم مسلمة الفتح .
فأراد الصديق رضي الله عنه تكريما لهم وإعظاما لقدرهم , واستفادة من عقولهم أن يجلسهم في المجلس الاستشاري الأعلى .
لكن عمر ابن الخطاب رفض رضي الله عنه وأرضاه , وقال لا نساويهم بالسابقين .
لقد جاهدنا طويلا , سنوات طويلة , عشرين سنة الى أن آمن هؤلاء , وكانوا حجر عثرة ضد المسلمين , فرفض عمر ابن الخطاب أن يشتركوا في مجلس الشورى .
وقبل الصديق رضي الله عنه وأرضاه برأي عمر ابن الخطاب ولم يشركهم في المجلس , إحقاقا لحق السابقين الذين جاهدوا قبل ذلك مع المسلمين .
وصل الأمر الى زعماء مكة , عرف زعماء مكة أن الصديق كان يريد أن يشكرهم في المجلس الاستشاري الأعلى وأن عمر ابن الخطاب اعترض على ذلك رضي الله عنه .
وشكروه على تقديره لهم , ولاموا عمر ابن الخطاب على ذلك فقال والله ما فعلت ذلك الا لله .
إني رأيت ذلك من العدل , من العدل أن أقدم هؤلاء وأن أأخركم أنتم وقد تأخرتم عنا السنوات الطويلة .
ماذا قال سهيل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه ؟
انظروا الى الكلمات الرقيقة الرائعة الراقية جدا , التي قالها سهيل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه في هذا الموقف .
قال ان كنتم قد فضلتمونا بالجهاد في سبيل الله , انتبه كنا نتكلم على موقف يمكن ان يزعل فيه , ممكن يتأثر , يقول والله ما تريدوننا خلاص بلا .
لا تريدون جهاد في سبيل الله , خلاص لا نجاهد في سبيل الله , كنا سنعرض رأيا لا حاجة لكم فيه خلاص .
ويأخذ موقفا , لكنه انظر الى ما قال , ان كنتم قد فضلتمونا بالجهاد في سبيل الله فوالله لنستكثرن منه .
أليس الذي رفع قدركم هو الجهاد في سبيل الله , لنستكثرن من الجهاد في سبيل الله .
وأشهدكم أني حبيس في سبيل الله , و والله ما وقفت موقفا ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وسأقف أمامه موقفين ضد المشركين .
وما أنفقت نفقة للصد عن سبيل الله ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم , الا وسأنفق نفقتين في سبيل الله ضد المشركين .
انظروا الى الروح العالية , ما أخذ الموقف بحساسية , ولا بقبلية , ولا بنزعة فيها كرامة وشرف وهو سيد من سادات القوم لكن أخذ الأمر بواقعية وبعملية .
وبدأ يحفز الناس للجهاد في سبيل الله , ثم نظر الى أصحابه , الى صفوان ابن أمية الى عكرمة ابن أبي جهل , الى الحارث ابن هشام أخو أبي جهل ابن هشام وقف لهم وقال لهم .
يا أيها الناس لا تجزعوا من ما ترون , يعني لا تهتموا من ما ترون , فأنهم دعوا فأجابوا , ودعينا فأبطأنا .
الحق علينا نحن , نحن الذين أخطانا , نحن الذين تأخرنا في إجابة الدعوة للإسلام .
إنهم دعوا فأجيبوا , ودعونا , الرسول عليه الصلاة والسلام فأبطأنا , فقوموا في هذا المجلس وجاهدوا في سبيل الله , فإنكم والله لو رأيتم الفضل الذي هم عليه , نتيجة الجهاد في سبيل الله ما طاب لكم عيش في الدنيا .
يعني حاولوا أنتم أن تعوضوا الذي فاتكم , لأنهم سبقوكم بكثير جدا جدا , ثم قال كلمة جميلة .
قال والله لنكونن بين جيش المشركين وبين جيش المسلمين , يعني ماذا هذا الكلام , يعني سنكون مقدمة تماما .
نتلقى الصدمة الأولى , نقاتل في سبيل الله في أوائل الصفوف , فوالله لنكونن بين جيش المسلمين وبين جيش المشركين حتى لا يرانا الله عز وجل الا مجاهدين في سبيله .
وعندئذ نرجوا أن نكون قد حصلنا بعض أجورهم , هذه هي الروح يا إخواننا , التي يمكن أن يخرج بها واحد يحرر البلاد .
أنا لا أقول والله أن هذه الروح تحرر فقط البلاد , الجيوش الإسلامية التي تتحلى بهذه الروح المجاهدة المتجردة لله عز وجل هي جيوش لا تحرر فقط البلاد , ولكنها تصل بإذن الله الى سيدة العالمين .
نأتي الآن الى مشكلة كبيرة جدا , يا ترى الأسياد والسادة والقادة والأشراف من مكة الذين خرجوا , أو من الذي يؤمرهم عليهم .
الصديق رضي الله عنه وأرضاه , من الذي سوف يؤمره على سهيل ابن عمر ؟
على عكرمة بن أبي جهل , على الحارث ابن هشام , على صفوان ابن أمية ؟
هؤلاء الصناديد القوم , أعلام الناس , قادة قريش على مدار السنوات الطويلة .
أبو سفيان ابن حرب , هذه أسماء كبيرة جدا , من الذي يؤمنه عليهم حتى يقبلوا مارتهم ولا يفتنوا ؟
بعث الصديق رشي الله عنه وأرضاه , فوجد ضالته في عمر ابن العاص رضي الله عنه وأرضاه .
طبعا نحن عمر ابن العاص , اسم يرتبط دائما بفتح فلسطين , وهو لم يكن موجود في القادة الأوائل لأنه لم يكن موجود في المدينة المنورة .
إنما كان على جمع صدقات قضاعة , كما وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل مماته .
ففكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه في عمر ابن العاص , وأنه له مواصفات معينة يستطيع بها أن يكون في مقدمة الجيوش , ويقبل أهل قريش بهذا الأمر .
يا ترى ما هي المواصفات التي في عمر ابن العاص التي جعلت الصديق يختاره , لكي نعرف كيف الصديق يفكر , رضي الله عنه وأرضاه .
أولا , لابد أن يكون القائد شريفا كهؤلاء الأشراف , وعمر ابن العاص طبعا من قبيلة كبيرة من بني سهم , وهو من الفرسان الكبار المشهورين في العرب .
الحاجة الثانية أن هذا أبوه كان من قاد قريش الكبار , العاص ابن وائل .
عمر ابن العاص نفسه كان من القادة الكبار , والعاص ابن الوائل كان من أشراف مكة , وكان من أصدقاء هؤلاء .
الحاجة الثالثة أن عمر ابن العاص كان كبير في السن ذلك الوقت , لو ولى عليهم شابا , قد يفتنهم هذا .
عمر ابن العاص في ذلك الزمن كان عمره اثنان وستون سنة , فهو شيخ من أشياخ قريش .
وهو كذلك من فرسان العرب المشهورين , وهو كان صديق لكل هذه الأسماء .
كان صاحبه في يوم من الأيام لصفوان ابن أمية , كان صاحب عكرمة بن أبي جهل , كان صاحب سهيل ابن عمر , فستكون القيادة أسهل عليه .
ثم ان أمه من قبيلة قضاعة , في شمال الجزيرة العربية , يعني أمه من القبائل التي سيتوجه إليها عمر ابن العاص .
(تظهر خريطة لشمال الجزيرة العربية )
فهو أدرى الناس بهذه المنطقة , وأدرى الناس بأنسابهم , وأدرى الناس بأحسابهم , بل أدرى الناس بجغرافية شمال الجزيرة العربية .
فيستطيع أن يذهب , عمر ابن العاص وثق به رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكريا , ولاه عسكريا قبل ذلك في ذات السلاسل .
ووثق فيه في القيادة , بعثه على عمان , ثم بعثه على قضاعة , وسيقبل المجلس الاستشاري به لأن رسول الله عليه الصلاة والسلام وثق فيه قبل ذلك , فلا بد أن يقبل المسلمون بإمرته .
عمر ابن العاص , سيدنا الصديق جربه في حروب الردة ونجح فعلا , وجيشه الجيش السادس من جيوش الردة , يعني دوخ المرتدين , ولم يلقى عانة أبدا في حربه .
الحقيقة كان من دهاة العرب , ومن أذكياء العرب , ولما يبعث جيشا قليلا لحرب الدولة الرومانية , لا بد أن نعتمد على عامل الدهاء , وعامل الذكاء .
أنا أقول يا أخواننا , ويا أخوتنا أن عمر ابن العاص للأسف الشديد مظلوم جدا جدا في التاريخ الإسلامي , وفي الإعلام والتعليم .
نحن للأسف الشديد قرأنا عنه من كتابات المستشرقين والمستغربين , وأصحاب المذاهب المختلفة .
فقرأنا عنه الباطل , أنا سأقول لكم على حاجتين
, تعرفكم قيمة عمر ابن العاص في الميزان الإسلامي , لن أقول رأيي , ولن أقول رأي أحد الخبراء ولا أحد المحللين العسكريين .
تعالوا نسمع رأي الحبيب صلى الله عليه وسلم , قال صلى الله عليه وسلم في حق عمر ابن العاص .
عمر ابن العاص من صالحي قريش , بل قال كلمة عظيمة , قال أسلم الناس وآمن عمر ابن العاص .
يا ترى عمر ابن العاص سوف يفعل ماذا مع هذا الجيش الذي خرج فيه , يا ترى المسلمين في أرض الشام سوف يفعلون ؟
ويا ترى يحصل نوع من الحسم للمسلمين ولا ستظل الأمور سجالا في أرض الشام ؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة , أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه , وأن يعلمنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علمنا , انه ولي ذلك والقادر عليه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.