|
|
|
| راغب السرجاني |
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله , نحمده و نستعينه ونستغفره ونستهديه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
انه من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمد عبده ورسوله , أما بعد فأهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء المبارك , وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين .
مع الحلقة الثامنة من حلقات فتح فلسطين والشام , وذكرنا في الحلقة السابقة أن الصديق رضي الله عنه اختار ثلاثة من القواد المسلمين , قادة للجيوش الإسلامية المتجهة الى الشام لحرب الرومان .
أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه أمين هذه الأمة , ويزيد ابن أبي سفيان الأموي وشرحبيل ابن حسنة الكندي .
وقم ثلاثة معسكرات خارج المدينة المنورة في شمالها , وبدأ تجميع الجيوش .
وكان الجيش في كامله من المتطوعين , لم يكن عند المسلمين جيشا نظاميا مخصصا فقط للقتال .
وبدأت الأعداد تتجمع , لكن عندما نظر الصديق رضي الله عنه وأرضاه , والمجلس الاستشاري العسكري الأعلى للمسلمين الى هذه الأعداد ووجدوها قليلة .
فاقترحوا استنفار أهل اليمن , وبالتالي أرسلوا رسالة مع أنس ابن مالك رضي الله عنه الى أهل اليمن ومر على قبائل اليمن يدعوهم الى الجهاد في سبيل الله .
الحقيقة , الاستجابة لأنس ابن مالك كانت رائعة في أهل اليمن , يعني تحركت جموع اليمنين من هنا وهناك , من كل القبائل حقيقة.
وبدئوا يحفزون أنفسهم وأولادهم , وإخوانهم على الخروج للجهاد في سبيل الله .
ولنا وقفة مع موقف ذي الكلاع الحميري رحمه الله , وهو من التابعين وأسلم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام , لكنه لم يرى الرسول عليه الصلاة والسلام .
والصحابي لكي يكون صحابيا , لا بد أن يكون قد رأى الرسول عليه الصلاة والسلام أو اجتمع به في حياته .
لكن هذا لم يحدث مع ذي الكلاع , فهو من التابعين , وهو من كرام التابعين .
رضي الله عنه ورحمه الله , فذي الكلاع ماذا فعل عندما استمع لكلمات أنس ابن مالك , انظروا .
دعا من ساعته بفرسه , وسلاحه وقال أنا حديث في سبيل الله , يعني منذ أن سمع الكلمة وهو سيد من سادة القوم , وشريف من أشراف القوم وثري من أثرياء القوم .
له التجارة وله أعمال , ترك كل ذلك وقال أنا خارج في سبيل الله من هذه الساعة .
دعا نفسه وأهله وقبيلته , ودعا أهل اليمن جميعا للخروج في سبيل الله وخطب فيهم خطبة جميلة .
قال فيها أيها الناس , ان من رحمة الله إياكم ونعمته عليكم أن بعث فيكم رسولا صلى الله عليه وسلم .
وأنزل عليكم كتابا فأحسن عنه لإبلاغ و صلى الله عليه وسلم , فعلمكم ما يرشدكم , ونهاكم عن ما يفسدكم .
حتى علمكم ما لم تكونوا تعلمون , ورغبكم في الخير في ما لم تكونوا ترغبون .
يعني هذه منة وفضل من الله عز وجل أن أنعم عليكم بالإسلام , ومن عليكم بالقرآن , ومن عليكم بالرسول صلى الله عليه وسلم .
في النهاية يقول ثم دعاكم , انتبه لهذه الكلمة , ثم دعاكم إخوانكم , لا يقول أمرائكم , ولا يقول ان هذا فرض على الناس وإجبار على الناس .
بل يقول ان هذا أخ لك وأخ صالح يدعوك الى الخير , ثم دعاكم إخوانكم الصالحون الى جهاد المشركين واكتساب الأجر العظيم .
فلينفر من أراد النفير معي الساعة , انظروا الى الكلمات , الحقيقة لم نجد أكثر من معنى جميل أقف على معنيين مهمين جدا .
المعنى الأول هو عدم التسويف في رؤية ذي الكلاع الحمري الساعة
, يعني لا بد أن تخرج الآن أو سميها الجاهزية .
ما شاء الله لا قوة الا بالله , من أروع درجات الجاهزية أن قام في لحظته الساعة للخروج في سبيل الله .
الكثير والكثير يا أخواني منا يرغب في عمل الخير , ويطمع في الأعمال التي تؤدي الى ثواب كبير .
لكنه يؤجل هذه الأعمال يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين , أو لعله يؤجل هذا الأمر عدة أعوام .
هو يريد أن يفعل الخير , وينوي أن يفعل الخير , لكن لا يفعل الساعة , هذا التسويف يدفع الشيطان الى تأجيل العمل وال منع العمل .
لعلنا نذكر قصة كعب ابن مالك رضي الله عنه وأرضاه والمخلفين الثلاثة في غزوة تبوك .
كانوا من كرام الصحابة , وكان الخير في داخلهم , وكانوا يريدون فعلا أن يخرجوا لكن الأزمة الكبيرة التي تعرضوا لها أنهم أجلوا ساعة .
أجلوا وقتا قليلا , فعندما تأجل اليوم وتأجل الى اليوم الثاني ضاعت الفرصة وانطلقت الجيوش وتخلف الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
وتبعات ذلك كانت خطيرة كما نعلم جميعا , ذي القلاع الحميري استطاع أن يهزم الشيطان وأن يخرج من ساعته .
انتبه ذي الكلاع عنده أسرة , مثلما نحن عندنا , عنده عمل مثلما نحن عندنا , عنده وضع اجتماعي مثلما نحن عندنا , عنده كل المعوقات التي يمكن أن تكون عند أي إنسان .
لكنه خرج في سبيل الله , يا ترى ما هو المعوق الرئيسي يا أخواننا الذي يمكن أن يمنع واحد من الخروج في سبيل الله .
ذكر ذلك ربنا سبحانه وتعالى عند آية الاستنفار , قال :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } .
الدنيا يا إخواني إذا كبرت الدنيا في أعيننا , وكبرت في قلوبنا , فإننا لا ننفر في سبيل الله عند طلب النفرة وعند طلب النصرة وعند طلب الجهاد في سبيل الله .
ليس معنى هذا أننا ندعو الناس الى الفقر , أو ندعو الناس الى عدم اكتساب المال , ولكن أن تكون الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا .
إذا طلب الله عز وجل منا أن نعطيها أعطيناها , ببساطة كما أعطاها ذي القلاع الحميري رضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله ورحم جميع من خرج الى هذه الفتوح المباركة .
إذا هذه أول لقطة نأخذها من قصة ذي الكلاع الحميري انه نفر الساعة لم يؤخر ساعة .
الحاجة الثانية المهمة جدا , قال فلينفر معي الساعة , يعني القدوة هو سيد القوم لو جلس في مكانه يحفز الناس ويخرج الناس للخروج الى الجهاد في سبيل الله ما لامه أحد .
يقولون هو زعيم ووجوده في هذا المكان مهم ويحفز الناس للخروج , لكنه خرج بنفسه ليكون قدوة للمسلمين .
والدال على الخير كفاعله , وهذه الكلمة سنسعها كثيرا في هذه الفتوح .
لأنه بحركة رجل واحد قد تتحرك الجموع الكثيرة ,كما تحدثنا في الحلقة الماضية عن خالد ابن سعيد الأموي رضي الله عنه .
وحركته في المدينة المنورة , تحدثنا اليوم عن ذي الكلاع الحميري رحمه الله , وحركته في أرض اليمن .
وتحركت بالفعل الجيوش اليمنية لنصرة المسلمين في حرب الرومان في أرض الشام .
خرج طبعا أسماء كبيرة جدا , لعل من أهم الأسماء اليمنية التي خرجت , قيس ابن هبيرة ابن مكشوح المرادي رحمه الله .
وهو أيضا من كرام فرسان العرب كما سنرى سوف يكون له دور كبير جدا في المعارك الإسلامية في أرض الشام .
ثم بدأت الخروج , بدأت الجيوش تخرج , تكون جيش إسلامي بعد قدوم الجيوش اليمنية , حوال واحد وعشرين ألف مقاتل .
مقسمين على ثلاثة أقسام , مع أبي عبيدة سبعة آلاف , مع شرحبيل سبعة آلاف ومع يزيد أبي سفيان سبعة آلاف .
وكان أول الجيوش خروجا العرب,د ابن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه وخرج في جيشه رجل من عظماء العرب وهو زمعة ابن الأسود رحمه الله .
وهو فارس مشهور جدا في العرب , ونريد أن نقف وقفة مع براعة الصديق القيادية .
هذا الوقت يزيد ابن أبي سفيان قائد كبير , وقائد عسكري , وقائد محنك .
وخارج معاه في الجيش قائد عسكري آخر , زمعة ابن الأسود له مكانة كبيرة جدا في قلوب العرب .
وفارس من الفرسان المشهورين , متحته, يحصل مشاكل في داخل هذا الجيش الي فيه قيادتين .
قيادة كبيرة وقيادة أقل منه أو تحته , لكنها أيضا قيادة ذات فكر وذات مكانة , وذات هيبة في قلوب العرب .
فكيف تفاعل الوقت,رضي الله عنه وأرضاه مع هذا الموقف , أولا خاطب زمعة .
زمعة سوف يكون تحت قيادة يزيد ابن أبي سفيان , فقال له أأتي معي يزيد ابن أبي سفيان .
لا تعصه ولا تخالف أمره , يبقى في البداية ينبه زمعة ابن الأسود أن القائد لهذه الفرقة وهذا الجيش هو يزيد ابن أبي صفيان .
وآليات القتال في هذه الموقعة , وآليات القتال في هذا الجيش أن تطيع وأن لا تعصي أمر يزيد ابن أبي سفيان .
لكن في نفس الوقت , وهذا الجمال في قيادة الصديق , ونحن الحقيقة نريد أن نفرض للصديق عدة مجموعات من المحاضرات .
الصديق فعلا آية من آيات الله عز وجل , جاء الصديق رضي الله عنه وأرضاه , وخاطب يزيد ابن أبي سفيان .
وقال ان رأيت أن تولي زمعة ابن الأسود مقدمتك فافعل , انتبه هو يعطي يزيد ابن أبي سفيان مكانته .
يقول له أنا أقترح عليك , ولا يفرض علي رأي , لكن يقول له ان رأيت أن تولي زمعة ابن الأسود مقدمتك فافعل , فانه من فرسان العرب وصلحاء القوم .
وأرجوا أن يكون من عباد الله الصالحين , فقال يزيد ابن أبي سفيان أفعل إنشاء الله .
انتبه من هذه اللقطة , أولا الصديق رضي الله عنه ينبه زمعة ابن الأسود في الأول أن لا يغتر بقواته , ولا يغتر بفكره , بل يسمع ويطيع يزيد ابن أبي سفيان .
ثم يعلي من شأن زمعة ابن الأسود عند يزيد ابن أبي سفيان , حتى يقدم رأيه ويستفيد من طاقته .
يشير على يزيد ابن أبي سفيان بأفضل ما في زمعة ابن الأسود , يقول له انه من فرسان العرب وانه من صلحاء القوم .
دعونا ننتبه يعني المعنى الأول للكفاءة , عسكريا هو ممتاز من فرسان العرب , وأمانتي أو رعويا أو من التقوى أو من هذا الجانب هو أيضا ممتاز .
قال ومن صلحاء القوم , يعني القوة والأمانة , أو القوة والتقوى , وما ذكره ربنا سبحانه وتعالى في قوله القوي الأمين .
ويقدم الصديق رضي الله عنه وأرضاه ما قدمه ربنا سبحانه وتعالى , لا يقول أنه من الصلحاء القوم ومن فرسان العرب .
ولكن يقول من فرسان العرب ومن صلحاء القوم , روعة في الكلام , على فكرة , علماء التربية , وعلماء التنمية البشرية .
جلسوا سنوات ليصلوا الى هذه الحقيقة , أن الكفاءة تقدم على الأمانة , وأنه إذا اجتمعت الكفاءة مع الأمانة فان هذه أفضل ما تكون في أمور القيادة .
وهو ما يلفت إليه الصديق إليه النظر في منتهى البساطة , الصديق لم يقف عند ذلك فقط .
أعطى روائع روائع روائع من النصائح ليزيد ابن أبي سفيان , وأعتبر هذه النصائح مهمة جدا لكل من أراد أن يفتح فلسطين , لكل من أراد أن يحرر فلسطين .
سوف نعرف طرف من هذه النصائح بعد الفاصل فابقوا معنا .
---------------------------------------------------------------------------------
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , كنا قبل الفاصل نتكلم على موقف الصديق رضي الله عنه وأرضاه من يزيد ابن أبي سفيان .
والنصيحة العظيمة التي قدمها له باحتواء والاستفادة من رأي ابن الأسود , واستطاع رضي الله عنه أن يؤلف بين القلبين مع كون الاثنين من كبار الزعماء .
يحدث أحيانا بين كبار الزعماء الصراع والتنافس , لكن ما فعل ذلك الصديق رضي الله عنه .
بمنتهى الحنكة وبمنتهى اللطف وبمنته البساطة , كلمات قليلة جدا بسيطة , لكنها في منتا العمق .
ثم بعد ذلك خرج الصديق رضي الله عنه وأرضاه يودع جيش يزيد ابن أبي سفيان , ويوصيه وصايا كثيرة جدا .
وأنا أريد الأخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات أن يأتوا بأوراق وأقلام في أثناء هذه الحلقة ويسجلوا معي هذا الكلام .
نحن مجرد نفتح أبواب , لني سألتقط بعض الوصايا من كلام الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
وأذكرها لضيق الوقت , هذه تحتاج الى شروح طويلة جدا وتحتاج الى دراسات وتحتاج الى كليات لتعرف العمق في هذا الكلام , والاستراتيجيات الرائعة في فكر الصديق رضي لله عنه وأرضاه .
فنسجل مع بعض الصديق كان يفعل ماذا , أولا الصديق وهو ماشي مع يزيد ابن أبي سفيان من البداية , ماشي على رجله ويزيد ابن أبي سفيان راكب على الحصان .
وطبعا يزيد استحيى , قال يا أبا بكر , إما أن تركب وإما أنا أنزل , يعني غير معقول أنت خليفة المسلمين وشيخ من أشياخ المسلمين , وأعظم المسلمين الموجودين قاطبة على الأرض الآن .
وتسير على الأرض وأنا أركب , فيقول لا تنزل وما أركب , وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة .
ثم يسير معه هذا الطريق مدة كم ؟
ثلاثة كيلو , متخيلين !
ثلاثة كيلو متر ماشي على الأرض ويزيد بن أبي سفيان راكب , وهذا كله تواضعا لله عز وجل .
ويعلم أن من تواضع لله رفعه الله عز وجل كما يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم .
وفي نفس الوقت يعلي من قيمة يزيد بن أبي سفيان عند جيشه , عندما يرى الجيش أن الصديق رشي الله عنه يودع يزيد بن أبي سفيان لمدة ثلاثة كيلو متر مشي على الأرض .
فهذا إعلاء لقدر يزيد بن أبي سفيان وبالتالي يسمع له ويطيع الجميع , ثم بدأ يحدث ويقول له , أنا سوف أأخذ بعد الحاجات لأن الوصية ما شاء الله كبيرة جدا ومن أروع الوصايا في تاريخ المسلمين .
يقول له أولا , يا يزيد إني أوصيك بتقوى الله وطاعته والإيثار له والخوف منه , انتبهوا هذه هي بيت القصيد .
تقوى الله وطاعته , والإيثار له والخوف منه , يعني إذا كان هذا الجيش الإسلامي مطيعا لله عز وجل نزل النصر .
ان ضاعت هذه الطاعة وضاع العمل لله عز وجل وضاعت النية الصالحة , ضاع الجيش كذلك .
فالصديق في منتهى البساطة يلفت النظر الى أهم عنصر من عناصر نصر الجيش المسلم .
ثم يقول دعونا ننتبه من الكلمة هذه التي نعاني منها كثيرا في هذه الأيام يقول أيام عبية الجاهلية .
يبقى إياك وعبية الجاهلية , يعني بتعريفنا في هذا الوقت القومية بالضبط .
إياك وعبية الجاهلية , أبي ونسبي وفصلي , لذلك لا ينفع لمن يحرر فلسطين أن يقول نحن أولاد الكنعانيين , أو يعتز بأن جذوره كنعانية , أو ان الكنعانيين كانوا يعيشون في هذه البلاد أولا فنحن أولا بها .
لا نحن نقول نحن المسلمون , ونعتز بإسلاميتنا ونعتز بانتمائنا لهذا الدين وبعقيدتنا , وإلا تفرق المسلمون وتشرذموا .
وإياكم وعبية الجاهلية , كلمات قليلة جدا جدا لكنها والله مناهج حياة , وكم ضيع المسلمون من حقوق فلسطين ومن حقوق العالم بأسره بسبب هذه العبية أو سبب هذه القومية أو القبلية .
أهل العراق يدافعون عن العراق وأهل أفغانستان عن أفغانستان وأهل الشيشان عن الشيشان وأهل فلسطين عن فلسطين .
هذا لا يرضي الله عز وجل ولا يرضي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهو جاء واضحا في وصية الصديق ليزيد رضي الله عنه وأرضاه .
ثم يوصيه وصية عجيبة جدا , انتبه يقول له وصلي الصلوات لأقواتها , بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها .
نحن نكلم جيش , ذاهب للحرب في ظروف صعبة , وظروف الله أعلم بها في مناخ وطقس صعب , وفي لفاء عدو قوي , وفي أرض غريبة وفي صحراء قاحلة , وفي مشوار بعيد ومع ذلك يوصيه بأداء صلاة لأوقاتها والتخشع فيها .
لا عذر في تأخير الصلاة , تخيل أن جيش خارج للقتال في سبيل الله , يكون من أهم الوصايا أن لا تأخر الصلاة .
مع كل الظروف التي سوف تمر بها , وستنظرون وترون إخواني وأخواتي في الله كيف كان لهذه النصيحة صدى عند الجيش الإسلامي , وكيف كانوا يصلون أحيانا في أثناء الحروب .
التي لا تنقطع طيلة اليوم , يصلون على خيولهم ايمائا حتى لا تضيع منهم صلاة في وقتها .
انظروا الى المسلمين كيف يضيعون الصلوات أحيانا , لعل أحد أهم أسباب تأخير النصر من المسلمين على سبيل المثال , لا يصلون صلاة الفجر .
صلاة الفجر من أول الفجر الى طلوع الشمس , بعد طلوع الشمس خلص , ذهبت الصلاة , تصليها قضاء .
كم من المسلمين الآن في ظروف الأمن والأمان الذين يعيشون فيها بعيدا عن الحروب , بعيدا عن المعارك , بعيدا عن الدولة الرومانية , لا يصلون الصلاة في أوقاتها .
هذا من أبلغ تأخر أسباب النصر , ولا بد أن يأخذ المسلمين هذه الأسباب من هذه الكلمات الرائعة .
ثم يقول لمحات حضارية رائقة من أعظم ما يكون في لمحات حضارية لجيش يحارب في سبيل الله .
يقول له , وإذا لقيت العدو فأغفركم الله , انتبه ينسب النصر لله عز وجل , فأغفركم الله به , فلا تغلل , ولا تمثل بجثث المشركين الذين يحاربونك .
انظر الا الرفق , حتى بعد أن قتلوا , لا تمثل بجثثهم , ولا تغدر ولا تجبن , ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة , ولا شيخا كبيرا , ولا تعقروا نخلة , ولا تحرقوا شجرة , ولا تقتلوا رجلا منعزلا في صومعة , يزعم أنه قد حبس لله .
فاتركوهم , وما زعموا أنهم قد حبسوا أنفسهم له , تخيل , انظر الى الكلمات الراقية .
منتهى الرفق بالمدنين , لا تقاتل الا من قاتلك , لا تقتل وليدا ولا طفلا , ولا رجلا كبيرا , ولا امرأة ولا منعزل في صومعة حتى هذا المنعزل في صومعة , الى أي شيء انعزل .
انظروا الى كلمات الصديق , يزعم أنه قد انعزل لله , يعني الصديق يعلم أنه لا يطيع الله حق طاعته , ومع ذلك اتركه مادام لم يقاتلك فلا تقاتله .
ثم يقول وإذا لاقيتم المشركين فادعوهم الى ثلاثة خصال , الإسلام أو الجزية أو القتال .
ثم مجموعة من التحف النادرة من النصائح الإدارية , الحقيقة هي كثيرة جدا , أقف على بعضها .
يقول إذا قدمت على جندك , وينصحه نصائح خاصة بإدارة الجند الإسلامي الآن .
فيقول إذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم , كن صديقا لمن تحتك , لا تكن آمرا أو رئيسا أو غليظا أو فظا , ولكن أحسن صحبتهم .
ابدأهم بالخير وعدهم إياه , حاول تبشرهم دائما بالتفاؤل , أوعدهم بالخير والنصر , وبالبشيرات .
وإذا استشرت , فاصدق الحديث , تصدق المشورة , ساعات يا أخواننا نبقى نريد رأي معين .
فننصح أو نقول رأينا الى المستشار بما يفرض عليه رأيا معينا .
يقول الصديق رضي الله عنه وأرضاه , فانك ان كذبت المستشار , أوتيت من قبلك .
يعني لو أن تعطي الذي تنصحه رأيا خطأ أو معلومات قليلة , أو بعض المعلومات وتغفل بعض المعلومات حتى تستمع الى رأيا معينا تريده فانك تؤتى من قبلك .
فانك تضيع نفسك , فاصدق المستشار , ثم يقول واسمر , انتبه للكلمة الجميلة هذه .
واسمر في أصحابك بالليل تأتيك الأخبار , يعني خليك دائما تقعد مع أصحابك بالليل تتكلموا في أمور عادية جدا , وأمور عامة جدا , تأتيك أخبار الجيش .
أما الجلسات الرسمية التي تكون في أول النهار , جلسات القيادة والحرب والتنظيم والتنظير , هذه جلسات لا يأتيك فيها الأخبار .
أما جلسات السمر في المساء , فإنها تأتيك فيها الأخبار وتعرف فيها أخبار الجيش بدقة .
ثم يقول وأكثر مفاجئة حرسك ولا تغفل عنه , يعني مع هذه الرقة وهذا اللطف , لكن لا تتعامل بالأمور الا بالحزم أيضا .
أكثر مفاجئة جرسك وان وجدت أحد قد غفل عن حراسته فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط , الى آخر هذه النصائح الجميلة .
ثم ينصحه بعض النصائح الخاصة , برسل الأعداء , يقول إذا جاءك رسلا من الأعداء فأكرم منزلتهم , فإنهم أول خبرك إليهم .
يعني هم الذين سوف يحكي للناس عنهم , ان كانت لك هيبة , وان كان لك وضع ممتاز , ووضع قيم , ووضع يرهب أعداء الله عز وجل .
فان هذا سوف يصل الى أعداء الله عز وجل , والانطباعات الأولى يا أخواني تدوم , وكذلك الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقول , كن جميلا أمام أعدائك , أكرم منزلتهم , كن في هيبة عظيمة , حتى يصل هذا الخبر الى الأعداء فيكون ذلك أثر سلبيا عليهم .
ثم يقول ولا ترينهم خللك , لا ترينهم الرسل خللك , ولا تمنع من قبلك من محادثتهم .
يعني لا تدع الرسل يتكلموا مع عامة الجنود , فيعرفوا منهم الأخبار , ما لا تريد أنت أن تطلعهم عليهم , وفي النهاية كله نصيحة في غاية الاختصار لموضوع القتال .
يقول له اصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس , يعني كون قدوة لمن معك وصدق القتال معناه القتال في سبيل الله .
ثم أخرج الجيش رضي الله عنه , طبعا الوصية فيها حاجات كثير لا يتسع المقام الى ذكرها , لكن بعد أن خرج الجيش , جمع الصديق رضي الله عنه وأرضاه الصحابة والتابعين , وجلس مع المسلمين يدعوا للجيش , واستمعوا معي الى ما قاله الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
أنا أرجو من المشاهدين والمشاهدات أن يؤمنوا معنى على كلام الصديق وتتخيلوا أنكم تسمعونه من الصديق مباشرة .
قال اللهم انك خلقتنا , ولم نكن شيئا , ثم بعثت إلينا رسولا رحمة منك بنا , وفضلا منك علينا , فهديتنا وكنا ضلالا .
وحببت إلينا الإيمان وكنا كفارا , وكثرتنا وكنا قليلا , وجمعتنا وكنا أشتاتا , وقويتنا وكنا ضعافا .
ثم فرضت علينا الجهاد وأكرمتنا بقتال المشركين , حتى يقولوا لا اله الا الله , أو يعطوا الجزية وهم صادقون .
اللهم إنا نطلب رضاك , ونجاهد أعداك , من عدل معك اله غيرك , تعاليت عما يقولون علوا كبيرا .
اللهم انصر عبادك المسلمين , على عدوك من المشركين , اللهم انصر عبادك المسلمين , على عدوك من المشركين .
اللهم افتح لهم فتحا يسيرا , وانصرهم نصرا عزيزا , واجعل لهم من لدنك سلطانا نصيرا .
اللهم أشجع جبينهم , وثبت أقدامهم , وزلزل عدوهم , وأدخل الرعب في قلوبهم , واستأصل شأفت أعدائهم , واقطع دابرهم وأبد خضرائهم , انك عزيز حكيم .
كان يدعوا بهذا الدعاء بعد كل صلاة فجر وبعد كل صلاة عصر , فما أعظم الصديق , وما أعظم المسلمين .
ترى ماذا حدث بعد ذلك لجيوش المسلمين ؟
وماذا حدث لهم في الشام ؟
هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة , أسأل الله عز وجل أن يوفقنا في سننه , وأن يعلمنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علمنا , انه ولي ذلك والقادر عليه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .