عقب انتصار المسلمين بقيادة خالد بن الوليد في أجنادين ومرج الصفَّر وفي ذات التوقيت وصل للمسلمين خبر وفاة الصديق، وقد استخلف أبو بكر عمر بن الخطاب على المسلمين، فماذا كان رد فعل الفرس في العراق والروم في الشام من خبر وفاة الصديق؟ وما أهم القرارات التي اتخذها عمر بن الخطاب بعد استخلافه؟ ولماذا عزل خالد بن الوليد؟ وماذا كان رد فعل خالد ورد فعل أبي عبيدة؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم , ان الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونستهديه .
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , انه من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأشهد ان محمد بعده ورسوله , أما بعد فأهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء المبارك .
وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذه اللحظات ف ميزان حسناتنا أجمعين مع الحلقة الخامسة عشرة من حرب فلسطين والشام , وفي الحلقة الماضية تعرفنا على تفاصيل الانتصار المهيب الذي قام به المسلمون في حربهم مع الرومان في موقعة أجندين في فلسطين .
نسأل الله عز وجل أن يحرر فلسطين بكاملها , هذه الموقعة كانت في جنوب غرب القدس , وكان الرومان في عدة كبيرة جدا أكثر من مئة ألف مقاتل يقاتلون ثلاثة وثلاثين ألف مسلم .
وانتصر المسلمون انتصارا كبيرا , وفر الرومان من أمام المسلمين وقتل من الرومان ثلاثة آلاف واستشهد من المسلمين أربعة عشر شهيدا فقط .
ثم بعد ذلك حاصر المسلمون دمشق وتمت موقعة مرج الصفر بالقرب من دمشق , وانتصر المسلمون ليعوضوا الهزيمة التي تمت قبل ذلك في مرج الصفر .
واستشهد في هذه الموقعة , خالد ابن سعيد رضي الله عنه وأرضاه دلالة على يقينه وإيمانه وعلى شدة حبه وصدقه وطلبه للشهادة في سبيل الله .
بعد هذا الأمر استمر المسلمون من جديد في حصار دمشق , واضح أنها محطة كلما التقى المسلمون في موقعة مع الرومان وانتصروا يعودوا بعد ذلك الى حصار دمشق مرة ثانية .
لأنها كما ذكرنا المدينة الأهم في بلاد الشام , وهي العاصمة وهي أكبر حامية من حاميات الجيش الروماني في داخل هذه المدينة المهمة .
لكن للأسف الشديد عندنا بعض الأخبار الغير جيدة , وأخبار الحقيقة فيها نوع من الأسى والحزن للمسلمين .
ولعل هذه الحلقة يعني تؤثر تأثيرا على المسلمين لكن بإذن الله إذا نظرنا الى الأمور بعين عميقة سنجد أن إنشاء الله الخير في ما اختاره ربنا سبحانه وتعالى .
ماذا حدث من مصائب للمسلمين , الحقيقة مصيبة كبيرة جدا في المدينة المنورة , حدثت عندما ما مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
وكانت بداية المرض في سبعة جماده الآخرة ثلاثة عشر هجرية , يعني تقريبا بعد موقعة أجندين , ولم يصل بعد الخبر بانتصار المسلمين في موقعة أجندين .
مرض سيدنا أبو بكر الصديق وقعد في فراشه خمسة عشر يوما تقريبا الى أن حضرته يوم الوفاة , وفي هذا اليوم الحمد لله وصلته رسالة خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه تبشره بالنصر على الرومان .
فكانت آخر الرسائل التي تلقاها أبو بكر الصديق قبل أن يموت , كانت هذه الرسالة العظيمة التي تبشره بالفتح وتبشره بالصدق القرار وقوة القرار ومهارة القرار في نقل خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه من العراق الى الشام .
حيث تحقق له ما يريد وأنسى الرومان وساوس الشيطان , ورأى النصر بعينيه .
في هذا اليوم أيضا في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتته الرسل من العراق , وكان الذي أتى بالرسالة المثنى ابن حارسة رضي الله عنه وأرضاه يطلب فيها المدد من المدينة المنورة لأن جيش العراق الآن تسعة آلاف مقاتل فقط .
والفرس بدئوا يتربصون الدوائر بالمسلمين بعد أن تركهم خالد ابن الوليد رضي الله عنه الى الشام .
وبذلك يطلب المثنى ابن حارثة المدد من أبي بكر الصديق , لكن وجده في لحظاته الأخيرة في فراش الموت .
لما حضرت الوفاة أبا بكر الصديق استدعى عمر ابن الخطاب , واستخلفه على الخلافة .
وأوصاه وصية قال له فيها إني أوصيك بوصية , وصايا الصديق يا إخواني , نحتاج أن نفرد له والله عدد خاص من الحلقات , ما في مانع أن يكون عندنا برنامج كامل لدراسة وصايا الصديق رضي الله عنه وأرضاه لقواده ولعماله ولمن استخلفه بعد ذلك .
وصايا في منتهى العمق , يقول ان أنت قبلت عني فاعلم , ان الله عز وجل له حقا بالليل لا يقبله بالنهار .
وان لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل , يعني يأمره بعدم تسويف الأعمال , ان أردت أن تفعل خيرا الليلة فافعله الليلة لا تؤجله للصباح .
وان أردت أن تفعله في الصباح ففاعله في الصباح لا تؤخره بالليل , ثم يقول وان الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة .
وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم بالحق الذي كانوا عليه في الدنيا , وحق لميزان وضع فيه الحق أن يكون ثقيلا .
وإنما خفة موازين من خفة موازينهم بالباطل الذي كانوا عليه في الدنيا وحق لميزان وضع فيه الباطل أن يكون خفيفا .
ثم قال ألم ترى أن الله عز وجل أنزل آية الرجاء الى جانب آية الشدة وآية الشدة عند آية الرجاء ليكون العبد راغبا راهبا لا يلقي بيديه الى التهلكة ولا يتمنى على الله غير الحق .
فان أنت حفظت وصيتي هذه فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت , وعيش منتظرا للموت في كل لحظة من لحظات حياتك ولا بد لك منه .
وان أنت ضيعت وصيتي هذه فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت ولا بد لك منه ولست تعجزه .
ثم قال له كلمة مهمة جدا , قال له من المساء فلا تنتظر الصباح بل استنفر الناس مع المثنى ابن حارثة .
وان أنا مت من الصباح فلا تنتظر المساء بل استنفر الناس مع المثنى ابن حارثة .
الى آخر لحظة من لحظات حياته وهو يحفز المسلمين على الجهاد في سبيل الله .
وهو على فراش الموت يقول لعمر ابن الخطاب , ان أنا مت فلا تشغلك هذه المصيبة الكبرى التي يمر بها المسلمون , ولكن استنفر الناس من فورك في نفس الليلة التي أموت فيها أو في نفس الصباح .
الذي أموت فيه , استنفر الناس للخروج الى فارس لنجدة المثنى ابن حارثة , ونجدة المسلمين هناك في أرض فارس .
ومات بالفعل رضي الله عنه وأرضاه بين المغرب والعشاء , وكانت آخر كلماته رب توفني مسلما وألحقني بالصالحين .
ومات الخليفة العظيم رضي الله عنه وأرضاه , وابتلي المسلمون بمصيبة كبيرة جدا لأن هذا الرجل يا إخواني ويا أخواتي لا عدل له .
هذا رجل يعدل الأمة بكاملها , لو وزن الصديق رضي الله عنه وأرضاه بالأمة بكاملها كما يقول صلى الله عليه وسلم لرجح بهم .
لرجح بهم هذا الرجل , إيمانه يعدل إيمان أمة , هذا الرجل الذي قال صلى الله عليه وسلم في حقه , ان أمن الناس علي في ماله وفي نفسه وفي صحبته أبو بكر الصديق , ولو كنت متخذا غير ربي خليلا لاتخذت الصديق خليلا .
ولكن أخوة الإسلام ومودته , هذا الرجل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم , أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر .
أبو بكر يا أخواني هو الذي ثبت الله عز وجل به المسلمين في فتنة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذي ثبت به المسلمين في فتنة الردة , وهو الذي ثبت به المسلمين في فتنة فارس وهو الذي ثبت المسلمين في فتنة الروم .
يا ترى ماذا سيحدث للمسلمين عند وفاة الصديق , هل ستتخطفهم فارس وستتخطفهم الرومان ؟
هذه مصيبة كبيرة جدا لما تعلم بها جيوش الرومان وجيوش الفرس ماذا سيفعلون في جيوش المسلمين ؟
الحقيقة كان الوضع صعب جدا وهذا أدى الى توجس المسلمين وخوف المسلمين وهيبة المسلمين من المستقبل الذين سيقدمون عليه .
لكن يا أخواني وأخواتي , الله عز وجل لطيف بعباده , ان كان الصديق رضي الله عنه وأرضاه قد مات فان الله عز وجل قد أبدل المسلمين بدل من الصديق , أبدلهم عمر ابن الخطاب الفاروق رضي الله عنه وأرضاه وهو رجل عظيم يعدل إيمان الأمة إذا خلى منها الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
هكذا قال صلى الله عليه وسلم , إذا وزن عمر بالأمة , إذا خلى منها الصديق فان عمر يرجح بهم وكذلك قال نفس الكلمات له عثمان .
إذا خلى ميزان أبو بكر وعمر رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين , يقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه , كنا نخير بين الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
نخير أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت بعد ذلك , ويروي محمد ابن علي ابن أبي طالب , يقول سألت أبي أي المسلمين خير ؟
فقال أبو بكر الصديق , هذا رأي علي بن أبي طالب , رضي الله عنه وأرضاه .
يقول قال أبو بكر الصديق ثم سألته ثم أي , فقال عمر ابن الخطاب , ثم يقول محمد ابن الحنفية فخشيت عثمان وقلت له ثم أنت يا أبي فقال ما أنا الى رجل من المسلمين .
طبعا هذا تواضع كبير لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه , لكن الترتيبة التي كانت في ذهن علي بن أبي طالب لعظماء المسلمين كانت تبدأ بالصديق وكان يتلوه مباشرة عمر ابن الخطاب .
وقال في حق الرسول عليه الصلاة والسلام الكثير والكثير من الأحاديث , والإشارات لعظم قدر هذا الرجل الجليل ويكفي أن نشير الى أنه قال لو كان بعدي نبي لكان عمر ابن الخطاب .
لو كان بعدي بنبي لكان عمر ابن الخطاب , هذا هون شيء ما من المصيبة التي مرت بالمسلمين وهذه إشارة لطيفة جدا للأمة الإسلامية أنها لا تجزع إذا مات صلحاءها , وإذا مات علماءها .
فان الله عز وجل يبدلها خيرا , ولما مات صلى الله عليه وسلم فان الله أمر المسلمين ألا ينتكسوا أو ينقصوا على أعقابهم بعد هذه المصيبة .
قال أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم , ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين .
أنا أذكر في هذا الموقف كلمة جميلة جدا قالها قطز رحمه الله في يوم عين جالوت .
قتل فرسه وقاتل راجلا , وأتى إليه أحد الفرسان , قال أقاتل راجلا وأترك فرسك لك ولا أحرم غنائك عن المسلمين .
بعد الموقعة قال له أحد الفرسان لما لم تقاتل على الفرس فلو قتلت ضاع الإسلام فقال ان قتلت فاني أروح الى الجنة , ولن يضيع الإسلام فقد مات فلان وفلان وفلان .
وعد عليه أسماء الكثير من المجاهدين وحفظ الله عز وجل الإسلام , ترى ماذا سيفعل عمر ابن الخطاب بعد ولايته ؟
هذا ما سنعرفه بعد الفاصل فابقوا معنا .
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , قبل الفاصل كنا نتكلم على مصيبة كبيرة جدا مرت بالمسلمين عندما مات الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
وهذه طبعا كانت مصيبة كبيرة , وخاصة أنها تأتي بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بعامين أو أكثر بقليل والمسلمون في حروب شديدة مع دولة الفرس ودولة الرومان .
الأزمة كانت كبيرة جدا لكن هون من المصيبة أن الولاية كانت لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه وهو من كرام المسلمين .
وهو أعظمهم مطلقا بعد وفاة الصديق رضي الله عنه وأرضاه , ويرجح بهم بعدما ذكرنا ووصف حبيبنا يرجح بالأمة الإسلامية إذا خلى منها الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
استلم مقاليد الحكم عمر ابن الخطاب وفي أول أيام حكمه أخذ قرارين كبيرين جدا .
أما القرار الأول فكان استنفار المسلمين للجهاد في سبيل الله في أرض فارس كما وصى الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
وحتى قبل أن يبايع عمر ابن الخطاب بالخلافة في صلاة الفجر في صباح اليوم الذي مات في ليلته أبو بكر الصديق , استنفر من الليل المسلمين للخروج الى فارس وظل على استنفاره في عدة صلوات بعد مبايعته .
حتى خرج عدد كير من المسلمين الى الجهاد في أرض فارس , لكن القرار الثاني الحقيقة نحن نستغربه جدا وسوف نزعل له جدا .
أنا عارف في مشاهدين ومشاهدات كثيرا جدا سوف يتأثروا من هذا القرار لكن نريد أن نأخذه بروية وندرسه بعمق ونفهم لماذا عمر ابن الخطاب الخليفة العادل أخذ هذا القرار الذي أقول أنه من أعظم قرارات عمر ابن الخطاب .
وان كان مؤلما جدا جدا لكلنا ولكل المشاهدين والمشاهدات الذين يسمعن هذا القرار العجيب .
ما هذا القرار ؟
هو عزل ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه سيف الله المسلول , طبعا كلنا عندنا ألف علامة استفهام على هذا الأمر وخاصة أن المستشرقين والمستغربين ومن يريدون أن يطعنون في الإسلام وأصحاب المذاهب المختلفة .
يطعنون في هذا الأمر ويقولون أن عمر ابن الخطاب كان يغار من خالد ابن الوليد .
أو أن بينه كانت عداوة قديمة مع خالد ابن الوليد وأن خالد ابن الوليد كان قد كسر قدمه في يوم من الأيام وهو طفل صغير لأراد أن ينتقم منه .
هذه كلمات لا يصح أن تقال في أتقياء عادين فضلا على أن يكونوا من جيل الصحابة , فضلا على أن يكون عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الثاني ومن أعظم من حكم المسلمين قاطبة .
أو هو أعظمهم بعد الصديق مباشرة رضي الله عن الجميع وعن صحابة الحبيب صلى الله عليهم وسلم أجمعين .
يا ترى ما هي أبعاد هذا الموضوع ولماذا يعزل عمر ابن الخطاب خالد ابن الوليد مع كونه سيفا مصبوبا على المشركين .
مع كونه يحقق الانتصارات المجيدة هنا وهناك , خالد رضي الله عنه وأرضاه كان في كل معاركه منتصر .
ما هزم في موقعة قط , فلماذا يعزل ؟
أرسل عمر ابن الخطاب رسالة الى أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه يقول له فيها أنه استخلفه على المسلمين .
وأنه لا يستحي من هذا الأمر وأنه يأخذ جند خالد ويصبح هو الذي على الجيوش الإسلامية .
أرسل هذه الرسالة مع يرفأ الذي هو مولى عمر ابن الخطاب , وسأل يرفأ أبا عبيدة عن خالد ابن الوليد حتى يصل بهذه المعلومات الى عمر ابن الخطاب .
فماذا قال أبو عبيدة بحق خالد ابن الوليد , قال له أما خالد فخير أمير , هذا رأي أبا عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه وأرضاه الذي تولى الأمارة بعد خالد ابن الوليد .
يقول أما خالد فخير أمير , أنصحه لأهل الإسلام , وأحسنه نضرا لهم وأشده قوة على المشركين فجزاه الله عن الإسلام خيرا .
هذه كلمات أبي عبيدة ابن الجراح الذي هو أمين هذه الأمة يصف حال خالد ابن الوليد رضي الله عنه وأرضاه .
وقد عاصره وعايشه وبات معه وسافر معه وجاهد معه ورأى معه كل المشاهد , ومع ذلك يصفه بهذا الوصف الجميل .
إذا لماذا يعزل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه خالد ابن الوليد وهو على هذه الهيئة ؟
الحقيقة يا أخواننا عمر ابن الخطاب كان ينظر الى الأمر نظرة شمولية إجمالية عظيمة جدا .
كان عمر ابن الخطاب يريد أن يحمل أمة الإسلامية من الانهيار , الانهيار لوجود خالد ابن الوليد على المقدمة , على قيادة الجيوش , على قمة الجيوش الإسلامية في بلاد الشام .
على هذه الانتصارات المتكررة , نعم يا أخواني , كان الانهيار لن يأتي إليها من الرومان , ولن يأتي إليها من الفرس , ولم يأتي إليها من أعداء البشر جميعا .
ولكن الانهيار كان سيأتي إليها من داخلها , من داخلها حقيقة , من داخل كل مؤمن .
إذا اهتزت عقيدة المسلمين فان هذا يؤذي بانهيار الأمة الإسلامية .
وكيف تهتز عقيدة المسلمين في وجود خالد ابن الوليد ؟
يا أخواننا سيدنا عمر ابن الخطاب لاحظ أن الكلمات التي تقال في المدينة المنورة والتي يرسل بها المجاهدون هناك من الشام ومن العراق الى أهلهم وذويهم في أرض المدينة المنورة .
كلها تشير الى أن النصر أكيد إذا كان خالد موجود , وأن النصر غير محتمل إذا غاب خالد عن الجيوش .
هنا شعر عمر ابن الخطاب أن هناك اهتزازا كبيرا في عقيدة المسلمين , المسلمون على خطرا عظيم .
أصبحوا يعتقدون أن النصر من عند خالد ابن الوليد رضي الله عنه و
أرضاه وليس من عند الله عز وجل .
هذا خلل كبير جدا في العقيدة , قد يودي بكل نصر المسلمين ويودي بكل ما حققه المسلمون من انجازات .
طبعا في بعض العوامل الأخرى غير هذا العامل , الخوف على عقيدة المسلمين , بعض العوامل مثل تصرف خالد ابن الوليد في الأموال .
سيدنا خالد ابن الوليد كان ينفق نفقة عظيمة من ما يحصل عليه من الغنائم .
وكان يعتقد أنه المتصرف الأول والوحيد في هذه الأموال , وكان يعطي الناس عطاء كبيرا جدا , حتى يعطي الناس الذي دخلوا في الإسلام حديثا أو الناس الذين ارتدوا ثم عادوا الى الإسلام .
يعطيهم عطاء كبيرا وكان عمر ابن الخطاب يرى زمن تأليف القلوب قد ولا .
كان هذا في زمن ضعف الدولة الإسلامية , أم الآن فنحن في زمن القوة , لا نعطي هذه الأموال .
اختلاف في الأدريات عن خالد ابن الوليد بالنسبة لعمر ابن الخطاب كما كان يختلف عنه في موضوع الصلاحيات .
كان خالد ابن الوليد يريد أن تكون كل الصلاحيات في هذه , بينما عمر ابن الخطاب كان يريد أن يكون الحكم مركزيا , كل الأمور تعود إليه في المدينة المنورة .
ثم يرسل بعد ذلك الأوامر الى الجيوش سواء في الشام أو في العراق , لكن نعود الى الهدف الرئيسي أو السبب الرئيسي وهو سبب خوف عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على عقيدة المسلمين .
خالد ابن الوليد يا أخواني كما يقول عمر ابن الخطاب , كان فتنة للمسلمين , يقول عمر ابن الخطاب يبرر بنفسه سبب العزل حتى لا تذهب أذهاننا الى ما يقوله المستشرقون والمستغربون والمغيرون والمزيفون لتاريخ المسلمين .
يقول عمر ابن الخطاب والله إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة , ولكني خشية أن يفتن المسلمون به فيوكلون إليه .
أنظر الى الكلمات , إذا فتن المسلمون بخالد , وظنوا أن النصر من عنده فيهزم المسلمون بهذه اللحظة .
يعلم عمر ابن الخطاب تمام العلم أن النصر من عند الله عز وجل , يعلم تمام العلم أن المسلمون إذا اعتقدوا أن النصر في غير الله هزموا .
عمر ابن الخطاب يا إخواننا يتذكر جيدا ما حدث في يوم حنين , وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } .
أعجب المسلمون في يوم حنين , في وجود الرسول صلى الله عليه وسلم , في وجود كرام الصحابة والسابقين من المهاجرين والأنصار .
أعجبوا بكثرتهم فولوا مدبرين , ولم ينزل النصر عليهم الا بعد أن عادوا الى ربهم .
اليوم أعجب المسلمون بقوة وبأس خالد , ولم ينظروا الى الله عز وجل والى نصر الله عز وجل والى تأيد الله عز وجل .
ضاعت هيبة المسلمين وضاع نصر المسلمين وهزموا ولم يصلوا الى الناس برسالة .
لماذا يا إخواني إذا تحرك الجيوش في سبيل الله , لماذا تخرج الفتوح الإسلامية الى العراق والى الشام والى مصر والى غيرها .
هل لتحصيل الدنيا ؟
ان كان لتحصيل الدنيا فوجود خالد ابن الوليد مفيد جدا , لأنه ينتصر انتصارات كبيرة ويأخذ أرض عظيمة ويجمع غنائم وفيرة , لكن ليس هذا هو الغرض .
الغرض , الوصول بعقيدة سليمة الى العالم , فإذا اهتزت عقيدة المسلمين أنفسهم , الذين يقومون بالفتح , فكيف تفتح هذه البلاد , وكيف يتحقق للمسلمين نصر .
خالد ابن الوليد كان فتنة حقيقية , تعرضنا لمواقف خالد ابن الوليد قبل ذلك في فتوح فارس , وقبلها في الردة , ما هزم قط , وفي فتوح فارس انتصر في ستة عشر موقعة متتالية دون هزيمة .
رأينا كلمات الانبهار العظيمة لأبي بكر الصديق في حق خالد ابن الوليد , رأيناه وهو يقول عدا أسدكم على الأسد .
رأيناه وهو يقول والله لأنسين الرومان وساوس الشيطان , بخالد ابن الوليد , رأيناه وهو يقول أعجزت النساء أن يلدن مثل خالد ابن الوليد .
يعني أبو بكر الصديق لا يرى في الأمة بكاملها من هو على مثل درجة خالد ابن الوليد في عسكريته وفي قيادته وفي براعته الحربية وفي قيادته للمسلمين .
هذه كلمات الصديق وهو أعظم المسلمين قاطبة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .
كل هذا كان يؤدي الى فتنة كبيرة جدا بخالد لذلك عزله عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ليحفظ عقيدة المسلمين .
ترى ما هو رد فعل خالد ابن الوليد رضي الله عنه عندما علم بقرار العزل , وترى ما هو رد فعل أبي عبيدة ابن الجراح عندما جاءه خطاب الولاية على الجيوش الإسلامية المنتصرة في بلاد الشام .
وترى ما هو رد فعل الجيوش الإسلامية التي رأت الانتصارات الكثيرة على يد خالد ثم رأته يعزل بعد ذلك وليس له خطأأ وليس له خيانة وليس له مشكلة الا أنه يحقق الانتصارات تلو الانتصارات .
حتى فتن الناس بقوته وبأسه , هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة , أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا .
انه ولي ذلك والقادر عليه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .