تفسير سورة الأعراف 07– الدرس 30 ـ الآية : 86 ـ 93 ـ لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثلاثين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية السادسة والثمانين ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾
مقدمة للآية :
1 ـ هما طريقان لا ثالث لهما :
أيها الإخوة الكرام ، هناك طريق إلى الله ، وهناك طريق إلى جهنم ، طريق إلى الجنة ، وطريق إلى جهنم ، طريق إلى الله ، وطريق إلى الشيطان ، لكن الطرائق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، المنهج واحد ، أما سبل الوصول إلى الله فمتعددة ، يمكن أن تصل إلى الله بإنفاق مالك ، أو بضبط تربية أولادك ، أو بإحسانك ، أو بطاعتك ، أو بعباداتك ، أو بصيامك ، أو بوسائل لا تعد ولا تحصى ، المنهج الإلهي واحد ، والحق لا يتعدد .
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 153 ) .
2 ـ الحق واحد ، والباطل متعدِّد :
الحق لا يتعدد ، الحق واحد ، لكن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، أما الباطل فمتعدد ، هناك مليون باطل ، باطل اعتقادي ، باطل شهواني ، باطل كيدي ، باطل قهر ، باطل اختلاس ، باطل كذب ، باطل انغماس في الشهوات ، الباطل متعدد ، مذاهب ، وفرق ، وملل ، ونحل ، واتجاهات ، وتيارات ، وطوائف ، ومذاهب ، لا تعد ولا تحصى ، كما أنه لا يمر بين نقطتين إلا خط مستقيم واحد ، ولكن يمر بين نقطتين ملايين الخطوط المنحنية والمنكسرة ، فالباطل متعدد ، والحق واحد .
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾
جمع .
﴿ إِلَى النُّورِ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 257 )
مفرد .
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 153 )
إذاً : الحق واحد ، والباطل متعدد ، لكن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، أنواع الأعمال الصالحة ، إنسان يتقرب بإنفاق ماله ، إنسان يتقرب ببذل وقته ، إنسان يتقرب ببذل علمه ، إنسان يتقرب ببذل جاهه ، إنسان يصلح بين اثنين ، إنسان يصلح بين زوجين ، إنسان يزوج الشباب ، إنسان يبني المساجد ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، هذه الحقيقة الأولى ،الحق واحد ، والباطل متعدد .
إلا أن طرق الوصول إلى الله لا تعد ولا تحصى ، كما أن طرق الوصول إلى النار لا تعد ولا تحصى ، الربا ، والزنا ، والدعارة ، والاختلاس ، والسرقة ، والقهر ، والظلم ، والقتل ، والاستبداد ، الطرق الموصلة إلى النار لا تعد ولا تحصى ، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، إلا أن الحق واحد لا يتعدد ، والباطل متعدد ، هذه أول فكرة .
3 ـ الشيطان لا يترك مَن يسير على صراط مستقيم :
حينما قال الله عز وجل في هذه السورة بالذات على لسان الشيطان :
﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
( سورة الأعراف )
ما دام الإنسان يمشي في طرق الباطل ، في طرق الشهوات ، في طرق الانغماس في الدنيا ، ما دام في طريق يؤدي به إلى النار فالشيطان يتركه ، لأنه يحقق هدفه ، ما دام الإنسان يمشي في طرق تنتهي به إلى النار فالشيطان يتركه ، هذا مضمون ، أما حينما يبدأ الإنسان السير إلى الله ، يصطلح مع الله ، يتوب إليه ، يُقبل عليه ، يقلع عن الذنوب كلها ، يبدأ دور الشيطان مع هذا الإنسان .
﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
والصراط مستقيم ، والحق صراط مستقيم ، والمستقيم أقرب خطر بين نقطتين .
4 ـ في كل عصرٍ ضلالاتٌ يروِّجها الشيطانُ :
ماذا يفعل هذا الشيطان ؟ قال :
﴿ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
( سورة الأعراف )
في هذا العصر ضلالات يستخدمها الشيطان كأوراق رابحة ، من هذه الضلالات موضوع الجينات ، أن المنحرف له جينات خاصة ، إذاً : ليس ذنبه ، فإذا كان الإنسان منحرفًا أو شاذًّا فبتركيبه الجيني خصوصية ، من هذا المنطلق غير الصحيح ، ومن هذا الوهم أُعطِي المنحرفون والشاذّون حقوقهم المدنية ، هذه ضلالة من ضلالات العصر ، فالشيطان يروج لهذه الضلالات .
نظرية داروين التي تنفي وجود الخالق ، وتبين أن هذا الكون كان بهذا الشكل محض صدفة ، وبدأ من مخلوق وحيد الخلية ، ثم تطور ، وهناك قفزة نوعية بين المادة والخلية الحية ، وأن الخرق البالية تنتج فأرة ، وأن الوحل ينتج ضفدعاً ، وأن اللحم المتفسخ ينتج دوداً ، هذا في كتاب أصل الأنواع لداروين ، العلم أثبت عكسه ، وأثبت بطلانه ، داروين إذاً يروج لها ، الشيطان يروج لهذه النظرية ، لأنها تلغي المسؤولية ، تلغي وجود الإله ، تلغي الجنة والنار ، تلغي الحساب والعذاب ، تلغي المنهج ، تلغي افعل ولا تفعل :
﴿ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
كل إنسان منحرف يقول : في جيناته انحراف ، لكن حينما اكتشفت الخارطة الجينية ، وكان اكتشافها قفزة نوعية في العلم ، أثبتت هذه الخارطة أنه لا علاقة للجينات بالسلوك ، فكل هذا الذي كان يتوهمه الناس أصبح باطلاً .
إذاً :
﴿ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
أروّج لهم ضلالات العصر ، وشهوات العصر ، وفي بكل عصر ضلالات ، وشهوات ، وشبهات ، وأنا أقول في أول كل درس : أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم .
هناك مقولة : أنك ما دمت الأقوى فأنت على حق ، فالقوي على حق ، ولو سحق الشعوب ، ولو أباد الشعوب ، ولو بنى مجده على أنقاض الشعوب ، ولو محا ثقافة الشعوب ، ولو أباد الشعوب ، ما دام يملك قنبلة نووية إذاً هو يدمر بها كل شيء ، هذه أيضاً من ضلالات العصر .
القوة تصنع الحق ، لكن المناهج الإلهية تؤكد عكس ذلك ، الحق يصنع القوة ، أنت قوي لأنك على حق ، لكن في عالم المادة أنت على حق لأنك قوي ، هذه أيضاً من ضلالات العصر ، ومِن هذه الضلالات العنصرية ، لك ما ليس لغيرك ، لك حق الفيتو ؛ الاعتراض ، أما بقية دول العالم فلا تملك هذا الحق ، لك أن تمتلك أسلحة الدمار الشامل ، لكن لا تسمح لأي جهة أن تمتلك هذا السلاح ، العنصرية أن تتوهم أن ما لك ليس لغيرك ، وما على غيرك ليس عليك ، يمكن لك أن تضع في السجن كما يفعل الصهاينة بعشرين ألف أسير ، أما إذا أُخذ أسير واحد يدمر بلد عربي بأكمله ، من أجل أسير واحد ، لك ما ليس لغيرك ، وعلى غيرك ما ليس عليك ، هذه من ضلالات العصر ، وتسمى الآن العنصرية .
فالجينات أنواع الانحراف ، والشذوذ تفسر تفسيراً يريح المنحرف ، أن هناك خصوصية في جيناته ، والعلم أثبت عكس ذلك ، لا علاقة للجينات بالسلوك ، الأخلاق نسبية ، ما هو محرم في بيئة مقبول في بيئة أخرى ، والمعنى أنْ ليس هناك قيم ثابتة ، كل بلد له عادات وتقاليد ، وتراث ومورثات ، فكل شيء هنا محرم ، هنا كمقبول ومباح ، هذه الفكرة ميعت القيم ، فأصبح المجتمع بلا قيم .
أيها الإخوة ، الفتن الطائفية من هذه الضلالات ، نستورد مشكلات من التاريخ ، ونجعلها أصلاً في الدين ، ونسفك الدماء من أجلها ، هذا من ترويج الشيطان ، بل إن كل طاغية يستخدم سلاح الفتن الطائفية .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
( سورة القصص )
وطغاة العصر يقول بعض وزرائهم : أنا لا يعجبني أن يكون العالم مئتي دولة ، أتمناه خمسة آلاف دولة ، الفتن الطائفية من ضلالات العصر ، العنصرية من ضلالات العصر ، التطهير العرقي يقتل الرجُلُ لأنه من هذا العرق فقط ، ولم يسفك دماً ، ولم ينهب مالاً ، ولم ينتهك عرضاً ، موت كعقاص الغنم لا يدري القاتل لم يقتل ، ولا المقتول فيما قُتل ، هذا أيضاً من ضلالات العصر .
﴿ ثم لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
من هذه الضلالات ، من أجل الحفاظ على أسعار اللحوم يعدم عشرين مليون رأس غنم في أسترالية ، للحفاظ على مستوى السعر ، بينما شعوب بأكملها تموت من الجوع .
أحياناً تُتلفت كميات من الزبدة يساوي حجمها حجم أهرامات مصر حفاظاً على السعر المرتفع ، ومحصول البرتقال أتلف بأكمله ، لكن لما تسلل الجنود ليأكلوا منه مجاناً في العام القادم سُمم هذا المحصول ، ورشّ بالسموم ، الشيطان يروج لهذه الضلالات وتلك الشهوات .
الضعفاء يسحقون ، يُقتلون ، تنهب ثرواتهم ، تؤخذ أموالهم ، يُعتقل شبابهم ، هذا أيضاً من ضلالات العصر .
وهناك الشهوات ، الجنس الآن في العالم إلهٌ يعبد من دون الله ، وهناك 800 محطة فضائية ، 400 محطةٍ منها إباحية ، و8 مليارات موقع بالإنترنت 23 مليونًا موقع إباحي ، وهناك تجارة الرقيق منتشرة في العالم .
إذاً :
﴿ ثم لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 17 ) .
5 ـ الفتن والاختلافات والدعوة إلى الجاهلية أساليب الشيطان :
ما في التاريخ من فتن يأتي مَن يحيي هذه الفتن ، ويركز عليها ، وتعد أصلا في الدين ، ويقتتل الناس من جراء هذه الفتن ، فتن عرقية ، فتن طائفية ، فتن مذهبية ، هذا أيضاً من فعل الشيطان .
﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
أو إحياء التراث الوثني ، وتجاهل الإسلام ، يكون قبل الإسلام حياة وثنية ، وآلهة متعددة ، إحياء التراث الوثني ، تمجيد ما قبل الإسلام من أصنام ، ومن عادات ، ومن تقاليد ، أيضاً هذا من وسوسة الشيطان .
﴿ ثم لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
أما :
﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 17 )
فمثلاً التحريش بين المؤمنين هذا من فعل الشيطان ، والمسلمون جماعات ومذاهب وطوائف وفرق .
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
الغرق في الجزئيات ونسيان المقاصد والكليات ، نختلف على صلاة التراويح ، وفي بعض البلاد يتقاتلون ، وهي سنة ، ووحدة المسلمين فرض ، نختلف على تسمية الأشياء ، ما تعريف صلاة التهجد وصلاة قيام الليل ، نختلف ونقتتل ، نختلف على التشهد ، بحركات متتابعة أم بحركة واحدة ، نختلف على أشياء تعد من الدرجة المئة في سلم الأولويات ، ومع ذلك نختلف ونقتتل أحياناً .
﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
الدعوة إلى الذات لا إلى الله ، دعوة إلى الذات أساسها الابتداع ، أساسها التنافس ، أساسها إلغاء الآخر .
﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
الاهتمام بالمظاهر ، تجد المؤتمر إسلاميا ، والوفود من شتى بقاع الأرض ، والصحفيات يرتدين ثيابا فاضحة ، ولا شيء عليهن ، الالتزام منعدم فيه ، الاهتمام بالمظاهر ، وإلغاء السنة ، والاكتفاء بالقرآن .
﴿ ثم لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
ألم يقل الله عز وجل :
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
( سورة الحشر الآية : 7 )
﴿ ثم لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
شبهات العصر ، وشهوات العصر .
﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
العادات والتقاليد ما قبل الإسلام ، يروج لها ، ويحتفى بها ، وتقدس .
﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
هذه القضايا الخلافية تضخم ، وتروج ، وتصبح موضوعاً للصراع .
6 ـ شبهات التأويل :
الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن ، أو اللعب بتأويله ، وأعداء المسلمين بوسوسة من الشيطان اخترقوا المسلمين في ثلاث قضايا ، القضية الأولى اللعب بالتأويل .
﴿ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ﴾
( سورة آل عمران الآية : 130 )
يقول الشيطان : إذا كان الربا ضعفاً واحداً فلا شيء فيه ، لأن النهي عن أضعاف مضاعفة .
أيها الإخوة ، نسبية النص ، هذه شبهة كبيرة ، أن هذا النص لا يصلح لهذا العصر ، لكنه يصلح لعصور الصحراء ، فلا بد من قراءته قراءة جديدة ، لا بد من قراءته تمهيداً لإلغائه ، أو تمهيداً لإخراجه عن مضمونه ، أو تحييداً له عن واقع الحياة ، فقد كان الدين كيانا واضحا صلبا ، واضح المعالم ، صار كياناً مرِناً ، هذه المروة ازدادت ، فصار لزجا ، ثم صار سائلا ، والسائل يتغير شكله ، ويبقى حجمه ثابتاً ، الآن الدين غاز ، لا له شكل ثابت ، ولا حجم ثابت ، ترتكب أكبر المحرمات والمعاصي والآثام والمظهر ديني ، والإطار يدني ، وكل شيء فيه تسامح ، إلى أن فَقَد الدين محتواه ومضمونه .
أيها الإخوة ، هذا :
﴿ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
أما :
﴿ عَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾
ترويج الخمر ، قيم روحية ، ومشروبات روحية ، الخمر سمي بأسماء كثيرة ، الاختلاط والتعري والزنا ، وأكل الربا ، نحن أمة اقرأ ( سابقاً ) ، الآن أمة ارقص ، بدل اقرأ ارقص ، اختيار ملكات جمال حضارة .
أيها الإخوة ، هذه الآية دقيقة جداً ،
﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾
﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
معه الملايين ويشكو ، الشكوى جزء من حياته ، يشكو الدخل ، لا يعجبه والحياة لا ترضيه ، وزوجته لا يتهم بها ، وهكذا .
وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ
أيها الإخوة ، هذا تمهيد لدرسنا ، أما الدرس فيقول الله :
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾
لا تأخذوا دورَ الشيطانِ في تثبيطِ الناسِ عن العمل الصالح :
كلما وجدتم طريقاً إلى الله ، الصدقة طريق إلى الله ، تنهون الآخرين عن الصدقة ، حضور مجلس العلم طريق إلى الله ، دعك من هذا المجلس ، اهتم بشيء آخر ، اهتم بدراستك ، طريق بناء مسجد ، المساجد كثيرة ، طريق إطعام الجياع ، لهم رب يتولى شأنهم ، كلما رأيت إنساناً تحرك نحو عمل صالح تنهاه عن هذا العمل ، إياكم ، ثم إياكم ، ثم إياكم أن تأخذوا دور الشيطان في تخويف الإنسان من إنفاق ماله ، أو من حضور مجلس علم ، أو من طاعة ، أو من اختيار عمل شريف ، يقول لك : الدخل لا يكفي ، هذا العمل دخله كبير ، دعك من هذه الوسوسة ، لا تكن متزمتاً .
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾
أي : بكل طريق يؤدي إلى الحق ، إلى طاعة الله ، إلى إنفاق المال ، إلى إتقان العمل ، إلى غض البصر ، إلى ترك الاختلاط ، إلى تلاوة القرآن ، إلى حفظ القرآن ... هذه الطرق التي تفضي إلى الله عز وجل ، الذين شردوا عن الله ينهون سالكيها عن بلوغ أهدافهم .
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾
إذاً : هذا الذي يفعل هذا شاء أم أبى ، أعجبه أو لم يعجبه ، رضي أم غضب ، هو شيطان ، لأنه أخذ دور الشيطان .
أحياناً يقوم بعمل معين ، مَن الذي فعله ؟ هناك دراسة تحليلية ، الذي انتفع به هو الذي فعله ، مثلاً : الخلاف بين المسلمين ، من ينتفع به ، الشيطان وحده ، لأن الشيطان ينتفع به وحده ، إذاً : كل إنسان يشق صفوف المسلمين ، يفرقهم ، يشرذمهم ، يثير العداوة والبغضاء بينهم هو إذاً شيطان ، ما دام المنتفع الأول من هذه الخلافات هو الشيطان ، إذاً : الشيطان هو الذي يدفع بالناس إلى هذه التفرقة .
﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ ﴾
أي تخوفون مَن يسلكه ، إياك أن تحضر مجلس علم ، ما الخطر ؟ يؤخذ اسمك ، وإذا أخذوا اسمي ! ما مِن شيء إطلاقاً ، درس مرخص ، درس نظامي ، درس فيه دعوة إلى الأخلاق ، درس يدعو إلى السلم ، دعوة إلى المحبة ، دعوة إلى التعاون .
﴿ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
طريق إلى الله تصد عنه ، طريق إلى الدنيا إلى الشهوة ، إلى المعصية ، إلى النار تروج له .
وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً
﴿ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾
أحكام الدين تفرغ من مضمونها .
مثلاً : لما حرم الله على اليهود الصيد يوم السبت ، ماذا فعلوا ؟ صنعوا بحيرات ، وجمعوا فيها الأسماك ، وأقفلوها مساء السبت ، واصطادوها يوم الأحد ، هذه هي الحيل الشرعية .
﴿ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾
دائماً هناك احتيال على تطبيق الشريعة ، لذلك الآية الكريمة :
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
( سورة الإسراء الآية : 73 )
هذه الفتنة بدأت من عهد النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾
الإسلام مقبول كإطار ، مسجد ، مؤتمر ، مؤلفات ، دروس ، أما تطبيق منهج الإسلام الحقيقي فهذا ينبغي أن يغيّر ، لأنه لا يتناسب مع روح العصر ، ,تحريم الربا مشكلة كبيرة ، وإلغاء الاختلاط مشكلة أكبر .
فلذلك أيها الإخوة ، الصد عن سبيل الله أن يبتغي الإنسان الأمور بشكل معوج ، وكلّ أمر له طريق معوج ، هذا غير صحيح ، للتقريب :
هذه المرأة يجب أن تحج ، ما معها محرم ، تكتب عقد زواج صوريًّا ، هذا طريق معوج للحج ، لا يرضي الله ، الله عز وجل لا يعبد إلا وفق ما شرع ، أو أن أسلك طريقًا ملتويا كي أصل لهدف معنى ذلك أن الذي يفعل هذا ليس مخلصاً .
وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ﴾
قد يكون الإنسان ضعيفا ، الله عز وجل يقويه ، والمسلمون كانوا قلة ، لكنهم كانوا في أعلى درجات القرب من الله ، وفتحوا العالم ، الآن مليار و500 مليون ، ربع سكان الأرض التي فيها ستة آلاف مليون ، المسلمون مليار و500 مليون ، وهم يملكون ثروات طائلة كثيرة ، لا تقدر بثمن ، أكبر احتياطي نفط في العالم ببلاد المسلمين ، وفي العراق بالذات ، وأرخص نفط في استخراجه هو نفط العراق 450 مليار برميل الاحتياطي البعيد الأمد ، يملكون ثروات كبيرة ، وموقعا استراتيجيا ، أمة واحدة ، إله واحد ، نبي واحد ، قرآن واحد ، آمال واحدة ، آلام واحدة ، والحدود بينهم والسدود ، بينما الذين خاضوا حروبا لـ200 عام في أوربة ، أوربة الآن كلها بلد واحد .
كنت مرة في مدينة في ألمانيا ، فجأة قيل لي : هذه هولندا ، صعقت ، أين الحدود ! أين اللوحات ! أين الجوازات ! لا شيء ، ولا لوحة ، ولا إشارة ، ولا عبارة ، كيف عرفتم ؟ قال : من لون لوحات السيارة ، كانت بيضاء ، فأصبحت صفراء ، لأنهم اتحدوا ، اقتصاد واحد ، عملة واحدة ، ناطق واحد ينطق باسمهم جميعاً ، ونحن إذا أتوا إلينا يقولون : سُنة ، وشيعة ، وأكراد ، وآشوريون ، وعرب ، أعوذ بالله :
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
لذلك :
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾
أيها الإخوة الكرام ، الله عز وجل يرينا آياته إن شاء الله ، في الطرف الآخر الذي طغى وبغى ، ونسي المبتدا والمنتهى ، هم قلقون جداً لفتح الحدود بين غزة ومصر ، لماذا ، لأن الموت المحقق للنساء والأطفال لم يقع ، إذا هم قلقون ، ما الذي يقلقهم ؟ إبادتنا ، هذا الذي يريحهم .
الآن :
﴿ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا
أناس آمنوا بالله ، وأناس لم يؤمنوا ، الذين لم يؤمنوا قد يكونون أقوياء وأغنياء وأذكياء ، وناصية العالم بيدهم ، الأموال بيدهم ، الأقمار بيدهم ، التحالفات بيدهم ، الإعلام بيدهم ، أناس آمنوا وهم ضعاف ، أناس لم يؤمنوا وهم أقوياء .
﴿ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا ﴾ .
أيها الضعيف اصبر ، وأيها القوي اصبر ، فسوف ترى النتائج ، الصبر الأول صبر رجاء ، والصبر الثاني صبر تهديد ، أيها الضعيف اصبر ، وأيها القوي اصبر ، سوف ترى .
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
﴿ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾
أنتم أيها الإخوة ، لو قرأتم التاريخ لا تتصورون حجم المعركة بين قريش وبين المسلمين .
أيها الإخوة .
﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ
هناك تناقض صارخ بين المؤمن المستقيم و غير المؤمن ، وهذه معركة أزلية أبدية بين الحق ، والباطل أرادها الله عز وجل لحكمة بالغة ، لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، ولأن أهل الحق لا يستحقون العطاء الأبدي السرمدي إلا بالبذل والتضحية .
أيها الإخوة الكرام .
﴿ قَالَ الْمَلَأُ ﴾
يعني وجهاء القوم ، كبراء القوم ، الأغنياء الأقوياء ، المتبوعون .
﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ﴾
إنكم إذاً لخاسرون ، جاء أمر الله .
﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
المعالجة الربانية للناس :
﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِين * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
الله عز وجل أرسل نبياً كريماً ، ونصحهم ، وبين لهم ، وعالجهم ، وأدبهم ، وأصروا على كفرهم ، وانتهى الأمر .
لذلك هذه القصص أيها الإخوة ، ما ذُكرت في كتاب الله إلا لكي تكون لنا دروساً نستفيد منها في حياتنا ، هؤلاء الذين جاؤوا إلى الدنيا ، وما عرفوا رهم ، بل كذبوا بالحق لما جاءهم هلكوا في الدنيا ، وفي الآخرة .
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/text/03quran/1friday/007aaraf/21-30aaraf/aaraf30.doc