التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(28-60): تفسير الآيات 80 - 84 ، البعد عن الله يؤدي إلى الانحراف
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-12-07
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مقدمة لتفسير الآية :
أيها الإخوة الكرام مع الدرس الثامن والعشرين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثمانين ، وما بعدها ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾
معنى الشفع والوتر :
أولاً من أدق معاني الشفع والوتر ، أن الوتر هو الله ، لأنه واحد أحد فرد صمد :
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾
( سورة الإخلاص )
صمد بمعنى أنه لا يحتاج إلى واحد ، لا يحتاج إلى أي شيء ، بل يحتاجه كل شيء ، واحد لا شريك له ، وأحد لا مثل له .
﴿ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً ﴾
( سورة الجن )
شأن الله عز وجل الأحدية ، وشأن الخلق الزوجية .
﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾
( سورة الذاريات الآية : 49 )
مبدأ الافتقار في عالَم المخلوقات :
الذرة في النواة إيجابية ، والكهارب سلبية ، وأي شيء يخطر في بالك بدءًا من الجماد وانتهاءً بالإنسان ، زوجان ذكر وأنثى ، أو إيجابي وسلبي ، شأن مخلوقاته أن كل مخلوق مفتقر إلى مخلوق آخر ، فالرجل مفتقر إلى المرأة ، والمرأة إلى الرجل ، والصديق إلى صديقه ، والزميل إلى زميله ، وكل مخلوق يفتقر إلى مخلوق آخر .
الافتقار أنواع ، هناك افتقار جنسي ، فالذكر مفتقر إلى الأنثى ، والأنثى مفتقرة إلى الذكر ، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان حاجات ثلاث ، أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب تحقيقاً لبقاء الفرد ، وأودع فيه حاجة إلى الجنس تحقيقاً لبقاء النوع ، وأودع فيه حاجة إلى تأكيد الذات تحقيقاً لبقاء الذكر ، فالإنسان يبحث عن الطعام والشراب ، فإذا أكل وشرب بحث عن الطرف الآخر ، فإذا كان مؤمنا تزوج ، وإذا كان غير مؤمن يزني ، فإذا أمن الاثنتين بحث عن الرفعة ، والقوة ، والتفوق ، والعلو ، وتأكيد الذات .
افتقار الرجل إلى المرأة و افتقار المرأة إلى الرجل :
لو أخذنا الشهوة الثانية ، الشهوة إلى الآخر ، الله عز وجل رسم منهجا ، فالأنثى خلقت خصيصى للذكر ، والذكر خلق خصيصى للأنثى ، خصائص الرجل الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به ، وخصائص الأنثى الجسمية والنفسية والاجتماعية والفكرية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها ، هما متكاملان ، إذاً : هما شفع .
﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾
( سورة الفجر )
لكن هذه العلاقة مع المرأة قد تأخذ شكلاً مشروعاً ، هو الزواج ، وقد تأخذ شيئاً غير مشروع ، هو الزنا ، فالزنا خروج عن الشرع ، وقد أودع الله في الإنسان هذه الحاجة ، فالمؤمن الذي يخاف الله عز وجل ما عنده قناة لإرواء هذه الحاجة إلا الزواج ، وغير المؤمن فعنده قناة أخرى ، هي الزنا .
إن الزنا خروج عن منهج الله ، ومعصية كبيرة ، بل تسمى جريمة الزنا ، وفيها ضياع أنساب ، واختلاط أنساب ، وفيها سقوط المرأة الزانية ، وسقوط الزاني ، والمجتمع ينكر الزنا ، والشرع ينكر الزنا ، وأي شيء أنكره الشرع تنكره الفطر السليمة .
في تاريخ البشرية يقولون : فضيحة أخلاقية ، في الدول الإباحية ، في الدول التي لا تلتزم بأي منهج ، فضيحة جنسية ، أو فضيحة مالية ، وفي تاريخ البشرية الفضائح الكبرى نوعان : فضائح مالية ؛ سرقة ، واختلاس ، ونهب ، وتزوير ، أو فضائح جنسية ، والذي يقع على رأس البيت الأبيض تورط مع موظفة ، فعرضوا في الإنترنت 2800 صفحة تفاصيل هذه العلاقة الآثمة .
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
1 – الخروج عن منهج الله في الشهوة شذوذ وانحراف :
لكن حينما تسلك هذه الشهوة طريقاً آخر ، غير الطريق الذي رسم لهذه الشهوة فهذا مباح ، والله عزوجل رسم لهذه الشهوة طريق الزواج ، وغير المؤمن خالف المنهج فزنى ، لكن في الأصل المرأة للرجل ، والرجل للمرأة ، أما الشاذ فخالف المنهج والفطرة معاً ، وسلك طريقاً لا يؤدي إلى الولد ، طريق قذر ، فالله عز وجل سمّى هذا الانحراف فاحشة ، أول من أتى بهذه الفاحشة قوم لوط .
فلسفة الشهوة عند الغرب :
ولكن أيها الإخوة ، أتمنى عليكم أن تنتبهوا إلي ، في العالم الغربي الإنسان يخترع أفكارا كي يرتاح بها المنحرفون ، يقولون : هذا الشاذ في جيناته هذا الشذوذ ، لا ذنب له ، هذا مركوز في أصل تكوينه ، وفي أصل خلقه ، والله الذي لا إله إلا هو لو قطعت المؤمن مليار قطعة على أن يصدق أن الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان شذوذاً ، ثم يحاسبه على هذا العمل الشنيع ، ثم يضعه في جهنم ، والله ما من مؤمن مستعد لو قطعته مليار قطعة أن يصدق ذلك ، لكن هذا منطق الغرب !
نظرية داروين بين الحقيقة العلمية وفلسفة الراحة الوهمية :
أحيانا الإنسان يسمع تفسيرا ، أو طرحا فيصدقه ، لا لأنه صحيح ، بل لأنه مريح ، فنظرية داروين مثلاً لا يمكن أن يصدقها أحد في الأرض ، لأن داروين نفسه قال : " إن لم يثبت العلم هذه النظرية فهي باطلة " ، داروين اعتقد أنه الفأرة تأتي من الخرق البالية مع القمح ، وأن الضفدع يأتي من الوحل ، فالوحل يصنع ضفدعا ، هذا شيء مضحك الآن ، العلم لم يكذّب هذا ، بل يستهزئ به ، وتوقع أن المخلوقات تطورت من حيوانات أو مخلوقات أحادية الخليلة ، حتى الإنسان عنده تطور طبيعي عبر ملايين السنين ، إذاً : لا بد من كائن مرحلي وحيد خلية ، سمكة بعدها زاحف ، بعدها قرد ، بعدها إنسان .
مع التفاصيل :
فتحوا الأحافير فوجدوا صورَ الحيوانات التي طمرت برماد بركاني ، وأصبح هيكلها مطبوعًا على الحجار ، هذه اسمها أحافير ، وجودوا مئات ، بل ألوف المخلوقات قبل 530 مليون سنة كما هي الآن ، فالنظرية باطلة كلياً ، مَن أبطلها ؟ علماء الغرب ، ومع ذلك العالم كله الآن يؤمن بها ، ليس لأنها صحيحة ، بل لأنها مريحة ، ما مِن إله ، هذا الشعب اسحقه ، انهب الثروات ، هذه مريحة جداً لأعداء الدين ، ما من إله يحاسب أبداً ، ولا يوم آخر ، ولا آدم ، هناك قرد فقط !!!
أنا هذه النظرية صدقتها حديثاً ، لكن صدقتها معكوسة ، كان المحلوق إنسانًا فصار قردًا الآن ، صار إنسانًا ماديًّا ، القرد رمز المادية ، لما قال الله عز وجل :
﴿ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ﴾
( سورة المائدة الآية : 60 )
أنا أتصور المسخ هكذا ، إنسان إلهه المال ، هذا قرد ، وإنسان إلهه الجنس ، هذا خنزير .
النظرية باطلة كلياً ، لكن لأنها مريحة تمسك العالم بها ، الآن يقول الناس الشاذين ، وللملايين في العالم الغربي : إن الشذوذ أصله في جسم الشاذ ، وهذا أمرٌ مريحٌ جداً .
أنا زرت مدينة بأمريكا ، لوس أنجلوس ، 75% من سكانها شاذون ، صدقوا في يوم بأكمله ما لمحت طفلا ، من أين يأتي طفل ؟!
الشذوذ انحراف الفطرة ، الزنا انحراف شرعي ، الله أمر بالزواج ، لكن الزواج رجل مع امرأة ، والزنا رجل مع امرأة ، لكن هذا وفق منهج الله ، هذا بخلاف منهج الله ، أما الشذوذ فتوجُّه إلى مكان قذر ، إلى مكان ليس فيه حرث ولا نسل ، الشذوذ تحطيم الشاذ .
لهذا أيها الإخوة ، الشذوذ عقابه القتل ، مع أنه مطروح في العالم الآن آلاف الأفكار أن الشاذ إنسان سويّ ، لكن جيناته شاذة ، لذلك بكل بساطة يقول وزير الصحة البريطاني : " أنا شاذ " ، قالها في مؤتمر صحفي ، وهناك وزير إيطالي قال : " أنا شاذ " ، وسفير أمريكا في بوخارست لما تسلم أوراق اعتماده من الخارجية الأمريكية أقيم له حفل في الخارجية ، فكان هو حاضر مع شريكه الشاذ ، عوض زوجته ، والآن يعطون في أمريكا ميزات الزوجة للشريك الجنسي ، وفي كندا مَن كان له شريك جنسي كندي يستحق الجنسية الكندية ، شيء مخيف ، نحن في نعمة كبيرة جداً في بلادنا .
حدثني أخ من أستراليا ، هو رئيس الجالية ، في أثناء وداعي في المطار والله بكى ، قال لي : بلغ إخواني في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، قلت : لمَ ؟ قال لي : احتمال أن ترى ابنك يضع حلقة في أذنه اليمنى بالـ %50 ، معناه أنه شاذ ، أو أن تكون في اليسرى ، بمعنى آخر ، فهناك شاذ إيجابي ، وشاذ سلبي ، أو في الأذنين معاً أسوأ وأسوأ ، بل إن أستراليا تعد ملجأ للشواذ في العالم ، وفي بلاد في أوربا الشواذ أشخاص محترمون ومديرو شركات ، رؤساء بنوك ، قضاة لهم شريك جنسي ، وفي دول عديدة الآن يعقد عقد زواج مثلي ، والآن بدأت تكثر هذه البلاد ، فأصبح الزواج المثلي مشروعاً ، أرأيتم إلى هذا المجتمع البشري ؟! .
لكن المفاجأة التي يصعب أن تصدق أن الرئيس الأمريكي كلنتون قبل نهاية ولايته ألقى قنبلة علمية ، حيث أعلن الخارطة الجينية ، فقال ، سبحانك يا رب ! الحق أبلج ، قال : ليس هناك من علاقة بين الجينات والسلوك ، لا لأسباب دينية ، ولا إسلامية ، ولا غير إسلامية ، قضية علم ، لا علاقة أبداً بين الجينات والسلوك ، هذا انحراف وشذوذ ، لكن يبدو أن الإنسان لو نشأ عليه يتأصل فيه ، ويقول لك : لا أستطيع تركه ، لأنه ألِفه ، أما أن يكون في تركيب أصل الإنسان شذوذ فهذا مستحيل ، وألف ألف ألف مستحيل ، إله عظيم ، رحيم ، عادل ، يخلقك شاذًّا ويحاسبك ؟ مستحيل .
2 – مرض الإيدز خرج من رحم هؤلاء الشاذين :
هؤلاء القوم قوم لوط ، لكن ببلاد الغرب لهم تجمعات ، ونوادٍ ، ومنتجعات خاصة بهم ، هم لهم شعار خاص بهم ، ويطالبون بحقوقهم ، وقد أخذوها ، ما معنى ذلك ؟ كما قال عليه الصلاة والسلام ، وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي ، قال :
(( لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ))
[أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن عمر ]
حتى يفتخروا :
(( إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ ))
[أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن عمر ]
بالمناسبة مرض الإيدز من أسبابه الأولى الشذوذ .
(( لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ ))
والآن المصابون بمرض الإيدز يقتربون من مئة مليون في العالم ، وكل ثلاث ثوانٍ يموت شخص واحد به ، وحتى الآن ما من علاج له ، ولا مصل مضاد ، وأغرب من ذلك لو دفعنا الملايين ، بل المليارات للبحث عن مصل مضاد فإنه يكفي أن هذا الفيروس يغيِّر شكله ، فإذا غيّر شكله ذهبت كل هذه الأموال أدراج الرياح ، لا أمل ، وأغرب من ذلك أن هذا الفيروس له دور حضانة ستة أشهر ، فإذا فحص الإنسان دمه ، ومعه مرض الإيدز ، لكن أقلّ من ستة أشهر لا يظهر في الفحص ، احتمال أن يكون الدم ملوثا بهذا الفيروس ، والفحص سليم ليس إيجابيًا ، هذا بلاء من الله ، لذلك قال تعالى :
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾
( سورة الروم الآية : 41 )
هذه الأمراض التي انتشرت في العالم :
﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾
زلزال تسونامي ، لما جاء في جنوب شرق آسيا ، هذه السواحل من أجمل السواحل في العالم ، والشتاء في أيام البرد والثلج في النصف الكرة الشمالي جو لطيف دافئ حار ، مياه ساخنة ، مناظر جميلة ، غابات ، 400 ألف طفل معدّ للدعارة هناك ، ولهم صور موزعة في أنحاء أوربا ، يختار السائح الطفل قبل أن يأتي برقم معين ، أين أنتم ؟ العالم وصل إلى فساد يفوق حد الخيال .
رئيس دولة كبرى في شرق آسيا يفتخر في خطابه أنه ما عنده فتاة عذراء ، سياحة الجنس ، نحن نعيش في نعمة كبيرة ، وعندما فساد أيضاً ، لكن نحن نعيش ببقية مروءة ، ببقية طهارة ، ببقية أدب ، ببقية حياء ، ببقية استقامة ، بأسر منضبطة .
على كلٍ هذه المعصية الكبرى بدأها قوم لوط ، الرد العلمي أن الخارطة الجينية تؤكد أنه لا علاقة بين الجينات وبين السلوك ، هذه أنا سميتها قنبلة ألقاها كلنتون قبل انتهاء ولايته ، حيث قال : لا علاقة للجينات بالسلوك .
الزواج هو الطريق الطبيعي لتلبية الشهوة :
هذا شرع الله عز وجل ، الله ينهى عن معصية ، فهل هو ركبنا فينا ؟ الله ركب فيك الشهوة ، هذا صحيح ، لكن الشهوة حيادية ، هذا شيء دقيق جداً ، الله ركّب فيك شهوة الأنثى ، تصور أسرة الآن بشاب نظيف ، طاهر ، عفيف ، ما عرف امرأة قبل الزواج ، تزوج زوجة طاهرة وفية عفيفة ، أنجبت له أولادا كالأقمار ، امتلأ البيت سعادة ، تربى الأولاد ، فهذا طبيب ، هذا مهندس ، الوالد محترم ، الوالدة محترمة ، جاءه أصهار ، الزواج كله خير ، والله الزواج قطعة من الجنة ، هذا منهج الله عز وجل ، و الشهوة بنزين ، لكن وضع في المستودع المحكم ، وسال في الأنبوب المحكم ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولد حركة نافعة .
إذا أخذت أهلك في نزهة بسيارتك ، ما الذي يحدث في السيارة ؟ انفجارات ، لكن سائل بمكان محكم ، بأنبوب محكم ، الانفجار بوقت معين ، بزمن معين ، فصار حركة .
ائت بصفيحة البنزين ، وصبها على المركبة ، وأعطيها كبريت ، تحرق المركبة ومن فيها ، البنزين هو هو ، والشهوة هي هي ، تجد أسرة زوجة وفية ، صادقة ، تحبها وتحبك ، تحصنها وتحصنك ، ترعاها وترعاك ، وأنجبت لك أطفالاً كالورود في البيت ، هذا هو الزواج .
مرة صديقي حدثني ، قال لي : طرق بابي الساعة الرابعة صبحا ، فتحت فلم أجد أحدًا ، لما نظرت إلى الأسفل فإذا بكيس يتحرك ، جنين ولد لتوه ، وضعوه أمام بيتي ، وقرعوا الجرس وهربوا ، أنا فكرت ، إنسان يتزوج ، هذه ليست عقد طبعاً ، بعدها كتابة الكتاب ، بعدها عرس ، بعدها يأتي الخبر السار الذي ينتشر في الآفاق ، المرأة حامل ، الحمد لله ، الآن نستعد لهذا المولود ، السرير الخاص ، والألبسة الخاصة ، والعطورات الخاصة ، يستعد لهذا الضيف الجديد أشهرا مديدة ، يولد هذا الجنين ، الاتصالات ، المباركات ، جاءنا صبي أو بنت ، والبنت مقدسة ، تجد الحفل ، والتبريكات ، والهدايا ، والورود ، هذا الزواج المشروع ، أما إذا كان الزنا فإن الطفل يوضع في كيس أمام الباب ، ويطرق الباب ويهرب أهل الطفل .
والله في الشام حادثة ، صلى أحدُهم الصبح ، وجاء إلى البيت ، وجد خربشة في الحاوية ، صوت ، الفضول دفعه إلى أن ينظر ، هو ظن هرة تنقب في الحاوية ، لا ليست هرة ، هناك كيس يتحرك ، فتحه فإذا طفل مولود لتوه ، أخذه إلى الحاضنة فوراً ، القصة إلى هنا ، وضعه عند الحاضنة ، وكبر ورباه ، أنا أكملتها بخيالي ، وضعه في الحاضنة حتى تجاوز الخطر ، رباه ، جاء له بمربية ، وأرضعه بحليب قوارير ، وكبر ، أدخله إلى الروضة ، ثم الابتدائي ، ثم الإعدادي ، ثم الثانوي ، أدخله جامعة ، أدخله الطب ، أخذ دكتوراه في الطب ، بعثه إلى أمريكا فحصّل على بورد ، زوجه ابنته ، هيأ له بيتا ، هيأ له سيارة ، وعيادة ، أين كان ؟ في الحاوية ، هذا المتبنى يسير بسيارته الفارهة ، لقي عمه سيد نعمته ، قال له : الله يرضى عليك أوصلني إلى البيت ، تردد ثانية واحدة ، يكون في هذه الثانية بحق هذا الإنسان مجرما ، فقط لأنه تردد .
منحك نعمة الإيجاد ، نعمة الإمداد ، نعمة الهدى والرشاد ، الآن نقول لك : تعال واحضر الدرس فقط ، لا أن تقتل نفسك ، الآن الطلبات خفيفة جداً ، فقط اسمع الدرس ، غض بصرك ، اضبط لسانك ، حرر دخلك ، ارحم من حولك ، فقط ، الذي تردد في بذل حياته هبط مقامه في الجنة .
(( وإني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه ))
[ السيرة النبوية ]
3 – وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةََ
لذلك أيها الإخوة ، قال تعالى :
﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةََ ﴾
سبحان الله ! قد يسأل سائل ، لماذا الشذوذ ؟ سؤال محرج ، أهو أمتع من المرأة ؟ لا أبداً ، لكن الإنسان إن لم يكن له هدف في الحياة فإنه يمل الشيء الطبيعي ، هذا تفسيري لما يجري في الغرب ، الشيء الطبيعي مُمَل ، يبحث عن شيء جديد ، لأنه لا هدف له ، كل شيء يمل ، فجعلوا مكان الزواج الزنا ، وبعد الزنا الشذوذ ، وبعد الشذوذ مع البهائم أحياناً ، وهناك انحرافات لا يعلمها إلا الله ، سببها أنه إنسان بلا هدف ، وأية شهوة يستوعبها ، ثم يمل منها ، أما المؤمن فهدفه الله عز وجل ، وهذه الشهوة يأخذ منها بالمساحة المتاحة فقط ، فيسعد بأهله ، وتسعد زوجته به .
4 – مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
إذاً :
﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾
﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
مرة ثانية ، الإنسان إذا لم يكن له هدف في الحياة فهو أقلّ منزلة من الحيوان .
أذكر قصة مشهورة ، أن بين أوربا وآسيا مدينة على الطرف الأول آسيا ، والطرف الثاني أوربا ، أنشئ جسرٌ ، وهو ثاني أطول جسر في العالم ، يعبره 300 ألف سيارة يوميا ، فالذي صمم هذا الجسر المعلق بين قارتين ، وهو ثاني أطول جسر ، الأطول في سان فرانسيسكو الأطول ، هذا في استنبول ، المهندس الذي صمم هذا الجسر ألقى نفسه من أعلى الجسر ، شيء عجيب ، خامس مهندس في العالم ، دخل فلكي ، شاب وسيم الصورة ، ذهبوا إلى غرفته في الفندق ، كتب ورقة فيها : " ذقت كل شيء في الحياة ، فلم أجد له طعماً ، فأردت أن أذوق طعم الموت " ، فالحياة من دون هدف مملة ، فيها سأم .
والله سافرت إلى بلاد كثيرة ، تجد الناس قد ملّوا ، وكل شيء مؤمَّن ، ما عندهم مشكلة ، واستراليا قارة بأكملها 18 مليون ، قارة بأكملها فيها رفاه يفوق حد الخيال ، وفيها ملل ، وسأم ، كل شيء مؤمَّن ، لكن ليس لهم هدف ، وقد تجد شخصًا في بلاد إسلامية يعاني ما يعاني ، يعاني مليون مشكلة ، له هدف ، يقنع إنسانا في الدين فيفرح ، يعمل عملا صالحا فيفرح ، حياته متجددة .
﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾
بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ
هناك عاصٍ ، وهناك مسرف ، ويبدو أن الإسراف معصية كبيرة جداً .
﴿ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
طبعاً المؤمن طاهر ، المؤمن نظيف ، علاقاته نظيفة ، سره كجهره ، ظاهره كباطنه ، خلوته كجلوته ، واضح .
﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
سيدنا لوط امرأته تعاطفت مع قومه ، لذلك حينما يتعاطف الإنسان مع عاصٍ ، ويتغافل عن معصيته ، بل يثني عليه فكأنه وقع في المعصية نفسها ، فمن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها ، ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها .
لو سمعت قصة بكندا أن فلانا تمكن أن يسرق بنكا ، وجمع أموالا طائلة ، وما استطاعت الحكمة أن تكتشفه ، وعاش حياة بحبوحة كبيرة ، قلت : والله دبّر أمره ، فأنت شريكه في هذه الجريمة .
فمن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها ، ومن شهد منكراً فأنكره كان كمن غاب عنه .
هذه المرأة ما لها مصلحة أن يكون زوجها منحرفا ، ليس في صالحها إطلاقاً ، ومع ذلك لأن امرأته تعاطفت مع قومها :
﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾
وقفة متأنية عند الآية : وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ
هناك سؤال يتوارد كثيراً ، ما معنى قوله تعالى :
﴿ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾
أو بالعكس :
﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ﴾
( سورة النور الآية : 3 )
ما من امرأة لم تزنِ وزوجها زانٍ ؟ ما معنى الآية ؟ لما يبلغونها أنه كان زير نساء ، ما من مشكلة ، تريد أن تتزوجه ، حينما تساهلت في هذه الجريمة التي ارتكبها وقبِلته زانياً ، فهي في حكم الزانية .
أنت مثلاً تعرف رجلاً أمواله كلها حرام ، وشاركته ، أمواله كلها حرام ؟ ليس ثمة مشكلة ، فأنت مثله ، الحلال ما له قيمة عندك ، ما دام أنك قبِلت أن تشارك سارقًا ، فالسرقة لا قيمة لها عندك إطلاقاً ، أنت وإن لم تسرق ففي حكم السارق ، الفكرة واضحة .
إذاً :
﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ
قصص الأقوام السابقة هدفنا أن نتعظ بها ، وما من قوم إلا أهلكهم الله عز وجل بذنوبهم .
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾
( سورة هود )
هلاك الأمم له أسباب :
هلاك الأمم له أسباب ، وأسبابه كثيرة ، من أسبابه :
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾
( سورة المائدة الآية : 79 )
من أسبابه :
(( كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكُوه ، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين ]
فوضى الجنس ، أحد أسباب هلاك الأمم ، فوضى المال أحد أسباب هلاك الأمم ، عدم التناصح أحد أسباب هلاك الأمم .
فيا أيها الإخوة الكرام ، هذه القصص ليست للمتعة ، لكن للموعظة ، لأن ما من قوم انحرفوا عن منهج الله عز وجل ، وأصروا على هذا الانحراف إلا أهلكهم الله عز وجل ، والأمة الإسلامية لأن أمر الله هان عليها هانت على الله .
خاتمة :
القصة بشكل مختصر :
﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾
أصابتها غبار هذه المعصية أنها رضيت بها .
﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1904&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254