التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(23-60): تفسير الآيتان 55 - 56 ، الدعاء وطريقة المناجاة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-08-03
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثالث والعشرين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الخامسة والخمسين ، وهي قوله تعالى :
﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾
الدعاء :
1 – الدعاءُ عبادة :
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
أيها الإخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح قال :
(( العبادة هي الـدعاء ))
(( والدعاء مخ العبادة ))
[ أخرجه الترمذي عن أنس ]
والدعاء هو العبادة ، على اختلاف الروايات .
2 – لماذا كان الدعاء عبادة ؟
أيها الإخوة ، لماذا الدعاء عبادة ؟ لأن الإنسان بفطرته لا يدعو جهة لا يؤمن بوجودها ، فلا أحد يدخل إلى بيت فارغ ، ويخاطب جهة ليست موجودة ، يتهم بعقله ، أنت لا تدعو جهة لا تؤمن بوجودها ، وأنت لا تدعو جهة لا تسمعك ، وأنت لا تدعو جهة ليست قادرة على تحقيق ما تطلب منها ، وأنت لا تدعو جهة تسمعك وقادرة ، ولكنها لا تريد أن ترحمك ، لا تدعوها ، أعدائك ، لمجرد أن تدعو الله عز وجل حكماً أنت مؤمن بوجوده ، ومؤمن بأنه يسمعك ، ومؤمن أنه قادر على أن يلبيك ، ومؤمن بأنه يحب أن يلبيك ، خلقك ليرحمك .
لذلك يقول الله عز وجل :
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾
( سورة الفرقان الآية : 77 )
علامة المؤمن أنه يدعو الله عز وجل .
3 – ضعفُ الإنسانِ يضطره إلى الدعاء :
لكن هناك تمهيد لا بد منه ، أراد الله عز وجل لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة ، أن يكون الإنسان ضعيفا .
﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
( سورة النساء )
هذا ضعف في أصل خلقه ، والإنسان كما قال تعالى :
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
( سورة المعارج )
لماذا خلقه الله هلوعاً ، جزوعاً ، منوعاً ، ضعيفاً ؟ لأنه لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله عز وجل ، فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره ، خلقنا ضعفاء ، وساق لنا بعض المصائب كي نتعرف إليه ، ونتصل به ، ونسعد بقربه ، ونذوق طعم القرب منه .
4 – علة الدعاء الاتصالُ بالله :
هذه النقطة دقيقة جداً ، علة الدعاء أن تتصل به ، هناك نخبة من البشر يتصلون بالله عز وجل من دون مشكلة ، من دون مصيبة ، من دون ابتلاء ، هؤلاء الأنبياء والمرسلون ، وكبار العلماء ، الصدقون ، الصحابة الكرام ، لكن عامة المسلمين يحتاجون إلى بواعث ، إلى دوافع ، إلى محفزات ، أحياناً يضعف الإنسان أمام مشكلة ، ليس له إلا الله ، يدعو الله عز وجل فيستجيب له ، فتزاد عقيدته بالله ، يدعو الله فيستجيب له ، ويذوق طعم القرب منه ، فيلزم هذا الباب ، فكم مِن مشكلة سببت قرباً من الله ، وكم من مشكلة سببت عودة إليه ؟ وكم من مشكلة سببت قرباً منه ، كم من مشكلة سببت أن الإنسان بعد أن يعرف الله يزهد فيما سواه .
هناك قصة رمزية يرويها بعض العلماء : أن شاباً أحب فتاةً وخطبها ، اشترط عليه والدها ، وهو له عمل في الدعوة أن يلزم دروسه ، فلما لزم دروسه ذاق طعم القرب ، وشعر بسعادة الإيمان ، فنسي المخطوبة ، فبعثت له برسالة :
أين أنت ؟ قال : يا وصال كنت سبب الاتصال .
أحيانا تأتي مشكلة خلاصك فيها ، ساق الله لك مشكلة ، وأنت ضعيف ، أنت في الأساس ضعيف ،
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
هذا الضعف في أصل ضعفه ، لمصلحته ليلتجأ إلى ربه .
حينما تصيب الإنسان مشكلة ، ويرى الأبواب كلها مغلقة ، لكن باب السماء مفتوح ، يتوجه إلى الله .
لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة :
(( ينْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَه ؟ حتى ينفجر الفجر ))
[ مسلم عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ]
القصد من الدعاء الحقيقي أن تتصل بالله ، وأن تذوق طعم القرب منه ، وأن ترى ألوهيته ، الأمر كله بيده .
5 – الدعاء يقوي العقيدة :
أجمل كلمة قرأتها عن الدعاء أنه يقوي العقيدة ، أنت ضعيف ، والأمور صعبة جداً ، وهناك مشكلة كبيرة جداً لا تحل ، قمت في الليل ، وركعت ركعتين ، وتوجهت إلى الله عز وجل ، وقلت : يا رب ، ليس لي سواك ، في اليوم التالي شعرتَ بتبدل جذري ، الذي كان مصراً على منعك تساهل معك ، ما الذي حصل ؟ تشعر أن الله بيده كل شيء ، تشعر بيده مَن هم دونك ، مَن هم فوقك ، بيده الأقوياء ، بيده الجبابرة .
سيدنا موسى لمَ لم يقتله فرعون ؟ لمَ هابه ، وأجرى معه مناظرة ؟ وجاء بالسحرة ، الأمر بيد الله عز وجل .
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
( سورة طه )
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
( سورة الشعراء )
يا رسول الله ، لقد رأونا ، في الغار ، قال له :
(( يَا أَبا بَكْرٍ مَا ظَنّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا ؟ ))
[ متفق عليه ]
أنا الذي أراه ، وأرجو أن أكون على صواب : أن الهدف من الدعاء أن تتصل بالله ، المشكلة التي ساقها الله إليك باعث ، سبب ، وسيلة ، أما الهدف فأن تقترب منه ، أن تدعوه ، فإن دعوته أجابك ، وإن استغفرته غفر لك ، وإن تبت إليه قبِلك ، وإن تضاءلت أمامه رفعك .
لذلك أيها الإخوة ، الإنسان خُلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه ، فيسعد بافتقاره ، ولو خُلق قوياً لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، خُلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه ، فيسعد بافتقاره ، ولم يُخلق قوياً لئلا يستغني عن الله بقوته ، فيشقى باستغنائه ،
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
لذلك الباعث الديني من ضعف الإنسان ، حتى الذين آمنوا بآلهة ما أنزل الله بها من سلطان ، الآلهة الذين اخترعها الناس ، هم يلبون حاجة عندهم ، حاجة الضعف عندهم ، الإنسان ضعيف ، يخاف من مرض عضال ، يخاف من فقر ، يخاف من مشكلة في بيته ، يخاف من علاقة سيئة مع زوجته ، يخاف من علاقة سيئة في عمله ،
﴿ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾
هو ضعيف ليقوى بالله ، فقير ليغتني بالله ، جاهل ليستنير بنور الله ، هذه علة الدعاء أن تتصل به .
المثل الواضح : أب عنده ابن ، وجاء فصل الشتاء ، والبرد شديد ، وهذا الابن ليس عنده معطف ، هل هناك أب حكيم عاقل رحيم قوي غني لا يعطي ابنه هذا المعطف إلا إذا سأله ، لا ، كمال الأب يقتضي أن يعطيه المعطف ، سأله أم لم يسأله ، ولكن حينما يؤخر شراء المعطف يأتي الابن ، ويسأل أباه هذا المعطف ، يقول له : حباً وكرامة يا بني ، أنت ابني ، أنت غالٍ علي ، فنشأت علاقة .
6 – عدمُ إجابة الدعاء لحكمة بالغةٍ :
العطاء عطاء ، والمنع منع ، أدق من ذلك الله عز وجل يتصرف بحكمته ورحمته ، وعدله ، والدعاء لا يقدم ولا يؤخر ، ولكن الدعاء تذوق به طعم القرب ، أحيانا هناك خطة إلهية ، مهما دعونا فلن يستجاب لنا ، لا ، لأنه لا يحبنا ، ولكن تماماً كإنسان مفتوح بطنه بعمل جراحي ، العملية طويلة ، تحتاج إلى عشر ساعات ، والمرض خطير ، والطبيب ماهر ومحسن ومتفوق ، فجاء أولاد هذا الأب المريض الملقى على سرير العمليات يرجون الطبيب أن ينهي الأمر ، لا بد من أن تأخذ العملية أمدها .
نحن ندعو الله كثيراً ، فإن لم يستجب فنحن في عناية مشددة ، نحن في عمل جراحي صعب جداً إلى أن تنتهي العملية ، فلا تيئسوا ، ولا تقطنوا من روح الله ، وتفاءلوا ، وكان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن .
7 – شأن العبد الافتقار ، وشأنُ الواحدِ القهارِ القوةُ والكرمُ :
لكن الله عز وجل يقول :
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ﴾
العبد عبد ، والرب رب ، شأن العبد الافتقار ، وشأن الواحد القهار القوة والكرم .
لذلك هذا المتأله المستكبر هذا حُجب عن الله ، ورُبّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، ومعصية إبليس استكباره ، ومعصية آدم ضعفه .
﴿ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾
( سورة طه )
ما إبليس قال :
﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 12 )
ما كنت لأسجد له .
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾
( سورة الأعراف الآية : 12 )
فرق كبير بين معصية الاستكبار ، وبين معصية الضعف .
لذلك أيها الإخوة ، الدعاء يُقبل إذا أظهرت ضعفك أمام الله ، وهناك علاقة دقيقة جداً ، فكلما أظهرت ضعفك أمام الله ، كلما أظهرت افتقارك إليه كلما رفعك ، وما من مخلوق فيما أعلم على وجه الأرض أكثر افتقاراً إلى الله من رسول الله ، وما من مخلوق رفع الله ذكره وأعزه في الدنيا والآخرة كرسول الله ، العلاقة عكسية ، كلما ازددت خضوعاً لله ، كلما مرغت جبهتك في أعتاب الله كلما قلت : يا رب ، أنا عبد ضعيف .
اسمحوا لي أن أقول لكم هذا النص : نور الدين الشهيد الذي واجه المغول ، مرة سجد قبل معركة ، وقال : يا رب ، مَن هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك يا رب .
كلما ازددت افتقاراً إليه غمرك بالعطاء ، كلما رفع ذكرك أعزك ، وألقى عليك الهيبة ، وكلما قلت : أنا وأنا يتخلى عنكَ .
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾
( سورة القصص الآية : 79 )
قارون :
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
( سورة القصص الآية : 78 )
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾
( سورة القصص الآية : 81 )
جرب قل : أنا ، يتخلى الله عنك ، قل : الله ، يتولاك .
درسان بليغان من سيرة الصحابة : درس حُنين ، ودرسُ بَدْرٍ :
الصحابة الكرام ، وهم نخبة الخلق في بدر ، وعلى رأسهم النبي عليه الصلاة والسلام افتقروا إلى الله .
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
مفتقرون ضعفاء ، وفي حنين ، أقوى قوة في الجزيرة فتحت مكة ، ودانت الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها ، بعد حنين قالوا في أنفسهم ، وهم الصحابة الكرام :
(( لن يهزم اثنا عشر ألفا من قلة ))
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ]
قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
( سورة التوبة )
درس بليغ ، درس حنين ودرس بدر ، ببدر قالوا : الله ، فتولاهم الله ، بحنين قالوا : نحن كثر ، فتتخلى الله عنهم ، جرب بعملك ، بزواجك ، ادخل إلى البيت قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، اخرج من البيت قل : أعوذ بالله من أن أضل أو أُضل ، أو أذل أو أُذل ، أو أن أجهل أو أن يجهل علي ، الله يتولاك ، يسدد خطاك ، ينطقك بالصواب ، يلهمك الحكمة ، يلقي عليك هيبة ، يهابك الناس ، قل : أنا متفوق ، عندي خبرات متراكمة ، الناس كلهم يحبونني ، تجد استخفافاً من الناس ، وتخلياً من الناس ، فيصعقك ، لأنك قلت أنا .
أيها الإخوة ، لذلك الدعاء يحتاج إلى خضوع ، إلى تضرع ، إلى افتقار ، أنت حينما تفتقر للواحد الديان يرفعك في أعلى عليين ، يمنحك الحكمة ، يمنحك الهيبة ، يمنحك الوقار ، يمنحك القوة ، يمنحك العلم ، يمنحك النجاح ، التفوق ، اخضع ، تذلل .
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرعي لبابك حيلة فإذا رددت فأي باب أقرع
***
لا تعتمد على أحد ، اعتمد على الله .
(( لو كنت متخذ من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ، لكن أخ وصاحب في الله ))
معنى : ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا
لذلك :
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ﴾
يعني أظهر ضعفك ، أظهر افتقارك إليه ، تذلل بين يديه ، مرغ جبهتك في أعتابه ، قل : يا رب ، أنا جاهل علمني ، أنا ضعيف قوني ، أنا فقير أغنني يا رب ، أنا لست حكيماً ألهمني الحكمة .
سيدنا يوسف نبي عظيم قمة في مجتمعه ، قال :
﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾
( سورة يوسف )
حتى استقامته وعفته ما نسبها إليه ،
﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴾
شأن العبد الخضوع ، وشأن الله العطاء ، بقدر ما تخضع يرفع شأنك ، ألم تقرأ قوله تعالى :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾
( سورة الشرح )
وهذه الآية تنسحب على كل المؤمنين ، بقدر استقامته ، وطاعتك وإخلاصك يرفع الله لك شانك ، يلقي محبتك في قلوب الخلق ، إذا أحبك الله ألقى محبتك في قلوب الخلق وإذا ابغض الله عبداً ألقى بغضه في قلوب الخلق ، لا أحد يحبه ، إذا أحب الله عبداً كتب له القبول عند الخلق .
لذلك
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ﴾
أظهر ضعفك ، أظهر تذللك ، مرغ جبينك في أعتابه .
8 – لا ترفع صوتَك بالدعاء :
أيها الإخوة ، لكن
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾
رفع الصوت بالدعاء التفاصح بالدعاء ، الكلمات المنمقة بالدعاء ، الدعاء الطويل ، ساعة أحياناً .
حدثني أحد العلماء : كان في حفل بدأ المتكلم بالدعاء ، خمس دقائق ، عشر دقائق ربع ساعة ، قام نام ، فاق وقال له : أين وصل ؟ هذا عدوان ، رفع الصوت عدوان والإطالة عدوان ، عدوان في الدعاء .
9 – حقُّك في الدعاء محفوظ :
أيها الإخوة ، يجب أن تتأكد أنك إن دعوته ، أو لم تدعه لا يفعل معك إلا الأصلح ، فإذا كان الأصلح لك أن يستجيب لك استجاب لك ، وإذا كان الأصلح لك ألا يستجيب لا يستجيب ، لكنك حقك في الدعاء محفوظ .
دقق ، إذا كان الأصلح لك وهو الحكيم الخبير ، أن يستجيب لك استجاب لك ، إذا كان الأصلح لك ألا يستجيب لا يستجيب لك ، ولك أجر الدعاء ، ويقربك لكن مضمون الدعاء لا يتحقق .
لذلك الله عز وجل لا يفعل إلا الأصلح لك ، دعوته أم لم تدعُه .
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
( سورة البقرة الآية : 216 )
لأن الله علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون
قد يكون طموح الإنسان أن يكون ذا دخل غير محدود ، والله عز وجل شاءت حكمته أن يكون ذا دخل محدود ، يوم القيامة حينما يكشف الله لك عن الذي ساقه إليك ، عن الظروف التي وضعك فيها ، لماذا أنت من فلان ومن فلانة ؟ لماذا جئت في هذا العصر ؟ ولم تكن في عصر الصحابة ؟ لمَ كنت من ريف أو من مدينة ؟ لمَ كنت وسيماً أو لست وسيماً ؟ لمَ كنت حاد الذكاء أو أقلّ من ذلك ؟ حينما يكشف الله لك ما ساقه لك في الدنيا يجب أن تذوب كالشمعة شكراً لله على ما ساقه له .
لذلك مشكلة البشر مع خالقهم يوم القيامة في كلمة واحدة :
﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
( سورة يونس الآية : 10 )
أيها الإخوة ،
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ﴾
تذلل ،
﴿ وَخُفْيَةً ﴾
يا رب ، لا نسألك رد القضاء ، نتحمل ، ولكن نسألك اللطف به ، هذا تطاول على الله ، هذا الدعاء مرفوض ، لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يا رب ، اصرف عني هذا البلاء كله ، أنت الكريم يا رب .
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾
بصوت منخفض .
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾
( سورة مريم )
كنت في بلد إسلامي ، ودخلت إلى أضخم مسجد في إفريقيا ، الذي أشاد هذا المسجد يقترب من الحرم النبوي ، الذي أشاد هذا المسجد استقبلني ، وقال لي : كنت في سجن الفرنسيين وقت الاستعمار ، ورأيت التعذيب بعيني ، أقسم لي بالله ، قال لي : لم أحرك شفتاي ، لكنني أضمرت ، إذا أنجاني الله من هذا البلاء سأبني له أضخم مسجد ،
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾
أنت لا تحتاج إلى صوت مرتفع ، أحيانا تجد الدعاء بالمنبر ، ادعوه همساً ، ادعوه سراً ، لا تحرك شفتيك ،
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾
أحيانا تكون في ظرف لا تستطيع أن تتكلم ، فقل بقلبك : يا رب نجيني ، يا رب ، ليس لي إلا أنت .
لما جاء الحجاج بالحسن البصري ليقطع رأسه لما دخل ، رأى السياف واقفًا واضح وضوح الشمس جاء ليقتل ، حرك شفتيه ، لم يفهم أحد ما قال ، فإذا بالحجاج يقف له جاء ليقتله وقف له ؟! يقول : أهلاً بابي سعيد ، أنت سيد العلماء ، وما زال يقربه من مجلسه حتى أجلسه على سريره واستفتاه ، وأكرمه ، وعطره ، وضيفه ، وشيعه إلى باب القصر السياف صُعق ، لماذا جيء بي ؟! جيء به لأقتله ، الحاجب صُعق ، تبعه الحاجب قال : يا أبا سعيد ، ماذا قلت بربك ؟ قال له : قلت : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً ، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .
لا تحتاج إلى صوت مرتفع ، ولا إلى فصاحة ، ولا إلى سجع ، ولا إلى كلمات رنانة .
هناك إخوة كثر يقولون : ما الدعاء المرغوب ؟ قل : ادعوه باللغة العامية ، يا رب ما لي غيرك ، يقبله منك يريد الله يقربك ، يريد قلبك ، يريد التفاتك ، يريد تضرعك ، يريد تذللك يريد قربك .
لذلك أيها الإخوة ،
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾
بلا فصاحة زائدة ، والمتنطعون المتفيقهون الذين يدعون دعاء بصوت عالٍ جداً بتنسق ، بسجع ، هذا مصنوع ما فيه حرارة الدعاء والإخلاص .
10 – حظُّك من الدعاء الاتصالُ لا الإجابةُ :
أيها الإخوة ، حظك من الدعاء ـ دقق ـ حظك من الدعاء ليس الإجابة ، ولكن الاتصال ، الإجابة محققة أو غير محقق ، إن كان تحقيقها لصالحك فهي محققة ، وإن لم يكن تحقيقها لصالحك فهي ليست محققة ، هي محققة من دون دعاء ، ولا تحقق مع الدعاء الدعاء وسيلة للاتصال عز وجل ، ولأن تذوق طعم القرب منه ، وحلاوة المناجاة له ، لكن الذي يفعله الله هو الأصلح له ، أعجبك أم لم يعجبك ، وسوف يعجبك .
معنى : إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
لكن :
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
هذه الآية تحمل على معنيين :
المعنى الأول :
﴿ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
في الدعاء ، بالإطالة ورفع الصوت .
المعنى الثاني :
ولكنه أيضاً :
﴿ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
على إخوانهم ، وعلى المؤمنين ، أيّ إنسان يعتدي لا يلهم الدعاء ، هناك حجاب عن الله ، عدوانه يبعده عن الله عز وجل ، والمعتدي لا يستطيع أن يدعو الله لوجود حجاب كبير .
صورٌ مِن العدوان في الدعاء :
1 – إطالةُ الدعاء : :
إخواننا الكرام ، أحياناً الدعاء فيه عدوان بالإطالة ، من أدعية النبي :
(( اللهم أنا بك وإليك ، اللهم ارزقني طيباً واستعملني صالحاً ، اللهم اهديني واهدي بي ))
الدعاء مختصر ، العدوان بالدعاء بالإطالة ، أو برفع الصوت .
2 – العدوانُ من حيث المضمونُ :
لكن هناك عدوان في مضمون الدعاء ، مثلاً : يا رب ، يا عزيز ، مليون ليرة إنكليز ، يريد مالا .
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
( سورة يونس )
اطلب الهداية ، اطلب الإيمان ، اطلب عملا صالحا ، اطلب أن يجعلك الله عليماً ، أن يجعلك داعية ، اطلب زوجة صالحة ، يا رب امرأة جميلة ، اطلبها صالحة .
لذلك هناك عدوان في مضمون الدعاء ، طبعاً الأنبياء قمم في الكمال ، لكن ليعلِّمنا الله من بعض الآيات :
﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ *قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾
( سورة هود )
أحيانا يقال : يا رب انتقم منه ، الله ينصر دينه بالقوي ، من دون أن يشعر ، صدقوا أيها الإخوة ، ولا أبالغ ما مِن قوي على وجه الأرض طاغية من آدم إلى يوم القيامة ، إلا ويوظفه الله لخدمة المؤمنين ، لكن خدمة سلبية ، وليست إيجابية ، لخدمة أهل الإيمان ، من دون أن يشعر ، ومن دون أن يريد ، ومن دون أجر ولا ثواب ، هذا له دور ، دوره أن يشد الناس إلى الله ، شدته ، وغلظته ، وطغيانه ، وجبروته يلجئ الناس إلى باب الله .
لذلك مرة سُئل تيمورلنك : مَن أنت ؟ والله أجاب إجابة رائعة ، قال : " أنا غضب الرب " ، الإنسان يغضب يكسر ، يرفع صوته ، يخبط الباب ، إذا غضب الواحدُ الديان يرسل طاغية ، إن حسنت لم يقبل ، إن أسأت لم يغفر ، إن رأى خيراً كتمه ، عن رأى شراً أذاعه ، وما مِن إنسان يطغى إلا ويسوق الناس إلى باب الله ، تجد البلاد الغنية جداً مستغنية عن الله ، وبلاد فيها مشكلات كثيرة ، تجد المساجد ممتلئة ، الحجاب منتشر ، الشباب في المساجد ، هل تعلم ما السبب ؟ شدة شديدة جداً ، هذا القوي لو يعلم أنه موظف عند الله لخدمة المؤمنين لا يصدق ، وبلا أجر ، وبلا ثواب ، وبوزر وعقاب .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾
( سورة القصص الآية : 4 )
هذا الدليل :
﴿ عَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾
ولمجرد أن قيل له : سيأتي طفل من بني إسرائيل يقضي على ملكه ، القضية سهلة جداً ، أي طفل يجب أن يقتل ، والمولّدة التي لا تبلغ عن طفل ذكر تُقتَل مكانه .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
( سورة القصص )
دقق الآن :
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾
( سورة القصص )
اصطلح مع الله فقط ، اصطلح مع الله يغير الله لك كل شيء .
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا
الآية التي بعدها :
﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾
هل بإمكانك أن تلغي إشراق الشمس ؟ لا ، بزوغ القمر ؟ لا ، نظام الليل والنهار ؟ لا ، خصائص المعادن ؟ لا ، هذه لا تأتمر بأمرك ، لكنك مخير فيما كلفت ، بإمكانك أن تصدق أو أن تكذب ، أن تخلص أو أن تخون ، أن تحسن أو أن تسيء ، أن تنصف أو أن تجحد ، بإمكانك .
فلذلك أيها الإخوة ، ما دام هذا بإمكانك إياك أن تفسد في منهج الله ، تزوجت زوجة ، إياك أن تسمح لها أن تبرز مفاتنها في الطريق ، أنت أفسدتها ، لما سمحت لها أن تخرج هكذا انتبهت إلى مفاتنها ، فأصبحت تظهرها لا لك بل لمن لا يستحقها ، بل للأجنبي ، بل للذئاب ، أنت أفسدتها ، ربيت أولاداً ربهم على طاعة الله ، لا على منهج استوردناه من الغرب .
﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ ﴾
الآن موضوع ثانٍ ، أول آية :
﴿ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾
هنا
﴿ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾
خوفاً من صفات جبروته ، ومن صفات جلاله .
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
( سورة البروج )
جبار منتقم ، ينتقم من العصاة ، ادعو ربك أن تنجو من صفات جبروته ، من صفات جلاله ، من صفات قدرته ، واطمع في صفات غفرانه ورحمته ، خوفاً من صفات جلاله ، وطمعاً بصفات كماله ، خوفاً من جبروته ، وطمعاً برحمته .
﴿ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ ﴾
هنا الآن محط الشاهد هنا .
إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
ما عند الله لا تناله بالدعاء ، بل بالعمل بالإحسان ، أحسن إحسانك يقربك من رحمة الله .
1 – معنى : قريب :
قريب صيغة مبالغة على وزن فعيل بمعنى مفعول ، كقتيل يعني مقتول يعني
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
مقتربة ، أو مقربة من المحسنين ، إحسانك يقربك منها ، وهي مقتربة من إحسانك ـ كلام دقيق ـ هي اسم مفعول .
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ ﴾
مقتربة منك ، من إحسانك ، إحسان مقرب ، الإحسان اسم فاعل ، اسم المفعول رحمة الله ، رحمة الله عطاءه ، رحمة الله الصحة ، رحمة الله زوجة صالحة ، سمعة طيبة من رحمة الله ، أولاد أبرار من رحمة الله ، رزق وفير من رحمة الله ، عمر مديد في طاعة الله من رحمة الله ، سكينة من رحمة الله ، حكمة من رحمة الله ، أمنٌ من رحمة الله ، سعادة من رحمة الله ، فعطاء الله في الدنيا والآخرة المادي والمعنوي مجموع بكلمة رحمة الله .
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ ﴾
توفيقه ، تأييده ، حفظه ، نصره ، ألقى في قلبك السكينة ، ألقى في قلبك الأمن ، ألقى في قلبك السعادة ، ألقى عليك الهيبة ، خافك فمن حولك ، كلها من رحمة الله ، لك سمعة عطرة ، لسانك على كل فم ، ذكرك على كل لسان ، برحمة الله ، هي قريب يعني مقتربة ، بمعنى فعيل ، قريب على وزن فعيل ، كأن تقول : جريح ، أي مجروح ، مقتربة ، من أي شيء ؟
﴿ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
2 – الإحسانُ عامٌّ : مِّنَ الْمُحْسِنِينَ :
أحسن ، أحسن إلى زوجتك ، إلى أولادك ، إلى زبائنك ، إلى مرضاك ، إلى موكليك أيها المحامي ، إلى صاحب البناء أيها المهندس ، راقب الصب ، لا تهمل واجبك ، بائع أعط الناس بضاعة تقبلها أنت ، تأكلها أنت إياك أن تسيء للناس ، إحسانك يحقق أهدافك من الدعاء ، الدعاء حظك منه القرب من الله ، أما مضمون الدعاء فلا يكون بالدعاء ، بل يكون بإحسانك للخلق .
(( إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ))
[ رواه شداد بن أوس عند مسلم ]
تقول رجل صبور ، وامرأة صبور ، رجل معطار يستخدم العطر كثيراً وامرأة معطار ، رجل قتيل ، وامرأة قتيل .
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴾
للذكر والأنثى ، اللغة هكذا ، أما إذا لم تقل : امرأة قتيلة ، مع كلمة امرأة لا تذكر ولا تؤنث ، امرأة هي المؤنث ، امرأة قتيل ، الآن يقولون النائب فلانة ، القاضي فلانة .
﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيب ﴾
هذه قضية لغوية ،
﴿ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
المحسن إحسانه يقرّبه من الله .
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1893&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254