الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(21-60): تفسير الآيتان 52 - 53 ، القرآن آياته محكمة ومفصلة ـ لا قيمة للإقرار بانتهاء التكليف

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-07-20

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الواحد والعشرين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الثانية والخمسين ، وهي قوله تعالى :

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ

1 – لا حُجّة للناس بعد إنزال آيات الكتاب :

يعني أيها البشر ، لا عذر لكم يوم القيامة ، فلماذا هذا الجحود ؟ وهذا الكفر ؟ وهذا الإنكار ، ليس معكم الحجة ، لا عذر لكم يوم القيامة ، لأننا جئناكم بكتاب .

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾

( سورة فصلت الآية : 42 )

كتاب من عند خالق السماوات والأرض .

﴿ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾

( سورة هود الآية : 1 )

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ ﴾

كتاب ، بلغتنا ، فيه تفصيل كل شيء ،

﴿ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾

2 – لا حُجّة للناس بعد آيات الله الكونية :

أيها الإخوة ، لو أنهم قالوا يوم القيامة : الكتاب طارئ ، أيْ شيء لم يكن من قبل ، والنبي طارئ ، الجواب : آيات الله الكونية بين أيديكم ، هي كتاب يقرأه كل إنسان ، من أي جنس ، من أي لون ، الكون كتاب يقرأه البشر جميعاً ، والقرآن كتاب ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم منهج ، فإذا قلتم : القرآن شيء طارئ ، والنبي لم يكن من قبل ، هذا الكون هو الثابت الأول الذي تقام فيه الحجة ، قال الله عز وجل :

﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾

( سورة الرحمن الآية : 7 )

كل شيء في الكون ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله .

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد .

مَن منا يصدق أن تظهر طائرة من أعلى مستوى إثر انفجار في مستودع للحديد ، من منا يصدق أن قاموساً من أعلى مستوى يظهر بعد انفجار في مطبعة ، لا أحد يقبل ، هذا نظام رائع ، هذا تسيير ، هذه حكمة ، هذه رحمة ، هذه قوة ، هذه قدرة ، لذلك القرآن حجة عليكم ، والنبي عليه الصلاة والسلام حجة عليكم ، والكون والعقل حجة عليكم .

لذلك كلمة :

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾

أي لا عذر لكم في شيء من هذا الجحود ، الكتاب مفصل .

لذلك الله عز وجل بين في هذا الكتاب ما ينبغي أن تعتقده ، أعطاك تصوراً دقيقاً عميقاً ، صحيحاً ، متناسقاً ، عن الكون ، والحياة ، والإنسان ، وعن الدار الدنيا ، والدار الآخرة .

إذاً : بيّن الله جل جلاله في الكتاب ما ينبغي أن تعتقده ، وبيّن أيضاً ما تعتقد به بالمنهج ، ففيه عقائد ، وعبادات ، ومعاملات ، وبيّن أيضاً ماذا بعد الموت ، بعده الدار الآخرة ، بيّن العقائد ، وبيّن العبادات ، وبيّن المعاملات ، وبيّن الدار الآخرة ،

﴿ عَلَى عِلْمٍ ﴾

أي بطريقة مسهبة ، واضحة ، بليغة ، عميقة ، فيه صور للدار الآخرة ، فيه قصص الأمم السابقة ، فيه آيات كونية ، فيه آيات تكوينية ، فيه دلائل ، فيه توجيهات ، فيه مواعظ .

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى ﴾

هُدًى

كيف أن الإنسان في الظلام إذا رأى بصيص ضوء يهتدي به ، منارات على الطريق إلى الله ، العلم نور ، في القرآن بيّن كل شيء ، الذي قال :

جئت من أين ؟ و لكني أتيت فرأيت قدامي طريق فمشيت

كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ، لســـت أدري

لا ، المؤمن يدري .

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

( سورة الذاريات )

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

(سورة هود الآية : 119 )

إذاً : المؤمن يعلم علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى خلقه للدار الآخرة ، خلقه ليسعده ، خلقه لجنة عرضها السماوات والأرض ، خلقه ليكون من عباده المقربين .

﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾

( سورة القمر )

إذاً :

﴿ هُدًى ﴾

أي منارة يهتدي بها الإنسان .

وَرَحْمَةً

﴿ وَرَحْمَةً ﴾

سعادة ، الإسلام ليس معلومات ، وتصورات ، وحقائق ، ونصوص ، وأفكار ، الإسلام قرب من الله ، الإسلام سكينة ، الإسلام سعادة والإسلام رضا ، الإسلام توفيق .

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾

( سورة الرحمن )

لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

1 ـ لا ينتفع بالقرآن إلا المؤمن :

﴿ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

لكن لمن ؟ لمن أراد الإيمان ، ما لم تتخذ هذا القرار ، أن تؤمن ، أن تعرف الله ، أن تعرف الحقيقة كل هذا لا يقدم ، ولا يؤخر .

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

( سورة الروم )

لمن أراد الإيمان ، النبي أراد الإيمان ، إمكاناته ، وقدراته ، تشبه آلة تصوير غالية جداً ، متقنة جداً ، متطورة جداً ، فالذي أراد أن يؤمن ففي هذه الآلة فيلم ، كل شيء ينطبع على هذا الفيلم ، والذي ما أراد أن يؤمن ، مع أن آلته رائعة جداً ، لكن ما فيها فيلم .

لذلك هناك من يعمل في محطات فضائية ، وليس مؤمناً ، هناك من يعمل في مجهر إلكتروني يرى الخلية وليس مؤمناً .

إن أردت الإيمان فإنّ الأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ، والبعرة تدل على البعير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات ثجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟

فالعبرة أن تؤمن ، العبرة أن تكون على الصراط المستقيم ،

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم ِكِتَابٍ ﴾

حجتهم داحضة ، لا عذر لهم ، الحجة قائمة عليهم ،

﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾

أخبار الأمم السابقة ، مشاهد من يوم القيامة ، أحكام شرعية ، توجيهات ، آيات كونية ،

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾

( سورة الأنعام الآية : 115 )

أي أن هذا القرآن من دفته إلى دفته ، لا يزيد على أن يكون خبراً أو أمراً ، فالخبر صادق ، والأمر عادل ،

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾

أو يا عبادي منكم الصدق ، ومنكم العدل .

﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾

( سورة الحجرات الآية : 13 )

سيدنا سعد بن معاذ الذي قال له النبي :

(( ارْمِ سَعْدُ! فِدَاكَ أَبِي وَأّمِّي ))

[ أخرجه مسلم عن سعد بن أبي وقاص ]

هذا خالي ، أروني خالاً مثل خالي ، قال له عمر رضي الله عن عمر : << يا سعد ، لا يغرنّك أنه قد قيل : خال رسول الله ، فالخَلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له >> .

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

هدى دلالة ، ورحمة سعادة .

أحيانا يدرك الإنسان معاني دقيقة ، لكنه شقي ، فالقرآن دلالة وسعادة ،

﴿ هُدًى وَرَحْمَةً ﴾

لمن ؟ لمن أراد أن يؤمن .

لذلك الله عز وجل في أول سورة من سورة القرآن الكريم وهي سورة البقرة بعد الفاتحة قال :

﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾

( سورة البقرة )

2 ـ المتَّبعُ للشهوات لا ينتفع بالقرآن :

لكن الذي أراد الدنيا أراد شهواتها ، أراد العلو في الأرض .

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

( سورة القصص )

الذي أراد الدنيا ، أراد حظوظه من الدنيا ، أراد شهوات الدنيا ، قال :

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفاً ﴾

( سورة محمد الآية : 16 )

قال لي أحدُهم : أنا ذهبت إلى فرنسا ، وليس هناك من معصية إلا اقترفتها ، عدا القتل ، عدت إلى الشام ، لي قريب يحضر هذه المجالس ، أخذني مرتين أو ثلاثا بضغط شديد ، أقسم لي بالله ، والله ما فهمت كلمة واحدة ، قال لي : أنا لست معك ، أنا في وادٍ آخر ، في أجواء ثانية ، فإذا ما أراد الإنسان الهدى لا يفهم شيئاً ، حتى القرآن لأنه :

﴿ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾

( سورة فصلت الآية : 44 )

﴿ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾

( سورة الإسراء )

﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴾

( سورة الشعراء )

لو أن هذا القرآن نزل على إنسان أعجمي ، فجاء إلى مكة من بلاد العجم ، وقرأه باللغة الأعجمية ، لا أحد يفهمه ، قرأه عليهم ،

﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ﴾

﴿ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾

( سورة الشعراء )

﴿ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾

دقق الآن :

( سورة الحجر )

إذا كان الإنسان غارقا في الشهوات ، والزنا ، والخمور ، لا يفهم شيئاً ، إلا أنه كتاب تقليدي ، تراثي ، لا يصلح لهذا العصر ، غيبيات .

لذلك أيها الإخوة ، هذا القرآن يحتاج إلى إيمان ، يحتاج إلى استقامة ، يحتاج إلى طهر .

﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾

( سورة الواقعة )

﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾

( سورة محمد الآية : 16 )

هذا اسمه طبع حكمي ، لأنه مشغول بشهوته ، وشهوته حجاب كثيف ، حبك الشيء يعمي ويصم ، مشغول بشهوته ،

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾

﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾

( سورة محمد )

أيها الإخوة ،

﴿ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾

( سورة فصلت )

3 ـ الانتفاع بحسب التفاعل والاهتمام :

أحياناً يلقي المدرس درسا ، فيتفاعل طالب تفاعلا مذهلا ، يحفظه كلمةً كلمة ، وطالب لا يذكر ولا كلمة ، بعضهم قال : أحياناً في أيام الشتاء القارصة ، تكاد أصابعُ الإنسان تسقط من البرد ، ينفخ في يديه ، فلعل هذا النفخ يدفئ يديه ، وأحياناً تمسك كأس شاي حار تنفخ فيه لعله يبرد ، النفخة نفخة ، لكن مرة استخدمتها لتحمية يديك ، ومرة استخدمتها لتبريد الكأس .

هناك درس يُلقى ، إنسان يذوب محبة لله ، إنسان يمر عليه كسنة ، دقيقة الألم ساعة ، وساعة اللذة دقيقة ، هذا شيء واضح .

أحيانا محاضرة ، الذي يعنيه موضوع المحاضرة يقول لك : والله ما شعرت بالوقت ، تمر الساعة كلمح البصر ، والذي لا تعنيه موضوعات المحاضرة تمر هذه الساعة كسنة ، الفعل واحد ، أما ردود الأفعال فمتنوعة .

مثل آخر : إنسان في مسجد ، والمسجد ليس فيه أحد ، له باب ، فالتفت هذا الإنسان إلى الباب ، ثم قام إلى معطف معلق ، وسحب منه ألف ليرة ، نحن صورناه ، إنسان التفت إلى الباب ، اطمأن ، وقام إلى معطف ، وسحب منه ألف ليرة ، وصورناه ، هو سارق ، فإذا علمنا أن هذا الإنسان هو الذي بنى المسجد ، وكلفه خمسون مليونا نجزم أنه ليس بسارق ، بل هو متصدِّق .

كنت بمدينة في الشمال ، فيها مسجد كلف 150 مليونا ، بناه شخصٌ واحد .

فإذا علمنا هذا الإنسان الذي بنى المسجد بأن هذا المعطف معطفه ، وقد لمح فقيراً فقام ليعطيه هذه الألف ليرة ، اختلف التفسير ، اختلف اختلافا كبيرا جداً .

فهناك من يتهم الإسلام أنه دين الإرهاب ، دين القتل ، هو دين السلام والله ، دين الرحمة ، دين الإنصاف .

لما فتح الفرنجة القدس ذبحوا سبعين ألف إنسان في يومين ، ولما فتحها صلاح الدين ما أراق قطرة دم واحدة ، لذلك قال المؤرخون : " ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب المسلمين " .

أيها الإخوة ، إنسان رأى ليرة ذهبية في الطريق ، فانكب وأخذها ، ووضعها في جيبه ، أيضاً صورناه ، سألنا واحد فسر هذه الصورة ـ دقق الآن ـ لو أراد أن يأخذها وقع في سيئة كبيرة ، لو التقطها وأراد أن يبحث عن صاحبها وقع في عمل عظيم .

الصورة نفسها ، والكلام نفسه ، القرآن نفسه ، المحاضرة نفسها ، الخطبة نفسها ، الإلقاء نفسه ، الآيات نفسها ، إنسان يذوب محبة لله عز وجل ، ويندفع لطاعته ، وإنسان لا يرى في الدين شيئاً ، يقول لك : ضبابي ، شعور بالضعف يرافق الإنسان فتدين ، أنت متدين ، لأنك ضعيف ، لأنك فقير ، لأنك خائف ، عندك عقدة .

أساساً المتفلتون إذا رأوا إنسانا متمسكا بدينه يقولون : معقّد ، هذا شيء طبيعي ، الدين واحد ، لذلك الإنسان مخير ، يمكن أن تفهم الدين فهما حضاريا ، أن ترى الدين هو المنهج الوحيد ، الذي يصلح للبشرية ، ويمكن أن تفهم الدين فهم آخر .

أنا قبل يومين ذكرت : أن الزوج إما إنساني متدين ، أو عنصري كيف ؟ إذا توهم أن له ما ليس لزوجته ، مع أن الله عز وجل يقول :

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[ سورة البقرة الآية : 228 )

الآن : إذا عامل زوجة ابنه لا كما يتمنى أن تعامل ابنته إذا تزوجت ، فهو عنصري إذا عامل موظفاً عنده في المحل من سن ابنه معاملة لا يرضاها لابنه ، فهو عنصري ، أنت موظف ، فإذا عاملت المراجع الذي أمامك على الطاولة معاملة لا ترضاها لو كنت مكانه فأنت عنصري ، فإما أن تكون متدينا منصفا ، أو أن تكون عنصريا .

أيها الإخوة ،

﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾

﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾

( سورة الأعراف )

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ

1 – معنى : تَأْوِيلَهُ :

القرآن بين أيدينا ، ماذا ننتظر ، التأويل ، ما التأويل ؟ وقوع الوعد والوعيد .

2 – ماذا ينتظر المؤمن و غيرُ المؤمن ؟

شاب مؤمن مستقيم ، طاهر عفيف ، صادق أمين ، يغض بصره ، هذا ماذا ينتظر من الله ؟ الحياة طيبة .

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

( سورة النحل الآية : 97 )

ماذا ينتظر هذا الشاب إذا آمن بالله ، واستقام على أمره ؟ ينتظر كل خير ، ينتظر حيةً طيبة ، فإذا عاش الحياة الطيبة فقد جاء تأويل الآية .

إنسان أعرض عن الله ، أراد المال من أي طريق ، أراد الشهوات ، أراد انتهاك الأعراض ، أراد نهب الثروات ، هذا ماذا ينتظر من الله ؟ التأويل ، وقوع الوعيد ، لذلك قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

( سورة طه الآية : 124 )

حينما يعيش معيشة الضنك فقد جاء تأويل الآية ، المرابي أمواله تزداد ، هذا ماذا ينتظر ؟ تأويل آية الربا :

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾

( سورة البقرة الآية : 276 )

حينما يخسر ماله كله يقول : جاء تأويل الآية ، المتصدق ماذا ينتظر ؟

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾

( سورة البقرة الآية : 276 )

حينما يزداد ماله أتت تأويل الآية ،

﴿ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

أنت حينما تطبق آية في القرآن يجب أن تنتظر تأويل الآية ، ما هو التأويل ؟ قد يكون في الدنيا .

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

( سورة جاثية )

أنت مؤمن لك حياة مستقرة ، لك عند الله طمأنينة ، لك عند الله شعور بالأمن شعور بالسعادة ، توفيق ، رزق حلال وفير ، زوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها ، تحفظك إذا غبت عنها ، تطيعها إن أمرتها ، أولاد أبرار ، أنت حينما تستقيم على أمر الله يجب أن تنتظر من الله كل خير ، الدليل :

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾

( سورة التوبة الآية : 51 )

أيها الإخوة ، قضية التأويل رائعة جداً .

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ﴾

أحياناً تتصدق ، ويأتيك الخير من كل مكان ، وأحياناً يرابي الإنسان فيُمحَق ماله ، إذا ضاعف الله له رزقه يكون قد جاء تأويل الصدقة ، وإذا محق الله ماله فقد جاءه تأويل آية الربا .

3 – لا يستوي المؤمن وغيرُ المؤمن في الدنيا والآخرة :

لذلك هذه الآية أنا أخاطب بها الشباب :

﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

والله الذي لا إله إلا هو أن يستوي عند الله المحسن والمسيء ، المستقيم والمنحرف ، الصادق والكاذب ، الأمين والخائن ، من متع عينيه بمحاسن النساء ، ومن غض بصره ؟ والله أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب ، بل مع وجوده ، مستحيل ، اطمئِن ، المؤمن واثق من الله عز وجل .

﴿ لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لنا ﴾

أنت تعامل الخالق ، بيده كل شيء ، بيده كل أمرك ، صحتك بيده أهلك بيده ، من حولك بيده ، من دونك بيده ، من فوقك بيده ، قوى الشر بيده ، الأقوياء بيده لذلك قال تعالى :

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

( سورة السجدة )

أين الثرى من الثريا ؟ هل قطعة لحم مشوية ، وأنت جائع جداً ، كقطعة لحم متفسخة رائحتها على بعد خمسين مترا ؟ تخرج من جلدك منها .

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾

( سورة القلم )

حينما أقف أمام الحجرة النبوية الشريفة ، السنة أن نقف أمام مقام رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ثم أمام مقام سيدينا الصديق ، أقول : هؤلاء الذين عارضوه ، أين هم ؟ أبو جهل ، في مزبلة التاريخ ، هؤلاء الذين صدقوه ، وقاموا معه ، أين هم ؟ في أعلى عليين ، شيء واضح جداً ، بطولتك أن تكون مع الحق ، أنت تكون في خندق الحق ، وأكبر إنسان أحمق من وضع نفسه في خندق معادٍ للحق .

يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾

الأصل معرفة الحقيقة قبل الموت :

بعض الأمثلة : لي قريب له قريب مدمن على الدخان ، إلى أن أصيب بسرطان في الرئة ، دخل المستشفى ، فزاره قريبه ، قال له : سوف أحاسب هذه الدخينة حساباً عسيراً ، لكنه خرج من المستشفى ميتاً ، ما تمكن من حاسبها حسابا عسيرا .

أقول لكم وأنا واثق من قولي : ما من إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا ويعرف الحقيقة عند الموت ، فرعون الذي قال :

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾

( سورة النازعات )

الذي قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

( سورة القصص الآية : 38 )

يوم أدركه الغرق قال :

﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

( سورة يونس الآية : 90 )

الآن انتهى التكليف ، الإقرار ما له قيمة ، هؤلاء الذي عارضوا الدين

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾

أيقنوا .

لذلك مرة واحد مات لدقائق ، تصور تكلم عن شعوره ، وقف قلبه دقائق ، ارتفع إلى السماء ، كان في حادث سير ، ارتفع إلى السماء ، وجاء المنقذون ، وهو يراهم رأي العين ، هذا الإنسان لما تكلم عن الذي حصل له ، وأيقن أنما جاء به الأنبياء هو الصواب ، جاب أنحاء العالم ، وجمع حالات مشابهة ، حوالي 70 حالة من كل البلاد ، من كل الفئات ، من كل الأديان ، حينما يأتي ملَكُ الموت تنكشف الحقيقة التي جاء بها الأنبياء ، الدليل :

﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

( سورة ق الآية : 22 )

هؤلاء الذين رفضوا ، وكفروا ، وانحرفوا ، وفجروا .

يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء

﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء ﴾

من شفعاءُهم ؟ الذين أشركوهم مع الله في الدنيا ، إنسان منحرف الأخلاق له إنسان قوي كان معه يعاونه ، ما له غير القوي ، القوي في جهنم ، أين تريد أن تستخدمه شفيعا ؟ قال :

﴿ مِن شُفَعَاء ﴾

ممكن ؟

فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ

1 – لا ينفع شركاءُ الكافرين يوم القيامة :

﴿ فَيَشْفَعُواْ لَنَا ﴾

الله رد عليهم قال :

﴿ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾

يعني وقود جهنم .

﴿ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾

( سورة الأنبياء )

أنتم وإياهم ، شفعاءهم الذين علقوا الآمال عليهم معهم في النار .

شيء دقيق ، أصعب شيء في الحياة أن تندم ، والعاقل لا يندم ، أصعب شيء أن تخسر الآخرة ، أن تخسر الحياة الأبدية .

صدقوا أيها الإخوة ، لو كنت في الدنيا في أدنى منزلة ، ضارب آلة كاتبة ، أو كنت حاجبا ، وكنت مؤمناً ومستقيماً فقلامة ظفرك تساوي العالم الغربي كله ، فإذا أقبل الإنسان على الدنيا ، وبنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى حياته على موتهم ، بنى صحته على مرضهم ، بنى غناه على فقرهم ، بنى أمنه على خوفهم ، بنى عزه على ذلهم ، هذا الإنسان حينما يحاسب عن عمله عملاً عملاً سوف يعلم ما ينتظره ، لذلك يترنم الإنسان أحيانا ويقول لك : أنا حجمي المالي كبير ، إذا كان غنيا ، أو أنا مسؤول كبير ، لا يعلم ما مسؤول كبير ، حينما يعلم أبعاد هذه الكلمة ترتعد مفاصله .

يقول سيدنا عمر : << والله لو تعثرت بغلة في العراق ، هو بالمدينة ، بغلة وليس إنسان ، بالعراق لحاسبني الله عنها ، لمَ لم تصلح الطريق لها يا عمر ؟ >> ، هذه هي المسؤولية .

سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه فاطمة بنت عبد الملك فرأته يبكي ، قالت : مالك تبكي ؟ قال : " دعيني وشأني ، فلما ألحت عليه قال : ويحكي يا فاطمة ، إني وليت أمر هذه الأمة ، فرأيت الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذي العيال الكثير ، والرزق القليل ، والمأسور ، والمظلم ، وابن السبيل ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي فلهذا أبكي " .

سيدنا عمر سأل أحد الولاة ، قال له : << ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده ، هذا الحكم الشرعي ، قال له : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، قال له : إن الله قد استخلفنا عن خلقه ، لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيانهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية >> .

2 – خيار الإنسان مع الإيمان خيارُ وقت :

خيارك مع الإيمان خيار وقت ، انتبه ، أنت خيارك مع مليون موضوع خيار قبول أو رفض ، تعرض عليك فتاة كي تتزوجها ، لا تعجبك أخلاقها فترفضها ، يعرض عليك بيت تسكنه ، وهو صغير ، فترفضه ، تجارة ليست رابحة ، ترفضها ، لك بمليون موضوع خيار قبول أو رفض ، إلا مع الإيمان خيارك خيار وقت ، إما أن تؤمن الآن ، أو لا بد من أن تؤمن بعد فوات الأوان ، لأنه أكبر كفار الأرض فرعون الذي قال :

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

والذي قال :

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

والذي قال :

﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾

( سورة الزخرف الآية : 51 )

هذا عند الموت قال :

﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾

الإيمان حاصل ، لكن فاتك العمل الصالح ، فاتتك طاعة الله عز وجل ، ولست التوبة حتى إذا :

﴿ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ﴾

( سورة النساء الآية : 18 )

أيها الإخوة ، يبحثون عن شفعاء ، شفعاءهم في النار ،

﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنّم ﴾

وقود جهنم .

﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾

( سورة الأنبياء )

أنتم لها واردون معهم ، كفرد في عصابة وقع في قبضة العدالة ، أراد أن يتصل برئيس العصابة ، فقال له : أنا معك في السجن ، أراد من رئيس العصابة أن يشفع له ، قال له : أنا معك في السجن .

لذلك هؤلاء الذين كفروا ، ورفضوا حينما بحثوا عن شفعاء ليس معهم إلا من أشركوهم مع الله ،

﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنّم ﴾

أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ

طرحوا طرحا آخر :

﴿ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾

رد الله عليهم :

﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾

( سورة الأنعام )

يجب أن تخاف بالنص لا بعينك :

الكافر شأنه شأن حسي ، يخاف بعينه فقط ، وكم من إنسان يأتيه العقابُ فيتوب ، وقد حدثني أخ قال لي : والله عقِب زلزال تركيا المساجد في صلاة الظهر ممتلئة ، الصحن ، الطريق ، مضى على الزلزال شهر اطمأن الناس ، بقي صف واحد ، أكثر الناس يخاف بعيونه فقط ، يخاف عند مجيء المرض ، لكن البطولة أن تخاف بالنص ، أن تخاف بالخبر الصادق .

كما أقول دائماً : سافر أحدهم إلى حمص في الشتاء ، وله مبلغ ضخم في حمص ، لوحة فيها خمس كلمات : الطريق إلى حمص مغلق بسبب تراكم الثلوج في النبك ، يرجع ، حكمه النص ، أما الدابة فيحكمها الثلج ، تسير حتى الثلج ، فإذا حكمك النص فأنت عاقل ، أما إذا حكم الإنسان الواقع فهو دابة .

وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ

نقطة ثانية :

﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾

أن الدين حالة من حالات ، كما يقول مَن افترى على الدين ، الدين أحكامه جيدة وقتَها ، هو لمجتمع الصحراء ، أما الآن فلا يصلح ، هذا افترى ، اتهم الدين باتهامات غير صالحة ، حاول أن يبحث عن نقائص الدعاة إلى الله ، اختراعها اختراعا حتى يصرف نفسه عنهم ، وحتى يصرف الناس عنهم ، فكل شيء افتراه ، كل شيء تصوره ، كل شيء اتهم به الدين :

﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾

توهم أن الأستاذ بهدية ثمينة قبل الفحص يعطيه الأسئلة ، ما درس ، ارتاح ، قضى الوقت كله في الملاهي ، ومع أصدقائه في اللعب ، قبل الفحص بيومين ، طرق باب الأستاذ ، طلب منه الأسئلة ، ومعه هدية ، فدفعه صفعتين ، كل شيء خطط له انتهى ، أستاذ نزيه لا يعطي الأسئلة .

﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾

لا شركاء يشفع لهم ، وأفكارهم التي اخترعوها ، وافتروا بها على الدين أصبحت غير صحيحة ، وقد لقوا مصيرهم المشئوم .

﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {28} ﴾

والحمد لله رب العالمين

http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1891&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254