التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(19-60): تفسير الآيات 40 ـ 43 ، عندما يرضى الله عن عباده يفتح لهم أبواب السماء ـ دخول الجنة برحمة من الله تعالى
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-07-06
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس التاسع عشر من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الأربعين ، وهي قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا
أيها الإخوة ،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾
الآيات كما مر معنا في الدرس السابق هي الآيات الكونية ، خَلقه ، والآيات التكوينية ، أفعالُه ، والآيات القرآنية ، كلامُه ، ويضيف بعض المفسرين : معجزات الأنبياء .
1 – الفرق بين المعجزة والإعجاز :
وفرق كبير بين المعجزة والإعجاز ، المعجزة خرق للنواميس والقوانين ، أما الإعجاز فإشارة مبكرة لقضية علمية تكتشف بعد مئات السنين ، الفرق واضح بين الإعجاز ، والمعجزة ، المعجزة البحر أصبح طريقاً يبساً ، المعجزة يُلقى إنسان في النار فلا يحترق ، المعجزة عصا تلقى على الأرض .
﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾
( سورة الأعراف )
المعجزة انشقاق القمر ، هذه معجزات ، هي خرق للنواميس والعادات ، هي شهادة الله لأنبيائه ولرسله أن هذا الإنسان رسول الله ، أما الإعجاز فحينما تأتي إشارة إلى قضية علمية في القرآن الكريم اكتشفت في عام 2000 فإذا هي مطابقةٌ مطابقةً تامة لأحدث بحوث العلم هذا إعجاز ، الإعجاز وفق القوانين ، أما سبق علمي ، إشارة مسبقة إلى حقيقة علمية لم تكن معروفة وقت نزول الوحي ، بعد 1400 عام اكتشف العلماء هذه الحقيقة ، فكانت الآية القرآنية دليلاً على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾
لأنهم لو صدقوا عليهم أن يطبقوا ، كنهم ألِفوا التفلت ، ألفوا الحركة بلا ضابط ، بلا أمر ، بلا نهي ، بلا رادع ، بلا قيمة ، بلا مبدأ ، وهذا شأن الإنسان الذي تفلت من منهج الله ، كدابة شاردة .
﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾
( سورة الفرقان )
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
( سورة الجمعة الآية : 5 )
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾
( سورة المنافقون الآية : 24 )
2 – آيات الله طريق إلى الإيمان :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾
طريق الإيمان بالله الطريق إلى آياته القرآنية ، والتكوينية ، والكونية ، ومعجزاتهما ، هذا هو الطريق ، قال تعالى :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾
( سورة الجاثية )
لآن الله عز وجل لا تدركه الأبصار ، إذاً : العقول من خلال خلقه تصل إليه .
وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا ﴾
أبوا أن يؤمنوا بها استكباراً .
1 – إبليس رأسُ العاصين المستكبرين :
لذلك : هناك معاصي الاستكبار ، على رأس العاصين استكباراً إبليس اللعين .
﴿ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ ﴾
( سورة الحجر الآية : 33 )
﴿ مِنْ طِينٍ﴾
( سورة الأعراف )
﴿ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾
( سورة البقرة الآية : 34 )
2 – معصية الاستكبار والإباء إثمها أكبر :
معصية استكبار ، معصية التأبي ، هذه المعصية إثمها مليون ضعف عن إثم معصية الغلبة .
أحيانا يُغلَب الإنسانُ على أمره ، تغلبه شهوته ، فيفعلها ، ويبكي بكاء مراً ندماً على فعلته ، هذه معصية ، وهذه معصية ، لكن الأولى معصية الاستكبار ، معصية التأبي ، معصية التألق ، أما المعصية الثانية فهي معصية الغلبة والانكسار .
لذلك قال بعض العارفين : " رُبَّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً " ، الآن :
(( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر ))
ما الذي أكبر من الذنب ؟ قال :
((العجب العجب ))
[أخرجه البزار وابن حبان عن أبي سعيد ]
أن تعجب بنفسك ، فلذلك مرة قال لي شخص : أنا لا ألتفت إلى النساء إطلاقاً ، ولا ألقي لهن بالاً ، أنا فوق هذا ، أنا انتقدته في نفسي ، أيهما أعظم عند الله أنت أم سيدنا يوسف ؟ ماذا قال ؟ قال :
﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾
( سورة يوسف الآية : 33 )
ألا أنبئكم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول عن معصيته إلا به ، ولا قوة على طاعته إلا به ، ألا تقرؤوا الفاتحة كل يوم ؟
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
( سورة الفاتحة )
استعن على طاعة الله بالله ، ألم يقل إبراهيم أبو الأنبياء :
﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾
( سورة إبراهيم الآية : 35 )
لذلك أي إنسان يستقيم ، ويأخذه العجب باستقامته تزل قدمه ، وقد يرتكب حماقة ومعصية لا يرتكبها أقلّ منه ، فإذا كنت طائعاً لله فاسجد لله شكراً على أنك تطيعه .
لذلك :
(( الذنب شؤم على غير فاعله ))
[ أخرجه الديلمي عن أنس ]
لك صديق ارتكب ذنبا ، أنت ما ارتكبت ذنبا ، قال : هو :
(( شؤم على غير فاعله إن رضيه فقد شاركه في الإثم ، وإن ذكره فقد اغتابه وإن عيره ابتلي به ))
[ أخرجه الديلمي عن أنس ]
ينبغي إذا ارتكب أخوك ذنباً ألا تفضحه ، وألا تعيره ، وألا تقره ، لذلك :
(( من غاب عن معصية فرضيها كان كمن شهدها ، ومن شهد معصية فأنكرها كان كم غاب عنها ))
[ ورد في الأثر ]
لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء ﴾
معنى تفتُّح السماء :
إذا فتحت أمامك أبواب السماء ما معنى ذلك ؟ يعني تجلى الله على قلبك بالسكينة ، والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها لو ملكت كل شيء ، فإذا كنت في بطن حوت ، وفي ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمات ثلاث يتجلى الله عليك بالسكينة فأنت في جنة ، لذلك عاش السكينةَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام وهو في الغار ، وعاش السكينةَ سيدُنا يونس وهو في بطن الحوت ، وعاش السكينةَ سيدُنا إبراهيم وهو في النار ، وعاش السكينةَ أهلُ الكهف وهم في الكهف ، السكينة إذا نزلها الله عليك سعدت بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بقدها لو ملكت كل شيء ، إن فتحت لك أبواب السماء نزل على قلبك السكينة ، وإن فتحت لك أبواب السماء نزل على قلبك الأمن .
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
( سورة الأنعام )
وإذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله الحكمة .
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
( سورة البقرة الآية : 269 )
وإذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله الرضا .
وإذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله التفاؤل .
إن فتحت لك أبواب السماء فلا يضل عقلك ، ولا تشقى نفسك .
إن فتحت لك أبواب السماء فلا تهاب إلا الله ، ولا تخش إلا الله ، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
إذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله بصراً نافذاً ، وقولاً سديداً ، وحكمة رائعة ، وإدراكاً عميقاً .
إذا فتحت لك أبواب السماء ملكت نفسك ولا تملكك ، وتحكمت بهواك ، ولم يتحكم بك .
إذا فتحت لك أبواب السماء قلّت مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها ، ولم يذوقوا أطيب مات فيها ، فاتتهم جنة القرب ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
إذا فتحت لك أبواب السماء ذكرك الله وأنت تذكره ، وذكر الله لك أبلغ من ذكرك له .
لذلك :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا ﴾
لو لم يكن هناك نتائج خطيرة جداً ماحقة ساحقة مهلكة من التكذيب فكذب ما شئت ، لكن :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء ﴾
المؤمن بعين الله ، المؤمن بتوفيق الله ، المؤمن بتأييد الله ، بحفظ الله ، ملائكة يحفظونه من أمر الله بأمر من الله ، مسدد ، معان ، موفق ، ينصره الله ، يكشف له الحقيقة ، يلقي في قلبه نوراً .
إذا فتحت لك أبواب السماء يهبك زوجة صالحة تعينك على أمر دينك ، إن فتحت لك أبواب السماء ألقى الله محبتك في قلوب الخلق ، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾
( سورة طه الآية : 39 )
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء ﴾
في الدنيا ،
﴿ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة ﴾
حُرم من نعيم الدنيا ونعيم الآخرة .
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾
( سورة الرحمن )
حُرم من جنة الدنيا ، ومن جنة الآخرة .
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾
( سورة طه )
أحيانا يخالف الإنسان القانون ، المخالفة جزاءها خمسون ليرة ، يقول لك : ليست مشكلة ، لا ، أحيانا هناك مخالفة بعدها إعدام ، هذه مشكلة ، الله عز وجل يبين :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾
الكونية والتكوينية والقرآنية والإعجازية ،
﴿ وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء ﴾
فلا حكمة ، ولا رحمة ، ولا توفيق ، ولا نصر ، ولا تأييد ، ولا تطمين ، ولا استخلاف .
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾
وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
﴿ لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى ﴾
متى ؟ قال : القضية سهلة جداً
﴿ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ ﴾
من ستة أطنان ،
﴿ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾
بثقب الإبرة إذا دخل الجمل
﴿ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ﴾
يدخلون الجنة ، هذا اسمه شرط تعجيزي ، مستحيل وألف ألفُ ألف مستحيل أن يدخل هؤلاء الجنة ، لأنهم :
﴿ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا ﴾
وقال بعض المفسرين : الجمل هو الحبل الثخين ، حبل سفينة ضخمة ، وهناك حبال قطرها عشرة سانتيمترات ، هذا يدخل في ثقب إبرة ؟ .
بالمناسبة ، الذي استخدم الإبرة والخيط الإبرة لها ثقب ، متى يدخلها الخيط ؟ إذا كان قطره أقلَّ من ثقب الإبرة ، هذا واحد ، وإذا كان متماسكاً صلباً ، وإذا كان مؤنفاً له رأس مؤنف ، فإذا قطعت الخيط بالمقص لا يدخل ، لا بد من برمه وتكوين رأس مؤنف له ، يجب أن يكون الخيط بقطر أقلَّ من ثقب الإبرة ، ويجب أن يكون الخيط متماسكا صلبا ، ويجب أن يكون له رأس مؤنف حتى يدخل ، أما الجمل إن كان جملا بمعناه الحقيقي ، أو الجمل بالمعنى المجازي فمستحيل وألف ألفِ ألف مستحيل أن يدخل في ثقب الإبرة .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ
لماذا أجرم ؟ لأنه كذب ، لما كذب بآيات الله كذب بوجود الله ، كذب بعدل الله ، كذب بالحساب ، وبالموت ، لما كذب بالحساب بعد الموت ، كذب باليوم الآخر ، كذب بالمسائلة الإلهية ، كذب بالعذاب ، فلا داعي له أن يستقيم ، فصار يأخذ ما ليس له ، ويأكل أموال الناس بالباطل ، وينتهك أعراضهم ، ويقتلهم أحياناً ، كما ترون ، القتل سهل ، يقول لك : دمرنا البناء فمات 60 شخصا ، كيف ؟ صدر إطلاق رصاص منه ، كلام كله بكذب ، لأنه ليس عندهم إله يحاسب ، ولما كفر بالله ، كفر باليوم الآخر فلا داعي له أن يستقيم ، ولا داعي له أن يخاف من الله ، شيء دقيق ، وترابط دقيق جداً ، لما كذب بالآيات الدالة على عظمة الله ، وعلى كماله ، وعلى عدله ، وعلى يوم الحساب والدينونة ، لما كذب بالله واليوم الآخر لماذا يستقيم ؟ استغنى عن طاعة الله ، ووجد نفسه قويا ، إذاً : يجب أن يأخذ ما ليس له .
الجاهلية الثانية :
الآن نحن في الجاهلية الثانية ، قال الله تعالى :
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾
( سورة الأحزاب الآية : 33 )
هذه إشارة إلى جاهلية ثانية ، ففي الجاهلية الثانية القوي يسحق الضعيف ، والغني يأكل الفقير ، والذكي يحتال على غير الذكي ، والعلاقات علاقات مجتمع الغاب ، ليست علاقة إنسان مع إنسان ، بل علاقة مجتمع الغاب .
إنّ كل إنسان يرى من حقه أن يفترس الآخرين ، وكل إنسان قد يكون فريسة وضحية ، هذا مجتمع الغاب ، هذا مجتمع الجاهلية الثانية ، هذا مجتمع يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه ، مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه ، هذا المجتمع مجتمع يلعنه الله .
دقق أيها الأخ ،
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾
لما كذب بآيات الله ، لما كذب بعدل الله ، لما كذب باليوم الآخر ، لما كذب بالحساب ، لما كذب بالنار ، استغنى عن طاعة الله ، هو قوي يجب أن يأخذ كل شيء ، هذا منطق هذا العصر .
نحن والله أيها الإخوة ، نعيش مع مجتمعات متطورة ، ولكنها متوحشة ، ونحن إن شاء الله مجتمع غير متطور ، لكننا متحضرون بهذا الدين ، عندنا رحمة ، عندنا تماسك أسري ، عندنا خوف من الله .
التكذيب بآيات الله يفضي إلى الإجرام :
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾
إن كذبت بآيات الله في الأعم الأغلب ينبغي أن تكون مجرماً ، فالإنسان بشكل دقيق جداً لا يستقيم إلا إذا خاف الله ، إذا ما خافه لا يستقيم ، وكل شيء آخر يقال من بواعث عن الاستقامة ، أنا أراها غير صحيحة ، ضمير مسلكي ، تربية بيتيه ، تربية بيتيه بالسلام والترحيب ، أما إذا كان لا يؤمن بالله ، ولا باليوم الآخر يأكلها إسرافاً وتبذيراً .
أيها الإخوة ،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴾
هؤلاء المجرمون قال :
﴿ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾
( سورة الأعراف )
هذا جزاء المجرمين :
فراش وثير ، الناعم ، اللين بجهنم ،
﴿ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ ﴾
الغطاء الذي فوقهم
﴿ غَوَاشٍ ﴾
أي جهنم ، جهنم تغشاهم من تحتهم ، ومن فوقهم ، ومن أمام ، ومن خلف ، ومن ميمنة وميسرة ، ومن فوق وتحت .
الآية :
﴿ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ ﴾
من تحتهم جنهم تحرقهم ، ومن فوقهم النار تلسعهم ، من تحتهم ومن فوقهم ، لكن في آيات أخرى ومن أمامهم ومن خلفهم ، وعن يمينهم وشمالهم ، ومن فوقهم ومن تحتهم .
الآية :
﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾
( سورة التوبة الآية : 49 )
أحيانا ينشب حريق يتجه باتجاه معاكس ، إذا هرب الرجل من الحريق وجد أمامه حريقا ، صعد إلى الطابق الثاني وجد أمامه حريق ، نزل إلى القبو فوجد الحريق ، عن يمينه حريق ، عن يساره حريق ، هذا وصف .
﴿ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾
هم ظلموا أنفسهم حينما غفلوا عن ربهم ، لما غفلوا عن ربهم ظلموا أنفسهم ، ولما تفلتوا من منهجه ظلموا أنفسهم ، ولما أساءوا لخلقه ظلموا أنفسهم ،
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾
ظلم نفسه بأنه ما عرّفها بربها ، وظلم نفسه بأنه ما حملها على طاعته ، وظلم نفسه بأنه آذى الخلق ، وظلم نفسه بأنه بنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى عزه على إذلالهم ، وبنى غناه على فقرهم ، قال :
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
( سورة الأعراف )
الطرف المقابل للمجرمين : إنهم المؤمنون :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ﴾
الطرف الآخر ،
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
أولاً : نجوا من النار ، أحياناً إذا حدث زلزال ، وبيتك نجا من الزلزال فأنت في مكسب كبير جداً ، إذا داهمك مستعمر لا سمح الله ولا قدر ، وقام باعتقال عشوائي إلى السجن ، ونجوت من هذا الاعتقال فأنت في خير كبير ، لكن الله عز وجل يقول :
1 – المؤمنون ناجون من النار مُنَعَّمون في الجنة :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
ليس فقط نجو امن النار ،
﴿ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
هناك فرق بين أن تنجو فقط وأن تكون في نعيم مقيم .
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾
( سورة الحاقة الآية : 19 ـ 24 )
﴿ نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾
( سورة التوبة الآية : 21 )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ :
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ... ))
[ متفق عليه ]
نظام الجنة أن كل ما تطلبه تراه أمامك .
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾
( سورة ق )
نظام الجنة أنك تستمتع استمتاعا متناميا ، وهذا معنى الخلود في الجنة ، فلو ذهب إنسان إلى بستان ، وبقي فيه ساعتين أو ثلاثا يملّ بعد هذا ، أما إذا بدّل ، وتنامي لا يمل .
إذاً : هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم ينجوا من النار ، وأدخلوا الجنة ، كانت النجاة من النار مكسبا كبيرا ، وفوق هذا المكسب الكبير جداً دخلوا جنة عرضها السماوات والأرض ،
﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا ﴾
2 – أعظم نعيم في الآخرة النظر إلى وجه الله الكريم :
لكن ما الذي فوق الجنة ؟ فوق الجنة النظرُ إلى وجه الله الكريم .
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾
( سورة القيامة )
متألقة .
﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾
( سورة القيامة )
في بعض الآثار : أن أهل الجنة إذا نظروا إلى وجه الله الكريم يغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة ، هذه فوق :
﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
( سورة التغابن الآية : 9 )
فوق :
﴿ وَحُورٌ عِينٌ﴾
( سورة الواقعة )
فوق :
﴿ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾
( سورة الواقعة )
فوق :
﴿ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾
( سورة محمد الآية : 15 )
3 – رضوان الله على أهل الجنة :
فوق كل أوصاف الجنة هناك نظر إلى وجه الله الكريم ، وفوق ذلك :
﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة التوبة الآية : 72 )
لما يرحب الله بك ، ويحتفل بك .
إذًا في الجنة بساتين تجري من تحتها الأنهار ، فيها :
(( مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ... ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
فيها حور عين .
مرة صحابي جليل طالبته زوجته بشيء ليس في قدرته ، فقال : << اعلميِ أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لا لو أطلَّت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر ، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك >> .
فوق ذلك نظر لوجه الله الكريم .
فوق ذلك :
﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ﴾
دخلت بيتا مثلاً فيه طعام ، فيه شراب ، فيه مقبلات ، فيه ورود ، فيه رياحين فيه ، أشياء لطيفة جداً ، وصاحب البيت جميل الصورة ، لم تستطع أن تصرف عينك عنه ، وفوق ذلك قال لك : يا أهلاً وسهلاً ، أخ كريم ، وعزيز ، ونحن بانتظارك ، وقد نورت البيت بمجيئك ، فكنتَ في استمتاع مادي ، ونظر إلى جمال ، ثم ترحيب من صاحب البيت .
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
4 – توهُّمٌ غيرُ صحيحٍ مدفوعٌ بقوله : لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا
لكن أحيانا يتوهم إنسان بوسوسة من إبليس أن هذه أشياء صعبة ، الاستقامة صعبة ، الله عز وجل أراد أن يبدَّد هذا الوهم فقال :
﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾
ما مِن أمرٍ أمرك الله به إلا وكان ضمن وسعك .
وجاءت هذه الجملة اعتراضية :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
5 – الإيمان مقرون بالعمل الصالح دائمًا :
آمنوا بقلوبهم ، وعملوا الصالحات بقلوبهم ، والإيمان إقرار بالقلب ، وعمل بالجوارح .
وكلمة :
﴿ آمَنُواْ وَعَمِلُوا ﴾
وردت 200 مرة في القرآن الكريم ، الدين إيمان وعمل صالح ، عقيدة وسلوك ، منطلقات نظرية ، وتطبيقات عملية .
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
اعتراض .
﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾
فلا تقل : لا أقدر ، إذا قلت : لا أقدر فأنت لا تعلم ، بل إنك تقدر في أي زمان ومكان ، وبأي ظرف ، وبأي بيئة ، وبأي معطيات ، أن تعبد الله ، لا تقل ، لا أقدر ، فإنه :
﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾
لذلك أحياناً يتوهم الإنسان بهمته الضعيفة ، ووسعه الخائر ، وعزيمته الضعيفة أنه لا يقدر ، هذا وهم ، لكن الإله العظيم هو الذي خلق الإنسان ، فلا يمكن أن يكلفه شيئاً لا يستطيعه أبداً ،
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
أنت في الدنيا كمثل إنسان دخل إلى سوق يشتري مركبة ، معه 700 ـ 800 ألف ليرة ، في بحث بالمعرض كله عن سيارة بهذا المستوى ، هذه إمكانيته ، لكن هناك مركبة ثمنها 8 ملايين ، و 24 مليونا ، هذه فكِّر فيها .
هناك متعٌ محرَّمة لا تفكر فيها أبداً ، أنا أفكر في الزواج فقط ، أفكر بعمل مشروع ، فما دمت مؤمنا ، ومعك منهج فكلّ تفكيرك وخواطرك ضمن المباح ، ضمن المسموح به ، ضمن المشروع ، أما لو تطلعت إلى ما يفعله العصاة والمجرمون طبعاً لا تستطيع ، أنت فكر بما هو مسموح لك ، كن مع المؤمنين ، أحط نفسك بجو إيماني ، تجد نفسَك متألقًا .
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
6 – نِعَم الدنيا مصحوبةٌ بقلقين : قلق مفارقتك وقلق مفارقتها لك :
المشكلة أن نِعم الدنيا معها قلق عميق ، أحدهم دخْله جيد ، يا ترى الشركة التي أنا وكيلها في هذه البلد ، هل تبقى ؟ أم يأتي إنسان أقوى مني فيأخذها مني ، هناك قلق ، كل نِعَم الدنيا معها قلق ، معها قلقين ، القلق الأول أن تفارقك هذه النعمة ، وهناك أشخاص كثيرون كان أحدهم غنيا ثم افتقر ، كان وكيل شركة فسُحبت هذه الوكالة منه ، كان عنده ميزات ثم نحي عنها ، فكل نِعم الدنيا معها قلق عميق ، قلق أن تفارقك هذه النعمة ، و قلق آخر أن تفارقها أنت .
أحياناً يصل الإنسان إلى قمة نجاحه ، ثم يأتيه هاجس الموت ، بعدما وصل لهذا المستوى ، يمكن أن يموت فجأة .
مرة حدثني صديق زاروا أخا مريضًا ، الأخ يشعر بتعب غير معقول بعد تزيين البيت زينه ، واعتنى به ، بذل مهجة فؤاده فيه ، لما مرضَ مرضًا خطيرا زاره أصدقاءه ، قال لهم : ممكن أن تتزوج زوجتي بعدما أموت ، ويأتي إلى هذا البيت ، يأخذه على طبق من فضة ؟! .
إنّ نِعم الدنيا أيها الإخوة معها قلقان ، قلق أن تفارقك ، وقلق ثانٍ أن تفارقها ، لذلك قال النبي الكريم :
(( اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا ))
[ رواه الترمذي عن ابن عمر]
يا رب ما تفارقني هذه النعم .
7 – حظوظ الدنيا موزّعة توزيعَ ابتلاء ، وحظوظ الآخرة موزّعة توزيعَ جزاء :
أيها الإخوة ، حظوظ الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، قد يكون الفقير أقرب إلى الله من الغني ، حظوظ الدنيا موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، لكنها سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
( سور ة الإسراء )
قال : أهل الجنة :
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
( سورة الأعراف )
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ
1 – ليست قلوب أهل الجنة كقلوب أهل الجنة :
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ ﴾
أحيانا هناك اجتهادات ، حتى بين الدعاة ، هذا اجتهاده بتأليف الكتب ، هذا اجتهاده بتأليف القلوب ، هذا اجتهاده بالتفسير ، هذا بالحديث ، هذا بالسيرة ، هذا آخذ اجتهاد متشدد ، هذا اتجاه وسطي ، في الدنيا يختلفون ، لكن لأنهم جميعاً في الدنيا يختلفون ، لأنهم جميعاً مؤمنون يوم القيامة ينزع ما بينهم من غلٍّ ، هذه بشارة .
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ﴾
2 – لولا هداية الله لن نهتدِي أبدا :
لولا أن هدانا الله ما كنا لنهتدي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ ))
[ متفق عليه ]
الجنة للتقريب : بيت ثمنه مئة مليون ، كلفوك أن تأتي بثمن المفتاح فقط ، أنت حينما دفعت ثمن المفتاح 20 ليرة ، لا معنى لذلك ، لأن البيت تملكته بقوتك ، ومالك ، لكنك دفعت ثمن مفتاحه فقط ، لذلك :
(( ادخلوا الجنة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم ))
[ ورد في الأثر ]
إذاً :
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
عملك يساوي ثمن مفتاح الجنة ، أما هي فمن فضل الله عز وجل ، الجنة محض فضل ، والنار محض عدل .
إذا قال أب لابنه : اجتهد ، ونل الدرجة الأولى ، ولك هذه الدراجة الثمينة جداً ، رآها في محل ، هذا الابن أخذ الدرجة الأولى ، وأخذ الجلاء ، وتوجه مباشرة إلى البائع ، وقال : أعطني هذا الجلاء ، اذهب وهات ثمنها ، يدفع ثمنها والدك ، هذا الجلاء ليس ثمن الدراجة ، هذا سبب وضعه أبوك من أجل أن يشتريها لك ، فهذا الجلاء ليس ثمن الدراجة ، هذا الجلاء سبب تملك الدراجة ، هناك فرق بين سبب وثمن .
هذا معنى :
(( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ ))
فضل ، لكن سببها الطاعة ، وأداء العبادات ، أنت قدمت السبب ، لكن ما قدمت الثمن ، الجنة مض فضل ، أنت قدمت عملا صالحًا هو سبب دخولك ، لذلك :
(( ادخلوا الجنة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم ))
اقتسام أماكن الجنة بالأعمال :
﴿ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
أي أنّ اقتسام أماكن الجنة بأعمالكم ، أما هي في الأصل فمحض فضل ، والنار محض عدل .
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1766&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254