التفسير المطول - سورة الأعراف 007 - الدرس(14-60): تفسير الآيتان 31 - 32 ، الزينة ـ خذوا زينتكم عند كل مسجد
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-04-13
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الرابع عشر من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية الواحدة والثلاثين ، وهي قوله تعالى :
﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
مقدمة بين يدي الآية :
1 – الكونُ مسخَّر للإنسان :
أيها الإخوة ، الإنسان كما تعلمون هو المخلوق الأول رتبة ، لأنه حمل الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض ، لذلك سخر الله له :
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾
( سورة الجاثية الآية : 13 )
2 – العلمُ هو غذاءُ الجانب العقلي في الإنسان :
هذا الإنسان فيه جانب عقلي ، الجانب العقلي غذاءه العلم ، وفيه جانب نفسي قلبي غذاءه الحب ، وفيه جانب مادي غذاءه الطعام والشراب .
لذلك يقال : إن الإنتاج العقلي والشعوري للبشرية لا يزيد على علم وفلسفة وفن ، العلم ما هو كائن ، العلوم ، فيزياء ، المادة والطاقة ، وتحولاتهما ، كيمياء ، رياضيات ، فلك ، علوم طبيعية ، نبات ، حيوان ، طب ، جيولوجيا ، علم طبقات الأرض ، تاريخ ، جغرافيا ، والعلوم لا تعد ولا تحصى ، هي في الحقيقة دراسة الظواهر ، الظواهر النفسية علم نفس ، الظواهر الاجتماعية علم اجتماع ، الظواهر المادية علوم ، فيزياء ، وكيمياء ، وما شاكل ذلك .
3 – تعريفُ العلمِ :
تعريف العلم بشكل جامع مانع : علاقة ثابتة بين متغيرين ، فهو قانون ، وحقيقة مطّردة تطابق الواقع عليها دليل ، إن لم تطابق الواقع فليست علماً ، بل هي جهل ، وإن افتقرت إلى الدليل ، فهي تقليد ، وإن لم تكن قطعية فهي ظن ، ووهم ، وشك .
إذاً : علاقة بين متغيرين مقطوع بها تطابق الواقع عليها دليل .
4 – تعريفُ الفلسفة :
أما الفلسفة ما يجب أن يكون ، العلم ما هو كائن ، الفلسفة ما يجب أن يكون ، وقد يؤكد الفلاسفة هناك فلسفة الوجود ، وجود الله عز وجل ، وفلسفة المعرفة ، وفلسفة القيم .
5 – تعريفُ الفنِّ :
أما الفن فهو كل ما هو ممتع ، بدءاً من الشعر ، الشعر أدب ، والأدب فن ، وقال العلماء عن الشعر : " حَسَنه حسن ، وقبيحُه قبيح " ، والنبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه كما أنه قَالَ :
(( إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا ))
[البخاري عن ابن عمر ]
هناك فنون مقبولة في الدين ، وفنون مرفوضة ، فنون مسموح بها ، وفنون محرمة ، الخط فن ، الشعر فن ، الأدب فن ، رسم النباتات ما فيه شيء ، رسم الكائنات الحية في عليه إشكال ، الفن بعضه سمح به الشرع ، بعضه حرمه الشرع .
الآن هذه المقدمة من أجل كلمة :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ ﴾
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ
1 – الجانب الجمالي في شخصية الإنسان :
عند كل إنسان حاجة جمالية ، الإنسان يروق له البيت الجميل ، يحتاج إلى الجمال ، يروق له الطريق النظيف ، النبي الكريم أمَرنا أن نميط الأذى عن الطريق ، يروقه البيت الجميل :
(( فنظفوا أفنيتكم ، ولا تشبهوا باليهود ))
[ أخرجه الترمذي عن سعد ]
يروقه المركبة الجديدة :
﴿ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾
( سورة النحل الآية : 8 )
تروقه الثياب الجميلة .
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ ))
[ أبو داود عن أبي الدرداء]
تروقه الحديقة ، قال الله عز وجل :
﴿ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾
( سورة النمل الآية : 60 )
بل :
(( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمال ))
[ رواه مسلم عن ابن مسعود رضي اللّه عنه ]
2 – كل حاجة جمالية لها قناة نظيفة تسري من خلالها :
والحاجة إلى الجمال حاجة أساسية ، لكن ما مِن حاجة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قنوات نظيفة ، إذا جمّل إنسان بيته ، وجنة المؤمن داره ، جمّل بيته ، جمّل ثيابه ، نظّف مركبته ، فرضاً ، عنده محل تجاري نظيف ، مطلي ، الحاجات في أماكنها ، فيه نظام ، فنحن نحب الجمال ، نحب الكمال ، نحب النوال ، هذه فطرتنا .
لكن الشيء المؤلم لماذا الطرف الآخر يعتنون جداً بمدنهم ، وحدائقهم ، وأبنيتهم ومؤسساتهم ، ودور عبادتهم ، والمسلمون مقصرون في هذا ، الفوضى والقبح منفران ، والنظام والجمال والأناقة مسعدان .
أنا لا أقول : الجمال بالشيء الغالي ، لكن يمكن أن تطلي الغرفة طلاء لطيفًا مريحًا هادئا رخيصا جداً ، يمكن أن تشتري أثاثا متناسبا مع الطلاء ، فالحاجة الجمالية حاجة أساسية جداً .
أحيانا إذا سافر الإنسان نزل في فندق من خمس نجوم ، يدفع عشرة أضعاف الأجور ، أو عشرين ضعفا مقابل النظافة والجمال ، أليس كذلك ؟ لكن فيه معاصٍ وآثام يقابل ذلك .
المعاني المستنبطة من قوله : خُذُوا زِينَتَكُمْ
على كلٍ الآية الكريمة :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
المعاني التي يمكن أن نستنبطها من هذه الآية :
المعنى الأول : الاغتسالُ ولُبسُ الثياب النظيفة المتناسبة :
أن ترتدي ثياباً جديدة نظيفة إذا أتيت إلى بيت من بيوت الله ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان له ثياب يرتديها في المناسبات ، وفي المسجد ، وحينما يلتقي الوفود ، وكل إنسان مؤمن ، والمؤمن سفير الإسلام ، يمثل الدين ، إذا دُعي إلى حفل إذا جاء إلى المسجد ، وكان ثيابه نظيفة ، أقول : نظيفة ، أقول : ألوانها معقولة فقط ، أنا لا أطالبك بأكثر من ذلك ، أنت مسلم ، أحياناً تناسب الألوان ، والألوان الهادئة ، والثياب التي ليس فيها تقليد للغرب ، الآن هناك من يشتري ثيابا فيها صور ، فيها كلمات بالإنكليزية ، لو يعلم الذي اشترى هذه الثياب ما تعني هذه الكلمات لخرج من جلده خجلاً .
(( لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم ))
[ أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس ]
ثياب نظيفة ، اغتسل ولو مدًّا بدينار .
(( اغتسلوا يوم الجمعة ، ولو كأسا بدينار ))
[ أخرجه ابن عدي في الكامل عن أنس ابن أبي شيبة عن أبي هريرة ]
غسل الجمعة واجب ، أنا أريد أن أقول باختصار : لماذا كان الجانب الجمالي ضعيفًا في حياة المسلمين ؟ مع أنهم أتباع سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وكان يُعرف بريح المسك ، وكان يعتني بثيابه ، وكان يقول :
(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ ))
[ أبو داود عن أبي الدرداء]
على كلٍ ، من معاني هذه الآية أنت تأتي بيوت الله بزينة ، قالوا : الزينة الثياب النظيفة .
والله حدثني أخ قال لي : أنا مغرم بحضور الدروس في المساجد ، حضر درسًا ، وفي نهاية الدرس أقيمت الصلاة ، فلما سجد شم رائحة من جورب الذي أمامه خرج منها من جلده ، قال لي : والله ما عدت آتي إلى هذا المسجد من شدة انزعاجي .
فلما يكون الإنسان نظيفا معطَّرًا ، اغتسل ، قلّم أظافره ، رَجّلّ شعره ، اعتنى بهندامه ، فهذا من العبادة :
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
هذا معنى .
المعنى الثاني : التستُّر وعجم التعرِّي :
المعنى الثاني : كان الناس قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يطوفون بالبيت عُراةً ، فحُملت هذه الآية على أن نرتدي ثيابًا تستر عوراتنا ، دائماً البشر فريقان ، فريق يبالغ في الستر ، وهم المؤمنون ، وفريق آخر يبالغ في التعري وهم الفسَقة ، والشيطان يأمر بالتعرّي .
﴿ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا﴾
( سورة الأعراف الآية : 27 )
فكلما اقتربت من أهل الإيمان كانت الثياب سابغة ، وساترة ، فحملوا هذه الآية أن ترتدي ثياباً فضلاً عن أنها نظيفة معقولة ، وأن ترتدي ثياباً تستر عورة الإنسان .
المعنى الثالث : الزينةُ ما فوق الستر :
وقال بعض العلماء : " الزينة ما فوق الستر " .
قد تكون غرفةُ الإنسان مطلية طلاء جيدًا ، نظيفة ، وجميلة ، لكن زيّنها بمنظر طبيعي ، زينها بآية ، بخطاط كبير ، زينها بزهور طبيعية ، أو غير طبيعية ، زينها بزاوية جمالية ، الزينة عند بعض علماء التفسير تزيد على قوام الشيء .
قد يكون الإنسان نظيفًا ، وقد اغتسل ، ويرتدي ثيابا جميلة ، إذا كان خاطبا يضع وردة حمراء مثلاً ، هذه الوردة زيادة ، أحيان يضع عطرًا ، الزينة تزيد على قوام الشيء .
المعنى الرابع : الزينةُ هي الطيبُ :
وبعضهم قال : " الزينة هي الطيب " ، وطيب الرجال له رائحة ، وليس له لون ، بينما طيب النساء له لون وليس له رائحة ، لأن المرأة إذا تعطرت وخرجت من بيتها ، ولفتت النظر برائحتها الفواحة تلعنها الملائكة حتى تعود .
الحدُّ الأدنى في فهم هذه الآية :
لكن الحد الأدنى من فهم هذه الآية : أن ترتدي ثياباً لا تؤذي بها أحداً في المسجد ، فالقصاب له ثياب خاصة ، يرتديها في أثناء العمل ، الدابة فيها دم ، فيها دهن ، والدهن له رائحة ، والحداد له ثياب خاصة ، ثياب زرقاء ، وعليها رائحة الفحم ، وكل حرفة لها ثياب ، لا ينبغي أن تأتي بهذه الثياب إلى المسجد ، لأن هذه الثياب تؤذي من حولك ، فالحد الأدنى في الفهم لهذه الآية : أن ترتدي ثياباً لا تؤذي مصلياً ، أن تكون نظيفة ، وأن تكون ساترة ، وأن تكون إلى حد ما جميلة .
أيها الإخوة ،
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
تفسيرُ علماءِ القلوبِ لهذه الآية :
بعض علماء القلوب فسروا هذه الآية تفسيراً آخر ، أحيانا يزور إنسان قريبه ، ومعه هدية ، هذه الهدية إذا زار قريبه المريض ، وقدمها له ، كأنه معه شيء جميل ، معه هدية ، بعضهم قال : أنت أردت أن تأتي إلى المسجد فهل عملت عملاً صالحاً لوجه الله ؟ هل أطعمت جائعاً ؟ هل كسوت عارياً ؟ هل رعيت يتيماً ؟ هل دللت إنساناً ؟ هل أنفقت من مالك ؟ هل جئت إلى بيت من بيوت الله ومعك هدية ، معك زينة ؟ الإنسان يفتخر بالهدية ، إذا دخل بيتًا ومعه هدية حملها وأساريره منطلقة ، حملها وعنده ثقة بنفسه ، معه هدية ، هذا أيضاً معنى آخر ، فائتِ بهدية إلى الله ، وهدية الله أن تكون في خدمة خلقه .
(( الخلق كلهم عيال الله ، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
[ أخرجه أبو يعلى ، والبزار عن أنس ، والطبراني عن ابن مسعود ]
والعمل الصالح قرض حسن لله عز وجل .
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾
( سورة البقرة الآية : 245 )
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
إخواننا الكرام ، الإنسان حجمه عند الله بحجم عمله الصالح ، يسلم بالاستقامة ، لكن لا يسعد إلا بالقرب من الله ، والإنسان إذا اقترب من الله ، اقترب من الرحيم ، اقترب من العليم ، اقترب من الحكيم ، اقترب من الجميل ، المؤمن جميل ، جميل بأفعاله ، بكلامه قيل للعباس : << أيّكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ عمه أكبر منه سنًّا ، فقال لهم : هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله >> .
الجمال يعم البدن والخُلق والمعاملات :
نحن مِن ضعف تفكرنا نظن الجميل في الصورة فقط ، قد يكون الكلام جميلا ، جمال الرجل فصاحته ، وأحيانا يكون الاعتذار جميلا ، وأحياناً يكون في المشي جمال ، وهناك مشي مع الكِبْر ، وهناك جلسة على المقعد بأدب ، إنسان يجلس ويباعد بين رجليه هكذا ، أو يضع رجل فوق رجل استعلاءً ، هناك جلسة جميلة ، وحركة جميلة ، ومشي جميل ، واستقبال جميل ، ووداع جميل ، وإغلاق باب بنعومة .
أحيانا يركب الإنسانُ سيارة عامة ، ويسمك الباب ويغلقه بقوة ، فيخرج صاحب المركبة من جلده من ، أغلقه بهدوء ، بهدوء ، وأحيانا هناك مشي مع جلبة لا تحتمل .
دخل رجل ليصلي مع النبي الكريم ليلحق معه الركعة الأولى فأحدث جلبة في المسجد فقال له :
(( زادك الله حرصاً ولا تعد ))
[ أخرجه أحمد و البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي بكرة ]
قد يكون الإنسان ساكنا في بيت في طابق ثالث ، أحب أن يصلي قيام الليل ، يجب أن يوقظ البناية كلها بالحركة والضجيج .
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته لف ثوبه ، لئلا يوقظ أهله بحفيف ثوبه .
لذلك هناك حركة جميلة ، وكلام جميل ، واستقبال جميل ، يأتيك ضيف تقول له : تفضل هل هناك موضوع معين ؟ أهلاً وسهلاً نورت ، أنا مشتاق إليك ، استقبال جميل ، ووداع جميل ، وإقامة مأدبة مع جمال ، والنبي عليه الصلاة والسلام ما ذم طعاماً قط ، وما مدح طعاماً قط ، رحب بالضيف فقط .
النبي عليه الصلاة والسلام قمة الجمال الأدبي :
الجمال واسع جداً ، المؤمن قمة في الجمال ، قمة في الأدب ، ما هذا الأدب يا رسول الله ؟ قال :
(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))
[ أخرجه ابن السمعاني ، عن ابن مسعود ]
قمة من الحياء ، كان أشد حياء من العذراء التي في خدرها .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ :
(( خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا ، قَالَتْ : كَيْفَ أَتَطَهَّرُ ؟ قَالَ : تَطَهَّرِي بِهَا ، قَالَتْ : كَيْفَ ؟ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ ! تَطَهَّرِي ، فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ : تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ ))
[ متفق عليه ]
احمر وجهه صلى الله عليه وسلم ، وخجل ، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها .
هناك موقف جميل ، الموضوع واسع جداً ، أنا أؤكد لكم أن المؤمن قمة في الجمال ، قمة في الأدب ، قمة في الاعتذار ، قمة في الحديث ، يستمع ، وتراه يصغي للحديث بقلبه وبسمعه ، ولعله أدرى به .
أحياناً يشكو لك إنسان أن ابنه سيء ، فتقول أنت عن ابنك : والله عندي ابن الله يرضى عليه لا مثيل له ، هذا الموطن موطن مواساة ، لا موطن افتخار عليه بابنك .
(( عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً وَسَاعَةً ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))
[ رواه مسلم ]
منتهى الأدب ، الجمال واسع جداً ، وأعظم جمال جَمال الروح ، أعظم جمال التواضع ، أعظم جمال الحكمة ، أعظم الجمال العطف على الآخرين ، من علامات نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه من رآه بديهة هابه ، ومن عامله أحبه .
قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ :
(( أَتَبِيعُنِي جَمَلَكَ هَذَا يَا جَابِرُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَلْ أَهَبُهُ لَكَ ، قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ ، قَالَ : قُلْتُ : فَسُمْنِي بِهِ ، قَالَ : قَدْ قُلْتُ ، أَخَذْتُهُ بِدِرْهَمٍ ، قَالَ : قُلْتُ : لَا ، إِذًا يَغْبِنُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَبِدِرْهَمَيْنِ ، قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْأُوقِيَّةَ ، قَالَ : قُلْتُ : فَقَدْ رَضِيتُ ، قَالَ : قَدْ رَضِيتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قُلْتُ : هُوَ لَكَ ، قَالَ : قَدْ أَخَذْتُهُ ))
[ أخرجه أحمد عن جابر ]
(( من كان له صبي فليتصابَ له ))
[ أخرجه ابن عساكر عن معاوية ]
صلى طفلٌ في أول صف ، يجب أن يبقى في الصف الأول ، ولا أسمح لأحد أن يؤخر طفلا إلى الصف الثاني ، هؤلاء أحباب الله ، يدخل الإنسان بيته فيصبح عيدًا ، وهناك إنسان يخرج من بيته فيصبح عيدًا ، في الحالتين عيدٌ ، لكن البطولة في الدخول .
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً .
كان يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أكرموا النساء ، فوالله ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
[ ورد في الأثر ]
كان عليه الصلاة والسلام يقول :
(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))
[ أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عقبة بن عامر ]
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخلت السيدة فاطمة وقف لها ، سيد الخلق ، وابنته وقف لها ، رحب بها ، جاءته السيدة فاطمة فتاة ، بعد الولادة ضمها ، وشمها ، وقال : ريحانة أشمها وعلى الله رزقها .
الآن إذا أنجبت بنت يطلقها ، أو قال لها : إذا أنجبتِ بنتًا ثانية أطلقك ، حلف يمين طلاق ، مسكينة قطع قلبها ، فأنجبت ابنتين فلم تطلق .
والله الموقف الكامل يملؤك سعادة وكمالا ، تكون في البيت محبوبًا ، تحب أهلك ، تحب أولادك ، محسن ، تعيش نغصًا ، وعداوة ، وبغضاء ، وتراشق تهم ، وسباب ، وتكسير زجاج ، وخبط أبواب ، ومسبات دين ، البيت كتلة من الشقاء ، ومن البعد عن الله ، كن قريبًا من الله ، يصبح دخولك عيدًا .
كان عليه الصلاة والسلام تسأله السيدة عائشة عن حبه لها ؟ يقول لها : كعقدة الحبل .
معظم الشباب الآن إذا أحب يمزح مع زوجته يقول لها : أريد أن أطلقك ، أو أريد أن أتزوج امرأة ثانية ، لا مزح له إلا بهذين الموضوعين المزعجين ، فهو قليل ذوق ، يجب أن تشعر بالطمأنينة .
حكت له السيدة عائشة عن أبي زرع وأم زرع ، كان طويل ، وممتع جداً ، وكان يصغي لها ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، يحمل أكبر دعوة في الأرض ، يصغي لها ، لكنها قالت لها بعد أن انتهت القصة : غير أنه طلقها ، فقال لها : أنا لك لأبي زرع لأم زرع ، غير أني لا أطلقك ، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام .
كلمة جمال واسعة جداً ، يمكن أن يكون جمال الجسم لما تغتسل ، رائحته الطيبة .
امرأة في الجاهلية من أعلام الجاهلية ، نصحت ابنتها قبل الزفاف فقالت لها : والماء أطيب الطيب المفقود .
إذا ما عندك عطر إطلاقاً فاغتسل ، ثبت أن لكل واحد رائحة عطرة لجلده ، ويتميز بها ، للتأكد لك ابن صغير ، إذا تحمم ضمه وشمه ، فيه رائحة جميلة جداً ، الجلد له رائحة جميلة ، والماء أطيب الطيب المفقود ، بدءاً من أن تكون نظيفاً مروراً بنظافة الثياب ، ثم بأناقة الثياب ، ثم بنظافة البيت ، وجمال البيت .
أنا لا أقول أبداً : بيت غال ، يمكن أن يكون بيتك متواضعا جداً ، والفرش متواضع جداً ، لكن فيه لمسات جمالية ، فيه تناسق ، فيه ذوق ، وفضلاً عن بيته مركبته ، يغسلها ، أحياناً محله التجاري .
والله مرة كنت بمحل تغير زيت السيارة غير معقول ، كأنك جالس بصالة في فندق ، وهو محل تغير زيت ، الآن ببعض البلاد معامل فيها مناطق جميلة جداً ، فيها نظافة ، فيها أناقة ، لأن الإنسان يعيش عمرا واحدا .
أنا أدعو إلى أن يكون الجمال عنصرًا أساسيًا في حياتنا ، لكن أهل الفسق والفجور لا يفهمون الجمال إلا جمال المرأة المتبذلة ، وإلا أن يغوص في حمأة الجنس ، يقول لك : إن الله جميل يحب الجمال ، هذا الكلام كلمة حق أريد بها باطل .
أيها الإخوة ،
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا
1 – لابد من الاعتدال حتى في المباحات :
هذا أمر إباحة ،
﴿ وَلَا تُسْرِفُوا ﴾
ثبت الآن أن الإنسان مبرمج ، مصمم على الاعتدال ، إذا كان معتدل أجهزته تكفيه مدى الحياة ، كل أعضائه ، وأجهزته ، وحواسه ، يمكن أن تكون معه إلى آخر أيامه ، بشرط الاعتدال في الطعام والشراب ، وحتى في المباحات ، ففيها اعتدال ، لأنّ الإسراف في المباح له مضاعفات خطيرة .
مرة أن هذه المادة الفلانية التي تحلي بها الطعام من دون أن يكون لها حريرات مسرطنة ، فردوا على هذا الكلام : أي شيء إذا أسرفت به مسرطن ، أي شيء ، كأن هذا الإنسان بأجهزته وأعضائه وحواسه مصمم على الاعتدال ، فإذا بالغ ، وإذا أسرف وقع في شر عمله .
2– بين الإسراف والتبذير :
أيها الإخوة ، الإسراف في المباحات ، والتبذير في المعاصي والآثام ، أيُّ مال أنفقته في حرام فأنت مبذر ، مضطر أن أقول هذا الكلام : شراء الدخان تبذير ، ليس إسرافاً .
﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾
( سورة الإسراء )
أيُّ شيء محرم شراءه تبذير ، أما أيّ شيء حلال الأخذ منه أكبر من الحد المعقول إسراف ، والإسراف في المباحات والتبذير في المعاصي والآثام . شيء آخر ، مقولة لطيفة : لو أنفقت مثل أُحد ذهباً في حلٍ لما كنت مسرفاً .
رجلٌ من أهل الغنى أقام عقد قران لابنته ، وأنا حضرت هذا العقد ، دعا ألف إنسان ، واتفق مع مطعم لتقديم الطعام ، كل إنسان كلف ألف ليرة ، المبلغ مليون ، وهناك أناس حضروا ، وانتقدوه انتقادا شديدا ، أنا تريثت ، ثم علمت أن هذا الطعام لم تذهب حبة رز هباء ، وضع في المعلبات ، وفي الأواني ، وأصلح شأنه ، أضيف له اللحم ، ووزع على معاهد ، وعلى مياتم ، وأكل منه حوالي عشرين يوما ، ودفع مليون ليرة لتزويج الشباب فوق المبلغ ، فقالوا : لو أنفق مثل أحد ذهباً لما كنت مسرفاً ، ولو أنفقت درهما واحداً في حرام لكنت مسرفاً ، وبالأصح كنت مبذرا .
لذلك الإسلام دين الفطرة ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( أشدكم لله خشية أنا ـ سيد الخلق ـ أنام وأقوم ، أصوم وأفطر ، أتزوج النساء آكل اللحم ، هذه سنتي ، فمن رغب عنها فليس من أمتي ))
[ البخاري عن عائشة ]
إسلامنا وسطي ، إسلامنا دين الفطرة
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
ولا تسرفوا في أي شيء .
3 – الغرق في المباحات وقوعٌ في حبائل الشيطان :
إخواننا الكرام ، لابد من تعليق : إذا غرق الإنسان في المباحات فقد وقع في حبائل الشيطان ، كيف ؟
الشيطان دائماً يزين للإنسان والعياذ بالله الكفر ، فإن رآه على إيمان زين له الشرك ، فإن رآه على توحيد زين له الكبائر ، إن رآه على طاعة زين له الصغائر ، إن رآه على ورع زين له البدع ، إن رآه على سنة زين له التحريش بين المؤمنين ، هذا الشيخ لا يفهم ، اتركه ، فإن رآه على استقامة آخر ورقة بيد الشيطان ليصرف الإنسان عن عبادة الرحمن المباحات ، يغرقه في المباحات ، ثم يأتي الموت فجأة ، عندئذٍ يضطر أن يقول :
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾
( سورة الفجر )
تصور بيتًا تسكنه مستأجراً ، ونظام الإيجار في بلد ما أن المستأجر يطرد في أية ثانية ، من دون إنذار ، ولا يسمح له بأخذ شيء من هذا البيت ، اشترى الثريات ، السجاد ، يخرج بثيابه ، الساعة الثالثة والنصف بالليل ، لو كان في بلد هكذا نظام الإيجار فيه ، هل من العقل أن يفرش هذا البيت ، الثريات ، السجاد ، الأثاث ، أجهزة الكهرباء ، وبأي لحظة يكون خارج البيت ؟ ولا يسمح له بأخذ شيء ؟ هذا مجنون ، وعنده بيت على الهيكل ، لكنه بعيد ، دخلك كبير ؟ اكسُ هذا البيت ، رمم هذا البيت ، افرش هذا البيت ، اطلِ هذا البيت ، فلذلك الذي يضع كل البيض كله في سلة واحدة مغامر ومقامر .
إذاً : إحدى أوراق الشيطان أن نغرق في المباحات .
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
المسرف ضيع عليه الآخرة ، إن أسرف في المباحات انشغل بها عن الطاعات ، وإذا فعل المحرمات حجبته عن قيوم الأرض والسماوات .
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
الأصل في الأشياء الإباحة : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
( سورة الأعراف )
1 – الأصل في الأشياء الإباحة :
هذه الفواكه كم ثمنها ؟ الله خلقها لك ، لمَ لا تشتريها ؟ تملك ثمنها ، وأولادك تواقون إليها ، لمَ لا تشتريها ؟ أخي عندهم أكل ، الأكل قوت ، أما هذه فهي فاكهة ، وقد قال الله عنها :
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾
( سورة الواقعة )
﴿ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾
( سورة يس )
الشيء الجميل خلقه الله جميلا ، وسمح بالتعامل معه ، إذاً : لا تقل : أنا لا أتزوج ، من أنت ؟ الزواج سنة ، الأنبياء تزوجوا ، وهو شيء لا يعيق هدفك الأخروي .
أيها الإخوة ، مرة ثانية :
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ ﴾
2 – البطولة في العمل الصالح لا في الامتناع عن المباح :
البطولة لا أن تمتنع عن المباحات بل أن تعمل الصالحات ، وهناك فرق كبير بين أن تمتنع عن المباحات فتشعر بالحرمان الدائم ، وبين أن تفعل الصالحات فتتألق عند الله عز وجل ، هذا المفهوم الإيجابي للإيمان ، الزهد أن تزهد في الآخرة ، الزهد المحرم أن تزهد في الآخرة ، أما الذي يسعى للآخرة فهذا طموح .
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
لهم ولغيرهم .
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آَمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ ﴾
( سورة البقرة الآية : 126 )
3 – نِعم الدنيا المادية لجميع الناس ، ونعم الآخرة للمؤمنين خاصة :
هناك كفار تتفننوا في الطعام والشراب ، عندهم بيوت فخمة جداً ، مركبات فخمة جداً ، يتزوجون نساء جميلات جداً ، عندهم أذواق في النزهات ، وفي السهرات ، وفي الحفلات .
لذلك الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل ، الآخرة وعد صادق ، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
لهم وحدهم يوم القيامة ، أما في الدنيا لهم ولغيرهم .
لذلك الله أعطى فرعون الملك وهو لا يحبه وبالتالي أعطى سليمان الملك وهو يحبه .
﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾
( سورة ص الآية : 35 )
ما دام الله قد أعطى المُلْكَ لمن يحب ، ولمن لا يحب ، إذاً ليس المُلْكُ مقياساً ، أعطى المال لقارون وهو لا يحبه ، أعطاه لعبد الرحمن بن عوف ، وهو يحبه ، إذاً : المال ليس مقياساً ، لا يعد الفقير أقلَّ قيمة عند الله ، ولا الغني أكبر قيمة ، سيدنا عبد الرحمن بن عوف قال : ماذا أفعل إذا كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء ، ماذا أفعل ؟ كان تاجرً قال : والله ما استقليت رحباً ، ولا بعت ديناً ، تعلموا هذا الدرس ، ولا بعت ديناً ،
﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
الآن الطلاب في أثناء العام الدراسي كلهم دارسون ، الامتحان لم يأتِ بعد ، كلهم مثل بعضهم ، يتمتعون بكل الميزات ، أما عند الامتحان فيكرم المرء أو يهان .
4 – الطيبات من الرزق معها طاعة لله ، وسعادة بالعيش :
هناك رأي آخر ، الآية دقيقة ، يعني هذه الطيبات من الرزق معها طاعة لله ، معها إقبال على الله ، معها سرور إيماني ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( من أصبح منكم آمنا في سربه ))
[ رواه البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ]
هذا أمن الإيمان ، أنت مستقيم على أمر الله ، وعندك شعور أن الله يحبك ، وأنك لم تعصه ، وأنك تحب عباده المؤمنين ، وأنك في خدمتهم ، ولم تبنِ مجدك على أنقاض الآخرين ، ولا بنيت أمنك على إخافتهم ، ولا غناك على فقرهم ، ولا حياتك على موتهم ، ولا عزك على ذلهم ، عندك إحساس أن الله يحبك ، هذا الإحساس مريح جداً ، هذا إذا ضم إلى ما سمح الله لك من طعام وشراب ، وصحة وزواج ، يكون هذه الحالة نادرة مخالفة للمؤمنين ، مؤمن جمع بين الراحة النفسية والنعم التي أنعم الله بها عليك .
﴿ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
في الدنيا يمتاز على أهل الدنيا الذين انغمسوا في هذه المتع أنهم موصولون بالله عز وجل ، فصلة المؤمن سعادة من الداخل ، ومتعة من الخارج .
﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=1760&id=97&sid=101&ssid=253&sssid=254