نعيش مع أصحاب الفضيلة الدكتور راغب السرجاني والدكتور صلاح سلطان في خلق جليل من أخلاق العلماء، وهو الصبر على طلب العلم، إذ لا علم بلا جهد ولا تعب ولا معاناة، وقد عرفت الحضارة الإسلامية قديما ما يعرف بالرحلة في طلب العلم، مع عرض نماذج رائعة من صبر الصحابة والتابعين والسلف الصالح على طلب العلم
د. صلاح :بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد اﻷولين و اﻵخرين على سيدنا محمد اللهم صلّي و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين ثم أمّا بعد :
أخواني و أخواتي في كل مكان في أرض الله عزّ ز جلّ أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل هذه اﻷوقت في أثقل الموازين يوم أن نلقاه بإذنه تعالى ، مع برنامجكم صناعة العلماء نعيش معاً في هذه اﻷوقات الطيبة مع أخينا الحبيب الدكتور راغب السرجاني حيث نعيد معاً بإذن الله عزّ و جل صياغة رؤيا لصناعة العلماء هؤلاء العلماء سواء كانوا من العلماء الشرعيين أو من العلماء المتخصصين في علوم الحياة هؤلاء يمكن ان يكون ابنك أو ابني أبناؤنا و بناتنا من بيوتنا من عائلاتنا و لذلك متابعة هذا البرنامج أرجو بإذن الله تبارك و تعالى أن تحدث تغييراً .
نحن لم نقصد أبداً من هذا البرنامج أن نعطي معلومات للناس و أن تسمعوا و أنتم جالسون نحن نريد وراء كل حلقة ان يكون هناك حركة للتغيير و لﻹصلاح صحيح أنه توجد اﻵلام كما نذكر دائماً لكن هناك آمالٌ كبيرة جداً و نحن نضع أمامكم خطط أعمال و رؤى كيف نتصرف في كل جانب من هذه الجوانب حتى نستطيع أن نخرّج العلماء الربانيين بإذن الله تعالى .
نحن تناولنا في حلقاتنا اﻷخيرة أخلاق العلماء و تحدثنا عن اﻹخلاص ثم تحدثنا عن خلق اﻷمانة و اليوم بإذن الله تبارك و تعالى نتحدث عن خلق الصبر على طلب العلم و المصابرة في طلب العلم الحقيقة كنت أتحدث للدكتور راغب -مع شقيقي- و أقول أن الصبر لدى شباب اليوم قليل جداً يريد أن يطلع البناء بسرعة المصعد و ليس بالسلم درجة درجة . . . و لم يقتنع بذلك الجيل الصاعد . . . فقال الدكتور راغب على ما يبدو أنك تحتاج لتغيير رأيك قلت كيف قال لي الشباب يريد سطح البناء أن ينزل لهم . . . المسألة هذه عكس قانون الحياة سواء للمسلم و لغير المسلم فما هي النظرية الضابطة و الحاكمة لهذه القضية .
د. راغب : بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ، أعتبر هذه الحلقة مع حلقة اﻹخلاص من أهم حلقات البرنامج فاﻹخلاص بدونه يضيع العالم بدونه :
(( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))
( الزّمر / 65 )
فهذا اﻹخلاص لا بد أن يصحبه العمل و هذا العمل لا بدّ أن يكون عملاً صالحاً و فيه جهد و صبر و فيه التعب و البذل ، ليصدق اﻹختبار و النتيجة أنك فعلاً أديت ما عليك و ابتليت و صبرت وامتحنت و نجحت في هذا اﻹمتحان ، انا أنقل كلمة نقلها على غير العادة اﻹمام مسلم في صحيحه ﻷن صحيح مسلم كله احاديث فعلى غير العادة و وقف العلاماء امام اﻹمام مسلم لماذا نقل هذا في كلامه و هو من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم ، كلمة يحيى بن أبي كثير و هو من التابعين قال يحيى بن أبي كثير :
(( لا يستطاع العلم براحة الجسم ))
و أكمل بعد ذلك بحديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم . . .
لعلها من الكلمات القليلة جداً في صحيح مسلم -و ليس الشرح – التي نقلت عن غير رسول الله صلّى الله عليه و سلم و نسبها إليه هذا الرجل العظيم يحيى بن أبي كثير من كبار التابعين و من المحدثين الثقات .
هذه الكلمة رائعة (( لا يستطاع العلم براحة الجسم )) هذه قاعدة فالرجل يقول لا يستطاع أي لا تحاول فإن حاولت أن تأخذ اﻷمور بالساهل حتى لو اخترعوا كمبيوتراً أو أقراصاً فيها المعلومات كاملة لا بدّ من الجهد و لا بد من الصّبر و التعب و السّهر و المعاناة و السفر و . . . و أمور كثيرة جداً في حياة العلماء السابقين الّذين برزوا و نبغوا و سبقوا كان هناك ما يسمى الرحلة و هو أمر طبيعي جداً في حياة العالم ليقوم برحلة بحثاً عن العلم .
- جابر بن عبد الله يقطع شهراً ذهاباً و آخر إياباً ﻷجل حديثٍ واحد :
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قطع من المدين المنورة شهراً ذهاباً إلى الشام و شهراً عودة من الشام ليسمع حديثاً واحداً لعبد الله بن أنيس لم يكن هذا الحديث قد وصل إلى جابر بن عبد الله فأراد ان يعلّي السند كما يقول علماء الحديث ليسمع مباشرة منه قطع شهراً سمع الحديث و عاد مرة أخرى إلى المدينة المنورة و غيره أبو أيوب اﻷنصاري
د. صلاح : اﻹمام البخاري في كتاب العلم . . .
- أبو أيوب اﻷنصاري يقطع شهراً من المدينة المنورة إلى مصر ﻷجل حديثٍ واحد :
د. راغب : أبو أيوب اﻷنصاري يقطع شهراً كامﻻً أو أكثر من شهر من المدينة المنورة إلى مصر إلى الفسطاط ليقابل هناك أحد الصحابة يسمع منه حديثاً ثمّ يعود مرة ثانية حتى الصحابي بعد أن يسمع منه الحديث يقول انا عائد إلى المدينة المنورة ، فقالوا ألا تبقى قليﻻً في مصر فالطريق طويل جداً فلم يبقى أبداً . . . سبحان الله هو أتى فقط لقضية العلم فالحقيقة أنّ هذه القضيّة لما نقف على اﻷمثلة الكثيرة لا يمكن أبداً أن تجد قصة عالم حقيقي بدون هذه المعاناة فهو أمر طبيعي جداً سواء من العلماء القدامى أو المعاصرين المسلمين أو غير المسلمين في كل التنوعات فإن كان عالماً بحق فلا بد من المعاناة في حياته لا ينام جيداً لا يستريح جيداً لا يأكل جيداً كل حياته موكلة إلى هذه القضية الضخمة التي حملها قضية العلم .
- سيدنا عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما بين الطفولة و العلم :
عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما -حبر اﻷمة-و إمام من أئمة العلماء الكبار له قصّة لطيفة للغاية و هي للشباب كما ذكرت لنا في بداية الحلقة و نحن نهيب بالشباب أن يسمعوا هذه القصة و يتناقلوها : عبد الله بن عباس كان مع طفل صديق له الاثنين كانوا أطفاﻻً عندما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم عندها عبد الله بن عباس لم يكن عندها تجاوز 14 سنة فكان يلعب مع طفل من اﻷنصار :
فقال له : مات رسول الله عليه الصلاة و السلام و يوشك هؤلاء اﻷشياخ من الصحابة أن يموتوا أي : نحن نريد أن نذهب و نتعلم العلم على أيديهم
فقال الشاب اﻷنصاري : ويحك يا ابن عباس أتظن أن الناس يحتاجونك مع وجود هؤلاء اﻷشياخ الصحابة . . .
يقول : فتركته و تركني و ذهبت للعلم ، فكنت أعرف أن الرجل عنده الحديث فآتيه و أجلس على بابه - و أحياناً يغلبه النوم على بابه - فتسفي علي الريح ما تسفي من التراب و أن صابر أنتظر إلى أن يخرج ليخبرني الحديث فيجدني نائماً على اﻷرض فيقول يا ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه و سلم مالذي أتى بك فيقول أتيت أطلب منك و أسألك عن الحديث فيقول لو طلبتني ﻷتيت إليك فقال أنت من معك العلم و أنت أحق بأن تؤتى .
رواية أخرى كذلك حصلت بين معاذ بن جبل و أبي بن كعب و كذلك عمر بن الخطاب ، يقول أنني كنت أجلس على بابه حتى أذهب معه إلى المسجد حتى لا أملّه – فآخذ المعلومة في طريقه للمسجد – و أخذ يتعلم فيقول عبد الله بن عباس عندما فتحت المدائن – مدائن فارس في العراق – و كثرت اﻷموال عندما فتحت المدائن أقبل الناس على الدنيا و أقبلت على عمر بن . . .
د. صلاح : عبد الله بن مسعود يقول لي وحدي سبعين سورة أخذتها من فم النبي صلى الله عليه و سلم لم يشاركني فيها أحد فهو صبر صبراً جميﻻً شديداً حتى تعلم .
و يقول أبو هريرة تبعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على ملئ بطني و إن أصحاب النبي صلّى الله عليه و سلم شغلهم السبق باﻷسواق -حديث في البخاري- و تبعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على ملئ بطني ، أنا أردت أن أملئ بطني و لا رغبة لي في الدنيا او في أي عرَض منها و إنما أنا فقط أريد أن أستمع إلى حديث النبي صلى الله عليه و سلم ، و النبي صلى الله عليه و سلم يدعو ليجمع عليه ثوبه فيحفظ و لاينسى فكنت أول من جمع ثوبه إلى صدري فحفظت و نسي كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أبو هريرة أكبر راوي في علوم السنن أكبر راوي لﻷحاديث
رواية في مسند اﻹمام أحمد بن حنبل أنه هو يقول :
أن أبا هريرة كان يقول : آلله الذي لا إله إلا هو ، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ،
فمر أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ،
ثم مر بي عمر ، فسألته عن آية من كتاب الله ، ما سألته إلا ليشبعني ، فمر ولم يفعل ،
ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ، فتبسم حين رآني ، وعرف ما في نفسي وما في وجهي ، ثم قال : ( يا أبا هر ) .
قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : ( الحق ) . ومضى فاتبعته ،
فدخل ، فاستأذنت ، فأذن لي ، فدخل ، فوجد لبنا في قدح ،
فقال : ( من أين هذا اللبن ) . قالوا : أهداه لك فلان أو فلانة ،
قال : ( أبا هر ) .
قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : ( الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي ) .
قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني ذلك ، فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة ، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ،
فإذا جاء أمرني ، فكنت أنا أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ،
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد ،
فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا ، فاستأذنوا فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت ،
قال : ( يا أبا هر ) .
قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : ( خذ فأعطهم ) .
قال : فأخذت القدح ، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ،
فأخذ القدح فوضعه على يده ، فنظر إلي فتبسم ،
فقال : ( أبا هر ) .
قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : ( بقيت أنا وأنت ) .
قلت : صدقت يا رسول الله ،
قال : ( اقعد فاشرب )
. فقعدت فشربت ،
فقال : ( اشرب ) .
فشربت ،
فما زال يقول : ( اشرب ) . حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مسلكا ،
قال : ( فأرني ) . فأعطيته القدح ، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6452
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
و لا واحدة من زوجات رسول الله صلى الله عليه و سلم في مخزن بيتها خردلة أو لقمة من خبز و لا شيء- أقول هذا الكلام ﻷن الكثير من طلاب العلم بدل أن يأكل طبقين في اليوم يأكل خمس وجبات و المائدة عليها نوعين من الطعام أو عشر أصناف و ملئ بطنه و البطنة تذهب الفطنة و يعمل ليﻻً نهاراً ليملئ بطنه
د. راغب : للاسف اشتهر حتى في وسائل اﻹعلام أن يوضع أمامه اﻷكل و هو يقرأ في الحفلة أو المأتم صفة أصبحت لازمة بشكل مقزز و رديء .
د.صلاح : فسيدنا أبو هريرة قال :
قال : ( الحق ) . ومضى فاتبعته ،
فدخل ، فاستأذنت ، فأذن لي ، فدخل ، فوجد لبنا في قدح ،
فقال : ( من أين هذا اللبن ) . قالوا : أهداه لك فلان أو فلانة ،
قال : ( أبا هر ) .
قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : ( الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي ) .
قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني ذلك ، فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة ، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ،
فإذا جاء أمرني ، فكنت أنا أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ،
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد ،
فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا ، فاستأذنوا فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت ،
قال : ( يا أبا هر ) .
قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : ( خذ فأعطهم ) .
قال : فأخذت القدح ، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح ، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم ،
فأخذ القدح فوضعه على يده ، فنظر إلي فتبسم ،
فقال : ( أبا هر ) .
قلت : لبيك يا رسول الله ،
قال : ( بقيت أنا وأنت ) .
قلت : صدقت يا رسول الله ،
قال : ( اقعد فاشرب )
. فقعدت فشربت ،
فقال : ( اشرب ) .
فشربت ،
فما زال يقول : ( اشرب ) . حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مسلكا ،
قال : ( فأرني ) . فأعطيته القدح ، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6452
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
سبحان الله هذا أبو هريرة ﻷنه وضع في ذهنه قضية التعلم فعلاً .
سيدنا عمر بن الخطاب صبر من أجل العلم على أمر ليس بالقليل أنه عمل اتفاقية مع رجل من بني أمية كل واحد يعمل نصف الوقت من الشهر خصوصاً أنهم كانوا يسكنون في عوالي المدينة فأحدهم ينزل يلزم رسول الله منذ أن يخرج إلى أن يرجع يستمع إلى ما ينزل من آيات و ما يقوله من حديث ثم يلتقيان مساء فيخبران بعضهما بما سمعاه ، حرص ، هم أناس حريصون على العلم و بالفعل أصبحوا من خيار العلماء اﻷفذاذ .
- لن تتعلم حتى تتألم :
أحد العلماء الّذين أخذوا جائزة نوبل سألوه ما تقول لطلاب العلم لن تتعلم حتى تتألم .
أريد فعلاً ان تكون داخل كل منا و أن نتعود أن تكون كلمة تستنهض اﻹنسان الّذي يكسل و يخمل يقول لا ليس لهذا خلقت لا للفراش و لا الطعام و لا الراحة و لا الدعة و لا الكسل طالب العلم يؤرقه طلب العلم
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من وصل غانية و طول عناق
فسهري لطلب العلم أحب لي مما طلعت عليه الشمس ﻷنه فععﻻً يحب أن يكون عالماً .
أذكر و الله هذا البيت الّذي كنت أكتبه على بعض الكتب التي كانت صعبة فكنت لما اجد كتاباً يطلب منا يجب أن أقرأه كله . . . و أحياناً في الامتحانات كنت أقرأ فيما ليس مقرراً عمري لم أنظر إلى ما قرره اﻷستاذ من الكتاب أو لم يقرره فكتاب صعب ككتاب اﻷدب المقارن كان كتاباً صعباً بالنسبة لي كنت أكتب هذا البيت في أول صفحته اﻷولى
ﻷستسلهن الصعب او ادرك المنى
فما انقادت الامال اﻻ لصابر
لولا المشقة ساد الناس كلّهم
الجود يفقر و اﻹقدام قتّال
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
أبنائنا و بناتنا فعلاً الحياة التي نعيشها اﻵن تدعو للاسترخاء لكن ندعو فعلاً النبغاء أن يستدعي أقصى ما يستطيعه و سيكون بمقدوره أن يسهر أحياناً تنوي أن لا تنام حتى أقرأ الكتاب كله لما يأتي النوم أغسل رأسي بالماء . . . إنما أنا نويت إذاً انتهى الموضوع .
و لي قصة مع العز بن عبد السلام قصة عجيبة :
حقيقة كنت في الهند و أول مرة أبحث عن كتابه و صالح اﻷقوال و اﻷعمال من أروع كتب العز بن عبد السلام الحقيقة على الرغم من اشتهار قواعد اﻷحكام إنما أرى هذا الكتاب لا مثيل له فكنت من مؤتمر علماء الهند المجلس الفقهي لعلماء الهند
و بعد ذلك وجدت ذلك الكتاب في يد نائب رئيس علماء الهند وجدت في يده الكتاب فلاحظت الكتاب و نظرت إليه
فقلت ممكن أن تسمح لي بالكتاب
فأعطاني إياه فقلبت الكتاب بسرعة أثناء حوار أحد اﻷساتذة و قلت له أأستطيع أن أشتري الكتاب من هنا
فقال لا أعرف
فقلت حسناً هذا مبلغ و انظر أياً من الشبابا هنا ليشتري لي هذا الكتاب ذهب بحث فلم يجده
فقلت فلنصور الكتاب لاني أنا بحثت و لم أجد الكتاب
فصور الكتاب و أتى .
الحقيقة أنهيت المؤتمر و كان الضغط غير عادي في المحاضرات لا نوم استشارات طلاب العلم للعلماء بشكل خاص الشباب الهنود نحبهم حقيقة النتيجة أنني صعدت للطائرة و أقسمت بالله ثلاثاً لا أنام حتى أقرأ الكتاب كله من أوله إلى آخره و انا مجهد جداً و أحتاج فعلاً إلى ساعة نوم
كنت ذاهباً من نيودلهي إلى فيينا و من فيينا ترانزيت إلى براغ في تشيكلوزوفاكيا فقلت لن أنام حتى أقرأ الكتاب
فصعدت إلى الطائرة و النوم أتى إلي أذهب للحمام و أضع الماء على وجهي . . . و لم أترك الكتاب حتى قرأته بالكامل 4 ساعات ترانزيت في فينا و أنا أقرأ الكتاب
ساعتان في براغ ترانزيت و أنا اقرأ الكتاب
عند هبوط الطائرة كنت أنهيت الكتاب في آخر نفس
نزلت و قابلت اﻷخوة و قلت لهم أوصلوني للفندق ﻷنام ساعتين على اﻷقل فلم أنم منذ 40 ساعة قالوا : ﻻ فاثنين من الدعاة في المؤتمر لم يأخذوا التأشيرة و أنت ربنا كرمك و أخذت التّأشيرة
قالوا لم يبقى لنا إلا أنت في المؤتمر
فوافقت .
تعرف يا دكتور مذاق هذا المؤتمر في حلقي و قلبي إلى اﻵن ﻷن الكتاب مغذي جداً في باب اﻹيمان و اﻹحسان و العرفان بالرّحمن شيء فوق العادة .
د. راغب : نعرف المشاهدين مرة أخرى باسم الكتاب
د. صلاح : (( شجرة المعارف و اﻷحوال و صالح اﻷقوال و اﻷعمال )) للعز بن عبد السلام و التعقيب لﻷستاذ الطباع و الكتاب اﻵن صار موجوداً لما أحب بعض اﻷخوة آخذ له هدية هذا الكتاب . . .
د. راغب : ضربنا بعض اﻷمثلة من حياة الصحابة رضي الله عنهم
لكن بعض الناس تستصعب هذه اﻷمثلة تقول أنهم جيل الصحابة و كانوا يعيشون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و المعسكر اﻹيماني الّذي يعيشون فيه يدفعهم إلى هذا اﻷمر لكن أرى أننا حتى لو تجولنا في مراحل التاريخ المختلفة لو رأينا مثﻻً قضية النووي رحمه الله اﻹنتاج الغزير الّذي قلنا في حلقة سابقة أن ربنا سبحانه و تعالى كتب له القبول و هذا دلالة على إخلاص الرجل و حسن توجهه لله سبحانه و تعالى .
- النووي لم يمس كتفه اﻷرض و الحصير عامين كاملين أثناء طلبه للعلم :
يقول النووي أنه لم يمس كتفه اﻷرض و الحصير عامين كاملين أثناء طلبه للعلم لم ينم بالمرة عندما يذاكر يدرس حتى يغلبه النعاس فيتكئ على كتبه و هو جالس حتى لا يأخذه نومٌ طويل فيبقى جالساً فينتبه بعد قليل فيصحى و يتابع المذاكرة لا ينام إلا أن يغلبه النوم
د. صلاح : اشتهر عن هؤﻻء العلماء : يقول و الله ما أنام إلا غلبة يعني لا ينام في ساعة محددة 11 أو 1 ليﻻً فمن أين يأتي النوم .
د. راغب : الشافعي كان طول الليل يبحث في المسائل العلمية .
- البخاري يستيقظ في الليلة 30 مرة بثﻻثين فكرة :
البخاري كان غلامه يبيت معه يقول كان ينام و يستسقظ في الليلة الواحدة 30 مرّة يصحى تأتيه فكرة معينة يكتب الفكرة لكن قبل ذلك يشعل الشمعة ثم يكتب اﻷمور كانت صعبة للغاية تأتي المعلومة يكتبها ثم يطفئ الشمعة ثم ينام يقوم ثانية فيكتب المعلومةو هكذا يقول يستيقظ ثلاثين مرة في الليلة الواحدة ليكتب معلومات و يصحى اليوم التالي ليعمل نشيطاً .
النووي رحمه الله لم يكن متفرغ للكتابة كما قد يظنّ البعض اذ أنّ هذا الكم الضخم من العلم كان يدرّس في مدرسة الحديث في دمشق 11 درس يوميّاً
أتتخيل أنه عندما يحضر أحدنا محاضرة أو في مؤتمر يكون مرهقاً و متعباً و يجهّز اﻷوراق و يحضر و يرتب المعلومات
تصور 11 درس و دروس في الفقه و في أصول الفقه اللغة و الحديث و دروس في الرّجال و في علماء الجرح و التعديل و أمور صعبة و مواد فقه مقارن و . . . و . . . من أول الصباح إلى آخر المساء يدرس 11 درس من درس إلى درس إلى أن ينهي الدروس يعود إلى بيته يبدأ بالتأليف و يكتب في البحوث
د. صلاح : فلننظر من اﻹمام النووي الامتداد العلمي في عصرنا الحاضر :
الشيخ محمد نجيب المطيعي رأته عيناي في مسجد أبو بكر الصديق في جدة كنت أذهب إليه أسبوعباً أستمع إليه و أتعلم منه يذكر حديثاً من اﻷحاديث
فأحد الشباب قال له أنت تحدث أحاديث ضعيفة و ليست صحيحة . . .
قال : أنت كم تقرأ في اليوم من الساعات
قال : أقرأ ساعتين في اليوم
قال : أبشرك إن شاء الله يمكن بعد 20 سنة تصبح عالماً إذا بقيت على هذه الوتيرة بعد 20 سنة قد تصير عالماً قال له يا بني أنا 65 سنة و أصبت بالسكر و الضغط و القلب . . . بالكاد أحصّل 12 ساعة قراء فقط !!! هذا فضﻻً عن أوقات الدروس و طلاب العلم لديه
لما كنت في سنّك كانت القراء من 16 إلى 18 ساعة . . . اليوم الطبيعي 18 ساعة قراءة .
الشيخ محمد نجيب المطيعي لما ذهب يكمل المجموعة النووي ﻷن النووي رجلٌ مبارك فعلاً المجموعة مات و لم يكملها و ظلّت هذه الحقب الطويلة لا أحد يجروء أن يكمل المجموع لمقام النووي و سعة علمه لكنّ الشّيخ بفضل الله و هو من الرّواة لمدرسة الشافعيّة أخذها روايةً و ليس فقط قراءةً في الكتب و لديه إجازات في علوم الحديث و الفقه فأكمل المجموعة . و أنت تقرأ لا تشعر أبداً أنك انتقلت بين النووي و بين محمد نجيب المطيعي .
لو صفحة الغلاف غير موجودة لا تعرف هل النووي هو من كتب الجزء أم محمد نجيب المطيعي لا تستطيع التمييز هو استظهر و استشرف و عاش و تشرّب و تشبّع و تضلّع بمنهج اﻹمام النّووي لكنّ الحقيقة أنه أنتج لنا تكملة المجموع في صورة رائدة و رائعة جدّاً .
هذه صورٌ حقيقيّة من صبر العلماء فعلاً كما بدأ أخي الدكتور راغب السرجاني هذه فعلاً من أهم الحلقات في هذه سلسلة الطيبة صناعة العلامء بغير صبر يضيع كلّ شيء .
اﻵمال العراض تضيع مع النفوس الهزيلة
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
و تأتي على قدر الكرام المكارم
فإذا نوى اﻹنسان أن يكون عالماً فليصبر في الليل و النّهار و ليقرأ و ليطالع و ليكتب :
ﻷستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت اﻵمال إلا لصابر
جزاكم الله خيراً و شكر الله لكم و تقبل الله منا و منكم
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
* * *