بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الفوز :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم ( قانون الفوز )
التطابق بين مقاييس الفوز عند الإنسان وعند الله سبب سلامته وسعادته :
الإنسان كما نعلم جميعاً جُبل على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده وعلى حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، فما منا واحد من سكان الأرض الذين يزيدون عن ستة آلاف مليون ، إلا ويتمنى أن يكون الأول ، يتمنى التفوق ، يتمنى الفوز ، ولكن البطولة أن تأتي مقاييس الفوز عندك أيها الإنسان مطابقة لمقاييس الفوز عند خالق الإنسان ، هذا التطابق بين مقاييس الفوز عندك وعند الله سبب سلامتك وسعادتك ، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
( سورة الكهف )
قال بعضهم : ومن الناس يدري ، ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه ، ومنهم من يدري ولا يدري أنه يدري فهذا غافل فنبهوه ، ومنهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه ، لكن الخطر ومنهم من لا يدري ، ولا يدري أنه لا يدري ، فهذا شيطان فاحذروه ، هذا نصف العالم لا هو عالم فيفيد في علمه ، ولا هو جاهل فيتعلم .
الإمام علي رضي الله عنه قال : قوام الدين والدنيا أربعة رجال ، عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ، وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فإذا ضيّع العالم علمه ، استنكف الجاهل أن يتعلم ، وإذا بخل الغني بماله ، باع الفقير آخرته بدنيا غيره .
أكبر مقاييس الفوز في القرآن الكريم :
1 ـ العلم :
الإنسان عبد لله عز وجل ، هو خالقه ، هو مربيه ، هو الذي يسيّر شؤونه ، هو الخبير بما يصلحه ، وما لا يصلحه ، هو الخبير بأسباب سلامته ، هو الخبير بأسباب سعادته ، لذلك البطولة أن تأتي مقاييس الفوز عندك أيها الإنسان مطابقة لمقاييس الواحد الديان ، القرآن الكريم اعتمد في القرآن الكريم كأحد أكبر مقاييس الفوز العلم ، فقال :
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
( سورة الزمر الآية : 9 )
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
( سورة المجادلة الآية : 11 )
2 ـ العمل الصالح :
واعتمد القرآن الكريم مقياساً آخر مرجحاً بين بني البشر ؛ إنه مقياس العمل الصالح ، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
( سورة الأنعام الآية : 132 )
الحكمة والعلم أعظم عطاء إلهي للإنسان :
ولكن أيها الأخوة ، أسوق هذا المثل للتوضيح :
حينما يقول طفل صغير معي مبلغ عظيم ، طبعاً والده معلم ، ودخله محدود ، والطفل عقب أيام العيد يكون جمع مبلغاً بسيطاً ، فنحن إذا قال هذا الطفل معي مبلغ عظيم نقدره بمئتي ليرة ، أما إذا قال مسؤول كبير بالبنتاغون : أعددنا لحرب هذا البلد مبلغاً عظيماً نقدره بمئتي مليار دولار ، الكلمة نفسها قالها طفل صغير ، فقدرناها بمئتي ليرة وقالها مسؤول كبير فقدرناها بمئتي مليار .
الآن دققوا فإذا قالها ملك الملوك ، إذا قال خالق السماوات والأرض ، إذا قال من بيده كل شيء ، إذا قال :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء )
الله عز وجل أعطى الملك لمن يحب ، ولمن لا يحب ، أعطاه لفرعون وهو لا يحبه ، وأعطاه لسيدنا سليمان وهو يحبه ، أعطى المال لمن يحب ولمن لا يحب ، أعطاه لقارون وهو لا يحبه ، أعطاه لسيدنا عثمان بن عفان وهو يحبه ، إذاً الملك والمال ليس مقياسين ، ولكن الذي يحبه ماذا أعطاه ؟ قال :
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
( سورة القصص الآية : 14 )
لذلك الحكمة والعلم أعظم عطاء إلهي ، لذلك العلم كما قال الله عز وجل
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
هو مقياس كبير جداً للفوز .
أحد أكبر أسباب الفوز أن يزحزح الإنسان عن النار و يدخل جنة النعيم :
أيها الأخوة الكرام ، هناك آيات كثيرة تتحدث عن الفوز ، اخترت لكم بعضها الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
( سورة النساء )
فوز عظيم أن تطيع خالق السماوات والأرض ، طاعة خالق السماوات والأرض يعني أنك على منهجه ، وأنك في طريق سلامتك وسعادتك في الدنيا والآخرة .
آية ثانية ، يقول الله عز وجل :
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 185 )
البطولة الأولى أن تنجو من عذاب أبدي ، البطولة أن تصل إلى جنة ربك
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾
﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
( سورة آل عمران )
لذلك لسيدنا علي رضي الله عنه له كلمات رائعة يخاطب ابنه ، يقول يا بني : ما خير بعده النار بخير ، وما شر بعده الجنة بشر ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية .
إذاً طاعة رسول الله ، وطاعة الله أحد أكبر أسباب الفوز ، وأن يزحزح الإنسان عن النار أحد أكبر أسباب الفوز .
من آمن بالله و لم يتزعزع عن إيمانه فله جنات النعيم :
أيها الأخوة ، الآن لو أن الإنسان لحكمة بالغةٍ بالغة كان قدره أن يُقتل شهيداً هذا فوز عظيم ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾
( سورة البروج )
هؤلاء أصحاب الأخدود ، الذي أُحرقوا ، من أجل أنهم آمنوا بالله ، ولم يتزعزعوا ، قال هؤلاء :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
( سورة البروج الآية : 11 )
أي هؤلاء المؤمنين :
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
( سورة البروج الآية : 11 )
على الإنسان أن يصل إلى الدار الآخرة مؤمناً مطيعاً وسالماً :
تروي كتب الصحاح أن ماشطة ابنة فرعون ، في أثناء تمشيط شعر ابنة فرعون وقع المشط من يديها ، فقالت : بسم الله ، قالت لها ابنة فرعون : ألك رب غير أبي ؟ قالت : الله ربك ورب أبيك وربي ، قالت : سأخبر أبي ، قالت : أخبريه ، فلما أخبرته استدعاها مع أولادها الخمسة ، وجاء بقدر فيه زيت مغلي ، وأمسك ولدها الأول وقال لها : ألك رب غيري ؟ قالت : الله ربي وربك ، فألقى ولدها في الزيت المغلي ، والقصة مؤثرة جداً ، فبقيت ثابتة على مبدئها ، ألقى الثاني ، بقيت ثابتة على مبدئها ، ألقى الثالث بقيت ثابتة على مبدئها ، ألقى الرابع بقيت ثابتة ، فلما جاء دور الخامس ، كان طفلاً رضيعاً هي أم ، وقلب الأم من آيات الله الدالة على رحمته ، سكتت ، وتضعضعت ، لكن الله سبحانه وتعالى فيما ترويه هذه الرواية الصحيحة أنطق ابنها الصغير ، وقال : اثبتي يا أمي أنت على حق ، فقالت : الله ربي وربك ، وألقاه في القدر ثم ألقاها في القدر .
الشاهد ليس هنا ، الشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج شمّ رائحة ما شمّ مثلها قط ، فقال : يا جبريل ! ما هذه الرائحة ؟ قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون .
العبرة أن تصل إلى الدار الآخرة مؤمناً ، مطيعاً ، سالماً ، هذا هو الفوز العظيم .
رضا الله عز وجل عن الإنسان أكبر فوز له :
أيها الأخوة الكرام ، يقول الله عز وجل :
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
( سورة البينة الآية : 8 )
أن يرضى الله عنك هذا أكبر فوز .
لذلك مرةً كان أحدهم يطوف حول الكعبة ، ويقول : يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي ، قال : يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال : يا سبحان الله ! كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ؟ فقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله ، الرضا عن الله عز وجل أن ترضى عن قضائه وقدره ، والإيمان بالقضاء والقدر نظام التوحيد ، والإيمان بالقضاء والقدر يذهب الهم والحزن ، والإيمان بالقضاء والقدر يعني أن كل شيء وقع لحكمة بالغةٍ بالغة بالغةَ ولخير مطلق ، لأن الشر المطلق لا وجود له في الكون ، بل الشر المطلق يعني الشر من أجل الشر يتناقض مع وجود الله .
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 26 )
لم يقل والشر ، قال :
﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ ))
[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن علي بن أبي طالب ]
﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
( سورة آل عمران )
بطولة الإنسان أن يبحث عن قوانين الفوز في القرآن الكريم :
أيها الأخوة الأحباب ، ما منا واحد إلا ويتمنى أن يكون فائزاً ، لكن بطولة الإنسان أن يبحث عن قوانين الفوز في القرآن الكريم وما أكثرها ، مئات الآيات تتحدث عن الفوز ذكرت بعضها ، فالبطولة أن تأتي حركته في الحياة وفق القوانين التي جاءت في القرآن الكريم عن الفوز .
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
( سورة الأحزاب )
أيها الأخوة الأحباب ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين