الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قوانين النصر :
1ـ النصر من عند الله :
أعزائي المشاهدين ، أخوتي المؤمنين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم بل قوانين اليوم هي قوانين النصر ، التي تتوق إليه النفوس ، وحينما لا يكون تتألم هذه النفوس أشد الألم ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ (5)﴾
( سورة الروم )
ذكرت قوانين ولم أقل قانوناً واحداً ، لأن هناك في القرآن الكريم عدة قوانين تتعلق بالنصر ، أولى هذه القوانين الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 10 )
الذي يملك النصر وحده هو الله .
2 ـ نصر الله حاسم :
الحقيقة الثانية :
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 160 )
نصر حاسم ولا يستطيع أحد في الكون أن يعقب على الله شيئاً ،
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
3 ـ ثمن النصر :
الحقيقة الثالثة في مفهومات النصر أن النصر مع أنه من عند الله ، ومع أن نصر الله حاسم ، إلا أن لهذا النصر ثمناً لابدّ من دفعه :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد )
حقائق ثلاث ،
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
من شروط النصر :
1 ـ أن يكون طالب النصر مؤمناً بالله ليس إيماناً تقليدياً بل إيماناً يحمله على طاعة الله :
أيها الأخوة الكرام ، هل في القرآن الكريم آيات أخرى تتحدث عن النصر ؟
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
هذا كلام موجز ، أين التفاصيل ؟ الله عز وجل يقول في آية محكمة :
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الروم )
الشرط الأول أن يكون طالب النصر مؤمناً بالله ليس إيماناً تقليدياً لا يقدم ولا يؤخر ، بل ينبغي أن يكون مؤمناً بالله إيماناً من لوازمه أن يحمله على طاعة الله ، وأن يمتنع من خلال هذا الإيمان أن يؤذي مخلوقاً ، الشرط الأول وأنا أسميه شرطاً لازماً غير كاف ، أن تكون مؤمناً .
2 ـ إعداد العدة المتاحة :
الشرط الثاني أن تعد العدة لعدوك ، ولكنها المتاحة وليست المكافئة قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 60 )
فإذا آمنا بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته ، وإذا أعددنا العدة المتاحة ، ومن رحمة الله بنا ليست المكافئة ، ولو أنه كلفنا أن نعد المكافئة لكان هناك عنت كبير لا نستطيع تلافيه ، لذلك الله عز وجل طلب منا ما هو بأيدينا ، أن نؤمن الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله ، وأن نعد العدة المتاحة لنا ، وهذا يستنبط من قوله تعالى :
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 60 )
الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر و المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر :
أيها الأخوة الكرام ، أيها الأخوة الأحباب ، قال تعالى :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
( سورة إبراهيم )
يتحدث عن الطرف الآخر الذي يعادي المسلمين ، تصور هذا المكر الذي وصفه الإله العظيم بأن الجبال تزول منه ، لكن المفاجأة التي قد لا تصدق أن الأمر بيدنا ، وأن الكرة في ملعبنا ، وأننا إذا أردنا الانتصار فهذا شيء متاح لنا ، كل هذا الكيد العظيم ، كل هذا الكيد الخطير ، كل هذا الكيد المعجز ، يتلاشى حينما نصبر ، وحينما نطيع الله عز وجل ، لذلك يمكن أن نقول : إن المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر ، لكن الطاعة مع الصبر هي طريق إلى النصر .
يبتلى الرجل على قدر دينه :
أيها الأخوة الكرام ، هذا الذي يحصل من أن حرباً عالمية ثالثة معلنة على المسلمين ليس شيئاً جديداً ، قال تعالى :
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
( سورة الأحزاب )
قيل للشافعي : " يا إمام ، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال : لن تمكن قبل أن تبتلى " .
والابتلاء قدر المسلمين بل قدر المؤمنين لأنه بالابتلاء نرقى إلى رب العالمين.
(( أشد الناس بلاء الأنبياء ، وأنا أشدهم بلاء ، ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل ))
[أخرجه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص ]
يبتلى الرجل على قدر دينه ، وقد وصف بأنه ابتلاء عظيم ، ماذا كان موقف المؤمنين ؟ قال تعالى :
﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا(23)﴾
( سورة الأحزاب )
لكن بعضهم قال :
﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
( سورة الأحزاب )
وهذا شأن الإنسان المؤمن الواثق من نصر الله عز وجل ، بينما غير المؤمن ربما غلب عليه اليأس والتشاؤم .
أنواع النصر :
أيها الأخوة الأحباب ، ما دام الحديث عن قوانين النصر ، الحقيقة الصارخة أن هناك نصراً استحقاقياً ذلك أن الصحابة الكرام استحقوا النصر فقال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 123 )
لكن الله جلّت حكمته قد يمنح النصر لمن لا يستحقه لحكمة بالغة بالغة بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها ، والشاهد على ذلك هي الآية الكريمة :
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)بِنَصْرِ اللَّهِ (5)﴾
( سورة الروم)
فانتصار الروم على الفرس هو نصر تفضلي ، بل إن الصحابة الكرام أثبت لهم فرحهم بهذا النصر ، إذاً هناك نصر استحقاقي ونصر تفضلي ، أما إذا كان الفريقان المتقاتلان شاردين عن الله شروداً كبيراً لا يعرفون الله إطلاقاً ، فالذي ينتصر منهما يسمى نصره نصراً كونياً ، الذي عنده السلاح الأقوى ، السلاح الذي له دقة في الإصابة ، الإعداد الأقوى ، الحشد الأكبر هذا الذي ينتصر ، هذا نصر كوني لا علاقة للدين به إطلاقاً ، نصر بين فريقين ، لذلك قالوا : الحرب بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، وبين باطلين لا تنتهي ، لأن الله عز وجل تخلى عنهما معاً والأقوى هو الذي ينتصر ، لكن هذا الذي يموت شهيداً تأتيه رصاصة قاتلة ، أو شظية قاتلة ، أو صاروخ قاتل ، وعقيدته سليمة ، وتوحيده قوي ، وإيمانه بالله كبير ، وما قصر في حياته ، هذا الإنسان انتصر مع أنه قتل نسمي هذا النصر النصر المبدئي .
أنواع الجهاد :
لذلك أيها الأخوة ، من خطأ المسلمين أنهم إذا سمعوا كلمة جهاد لا يقفز إلى أذهانهم إلا الجهاد القتالي ، مع أن هناك أنواعاً من الجهاد تسبق الجهاد القتالي ، الجهاد الأول جهاد النفس والهوى ، وقد قال بعض الصحابة الكرام عندما عاد من غزوة : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى ".
وهناك الجهاد الدعوي فقد قال الله عز وجل :
﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾
( سورة الفرقان )
وسمى الله جهاد الدعوة جهاداً كبيراً ، وهناك جهاد بنائي حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 60 )
والذي أراه ـ وهذا موقف اجتهادي ـ أن المسلمين حينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد النفسي ، جهاد النفس والهوى ، وحينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد الدعوي ، وحينما ينجحون نجاحاً باهراً في الجهاد البنائي ، ينتظر أن ينجحوا نجاحاً باهراً أيضاً في الجهاد القتالي ، إذاً هناك أنواع للجهاد ، هناك الجهاد النفسي ، وهناك الجهاد الدعوي ، وهناك الجهاد البنائي ، ثم هناك الجهاد القتالي ، وهناك أنواع منوعة من النصر ، هناك النصر الاستحقاقي ، والنصر التفضلي ، والنصر الكوني ، والنصر المبدئي .
من ينصره الله فلا غالب له :
و ملخص الملخص أن الله عز وجل حينما قال :
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
( سورة الأنفال الآية : 10 )
وحينما قال :
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد )
وحينما قال :
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 160 )
هذه مجمل القوانين المتعلقة بالنصر الذي يحبه المؤمنون ، ويتمنونه في كل زمان ومكان .
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين