أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم اله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره إنه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده و رسوله أما بعد فأهلاً و مرحباً بكم في هذا اللقاء المبارك و أسأل الله عز و جل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين ،
أما بعد :
مع الحلقة 15 من خط الزمن و مازلنا مع قصة فلسطين :
تكلمنا عن الدولة الأموية العظيمة التي حكمت الأمة الإسلامية حوالي 92 و تكلمنا عن استلام الحكم بعد انتهاء الدولة الأموية من العباسيين و ذكرنا أن قيام الدولة العباسية كان قياماً دموياً لكن في الواقع تغيرت الأحوال كثيراً بعد هذا القيام الدموي و أصبحت الدولة العباسية من الدول العظيمة التي حكمت المسلمين فترة طويلة جداً من الزمن .
قسمنا هذه الفترة إلى فترتين رئيسيتين فترة قوة و فترة ضعف فترة القوة من 132 هـ الموافق 750 م و انتهت هذه الفترة سنة 247 هـ الموافق سنة 861 م ، تقريباً 115 سنة هجرية هي الفترة التي حكم فيها العباسيون بقوة و سيطروا على معظم المناطق التي آلت إليهم من الخلافة الأمويّة ، أريد أن أعلق تعليق معين على هذه الفترة الطويلة و أقول أنّ اهتمام العباسيين بفلسطين الحقيقة كان اهتماماً كبيراً نعم كان أقل من اهتمام الأمويين بفلسطين لأنه كما قلنا ابتعد مركز الخلافة فأضحى في بغداد بدل دمشق لكنه كان اهتماماً كبيراً لأهمية و قداسة هذه البلاد فلسطين بصفة عامة و القدس بصفة خاصة و أريد أن أقول أن اهتمام العباسيين بأرض فلسطين لكن لم يكن اهتماماً يجورون فيه على حق النصارى بل على العكس حافظوا على أملاك النصارى و العهدة العمرية و السماحة الدينية بل إن علاقات كبرى قامت بين هارون الرشيد رحمه الله -من عظماء و أفضل و أجل خلفاء الدولة العباسية و خلفاء المسلمين بصفة عامة- هذا الرجل العظيم قامت بينه علاقات دبلوماسية مباشرة مع شارلمان ملك فرنسا الّّذي كان أعظم ملوك دول أوربا النصرانية في ذلك الوقت ، قامت العلاقات الدبلوماسية و تبادلوا الكثيرمن الهدايا ، و حصل في169 هـ الموافق 786 م نوع من التواصل بين الملكين و صدر قانون و قرارين من هارون الرشيد بسبب ذلك التواصل :
و كان القرار الأول الموافقة على أن يرسل شارلمان ملك فرنسا الأموال الكثيرة من فرنسا إلى القدس لتعمير و تجديد و تحسين كل الكنائس الموجودة في القدس و على رأسها طبعاً كنيسة القيامة و هذا كان نوعاً من التسامح الديني العظيم من الدولة الإسلامية التي تقبل بزيادة الأبهة و العظمة في هذه الأبنية و تحولت حقيقة هذه الكنائس إلى قلاع و سمح المرسوم بذلك مع أن فيه خطورة أمنية و سبب بعض المشاكل عند قدوم الصليبيين و أشياء كثيرة في تاريخ الأمة الإسلامية أصبحت هذه قلاع في داخل القدس و لم يمنع المسلمون ذلك في عهد هارون الرشيد رحمه الله .
و القرار الثاني كان توفير حماية عسكرية إسلامية لكل الحجاج الّذين يأتون من أوربا -حجاج النصارى- إلى مدينة القدس حماية عسكرية منذ نزولهم أرض الساحل و إلى القدس و في العودة من القدس إلى الساحل مرة أخرى للعودة إلى بلادهم حماية عسكرية إسلامية لمنع أي نوع من الأذى لهذه الطوائف من الحجاج القادمة من أوربا إلى بلاد المسلمين .
هذه الفترة استمرت 115 و في سنة 247 هـ قتل المتوكل على الله و هو كان أحد خلفاء الدولة العباسية و آخر الخلفاء فيي عهد القوة و بدأ بعد ذلك عهد الضعف الّذي ستظهر فيه قوة مختلفةعلى الدولة العباسية كانت موجودة كصورة لكن يحكم من وراء الستار و أحياناً من أمام الستار قوى كثيرة فترة كانوا من الأتراك العسكريين اّلذين كانوا مسيطرين على الدولة العباسية و فترة كانوا البويهيين الشيعة الّذين حكموا الدولة العباسية فترة طويلة و فترة السلاجقة في كل هذه الفترات 409 سنة كانت الخلافة العباسية يا أخواني و أخواتي مجرد إسم أي أنه لا يوجد نوع من السيطرة على أملاك الدولة الإسلامية بل لم يكن هناك سيطرة على العراق ذاتها مركز الخلافة العباسية في بغداد فلم يكن هناك سيطرة على بغداد و لا القصر الّذي يعيش فيه الخليفة الّذي يحكم المسلمين في الظاهر اسم ظاهري لكن لا يمكن أن ينسب إليه أمر من أمور الأمة الإسلامية تماماً مثل ملكة انكلترا اﻵن اسمها ملكة لكن لا يعود إليها الرأي مطلقاً في أي من أمور الدولة و رئيس الوزراء يحكم نظام الدولة كله هكذا كان الأمر في عهد الدولة العباسية فلا يمكن أبداً أن نؤرخ لحياة و تاريخ المسلمين و تاريخ الدولة العباسية بتأريخ الخلفاء الّذين حكموها و هو خطأ موجود في معظم كتب التاريخ أن نؤرخ تبعاً للخليفة الّذي كان يحكم و الّذي كان من ممكن أن يكون ماجن فاسق شلرب للخمر مضيع للوقت و أمواله و نربط تتاريخ الأمة بكاملها بهذا الإنسان و ننسى أن في داخل الدولة العباسية في هذه الفترات عاش خلفاء و عظماء و أمراء و مجاهدون من المسلمين لا يمكن أبداً أن يغفل التاريخ ذكرهم أو اسمهم عاش في هذه الفترة مثلاً فترة ضعف الدولة العباسية نور الدين محمود الشهيد رحمه الله صلاح الدين الأيوبي ألب أرسلان يوسف بن تاشفين أسماء ضخمة جداً في تاريخ الأمة عاشوا في زمن ضعف الدولة العباسية و نحتاج حقيقة إلى أن نعيد كتابة التاريخ بشكل آخر يبرز أماكن القوة في تاريخنا و ليس مجرد صورة الخلافة العباسية في فترة ضعفها .
طبعاً لما ضعفت الخلافة العباسية في 247 هـ 861 م و سيطر الأتراك العسكريون على الحكم هناك كان حكماً عسكرياً جبرياً حقيقياً كان في نوع من الاضطهاد الشديد للمسلمين في بغداد و العراق و معظم المناطق التي حكمها العباسيون في ذلك الوقت و ظهر ذلك الظلم العسكري لكل المشاهدين و المتابعين للأحداث و من هنا بدأت تتفلت الولايات الكثيرة في الدولة العباسية عن حكم الدولة العباسية لأنه لم يعد هناك دولة عباسية أصبح هناك حكم العسكريين الأتراك و الحكم فيه مخالفات كثيرة و انتشرت الخمور في بغداد و في الخلافة العباسية و معقلها في العراق و انتشر الظلم و الفساد و الرشوى و الإباحية و الرقص و الأغاني . . . و أصبحت الأمور فعلاً خارجاً عن الحكم الإسلامي أعطى مسوغاً لكثير من الولايات أن تنفصل عن الخلافة العباسية الأمة التي كانت تضم المسلمين .
و من أوائل المنفصلين كان أحمد بن طولون حاكم مصر و هذا سيكون له مردود على فلسطين كما سنقول .
أحمد بن طولون كان والي الدولة العباسية على مصر و هو كان رجل اشتهر بالورع و التقوى و الجهاد في سبيل الله و كان له إسهامات كثيرة جداً إدارية و معمارية و فنية و ثقافية في داخل مصر و كان من الناس الّذين يحكمون بشكل متوازن و متميز و لما شاهد هذه الأشياء تحدث في بغداد و سقوط الحكم العباسي تحت السيطرة التركية و الفساد و الظلم . . . و رأى أن الخليفة العباسي أصبح مجرد صورة لا معنى لها بدأ يستقل بمصر عن حكم العباسيين و هو أول من انفصل عن الحكم العباسي و هذا الكلام كان في 254 هـ الموافق 868 م تقريباً بعد ضعف الدولة العباسية بسبع سنوات أو سقوط الدولةا لعباسية في الحكم التركي بسبع سنوات تقريباً ، استقل أحمد بن طولون و هو ليس عباسياً بل و ليس عربياً أبوه كان اسمه طولون و كان من اﻷتراك الّذين عاشوا في مدينة بخارى و أهدى أمير بخارى عندها كان اسمه نوح بن سامان أهدى طولون الّذي هو أبو أحمد بن طولون للمأمون حاكم الدولة العباسية في زمن القوة و ابنه أحمد بن طولن هو من ذهب إلى مصر كما قلنا و انفصل بمصر في البداية دون ان يعلن الإنفصال لكن مجرد أن يحكم مصر دون ارتباط بالدولة العباسية ثم أعلن هذا الانفصال رسمياً بل و دارت بينه و الجيوش التركية الحاكمة للدولة العباسية بعض المعارك و كان من جراء هذه المعارك ان تقدم أحمد بن طولون بجيشه و وصل إلى فلسطين و وصل إلى الشام و حارب الدولة العباسية هناك و سيطر على هذه المناطق و بذلك دخلت فلسطين في حكم الدولة الطولونية في سنة 264 هـ أي بعد 10 سنوات تقريباً من سيطرته على الحكم في مصر الموافق 877 م و بذلك تدخل فلسطين فترة جديدة من حكمها تحت حكم الدولة الطولونية .
إذاً نحن نؤرخ للدولة الطولونية في 264 و يستمر معنا ذلك فترة من الزمن تقريباً لسنة 321 هـ حوالي 57 سنة تقريباً تحت الحكم الطولوني و كانت فترة جيدة من فترات الدولة الإسلامية في فلسطين لأن أحمد بن طولون كان مشتهر بالورع و التقوى و حب المساجد و حب العلماء و كان لذلك الأمر يهتم بأرض فلسطين لقداستها و أهميتها و كان معطي مساحة كبيرة للنصارى في ألاض القدس بصفة خاصة و فلسطين بصفة عامة و اهتم بكنائس و حجاج النصارى الّذين يأتون فلسطين من أرض أوربا و أنقل لكم و ذكر المؤرخ الأمريكي تومسون في كتابه التاريخ الاقتصادي و الاجتماعي للعصور الوسطى و هذا الكتاب صدر 1928 م و هي شهادة من مؤرخ نصراني أمريكي يشهد على واقع الأمة الإسلامية في زمن الدولة الطولونية و يشهد على واقع فلسطين ينقل رسالة وجهها ثيوديوس بطريارك القدس في ذلك الوقت لبطريرك القسطنطينية في سنة 55 هـ 869 م قال فيها بالحرف الواحد :
(( إن المسلمين قوم عادلون و نحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنّت ))
و أنقل هذه الرسالة إلى كل البشر في العالم كي أقول لكم أن من مبررات و أسباب الحروب الصليبية كما ادّعوا الإضطهاد الّذي كان يمارسه المسلمون ناحية النصارى و أنا أنقل رسالة بطريارك القدس و ليس أي شخص و نقلها إلى بطريرك القسطنطينية ليس فيها نفاق أو نوع من التقيا أو تجنب الصدام هذه رسالة من تصراني لنصراني ذكر له فيها أن المسلمين قوم عادلون هذا الكلام استمر مع المسلمين تحت حكم الطولوني كما قلنا 57 سنة و انتهى 321 هـ ليبدأ عهد جديد في فلسطين هذا العهد إن شاء الله نعرفه بعد الفاصل فابقوا معنا .
* * *
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله تكلمنا عن وضع الدولة الطولونية و قلنا أنها كانت دولة عظيمة و حكمت بشكل متوازن أرض مصر و أرض فلسطين و أرض الشام بصفة عامة و هذا الكلام استمر 57 سنة و قلنا أنه انتهى حكم الدولة الطولونية سنة 321 هـ الموافق 933 م .
أعرف أنّ كثرة الأسماء و الأرقام و كثرة التواريخ يمكن أن يخطّئ المشاهدين أنصح الجميع أن يحضروا ورقة و قلم لتسجيل هذه الأحداث هذا ملخص لفترة طويلة من الزمن كنا نتكلم عن 10 ﻵف سنة و أبعد في تاريخ فلسطين و اﻵن وصلنا لسنة 933 م 321 هـ و ما زلنا سنقطع أمامنا حوالي الألف سنة لنصل إلى عهدنا المعاصر فنمر على الأحداث بشكل عابر و سريع جداً فقط نفتح أبواب و صفحات و نريد من الناس أن يبدؤوا يقرؤون و يتبحرون في تاريخ هذه الأرض المباركة فلسطين ، مجرد تذكير
سنة 321 التي هي نهاية الدولة الطولونية قامت دولة ثانية في مصر و التي هي الدولة الإخشيدية على يد محمد بن طهق الإخشيدي أيضاً من أصول تركية غير عربية و حكم مصر من سنة 321 إلى 359 هـ حوالي 38 سنة و كامتداد طبيعي بعد أن أنهى حكم مصر و السيطرة على الأمور و إسقاط الدولة الطولونية امتد مباشرة إلى أملاك الدولة الطولونية التي هي الشام و فيها فلسطين و بالفعل سيطر على فلسطين في نفس السنة التي سيطر فيها على مصر و بذلك دخلت فلسطين و الشام مع فلسطين في حكم الدولة الإخشيدية من 321 إلى 359 هـ أي 38 سنة من حكم الدولة الإخشيدية .
و أيضاً كانت من فترات فلسطين امتداد للدولة الطولونية لم تتغير طريقة الحكم بل على العكس كان هناك اهتمام كبير جداً جداً من ملوك الدولة الإخشيدية بفلسطين بصفة عامة و بالقدس بصفة خاصة لدرجة أنه لما كان يموت أحد خلفاء الدولة الإخشيدية كان يحمل ليدفن في القدس كان يموت في القاهرة فيحمل و يدفن في القدس تعظيماً لهذا المكان الجليل أرض القدس الأرض المباركة و طبعاً كان هناك اهتمام كبير جداً بالمسجد الأقصى و قبة الصخرة داخل أرض فلسطين لكن يا أخواني و أخواتي كانت هناك مشكلة كبيرة ان هذا الاهتمام الديني و هذا الاهتمام بالمظاهر و بالمسجد الأقصى و بقبة الصخرة و بالدفن هناك و تسلم مقاليد الحكم هناك و أمور كثيرة لم يصحبه اهتماماً عسكرياً مناسباً في هذه المنطقة و لم يصحبه كذلك اهتماماً تعليمياً دعوياً في هذه المنطقة كان معظم التركيز على أرض مصر ، مصر طبعاً هي مركز الدولة الطولونية و من ثم مركز الدولة الإخشيدية فكل الاهتمام كان بالعاصمة التي هي الفسطاط لم تكن القاهرة أنشئت بعد و المراكز الكبرى في مصر كالاسكندرية و دمياط و غيرها من المراكز الكبرى في ذلك الوقت و لم يكن هناك اهتمام كافي بهذه المناطق البعيدة عن المركز الّذي يحكم البلاد و منها أرض فلسطين و هو ما أورث ضعفاً في أرض فلسطين هذا الضعف لم تظهر له علامات في زمن الدولة الطولونية و الإخشيدية لأن الدولة كانت قوية لكن سقوط الدولة الإخشيدية في 359 هـ ظهر الضعف الواضح على أرض فلسطين و هو ما سيمهد لمشاكل كيبرة جداً و هو ما سنعرفه في حلقات قادمة إن شاء الله
نسأل الله عز و جل ان يعزّ الإسلام و المسلمين
و نسأل الله أن يفقهنا بسننه و أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك و القادر عليه
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
* * *